157 - (الذين يتبعون الرسول النبي الأمي) محمد صلى الله عليه وسلم (الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل) باسمه وصفته (يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات) مما حرم في شرعهم (ويحرم عليهم الخبائث) الميتة ونحوها (ويضع عنهم إصرهم) ثقلهم (والأغلال) الشدائد (التي كانت عليهم) كقتل النفس في التوبة وقطع أثر النجاسة (فالذين آمنوا به) منهم (وعزَّروه) ووقروه (ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه) أي القرآن (أولئك هم المفلحون)
قال أبو جعفر: وهذا القول إبانة من الله جل ثناؤه عن أن الذين وعد موسى نبيه عليه السلام أن يكتب لهم الرحمة التي وصفها جل ثناؤه بقوله: " ورحمتي وسعت كل شيء "، هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم، لأنه لا يعلم لله رسول وصف بهذه الصفة - أعني " الأمي " - غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وبذلك جاءت الروايات عن أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عمران بن عيينة، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس: " فسأكتبها للذين يتقون "، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
... قال، حدثنا زيد بن حباب، عن حماد بن سلمة، عن عطاء ، عن ابن عباس، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا، حدثنا يحيى بن يمان، عن أشعث، عن جعفر، عن سعيد في قوله: " فسأكتبها للذين يتقون "، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فقال موسى عليه السلام: ليتني خلقت في أمة محمد!
حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا، حدثنا جرير، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير: " فسأكتبها للذين يتقون "، قال: للذين يتبعون محمداً صلى الله عليه وسلم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن ليث ، عن شهر بن حوشب، عن نوف الحميري قال: لما اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقات ربه، قال الله لموسى: أجعل لكم الأرض مسجداً وطهوراً، وأجعل السكينة معكم في بيوتكم، وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم، يقرؤها الرجل منكم والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير. فقال موسى لقومه: إن الله قد يجعل لكم الأرض طهوراً ومسجداً. قالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس! قال: ويجعل السكينة معكم في بيوتكم. قالوا: لا نريد إلا أن تكون كما كانت، في التابوت! قال: ويجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم، ويقرؤها الرجل منكم والمرأة، والحر والعبد، والصغير والكبير. قالوا: لا نريد أن نقرأها إلا نظراً! فقال الله: " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة " إلى قوله: " أولئك هم المفلحون ".
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن نوف البكالي قال: لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل، كلمه الله فقال: إني قد بسطت لهم الأرض طهوراً ومساجد يصلون فيها حيث أدركتهم الصلاة، إلا عند مرحاض أو قبر أو حمام، وجعلت السكينة في قلوبهم، وجعلتهمخ يقرأون التوراة عن ظهر ألسنتهم. قال: فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل، فقالوا: لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا، فاجعلها لنا في تابوت، ولا نقرأ التوراة إلا نظراً، ولا نصلي إلا في الكنيسة. فقال الله: " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة "، حتى بلغ " أولئك هم المفلحون ". قال فقال موسى عليه السلام: يا رب، اجعلني نبيهم! قال: نبيهم منهم! قال: رب اجعلني منهم! قال: لن تدركهم! قال: يا رب، أتيتك بوفد بني إسرائيل، فجعلت وفادتنا لغيرنا! فأنزل الله " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " [الأعراف: 159].
قال نوف البكالي: فاحمدوا الله الذي حفظ غيبتكم، وأخذ لكم بسهمكم، وجعل وفادة بني إسرائيل لكم.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا معاذ بن هشام قال، حدثني أبي، عن يحيى بن أبي كثير، عن نوف البكالي، بنحوه، إلا أنه قال: فإني أنزل عليكم التوراة تقرأونها عن ظهر ألسنتكم، رجالكم ونساؤكم وصبيانكم. قالوا: لا نصلي إلا في كنيسة. ثم ذكر سائر الحديث نحوه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا إسحق بن إسمعيل، عن يعقوب، عن جعفر، عن سعيد بن جبير: " فسأكتبها للذين يتقون "، قال: أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " فسأكتبها للذين يتقون "، قال: هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: لما قيل: " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون "، تمنتها اليهود والنصارى، فأنزل الله شرطاً بيناً وثيقاً فقال: " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي "، وهو نبيكم صلى الله عليه وسلم، كان أمياً لا يكتب.
وقد بينا معنى " الأمي " فيما مضى، بما أغنى عن إعادته.
وأما قوله: " الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل "، فإن ((الهاء)) في قوله: " يجدونه "، عائدة على " الرسول "، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، كالذي:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي "، هذا محمد صلى الله عليه وسلم.
حدثني ابن المثنى قال، حدثنا عثمان بن عمر قال، حدثنا فليح، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. قال: أجل والله، إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، أسميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن نقبضه حتى نقيم به الملة العوجاء، بأن يقولوا: ((لا إله إلا الله))، فنفتح به قلوباً غلفاً، وآذاناً صماً، وأعيناً عمياً. قال عطاء : ثم لقيت كعباً فسألته عن ذلك، فما اختلفا حرفاً، إلا أن كعباً قال بلغته: قلوباً غلوفيا، وآذاناً صموميا، وأعيناً عموميا.
حدثني أبو كريب قال، حدثنا موسى بن داود قال، حدثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي قال، حدثني عطاء قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكر نحوه، إلا أنه قال في كلام كعب: أعيناً عموما، وآذاناً صموما، وقلوباً غلوفا.
