16 - (إذ) حين (يغشى السدرة ما يغشى) من طير وغيره وإذ معمولة لرآه
وقوله " إذ يغشى السدرة ما يغشى " يقول تعالى ذكره : ولقد رآه نزلة أخرى إذ يغشى السدرة ما يغشى فإذ من صلة رآه .
واختلف أهل التأويل في الذي يغشى السدرة فقال بعضهم : غشيها فراش الذهب .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمارة قال ثنا سهل بن عامر قال ثنا مالك عن الزبير بن عدي عن طلحة اليامي عن مرة عن عبد الله " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال غشيها فراش من ذهب
حدثنا أبو كريب قال : ثنا أبو خالد عن جوبير عن الضحاك عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيتها بعيني سدرة المنتهى حتى استثبتها ثم حال دونها فراش من ذهب ".
حدثنا ابن وكيع قال : ثنا أبو خالد الأحمر عن جوبير عن الضحاك عن ابن عباس " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " رأيتها حتى استثبتها ثم حال دونها فراش الذهب " .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا جرير عن مغيرة عن مجاهد وإبراهيم في قوله " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قالا : غشيها فراش من ذهب .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن موسى يعني ابن عبيدة عن يعقوب بن زيد قال : سئل النبي صلى الله عليه وسلم ما رأيت يغشى السدرة قال " رأيتها يغشاها فراش من ذهب " .
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال قيل له يا رسول الله أي شيء رأيت يغشى تلك السدرة قال " رأيتها يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا قائما يسبح الله " .
وقال آخرون : الذي غشيها رب العزة وملائكته .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي قال ثني عمي قال ثني أبي عن أبيه عن ابن عباس قوله " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال غشيها الله فرأى محمد من آيات ربه الكبرى .
حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم قال ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال ثنا ورقاء جميعاً عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال :كان أغصان السدرة لؤلؤا وياقوتا أو زبرجدا فرآها محمد ورآى محمدبقلبه ربه.
حدثنا ابن حميد قال ثنا مهران عن أبي جعفرعن الربيع "إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال :غشيها نور الرب وغشيتها الملائكة من حب الله مثل الغربان حين يقعن على الشجر .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا حكام عن أبي جعفر عن الربيع بنحوه
حدثنا علي بن سهل قال : ثنا حجاج قال ثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية الرياحي عن أبي هريرة أو غيره شك أبو جعفر قال لما اسري بالنبي صلى الله عليه وسلم انتهى إلى السدرة قال فغشيها نور الخلاق وغشيتها الملائكة أمثال الغربان حين يقعن على الشجر فكلمة عند ذلك فقال : له سل .
قوله تعالى " إذ يغشى السدرة ما يغشى " قال ابن عباس والضحاك وابن مسعود وأصحابه فراش من ذهب ورواه مرفوعا ابن مسعود وابن عباس إلى النبي صلى الله عليه وسلم . وقد تقدم في صحيح مسلم عن ابن مسعود قوله . وقال الحسن: غشيها نور رب العالمين فاستنارت . قال القشيري و"سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ما غشيها ؟ قال فراش من ذهب " "وفي خبر آخر غشيها نور من الله حتى ما يستطيع أحد أن ينظر إليها "وقال الربيع بن أنس غشيها نور الرب والملائكة تقع عليها كما يقع الغربان على الشجرة وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : رأيت السدرة يغشاها فراش من ذهب ورأيت على كل ورقة ملكا قائما يسبح الله تعالى وذلك قوله " إذ يغشى السدرة ما يغشى " ذكره المهدويوالثعلبي وقال أنس بن مالك " إذ يغشى السدرة ما يغشى" قال جراد من ذهب وقد رواه مرفوعا . وقال مجاهد إنه رفرف أخضر . و"عنه عليه السلام : يغشاها رفرف من طير خضر " وعن ابن عباس : يغشاها رب العزة أي أمره كما "في صحيح مسلم مرفوعا : فلما غشيها من أمر الله ما غشى "وقيل هو تعظيم الأمر كأنه قال : إذ يغشى السدرة ما أعلم الله به من دلائل ملكوته . وهكذا قوله تعالى " فأوحى إلى عبده ما أوحى " " والمؤتفكة أهوى * فغشاها ما غشى "ومثله " الحاقة * ما الحاقة " وقال الماوردي في معاني القرآن له : فإن قيل لم اختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر ؟ قيل لأن السدرة تختص بثلاثة أوصاف : ظل مديد وطعم لذيذ ورائحة ذكية فشابهت الإيمان الذي يجمع قولا وعملا ونية فظلها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه وطعمها بمنزلة النية لكمونه ، ورائحتها بمنزلة القول لظهوره . وروى أبو داود في سننه قال حدثنا نصر بن علي قال حدثنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن حبشي قال : "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من قطع سدرة صوب الله رأسه إلى النار " وسئل أبو داود عن معنى هذا الحديث فقال هذا الحديث مختصر يعني من قطع سدرة في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثا وظلما بغير حق يكون له فيها صوب الله رأسه إلى النار .
