أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى) أي استبدلوها به (فما ربحت تجارتهم) أي ما ربحوا فيها بل خسروا لمصيرهم إلى النار المؤبدة عليهم (وما كانوا مهتدين) فيما فعلوا
قال أبو جعفر: إن قال قائل: وكيف اشترى هؤلاء القوم الضلالة بالهدى،وإنما كانوا منافقين لم يتقدم نفاقهم إيمان فيقال فيهم باعوا هداهم الذي كانوا عليه بضلالتهم التي استبدلوها منه؟ وقد علمت أن معنى الشراء المفهوم: اعتياض شيء ببذل شيء مكانه عوضاً منه، والمنافقون الذين وصفهم الله بهذه الصفة، لم يكونوا قط على هدى فيتركوه ويعتاضوا منه كفرًا ونفاقاً؟
قيل: قد اختلف أهل التأويل في معنى ذلك، فنذكر ما قالوا فيه، ثم نبين الصحيح من التأويل في ذلك إن شاء الله:حدثنا محمد بن حميد، قال: حدثنا سلمة بن الفضل، عن محمدبن إسحق، عن محمد بن أبي محمد مولى زيدبن ثابت، عن عكرمة، أو عن سعيدبن جبير، عن ابن عباس: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" أي الكفر بالإيمان.
وحدثني موسى بن هرون، قال: حدثنا عمرو، قال: حدثنا أسباط، عن السدي، في خبر ذكره، عن أبي مالك، وعن أبي صالح، عن ابن عباس وعن مرة، عن ابن مسعود، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" يقول: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد، عن سعيد، عن قتادة: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى"، استحبوا الضلالة على الهدى.
حدثني محمد بن عمرو، قال: حدثنا أبو عاصم، قال: حدثنا عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى "، آمنوا ثم كفروا. حدثنا المثنى، قال: حدثنا أبو حذيفة، قال: حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، مثله.
قال أبو جعفر: فكأن الذين قالوا في تأويل ذلك: أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، وجهوا معنى الشراء إلى أنه أخذ المشترى مكان الثمن المشترى به، فقالوا: كذلك المنافق والكافر، قد أخذا مكان الإيمان الكفر، فكان ذلك منهما شراء للكفر والضلالة اللذين أخذاهما بتركهما ما تركا من الهدى، وكان الهدى الذي تركاه هو الثمن الذي جعلاه عوضاً من الضلالة التي أخذاها.
وأما الذين تأولوا معنى قوله "اشتروا" استحبوا فإنهم لما وجدوا الله جل ثناؤه قد وصف الكفار في موضع آخر، فنسبهم إلى استحبابهم الكفر على الهدى، فقال: "وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى" (فصلت: 17) صرفوا قوله " اشتروا الضلالة بالهدى" إلى ذلك وقالوا: قد تدخل الباء مكان على، و على مكان الباء، كما يقال: مررت بفلان، ومررت على فلان، بمعنى واحد، وكقول الله جل ثناؤه: "ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك " ( (آل عمران: 75) أي على قنطار. فكان تأويل الآية على معنى هؤلاء: أولئك الذين اختاروا الضلالة على الهدى. وأراهم وجهوا معنى قول الله جل ثناؤه " اشتروا" إلى معنى اختاروا، لأن العرب تقول: اشتريت كذا على كذا، واستريته يعنون اخترته عليه.
ومن الاستراء قول أعشى بني ثعلبة:
فقد أخرج الكاعب المسترا ة من خدرها وأشيع القمار
يعني بالمستراة: المختارة.
وقال ذو الرمة، في الاشتراء بمعنى الاختيار:
يذب القصايا عن شراة كأنها جماهيرتحت المدجنات الهواضب
يعني بالشراة: المختارة.
وقال آخر في مثل ذلك:
إن الشراة روقة الأموال وحزرة القلب خيار المال
قال أبو جعفر: وهذا، وإن كان وجهًا من التأويل، فلست له بمختار؟ لأن الله جل ثناؤه قال:"فما ربحت تجارتهم"، فدل بذلك على أن معنى قوله "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى"، معنى الشراء الذي يتعارفه الناس، من استبدال شيء مكان شيء، وأخذ عوض على عوض.
