16 - (ومنهم) أي الكفار (من يستمع إليك) في خطبة الجمعة وهم المنافقون (حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم) لعلماء الصحابة منهم ابن مسعود وابن عباس استهزاء وسخرية (ماذا قال آنفا) بالمد والقصر أي الساعة أي لا نرجع إليه (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم) بالكفر (واتبعوا أهواءهم) في النفاق
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال كان المؤمنون والمنافقون يجتمعون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع المؤمنون منهم ما يقول ويعونه ويسمعه المنافقون فلا يعونه فإذا خرجوا سألوا المؤمنين ماذا قال آنفا فنزلت ومنهم من يستمع إليك الآية
يقول تعالى ذكره : ومن هؤلاءالكفار يا محمد " من يستمع إليك " وهو المنافق ، فيستمع ما تقول فلا يعيه ولا يفهمه ، تهاوناً منه بما تتلو عليه من كتاب ربك ، وتغافلاً عما تقوله ، وتدعو إليه من الإيمان " حتى إذا خرجوا من عندك " قالوا إعلاماً منهم لمن حضر معهم مجلسك من أهل العلم بكتاب الله ، وتلاوتك عليهم ما تلوت ، وقيلك لهم ما قلت إنه لن يصغوا أسماعهم لقولك وتلاوتك " ماذا قال " لنا محمد " آنفاً " ؟
وبنحو الذي قلنا قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة قوله " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك " هؤلاء المنافقون دخل رجلان : رجل ممن عقل عن الله وانتفع لما سمع ورجل لم يعقل عن الله فلم ينتفع بما سمع ، كان يقال : الناس ثلاثة : فسامع عامل ، وسامع غافل ، وسامع تارك .
حدثنا ابن عبد الاعلى قال : ثنا ابن ثور عن معمر عن قتادة " ومنهم من يستمع إليك " قال هم المنافقون . وكان يقال : الناس ثلاثة : سامع فعامل ، وسامع فغافل ، وسامع فتارك .
حدثنا أبو كريب قال : ثنا يحيى بن آدم قال : ثنا شريك عن عثمان أبي اليقظان عن يحيى ين الجزا أو سعيد بن جبير عن ابن عباس : أنا منهم ، وقد سئلت فيمن سئل .
حدثنا يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله " ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك " ...إلى آخر الآية ، قال : هؤلاء المنافقون ، والذين أوتوا العلم : الصحابة رضي الله عنهم .
وقوله " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم " يقول تعالى ذكره : هؤلاء الذين هذه صفتهم هم القوم الذين ختم الله على قلوبهم فهم لا يهتدون للحق الذي بعث الله به رسوله عليه الصلاة والسلام ، " واتبعوا أهواءهم " يقول : ورفضوا أمر الله ، واتبعوا ما دعتهم إليه أنفسهم ، فهم لا يرجعو مما هم عليه إلى حقيقة ولا برهان ، وسوى جل ثناؤه بين صفة هؤلاء المنافقين وبين المشركين ، في أن جميعهم إنما يتبعون فيما هم عليه من فراقهم دين الله الذي ابتعث به محمداً صلى الله عليه وسلم أهواءهم ، فقال في هؤلاء المنافقين " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم " وقال في أهل الكفر به من أهل الشرك : " كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهواءهم " التوبة:37
قوله تعالى : " ومنهم من يستمع إليك " أي من هؤلاء الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام ، وزين لهم سوء عملهم قوم يستمعون إليك وهم المنافقون ، عبد الله بن أبي ابن سلول ورفاعة بن التابوت وزيد بن الصليت والحارث بن عمرو ومالك بن دخشم ، كانوا يحضرون الخطبة يوم الجمعة فإذا سمعوا ذكر المنافقين فيها أعرضوا عنه ، فإذا خرجوا سألوا عنه ، قاله الكلبي و مقاتل ، وقيل : كانوا يحضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم مع المؤمنين ، فيستمعون منه ما يقول ، فيعيه المؤمن ولا يعيه الكافر ، " حتى إذا خرجوا من عندك " أي إذا فارقوا مجلسك ، " قالوا للذين أوتوا العلم " قال عكرمة ، هو عبد الله بن العباس ، قال ابن عباس : كنت ممن يسأل ، أي كنت من الذين أوتوا العلم ، وفي رواية عن ابن عباس : أنه يريد عبد الله بن مسعود ، وكذا قال عبد الله بن بريدة ، هو عبد الله بن مسعود ، وقال القاسم بن عبد الرحمن : هو أبو الدرداء ، وقال ابن زيد : إنهم الصحابة " ماذا قال آنفا " أي الآن ، على جهة الاستهزاء ، أي أنا لم ألتفت إلى قوله ، و( آنفاً ) يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات إليك ، من قولك ، استأنفت الشيء إذا ابتدأت به ومنه أمر أنف ، وروضة أنف ، أي لم يرعها أحد ، وكأس أنف : إذا لم يشرب منها شيء ، كأنه استؤنف شربها مثل روضة أنف ، قال الشاعر :
ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع
وقال آخر :
إن الشواء والنشيل والرغف والقينة الحسناء والكأس الأنف
للطاعنين الخيل والخيل قطف
وقال امرؤ القيس :
قد غدا يحملني في أنفه
أي في أوله ، وأنف كل شيء أوله ، وقال قتادة في هؤلاء المنافقين : الناس رجلان : رجل عقل عن الله فانتفع بما سمع ، ورجل لم يعقل ولم ينتفع بما سمع ، وكان يقال : الناس ثلاثة : فسامع عامل ، وسامع عاقل ، وسامع غافل تارك .