يقول تعالى مخبراً عن عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أنه علمه الذي جاء به إلى الناس "شديد القوى" وهو جبريل عليه الصلاة والسلام, كما قال تعالى:"إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين" وقال ههنا "ذو مرة" أي ذو قوة, قاله مجاهد والحسن وابن زيد. وقال ابن عباس: ذو منظر حسن, وقال قتادة: ذو خلق طويل حسن. ولا منافاة بين القولين فإنه عليه السلام ذو منظر حسن وقوة شديدة. وقد ورد في الحديث الصحيح من رواية ابن عمر وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي" وقوله تعالى: "فاستوى" يعني جبريل عليه السلام, قاله الحسن ومجاهد وقتادة والربيع بن أنس "وهو بالأفق الأعلى" يعني جبريل استوى في الأفق الأعلى, قاله عكرمة وغير واحد. قال عكرمة: والأفق الأعلى الذي يأتي منه الصبح. وقال مجاهد هو مطلع الشمس. وقال قتادة: هو الذي يأتي منه النهار, وكذا قال ابن زيد وغيرهم.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة, حدثنا مصرف بن عمرو اليامي أبو القاسم, حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن طلحة بن مصرف, حدثني أبي عن الوليد هو ابن قيس عن إسحاق بن أبي الكهتلة, أظنه ذكره عن عبد الله بن مسعود, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ير جبريل في صورته إلا مرتين: أما واحدة فإنه سأله أن يراه في صورته فسد الأفق. وأما الثانية فإنه كان معه حيث صعد فذلك قوله: "وهو بالأفق الأعلى" وقد قال ابن جرير ههنا قولاً لم أره لغيره, ولا حكاه هو عن أحد وحاصله أنه ذهب إلى أن المعنى فاستوى أي هذا الشديد القوي ذو المرة هو ومحمد صلى الله عليه وسلم بالأفق الأعلى, أي استويا جميعاً بالأفق الأعلى وذلك ليلة الإسراء, كذا قال ولم يوافقه أحد على ذلك, ثم شرع يوجه ما قاله من حيث العربية فقال وهو كقوله: " أإذا كنا ترابا وآباؤنا " فعطف بالاباء على المكنى في كنا من غير إظهار نحن فكذلك قوله فاستوى وهو, قال وذكر الفراء عن بعض العرب أنه أنشده:
ألم تر أن النبع يصلب عوده ولا يستوي والخروع المتقصف
وهذا الذي قاله من جهة العربية متجه, ولكن لا يساعده المعنى على ذلك, فإن هذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء بل قبلها, ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض, فهبط عليه جبريل عليه السلام وتدلى إليه فاقترب منه وهو على الصورة التي خلقه الله عليها, له ستمائة جناح ثم رآه بعد ذلك نزلة أخرى عند سدرة المنتهى يعني ليلة الإسراء, وكانت هذه الرؤية الأولى في أوائل البعثة بعدما جاءه جبريل عليه السلام أول مرة, فأوحى الله إليه صدر سورة اقرأ, ثم فتر الوحي فترة ذهب النبي صلى الله عليه وسلم فيها مراراً ليتردى من رؤوس الجبال. فكلما هم بذلك ناداه جبريل من الهواء, يا محمد أنت رسول الله حقاً وأنا جبريل, فيسكن لذلك جأشه وتقر عينه, وكلما طال عليه الأمر عاد لمثلها حتى تبدى له جبريل ورسول الله صلى الله عليه وسلم بالأبطح في صورته التي خلقه الله عليها, له ستمائة جناح قد سد عظم خلقه الأفق, فاقترب منه وأوحى إليه عن الله عز وجل ما أمره به, فعرف عند ذلك عظمة الملك الذي جاءه بالرسالة وجلالة قدره وعلو مكانته عند خالقه الذي بعثه إليه.
فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو بكر البزار في مسنده حيث قال: حدثنا سلمة بن شبيب, حدثنا سعيد بن منصور, حدثنا الحارث بن عبيد عن أبي عمران الجوني عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بينا أنا قاعد إذ جاء جبريل عليه السلام فوكز بين كتفي, فقمت إلى شجرة فيها كوكري الطير فقعد في أحدهما وقعدت في الاخر. فسمت وارتفعت حتى سدت الخافقين, وأنا أقلب طرفي, ولو شئت أن أمس السماء لمسست, فالتفت إلي جبريل كأنه جلس لاطىء فعرفت فضل علمه بالله علي. وفتح لي باب من أبواب السماء ورأيت النور الأعظم, وإذا دون الحجاب رفرفة الدر والياقوت. وأوحي إلي ما شاء الله أن يوحي" ثم قال البزار: لا يرويه إلا الحارث بن عبيد, وكان رجلاً مشهوراً من أهل البصرة.
(قلت) الحارث بن عبيد هذا هو أبو قدامة الأيادي أخرج له مسلم في صحيحه إلا أن ابن معين ضعفه, وقال: ليس هو بشيء, وقال الإمام أحمد: مضطرب الحديث. وقال أبو حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال ابن حيان: كثر وهمه فلا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد, فهذا الحديث من غرائب رواياته, فإن فيه نكارة وغرابة ألفاظ وسياقاً عجيباً ولعله منام, والله أعلم. وقال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, حدثنا شريك عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله أنه قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح, كل جناح منها قد سد الأفق, يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم. انفرد به أحمد. وقال أحمد: حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا أبو بكر بن عياش عن إدريس بن منبه عن وهب بن منبه عن ابن عباس قال: سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أن يراه في صورته فقال: ادع ربك, فدعا ربه عز وجل فطلع عليه سواد من قبل المشرق فجعل يرتفع وينتشر, فلما رآه النبي صلى الله عليه وسلم صعق فأتاه فنعشه ومسح البزاق عن شدقه, تفرد به أحمد.
وقد رواه ابن عساكر في ترجمة عتبة بن أبي لهب من طريق محمد بن إسحاق عن عثمان بن عروة بن الزبير عن أبيه عن هبار بن الأسود قال: كان أبو لهب وابنه عتبة قد تجهزا إلى الشام فتجهزت معهما, فقال ابنه عتبة: والله لأنطلقن إلى محمد ولاذينه في ربه سبحانه وتعالى, فانطلق حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد هو يكفر بالذي دنى فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم سلط عليه كلباً من كلابك" ثم انصرف عنه فرجع إلى أبيه فقال: يا بني ما قلت له, فذكر له ما قاله, فقال: فما قال لك ؟ قال: قال: "اللهم سلط عليه كلباً من كلابك" قال: يا بني والله ما آمن عليك دعاءه, فسرنا حتى نزلنا الشراة وهي مأسدة ونزلنا إلى صومعة راهب فقال الراهب: يا معشر العرب, ما أنزلكم هذه البلاد فإنها يسرح الأسد فيها كما تسرح الغنم. فقال لنا أبو لهب: إنكم قد عرفتم كبر سني وحقي, وإن هذا الرجل قد دعا على ابني دعوة, والله ما آمنها عليه, فاجمعوا متاعكم إلى هذه الصومعة وافرشوا لابني عليها ثم افرشوا حولها, ففعلنا فجاء الأسد فشم وجوهنا فلما لم يجد ما يريد تقبض فوثب وثبة فإذا هو فوق المتاع, فشم وجهه ثم هزمه هزمةً ففسخ رأسه فقال أبو لهب: قد عرفت أنه لا ينفلت عن دعوة محمد.
وقوله تعالى: "فكان قاب قوسين أو أدنى" أي فاقترب جبريل إلى محمد لما هبط عليه إلى الأرض حتى كان بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم قاب قوسين, أي بقدرهما إذا مدا, قاله مجاهد وقتادة وقد قيل إن المراد بذلك بعد ما بين وتر القوس إلى كبدها. وقوله تعالى: "أو أدنى" قد تقدم أن هذه الصيغة تستعمل في اللغة لإثبات المخبر عنه ونفي ما زاد عليه كقوله تعالى: "ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة" أي ما هي بألين من الحجارة, بل هي مثلها أو تزيد عليها في الشدة والقسوة وكذا قوله: "يخشون الناس كخشية الله أو أشد خشية" وقوله: "وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون" أي ليسوا أقل منها بل هم مائة ألف حقيقة أو يزيدون عليها. فهذا تحقيق للمخبر به لا شك ولا تردد فإن هذا ممتنع وهكذا ههنا هذه الاية "فكان قاب قوسين أو أدنى" وهذا الذي قلناه من أن هذا المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى الله تعالى عليه وسلم إنما هو جبريل عليه السلام, وهو قول أم المؤمنين عائشة وابن مسعود وأبي ذر وأبي هريرة, كما سنورد أحاديثهم قريباً إن شاء الله تعالى.