وأما الذين قالوا: إن القوم كانوا مؤمنين وكفروا، فإنه لا مؤونة عليهم، لو كان الأمر على ما وصفوا به القوم. لأن الأمر إذا كان كذلك، فقد تركوا الإيمان، واستبدلوا به الكفر عوضاً من الهدى. وذلك هو المعنى المفهوم من معاني الشراء والبيع، ولكن دلائل أول الآيات في نعوتهم إلى آخرها، دالة على أن القوم لم يكونوا قط استضاءوا بنور الايمان، ولا دخلوا في ملة الاسلام. أوما تسمع الله جل ثناؤه من لدن ابتدأ في نعتهم إلى أن أتى على صفتهم، إنما وصفهم بإظهار الكذب بألسنتهم: بدعواهم التصديق بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به، خداعاً لله ولرسوله وللمؤمنين عند أنفسهم، واستهزاء في نفوسهم بالمؤمنين، وهم لغير ما كانوا يظهرون مستبطنون. يقول الله جل جلاله: " ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين" ( البقرة: 8،) ثم اقتص قصصهم إلى قوله: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " فأين الدلالة على أنهم كانوا مؤمنين فكفروا فإن كان قائل هذه المقالة ظن أن قوله: "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى"، هو الدليل على أن القوم قد كانوا على الإيمان فانتقلوا عنه إلى الكفر، فلذلك قيل لهم "اشتروا" فإن ذلك تأويل غير مسلم له، إذ كان الاشتراء عند مخالفيه قد يكون أخذ شيء بترك آخر غيره، وقد يكون بمعنى الاختيار، وبغير ذلك من المعاني. والكلمة إذا احتملت وجوها، لم يكن لأحد صرف معناها إلى بعض وجوهها دون بعض، إلا بحجة يجب التسليم لها.
قال أبو جعفر: والذي هو أولى عندي بتاويل الأية، ما روينا عن ابن عباس وابن مسعود من تأويلهما قوله: "اشتروا الضلالة بالهدى": أخذوا الضلالة وتركوا الهدى. وذلك أن كل كافر بالله فإنه مستبدل بالإيمان كفرًا، باكتسابه الكفر الذي وجد منه، بدلاً من الإيمان الذي أمر به. أوما تسمع الله جل ثناؤه يقول فيمن اكتسب كفرًا به مكان الإيمان به وبرسوله: "ومن يتبدل الكفر بالإيمان فقد ضل سواء السبيل" (البقرة: 108) وذلك هو معنى الشراء، لأن كل مشتر شيئاً فإنما يستبدل مكان الذي يؤخذ منه من البدل آخر بديلاً منه. فكذلك المنافق والكافر، استبدلا بالهدى الضلالة والنفاق، فأضلهما الله، وسلبهما نور الهدى، فترك جميعهم في ظلمات لا يبصرون. القول في تأويل قوله:" فما ربحت تجارتهم".
قال أبو جعفر: وتأويل ذلك أن المنافقين بشرائهم الضلالة بالهدى خسروا ولم يربحوا، لأن الرابح من التجار: المستبدل من سلعته المملوكة عليه بدلاً هو أنفس من سلعته المملوكة أو أفضل من ثمنها الذي يبتاعها به. فأما المستبدل من سلعته بدلاً دونها ودون الثمن الذي ابتاعها به، فهو الخاسر في تجارته لا شك. فكذلك الكافر والمنافق، لأنهما اختارا الحيرة والعمى على الرشاد والهدى، والخوف والرعب على الحفظ والأمن، واستبدلا في العاجل: بالرشاد الحيرة، وبالهدى الضلالة، وبالحفظ الخوف، وبالأمن الرعب مع ما قد أعد لهما في الآجل من أليم العقاب وشديد العذاب، فخابا وخسرا، ذلك هو الخسران المبين.
وبنحو الذي قلنا في ذلك كان قتادة يقول.
حدثنا بشر بن معاذ، قال: حدثنا يزيد بن زريع، عن سعيد، عن قتادة، "فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة.
قال أبو جعفر: فإن قال قائل: فما وجه قوله: " فما ربحت تجارتهم" وهل التجارة مما تربح أو توكس، فيقال: ربحت أو وضعت؟
قيل: إن وجه ذلك على غير ما ظننت. وانما معنى ذلك: فما ربحوا في تجارتهم لا فيما اشتروا، ولا فيما شروا. ولكن الله جل ثناؤه خاطب بكتابه عرباً فسلك في خطابه إياهم وبيانه لهم، مسلك خطاب بعضهم بعضاً، وبيانهم المستعمل بينهم. فلما كان فصيحاً لديهم قول القائل لآخر: خاب سعيك، ونام ليلك، وخسر بيعك، ونحو ذلك من الكلام الذي لا يخفى على سامعه ما يريد قائله خاطبهم بالذي هو في منطقهم من الكلام، فقال: "فما ربحت تجارتهم " إذ كان معقولاً عندهم أن الربح إنما هو في التجارة، كما النوم في الليل. فاكتفى بفهم المخاطبين بمعنى ذلك، عن أن يقال: فما ربحوا في تجارتهم، وإن كان ذلك معناه، كما قال الشاعر:
وشر المنايا ميت وسط أهله كهلك الفتاة أسلم الحي حاضره
يعني بذلك: وشر المنايا منية ميت وسط أهله، فاكتفى بفهم سامع قيله مراده من ذلك، عن إظهار ما ترك إظهاره، وكما قال رؤبة بن العجاج:
حارث قد فرجت عني همي فنام ليلي وتجلى غمي
فوصف بالنوم الليل، ومعناه أنه هو الذي نام، وكما قال جريربن الخطفى:
وأعور من نبهان أما نهاره فأعمى، وأما ليله فبصير
فأضاف العمى والإبصار إلى الليل والنهار، ومراده وصف النبهاني بذلك.