قوله تعالى : " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم " فلم يؤمنوا . " واتبعوا أهواءهم " في الكفر .
يقول تعالى مخبراً عن المنافقين في بلادتهم وقلة فهمهم, حيث كانوا يجلسون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ويستمعون كلامه فلا يفهمون منه شيئاً فإذا خرجوا من عنده "قالوا للذين أوتوا العلم" من الصحابة رضي الله عنهم "ماذا قال آنفاً" أي الساعة. لا يعقلون ما قال ولا يكترثون له. قال الله تعالى: "أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم" أي فلا فهم صحيح ولا قصد صحيح. ثم قال عز وجل: "والذين اهتدوا زادهم هدى" أي والذين قصدوا الهداية وفقهم الله تعالى لها فهداهم إليها وثبتهم عليها وزادهم منها "وآتاهم تقواهم" أي ألهمهم رشدهم. وقوله تعالى: "فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة" أي وهم غافلون عنها "فقد جاء أشراطها" أي أمارات اقترابها كقوله تبارك وتعالى: " هذا نذير من النذر الأولى * أزفت الآزفة " وكقوله جلت عظمته: "اقتربت الساعة وانشق القمر" وقوله سبحانه وتعالى: "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" وقوله جل وعلا: "اقترب للناس حسابهم وهم في غفلة معرضون" فبعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة, لأنه خاتم الرسل الذي أكمل الله تعالى به الدين وأقام به الحجة على العالمين.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأمارات الساعة وأشراطها وأبان عن ذلك وأوضحه بما لم يؤته نبي قبله, كما هو مبسوط في موضعه. وقال الحسن البصري: بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من أشراط الساعة وهو كما قال ولهذا جاء في أسمائه صلى الله عليه وسلم أنه نبي التوبة ونبي الملحمة, والحاشر الذي يحشر الناس على قدميه, والعاقب الذي ليس بعده نبي.
وقال البخاري: حدثنا أحمد بن المقدام, حدثنا فضيل بن سليمان, حدثنا أبو حازم, حدثنا سهل بن سعد رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال بأصبعيه هكذا بالوسطى والتي تليها "بعثت أنا والساعة كهاتين" ثم قال تعالى: "فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم" أي فكيف للكافرين بالتذكر إذا جاءتهم القيامة حيث لا ينفعهم ذلك كقوله تعالى: "يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى". "وقالوا آمنا به وأنى لهم التناوش من مكان بعيد". وقوله عز وجل: "فاعلم أنه لا إله إلا الله" هذا إخبار بأنه لا إله إلا الله ولا يتأتى كونه آمراً بعلم ذلك, ولهذا عطف عليه قوله عز وجل: " واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات " وفي الصحيح: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني, اللهم اغفر لي هزلي وجدي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي". وفي الصحيح أنه كان يقول في آخر الصلاة "اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أسرفت, وما أنت أعلم به مني أنت إلهي لا إله إلا أنت" وفي الصحيح أنه قال: "يا أيها الناس توبوا إلى ربكم فإني أستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة".