وروى مسلم في صحيحه عن ابن عباس أنه قال: رأى محمد ربه بفؤاده مرتين فجعل هذه إحداهما, وجاء في حديث شريك بن أبي نمر عن أنس في حديث الإسراء: ثم دنا الجبار رب العزة فتدلى, ولهذا قد تكلم كثير من الناس في متن هذه الرواية وذكروا أشياء فيها من الغرابة, فإن صح فهو محمول على وقت آخر وقصة أخرى, لا أنها تفسير لهذه الاية فإن هذه كانت ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض لا ليلة الإسراء, ولهذا قال بعده: " ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى " فهذه هي ليلة الإسراء والأولى كانت في الأرض.
وقد قال ابن جرير: حدثنا محمد بن عبد الملك بن أبي الشوارب, حدثنا عبد الواحد بن زياد, حدثنا سليمان الشيباني, حدثنا زر بن حبيش قال: قال عبد الله بن مسعود في هذه الاية "فكان قاب قوسين أو أدنى" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جبريل له ستمائة جناح".
وقال ابن وهب: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان أول شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبريل بأجياد, ثم إنه خرج ليقضي حاجته فصرخ به جبريل: يا محمد يا محمد! فنظر رسول الله يميناً وشمالاً فلم ير أحداً ثلاثاً, ثم رفع بصره فإذا هو ثاني إحدى رجليه مع الأخرى على أفق السماء فقال يا محمد جبريل يسكنه. فهرب النبي صلى الله عليه وسلم حتى دخل في الناس, فنظر فلم ير شيئاً, ثم خرج من الناس ثم نظر فرآه فدخل في الناس فلم ير شيئاً, ثم خرج فنظر فرآه, فذلك قول الله عز وجل " والنجم إذا هوى * ما ضل صاحبكم وما غوى * وما ينطق عن الهوى * إن هو إلا وحي يوحى * علمه شديد القوى * ذو مرة فاستوى * وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى " يعني جبريل إلى محمد عليهما الصلاة والسلام "فكان قاب قوسين أو أدنى" ويقولون: القاب نصف أصبع, وقال بعضهم: ذراعين كان بينهما, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث ابن وهب به وفي حديث الزهري عن أبي سلمة عن جابر شاهداً لهذا. وروى البخاري عن طلق بن غنام عن زائدة عن الشيباني قال: سألت زراً عن قوله: "فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى" قال: حدثنا عبد الله أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى جبريل له ستمائة جناح.
وقال ابن جرير: حدثني ابن بزيع البغدادي, حدثنا إسحاق بن منصور, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله "ما كذب الفؤاد ما رأى" قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه حلتا رفرف قد ملأ ما بين السماء والأرض, فعلى ما ذكرناه يكون قوله: "فأوحى إلى عبده ما أوحى" معناه فأوحى جبريل إلى عبد الله محمد ما أوحى, أو فأوحى الله إلى عبده محمد ما أوحى بواسطة جبريل, وكلا المعنيين صحيح. وقد ذكر عن سعيد بن جبير في قوله: "فأوحى إلى عبده ما أوحى" قال: أوحى الله إليه " ألم يجدك يتيما " " ورفعنا لك ذكرك " وقال غيره: أوحى الله إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها, وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك.
وقوله تعالى: "ما كذب الفؤاد ما رأى * أفتمارونه على ما يرى" قال مسلم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا وكيع, حدثنا الأعمش عن زياد بن حصين عن أبي العالية عن ابن عباس "ما كذب الفؤاد ما رأى" "ولقد رآه نزلة أخرى" قال: رآه بفؤاده مرتين, وكذا رواه سماك عن عكرمة عن ابن عباس مثله, وكذا قال أبو صالح والسدي وغيرهما: إنه رآه بفؤاده مرتين, وقد خالفه ابن مسعود وغيره. وفي رواية عنه أنه أطلق الرؤية وهي محمولة على المقيدة بالفؤاد, ومن روى عنه بالبصر فقد أغرب فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة رضي الله عنهم, وقول البغوي في تفسيره وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه وهو قول أنس والحسن وعكرمة فيه نظر والله أعلم.