القول في تأويل قوله:" وما كانوا مهتدين ".
يعني بقوله جل ثناؤه "وما كانوا مهتدين ": ما كانوا رشداء في اختيارهم الضلالة على الهدى، واستبدالهم الكفر بالإيمان، و اشترائهم النفاق بالتصديق والإقرار.
قوله تعالى : "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" .
قوله تعالى : "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" قال سيبويه : ضمت الواو في اشتروا فرقاً بينها وبين الواو الأصلية ، نحو : "وألو استقاموا على الطريقة" . وقال ابن كيسان : الضمة في الواو أخف من غيرها لأنها من جنسها . وقال الزجاج : حركت بالضم كما فعل في نحن . وقرأ ابن ابي إسحاق ويحيى بن يعمر بكسر الواو على اصل التقاء الساكنين . وروى أبو زيد الأنصاري عن قعنب ابي السمال العدوي أنه قرأ بفتح الواو لخفة الفتحة وإن كان ما قبلها مفتوحاً . وأجاز الكسائي همز الواو وضمها كأدؤر . واشتروا : من الشراء . والشراء هنا مستعار . والمعنى استحبوا الكفر على الإيمان ، كما قال : "فاستحبوا العمى على الهدى" فعبر عنه بالشراء ، لأن الشراء إنما يكون فيما يحبه مشتريه . فأما أن يكون معنى شراء المعاوضة فلا ، لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فيبيعون إيمانهم . وقال ابن عباس : أخذوا الضلالة وتركوا الهدى . ومعناه استبدلوا واختاروا الكفر على الإيمان . وإنما أخرجه بلفظ الشراء توسعاً ، لأن الشراء والتجارة راجعان الى الاستبدال ، والعرب تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئاً بشيء قال أبو ذؤيب :
فإن تزعميني كنت أجهل فيكم فإني شريت الحلم بعدك بالجهل
وأصل الضلالة : الحيرة . ويسمى النسيان ضلالة لما فيه من الحيرة ، قال جل وعز : "فعلتها إذا وأنا من الضالين" أي الناسين . ويسمى الهلاك ضلالة ، كما قال عز وجل : " وقالوا أإذا ضللنا في الأرض " .
قوله تعالى : "فما ربحت تجارتهم" أسند تعالى الربح الى التجارة على عادة العرب في قولهم : ربح بيعك ، وخسرت صفقتك ، وقولهم : ليل قائم ، ونهارا صائم ، والمعنى : ربحت وخسرت في بيعك ، وقمت في ليلك وصمت في نهارك ، أي فما ربحوا في تجارتهم . وقال الشاعر :
نهارك هائم وليلك نائم كذلك في الدنيا تعيش البهائم
ابن كيسان : ويجوز تجارة وتجائر ، وضلالة وضلائل .
قوله تعالى : "وما كانوا مهتدين" في اشترائهم الضلالة . وقيل : في سابق علم الله . والاهتداء ضد الضلال ، وقد تقدم .
قال السدي في تفسيره عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" قال أخذوا الضلالة وتركوا الهدى، وقال ابن إسحاق عن محمد بن أبي محمد عن عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" أي الكفر بالإيمان، وقال مجاهد آمنوا ثم كفروا وقال قتادة : استحبوا الضلالة على الهدى، وهذا الذي قاله قتادة يشبهه في المعنى قوله تعالى في ثمود " وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى " وحاصل قول المفسرين فيما تقدم أن المنافقين عدلوا عن الهدى إلى الضلال واعتاضوا عن الهدى بالضلالة وهو معنى قوله تعالى "أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى" أي بذلوا الهدى ثمناً للضلالة وسواء في ذلك من كان منهم قد حصل له الايمان ثم رجع عنه إلى الكفر كما قال تعالى فيهم "ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم" أو أنهم استحبوا الضلالة على الهدى كما يكون حال فريق آخر منهم فإنهم أنواع وأقسام ولهذا قال تعالى "فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" أي ما ربحت صفقتهم في هذه البيعة وما كانوا مهتدين أي راشدين في صنيعهم ذلك، وقال ابن جرير حدثنا بشير حدثنا يزيد حدثنا سعيد عن قتادة "فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين" قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة ومن الجماعة إلى الفرقة ومن الأمن إلى الخوف ومن السنة إلى البدعة، وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث يزيد بن زريع عن سعيد عن قتادة بمثله سواء .