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة عن عاصم الأحول قال: سمعت عبد الله بن سرجس قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكلت من طعامه فقلت غفر الله لك يا رسول الله فقال صلى الله عليه وسلم: "ولك" فقلت أستغفر لك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم ولكم" وقرأ "واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات" ثم نظرت إلى بعض كتفه الأيمن ـ أو كتفه الأيسر شعبة الذي شك ـ فإذا هو كهيئة الجمع عليه الثآليل, ورواه مسلم والترمذي والنسائي وابن جرير وابن أبي حاتم من طرق عن عاصم الأحول به, وفي الحديث الاخر الذي رواه أبو يعلى: حدثنا محمد بن عون, حدثنا عثمان بن مطر, حدثنا عبد الغفور عن أبي نصيرة عن أبي رجاء عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بلا إله إلا الله والاستغفار, فأكثروا منهما فإن إبليس قال: إنما أهلكت الناس بالذنوب وأهلكوني بلا إله إلا الله والاستغفار, فلما رأيت ذلك أهلكتهم بالأهواء, فهم يحسبون أنهم مهتدون" وفي الأثر المروي "قال إبليس وعزتك وجلالك لا أزال أغويهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم. فقال الله عز وجل: وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني" والأحاديث في فضل الاستغفار كثيرة جداً. وقوله تبارك وتعالى: "والله يعلم متقلبكم ومثواكم" أي يعلم تصرفكم في نهاركم ومستقركم في ليلكم كقوله تبارك وتعالى: "وهو الذي يتوفاكم بالليل ويعلم ما جرحتم بالنهار" وقوله سبحانه وتعالى: "وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتاب مبين" وهذا القول ذهب إليه ابن جريج وهو اختيار ابن جرير, وعن ابن عباس رضي الله عنهما متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الاخرة, وقال السدي متقلبكم في الدنيا ومثواكم في قبوركم, والأول أولى وأظهر, والله أعلم.
16- "ومنهم من يستمع إليك" أي من هؤلاء الكفار الذين يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام "من يستمع إليك" وهم المنافقون، أفرد الضمير باعتبار لفظ من، وجمع في قوله: "حتى إذا خرجوا من عندك" باعتبار معناها، والمعنى: أن المنافقين كانوا يحضرون مواقف وعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومواطن خطبه التي يمليها على المسلمين حتى إذا خرجوا من عنده "قالوا للذين أوتوا العلم" وهم علماء الصحابة، وقيل عبد الله بن عباس، وقيل عبد الله بن مسعود، وقيل أبو الدرداء، والأول أولى: أي سألوا أهل العلم فقالوا لهم "ماذا قال آنفاً" أي ماذا قال النبي الساعة على طريقة الاستهزاء، والمعنى: أنا لم نلتفت إلى قوله، وآنفاً يراد به الساعة التي هي أقرب الأوقات، ومنه أمر آنف: أي مستأنف، وروضة أنف: أي لم يرعها أحد، وانتصابه على الظرفية: أي وقتاً مؤتنفاً، أو حال من الضمير في قال. قال الزجاج: هو من استأنفت الشيء: إذا ابتدأته، وأصله مأخوذ من أنف الشيء لما تقدم منه، مستعار من الجارحة، ومنه قول الشاعر:
ويحرم سر جارتهم عليهم ويأكل جارهم أنف القصاع
والإشارة بقوله: "أولئك "إلى المذكورين من المنافقين "الذين طبع الله على قلوبهم" فلم يؤمنوا ولا توجهت قلوبهم إلى شيء من الخير "واتبعوا أهواءهم" في الكفر والعناد.
16. " ومنهم "، يعني من هؤلاء الكفار، " من يستمع إليك "، وهم المنافقون، يستمعون قولك فلا يعونه ولا يفهمونه، تهاوناً به وتغافلاً، " حتى إذا خرجوا من عندك "، يعني فإذا خرجوا من عندك، " قالوا للذين أوتوا العلم "، من الصحابة: " ماذا قال "، محمد، " آنفاً "؟ يعني الآن، هو من الائتناف ويقال: ائتنفت الأمر أي ابتدأته وأنف الشيء أوله.
قال مقاتل : وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ويعيب المنافقين، فإذا خرجوا من المسجد سألوا عبد الله بن مسعود استهزاءً: ماذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال ابن عباس: وقد سئلت فيمن سئل.
" أولئك الذين طبع الله على قلوبهم "، فلم يؤمنوا، " واتبعوا أهواءهم "، في الكفر والنفاق.
16-" ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك " يعنى المنافقين كانوا يحضرون مجلس الرسول صلى الله عليه وسلم ويسمعون كلامه فإذا خرجوا " قالوا للذين أوتوا العلم " أي العلماء الصحابة رضي الله تعالى عنهم . " ماذا قال آنفاً " ما الذي قال الساعة ، استهزاء أو استعلاماً إذا لم يلقوا له آذانهم تهاوناً به ، و " آنفاً " من قولهم أنف الشيء لما تقدم منه مستعار من الجارحة ، ومنه استأنف وائتنف وهو ظرف بمعنى وقتاً مؤتنفاً ، أو حال من الضمير في " قال " وقرأ ابن كثير أنفاً " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم " فلذلك استهزؤوا وتهاونوا بكلامه .
16. Among them are some who give ear unto thee (Muhammad) till, when they go forth from thy presence, they say unto those who have been given knowledge: What was that he said just now? Those are they whose hearts Allah hath sealed, and they follow their own lusts.
16 - And among them are men who listen to thee, but in the end, when they go out from thee, they say to those who have received Knowledge, What is it he said just then? Such are men whose hearts God has sealed, and who follow their own lusts.