وقال الترمذي: حدثنا محمد بن عمرو بن المنهال بن صفوان, حدثنا يحيى بن كثير العنبري عن سلمة بن جعفر عن الحكم بن أبان عن عكرمة عن ابن عباس قال: رأى محمد ربه, قلت: أليس الله يقول: "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" قال: ويحك ذاك إذا تجلى بنوره الذي هو نوره, وقد رأى ربه مرتين. ثم قال: حسن غريب. وقال أيضاً: حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا سفيان عن مجالد عن الشعبي قال: لقي ابن عباس كعباً بعرفة فسأله عن شيء فكبر حتى جاوبته الجبال, فقال ابن عباس: إنا بنو هاشم, فقال كعب: إن الله قسم رؤيته وكلامه بين محمد وموسى, فكلم موسى مرتين ورآه محمد مرتين, وقال مسروق: دخلت على عائشة فقلت: هل رأى محمد ربه, فقالت: لقد تكلمت بشيء قف له شعري فقلت: رويداً, ثم قرأت "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" فقالت: أين يذهب بك إنما هو جبريل, من أخبرك أن محمداً رأى ربه أو كتم شيئاً مما أمر به أو يعلم الخمس التي قال الله تعالى: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث" فقد أعظم على الله الفرية ولكنه رأى جبريل, لم يره في صورته إلا مرتين: مرة عند سدرة المنتهى, ومرة في أجياد وله ستمائة جناح قد سد الأفق.
وقال النسائي: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس قال: أتعجبون أن تكون الخلة لإبراهيم والكلام لموسى والرؤية لمحمد عليهم الصلاة والسلام ؟ وفي صحيح مسلم عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: هل رأيت ربك ؟ فقال: "نور أنى أراه" وفي رواية "رأيت نوراً" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج, حدثنا أبو خالد عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب قال: قالوا: يا رسول الله رأيت ربك ؟ قال: "رأيته بفؤادي مرتين" ثم قرأ "ما كذب الفؤاد ما رأى" ورواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن موسى بن عبيدة عن محمد بن كعب عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قلنا يا رسول الله هل رأيت ربك ؟ قال: "لم أره بعيني ورأيته بفؤادي مرتين" ثم تلا " ثم دنا فتدلى ".
ثم قال ابن أبي حاتم: وحدثنا الحسن بن محمد بن الصباح, حدثنا محمد بن عبد الله الأنصاري, أخبرني عباد بن منصور قال: سألت عكرمة عن قوله: "ما كذب الفؤاد ما رأى" فقال عكرمة: تريد أن أخبرك أنه قد رآه, قلت نعم, قال: قد رآه ثم قد رآه, قال: فسألت عنه الحسن فقال: قد رأى جلاله وعظمته ورداءه, وحدثنا أبي, حدثنا محمد بن مجاهد, حدثنا أبو عامر العقدي, أخبرنا أبو خلدة عن أبي العالية قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك ؟ قال: "رأيت نهراً ورأيت وراء النهر حجاباً, ورأيت وراء الحجاب نوراً لم أر غيره" وذلك غريب جداً, فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا أسود بن عامر, حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي عز وجل" فإنه حديث إسناده على شرط الصحيح, لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه الإمام أحمد أيضاً: حدثنا عبد الرزاق, حدثنا معمر عن أيوب عن أبي قلابة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتاني ربي الليلة في أحسن صورة ـ أحسبه يعني في النوم ـ فقال: يا محمد أتدري فيم يختصم الملأ الأعلى, قال: قلت لا, فوضع يده بين كتفي حتى وجدت بردها بين ثديي ـ أو قال نحري ـ فعلمت ما في السموات وما في الأرض. ثم قال: يا محمد, هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى, قال: قلت نعم, يختصمون في الكفارات والدرجات, قال: وما الكفارات ؟ قال: قلت المكث في المساجد بعد الصلوات, والمشي على الأقدام إلى الجماعات, وإبلاغ الوضوء في المكاره, من فعل ذلك عاش بخير ومات بخير, وكان من خطيئته كيوم ولدته أمه, وقال: قل يا محمد إذا صليت اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين, وإذا أردت بعبادك فتنة أن تقبضني إليك غير مفتون قال: والدرجات بذل الطعام وإفشاء السلام, والصلاة بالليل والناس نيام" وقد تقدم في آخر سورة ص عن معاذ نحوه.