قال سيبويه: صحت الواو في 16- "اشتروا" فرقاً بينها وبين الواو الأصلية في نحو " وألو استقاموا ". وقال الزجاج: حركت بالضم كما يفعل في نحن. وقرأ يحيى بن يعمر بكسر الواو على أصل التقاء الساكنين. وقرأ أبو السماك العدوى بفتحها لخفة الفتحة. وأجاز الكسائي همز الواو. والشراء هنا مستعار للاستبدال: أي استبدلوا الضلالة بالهدى كقوله تعالى: "فاستحبوا العمى على الهدى" فأما أن يكون معنى الشراء المعاوضة كما هو أصله حقيقة فلا، لأن المنافقين لم يكونوا مؤمنين فيبيعوا إيمانهم، والعرب قد تستعمل ذلك في كل من استبدل شيئاً بشيء. قال أبو ذؤيب:
فإن تزعميني كنت أجهل فيكمو فإن شريت الحلم بعدك بالجهل
وأصل الضلالة الحيرة والجور عن القصد وفقد الاهتداء، وتطلق على النسيان، ومنه قوله تعالى: "قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين"، وعلى الهلاك كقوله: " وقالوا أإذا ضللنا في الأرض " وأصل الربح الفضل. والتجارة: صناعة التاجر، وأسند الربح إليها على عادة العرب في قولهم: ربح بيعك وخسرت صفقتك، وهو من الإسناد المجازي، وهو إسناد الفعل إلى ملابس للفاعل كما هو مقرر في علم المعاني. والمراد: ربحوا وخسروا. والاهتداء قد سبق تحقيقه: أي وما كانوا مهتدين في شرائهم الضلالة، وقيل: في سابق علم الله. وقد أخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: "اشتروا الضلالة بالهدى". وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة قال: استحبوا الضلالة على الهدى، قد والله رأيتموهم خرجوا من الهدى إلى الضلالة، ومن الجماعة إلى الفرقة، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السنة إلى البدعة.
16. " أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " أي استبدلوا الكفر بالإيمان " فما ربحت تجارتهم " أي ما ربحوا في تجارتهم أضاف الربح إلى التجارة لأن الربح يكون فيها كما تقول العرب: ربح بيعك وخسرت صفقتك " وما كانوا مهتدين " من الضلالة، وقيل مصيبين في تجارتهم .
16-" أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى " اختاروها عليه واستبدلوها به ، وأصله بذل الثمن لتحصيل ما يطلب من الأعيان ، فإن كان أحد العوضين ناضاً تعين من حيث إنه لا يطلب لعينه أن يكون ثمناً وبذله اشتراء ، وإلا فأي العوضين تصورته بصورة الثمن فباذله مشتر وآخذ بائع ، ولذلك عدت الكلمتان من الأضداد ، ثم استعير للإعراض عما في يده محصلاً به غيره ، سواء كان من المعاني أو الأعيان ، ومنه قول الشاعر :
أخذت بالجملة رأساً أزعرا وبالثنايا الواضحات الدردرا
وبالطويل العمر عمرأ جيذراً كما اشترى المسلم إذ تنصرا
ثم اتسع فيه فاستعمل للرغبة عن الشئ طمعاً في غيره ، والمعنى أنهم أخلوا بالهدى الذي جعله الله لهم بالفطرة التي فطر الناس عليها محصلين الضلالة التي ذهبوا إليها . أو اختاروا الضلالة واستحبوها على الهدى .
" فما ربحت تجارتهم " . ترشيح للمجاز ، لما استعمل الاشتراه في معاملتهم أتبعه ما يشاكله تمثيلاً لخسارتهم ، ونحوه :
ولما رأيت النسر عز بن دأبة وعشش في وكريه جاش له صدري
والتجارة : طلب الربح بالبيع والشراء . والربح : الفضل على رأس المال ، ولذلك سمي شفا ، وإسناده إلى التجارة وهو لأربابها على الاتساع لتلبسها بالفاعل ، أو لمشابهتها إياه من حيث إنها سبب الربح والخسران .
" وما كانوا مهتدين " لطرق التجارة ، فإن المقصود منها سلامة رأس المال والربح ، وهولاء قد أضاعوا الطلبتين لأن رأس مالهم كان الفطرة السليمة ، والعقل الصرف ، فلما اعتقدوا هذه الضلالات بطل استعدادهم ، واختل عقلهم ولم يبق لهم رأس مال يتوسلون به إلى درك الحق ، ونيل الكمال ، فبقوا خاسرين آيسين من الربح فاقدين للأصل .
16. These are they who purchase error at the price of guidance, so their commerce doth not prosper, neither are they guided.
16 - These are they Who have bartered Guidance for error: But their traffic is profitless, And they Have lost true direction,