وقد رواه ابن جرير من وجه آخر عن ابن عباس وفيه سياق آخر وزيادة غريبة فقال: حدثني أحمد بن عيسى التميمي, حدثني سليمان بن عمر بن سيار, حدثني أبي عن سعيد بن زربي عن عمر بن سليمان, عن عطاء عن ابن عباس قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "رأيت ربي في أحسن صورة فقال لي: يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت لا يارب, فوضع يده بين كتفي فوجدت بردها بين ثديي, فعلمت ما في السموات والأرض فقلت يا رب في الدرجات والكفارات, ونقل الأقدام إلى الجماعات, وانتظار الصلاة بعد الصلاة, فقلت يا رب إنك اتخذت إبراهيم خليلاً وكلمت موسى تكليماً وفعلت وفعلت فقال ألم أشرح لك صدرك ؟ ألم أضع عنك وزرك ؟ ألم أفعل بك ألم أفعل بك ؟ قال فأفضى إلي بأشياء لم يؤذن لي أن أحدثكموها قال فذاك قوله في كتابه: " ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى * ما كذب الفؤاد ما رأى " فجعل نور بصري في فؤادي فنظرت إليه بفؤادي" إسناده ضعيف وقد ذكر الحافظ ابن عساكر بسنده إلى هبار بن الأسود رضي الله عنه أن عتبة بن أبي لهب لما خرج في تجارة إلى الشام قال لأهل مكة اعلموا أني كافر بالذي دنا فتدلى, فبلغ قوله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: سلط الله عليه كلباً من كلابه. قال هبار: فكنت معهم فنزلنا بأرض كثيرة الأسد, قال فلقد رأيت الأسد جاء فجعل يشم رؤوس القوم واحداً واحداً حتى تخطى إلى عتبة فاقتطع رأسه من بينهم. وذكر ابن إسحاق وغيره في السيرة أن ذلك كان بأرض الزرقاء وقيل بالسراة, وأنه خالف ليلتئذ, وأنهم جعلوه بينهم وناموا من حوله فجاء الأسد فجعل يزأر ثم تخطاهم إليه فضغم رأسه لعنه الله.
وقوله تعالى: "ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى" هذه هي المرة الثانية التي رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها جبريل على صورته التي خلقه الله عليها وكانت ليلة الإسراء. وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الإسراء بطرقها وألفاظها في أول سورة سبحان بما أغنى عن إعادته ههنا, وتقدم أن ابن عباس رضي الله عنهما كان يثبت الرؤية ليلة الإسراء ويستشهد بهذه الاية, وتابعه جماعة من السلف والخلف, وقد خالفه جماعات من الصحابة رضي الله عنهم والتابعين وغيرهم, وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى, حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم بن بهدلة عنزر بن حبيش عن ابن مسعود في هذه الاية "ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى" قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت جبريل وله ستمائة جناح ينتثر منه ريش التهاويل من الدر والياقوت" وهذا إسناد جيد قوي, وقال أحمد أيضاً: حدثنا يحيى بن آدم, حدثنا شريك عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل عن عبد الله قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته وله ستمائة جناح, كل جناح منها قد سد الأفق, يسقط من جناحه من التهاويل من الدر والياقوت ما الله به أعلم. إسناده حسن أيضاً.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا زيد بن الحباب, حدثني حسين, حدثني عاصم بن بهدلة قال, سمعت شقيق بن سلمة يقول: سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "رأيت جبريل على سدرة المنتهى وله ستمائة جناح" سألت عاصماً عن الأجنحة فأبى أن يخبرني, قال فأخبرني بعض أصحابه أن الجناح ما بين المشرق والمغرب, وهذا أيضاً إسناد جيد. وقال أحمد: حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا حسين, حدثنا عاصم بن بهدلة حدثني شقيق بن سلمة قال: سمعت ابن مسعود يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أتاني جبريل عليه السلام في خضر معلق به الدر" إسناده جيد أيضاً. وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى عن إسماعيل, حدثنا عامر قال: أتى مسروق عائشة فقال يا أم المؤمنين هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل ؟ قالت: سبحان الله لقد قف شعري لما قلت, أين أنت من ثلاث من حدثكهن فقد كذب: من حدثك أن محمداً رأى ربه فقد كذب ثم قرأت "لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار" "وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحياً أو من وراء حجاب" ومن أخبرك أنه يعلم ما في غد فقد كذب ثم قرأت "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما في الأرحام" الاية. ومن أخبرك أن محمداً قد كتم فقد كذب, ثم قرأت "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك" ولكنه رأى جبريل في صورته مرتين.
وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن مسروق قال: كنت عند عائشة فقلت: أليس الله يقول: "ولقد رآه بالأفق المبين" "ولقد رآه نزلة أخرى" فقالت: أنا أول هذه الأمة سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "إنما ذاك جبريل" لم يره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين, رآه منهبطاً من السماء إلى الأرض ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض, أخرجاه في الصحيحين من حديث الشعبي به.
(رواية أبي ذر) قال الإمام أحمد: حدثنا عفان حدثنا همام: حدثنا قتادة عن عبد الله بن شقيق قال: قلت لأبي ذر لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته. قال: وما كنت تسأله ؟ قال: كنت أسأله هل رأى ربه عز وجل ؟ فقال: إني قد سألته فقال: "قد رأيته نوراً أنى أراه" هكذا وقع في رواية الإمام أحمد وقد أخرجه مسلم من طريقين بلفظين فقال: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة, حدثنا وكيع عن يزيد بن إبراهيم عن قتادة عن عبد الله بن شقيق عن أبي ذر قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم هل رأيت ربك ؟ فقال: "نور أنى أراه". وقال حدثنا محمد بن بشار, حدثنا معاذ بن هشام, حدثنا أبي عن قتادة عن عبد الله بن شقيق قال قلت لأبي ذر: لو رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لسألته. فقال: عن أي شيء تسأله ؟ قال: كنت أسأله هل رأيت ربك ؟ قال أبو ذر: قد سألته فقال "رأيت نوراً" وقد حكى الخلال في علله أن الإمام أحمد سئل عن هذا الحديث فقال: مازلت منكراً له وما أدري ما وجهه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عمرو بن عون الواسطي, أخبرنا هشيم عن منصور عن الحكم عن إبراهيم عن أبيه عن أبي ذر قال: رآه بقلبه ولم يره بعينه, وحاول ابن خزيمة أن يدعي انقطاعه بين عبد الله بن شقيق وبين أبي ذر, وأما ابن الجوزي فتأوله على أن أبا ذر لعله سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسراء فأجابه بما أجابه به, ولو سأله بعد الإسراء لأجابه بالإثبات, وهذا ضعيف جداً, فإن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قد سألت عن ذلك بعد الإسراء ولم يثبت لها الرؤية, ومن قال إنه خاطبها على قدر عقلها أو حاول تخطئتها فيما ذهبت إليه كابن خزيمة في كتاب التوحيد, فإنه هو المخطىء والله أعلم. وقال النسائي: حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشام عن منصور عن الحكم عن يزيد بن شريك عن أبي ذر قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ربه بقلبه ولم يره ببصره. وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن علي بن مسهر, عن عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء بن أبي رباح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال في قوله تعالى: "ولقد رآه نزلة أخرى" قال رأى جبريل عليه السلام.
وقال مجاهد في قوله: "ولقد رآه نزلة أخرى" قال: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته مرتين, وكذا قال قتادة والربيع بن أنس وغيرهم. وقوله تعالى: "إذ يغشى السدرة ما يغشى" قد تقدم في أحاديث الإسراء أنه غشيتها الملائكة مثل الغربان وغشيها نور الرب وغشيتها ألوان ما أدري ما هي ؟ وقال الإمام أحمد: حدثنا مالك بن مغول, حدثنا الزبير بن عدي عن طلحة عن مرة عن عبد الله هو ابن مسعود قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى به إلى سدرة المنتهى وهي في السماء السابعة إليها ينتهي ما يعرج به من الأرض, فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها "إذ يغشى السدرة ما يغشى" قال فراش من ذهب, قال: وأعطي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً: أعطي الصلوات الخمس, وأعطي خواتيم سورة البقرة, وغفر لمن لا يشرك بالله شيئاً من أمته المقحمات. انفرد به مسلم. وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع عن أبي العالية عن أبي هريرة أو غيره ـ شك أبو جعفر ـ قال: لما أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى إلى السدرة, فقيل له إن هذه السدرة, فغشيها نور الخلاق وغشيتها الملائكة مثل الغربان حين يقعن على الشجر, وقال فكلمه عند ذلك فقال له سل. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد "إذ يغشى السدرة ما يغشى" قال كان أغصان السدرة لؤلؤاً وياقوتاً وزبرجداً, فرآها النبي صلى الله عليه وسلم ورأى ربه بقلبه, وقال ابن زيد قيل: يا رسول الله أي شيء رأيت يغشى تلك السدرة ؟ قال: "رأيت يغشاها فراش من ذهب, ورأيت على كل ورقة من ورقها ملكاً قائماً يسبح الله عز وجل".
وقوله تعالى: "ما زاغ البصر وما طغى" قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما ذهب يميناً ولا شمالاً "وما طغى" ما جاوز ما أمر به, وهذه صفة عظيمة في الثبات والطاعة فإنه ما فعل إلا ما أمر به ولا سأل فوق ما أعطي, وما أحسن ما قال الناظم:
رأى جنة المأوى وما فوقها ولو رأى غيره ما قد رآه لتاها
وقوله تعالى: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" كقوله: "لنريك من آياتنا الكبرى" أي الدالة على قدرتنا وعظمتنا, وبهاتين الايتين استدل من ذهب من أهل السنة أن الرؤية تلك الليلة لم تقع لأنه قال: "لقد رأى من آيات ربه الكبرى" ولو كان رأى ربه لأخبر بذلك ولقال ذلك للناس, وقد تقدم تقرير ذلك في سورة سبحان. وقد قال الإمام أحمد: حدثنا أبو النضر, حدثنا محمد بن طلحة عن الوليد بن قيس عن إسحاق بن أبي الكهتلة قال محمد أظنه عن ابن مسعود أنه قال: إن محمداً لم ير جبريل في صورته إلا مرتين: أما مرة فإنه سأله أن يريه نفسه في صورته فأراه صورته فسد الأفق, وأما الأخرى فإنه صعد معه حين صعد به, وقوله: " وهو بالأفق الأعلى * ثم دنا فتدلى * فكان قاب قوسين أو أدنى * فأوحى إلى عبده ما أوحى " فلما أحس جبريل ربه عز وجل عاد في صورته وسجد, فقوله: "ولقد رآه نزلة أخرى * عند سدرة المنتهى * عندها جنة المأوى * إذ يغشى السدرة ما يغشى * ما زاغ البصر وما طغى * لقد رأى من آيات ربه الكبرى" قال: خلق جبريل عليه السلام, وهكذا رواه أحمد وهو غريب.
16- "إذ يغشى السدرة ما يغشى" العامل في الظرف رآه أيضاً، وهو ظرف زمان، والذي قبله ظرف مكان، والغشيان بمعنى التغطية والستر، وبمعنى الإتيان يقال: فلان يغشاني كل حين: أي أتيني، وفي الإبهام في قوله: "ما يغشى" من التفخيم ما لا يخفى، وقيل يغشاها جراد من ذهب، وقيل طوائف من الملائكة. وقال مجاهد: رفرف أخضر، وقيل رفرف من طيور خضر، وقيل غشيها أمر الله، والمجيء بالمضارع لحكاية الحال الماضية استحضاراً للصورة البديعة، أو للدلالة على الاستمرار التجددي.
16. " إذ يغشى السدرة ما يغشى "، قال ابن مسعود: فراش من ذهب.
وروينا في حديث المعراج عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ثم ذهب بي إلى سدرة المنتهى فإذا ورقها كآذان الفيلة، وإذا ثمرها كالقلال، فلما غشى من أمر الله ما غشى تغيرت، فما أحد من خلق الله يستطيع أن ينعتها من حسنها، وأوحى إلي ما أوحي ففرض علي خمسين صلاة في كل يوم وليلة ".
وقال مقاتل: تغشاها الملائكة أمثال الغربان وقال السدي : من الطيور. وروي عن أبي العالية عن أبي هريرة رضي الله عنه أو غيره قال: غشيها نور الخلائق وغشيتها الملائكة من حب الله أمثال الغربان، حين يقعن على الشجرة. قال: فكلمه عند ذلك، فقال له: سل. وعن الحسن قال: غشيتها نور رب العزة فاستنارت. ويروى في الحديث: (( رأيت على كل ورقة منها ملكاً قائماً يسبح الله تعالى )).
16-" إذ يغشى السدرة ما يغشى " تعظيم وتكثير لما يغشاها بحيث لا يكتنهها نعت ولا يحصيها عد ، وقيل يغشاها الجم الغفير من الملائكة يعبدون الله عندها .
16. When that which shroudeth did enshroud the lote tree,
16 - Behold, the Lote tree was shrouded (in mystery unspeakable!)