... حدثني أبو كريب قال، حدثنا موسى بن داود قال، حدثنا فليح بن سليمان، عن هلال بن علي قال، حدثني عطاء قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فذكر نحوه، إلا أنه قال في كلام كعب: أعيناً عموما، وآذاناً صموما، وقلوباً غلوفا.
... قال، حدثنا موسى قال، حدثنا عبد العزيز بن سلمة، عن هلال بن علي، عن عطاء بن يسار، عن عبد الله بنحوه، وليس فيه كلام كعب.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال الله: " الذي يجدونه مكتوبا عندهم "، يقول: يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوباً عندهم.
القول في تأويل قوله: " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: يأمر هذا النبي الأمي أتباعه بالمعروف، وهو الإيمان بالله ولزوم طاعته فيما أمر ونهى، فذلك ((المعروف)) الذي يأمرهم به، " وينهاهم عن المنكر "، وهو الشرك بالله، والانتهاء عما نهاهم الله عنه.
وقوله: " ويحل لهم الطيبات "، وذلك ما كانت الجاهلية تحرمه من البحائر والسوائب والوصائل والحوامي، " ويحرم عليهم الخبائث "، وذلك لحم الخنازير والربا وما كانوا يستحلونه من المطاعم والمشارب التي حرمها الله، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " ويحرم عليهم الخبائث "، وهو لحم الخنزير والربا، وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله.
وأما قوله: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله
فقال بعضهم: يعني بـ((الإصر))، العهد والميثاق الذي كان أخذه على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: عهدهم.
... قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك ، قال: عهدهم.
حدثني المثنى قال، حدثنا عمرو بن علي قال، أخبرنا هشيم، عن جويبر، عن الضحاك ، مثله.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن مبارك، عن الحسن : " ويضع عنهم إصرهم "، قال: العهود التي أعطوها من أنفسهم.
... قال، حدثنا ابن نمير، عن موسى بن قيس، عن مجاهد : " ويضع عنهم إصرهم "، قال: عهدهم.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، يقول: يضع عنهم عهودهم ومواثيقهم التي أخذت عليهم في التوراة والإنجيل.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم. يقول: يضع ذلك عنهم.
وقال بعضهم: عنى بذلك أنه يضع عمن اتبع نبي الله صلى الله عليه وسلم، التشديد الذي كان على بني إسرائيل في دينهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة : " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، فجاء محمد صلى الله عليه وسلم بإقالة منه وتجاوز عنه.
حدثني المثنى قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا شريك، عن سالم، عن سعيد: " ويضع عنهم إصرهم "، قال: البول ونحوه، مما غلظ على بني إسرائيل.
... قال، حدثنا الحماني قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد قال: شدة العمل.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قال، قال مجاهد قوله: " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم "، قال: من اتبع محمداً ودينه من أهل الكتاب، وضع عنهم ما كان عليهم من التشديد في دينهم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن فضيل، عن أشعث، عن ابن سيرين قال: قال أبو هريرة لابن عباس: ما علينا في الدين من حرج أن نزني ونسرق؟ قال: بلى! ولكن الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم.
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " ويضع عنهم إصرهم "، قال إصرهم الذي جعله عليهم.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب أن يقال: إن ((الإصر)) هو العهد - وقد بينا ذلك بشواهده في موضع غير هذا بما فيه الكفاية - وأن معنى الكلام: ويضع النبي الأمي العهد الذي كان الله أخذ على بني إسرائيل، من إقامة التوراة والعمل بما فيها من الأعمال الشديدة، كقطع الجلد من البول، وتحريم الغنائم، ونحو ذلك من الأعمال التي كانت عليهم مفروضةً، فنسخها حكم القرآن.
وأما " الأغلال التي كانت عليهم "، فكان ابن زيد يقول بما:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب، عن قوله: " والأغلال التي كانت عليهم "، قال: " الأغلال "، قرأ: " غلت أيديهم " [المائدة: 64]. قال: تلك الأغلال. قال: ودعاهم إلى أن يؤمنوا بالنبي فيضع ذلك عنهم.
القول في تأويل قوله: " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فالذين صدقوا بالنبي الأمي وأقروا بنبوته، " وعزروه "، يقول: وقروه وعظموه وحموه من الناس، كما:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " وعزروه "، يقول: حموه، وقروه.
حدثني الحارثقال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني موسى بن قيس، عن مجاهد : " وعزروه ونصروه "، ((عزروه))، سددوا أمره، وأعانوا رسوله، " ونصروه ".
وقوله: " ونصروه "، يقول: وأعانوه على أعداء الله وأعدائه، بجهادهم ونصب الحرب لهم، " واتبعوا النور الذي أنزل معه "، يعني القرآن والإسلام، " وأولئك هم المفلحون "، يقول: الذين يفعلون هذه الأفعال التي وصف بها جل ثناؤه أتباع محمد صلى الله عليه وسلم، هم المنجحون المدركون ما طلبوا ورجوا بفعلهم ذلك.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: فما نقموا - يعني اليهود - إلا أن حسدوا نبي الله، فقال الله:" الذين آمنوا به وعزروه ونصروه "، فأما نصره وتعزيره، فقد سبقتم به، ولكن خياركم من آمن بالله واتبع النور الذي أنزل معه.
يريد قتادة بقوله: ((فما نقموا إلا أن حسدوا نبي الله))، أن اليهود كان محمد صلى الله عليه وسلم بما جاء به من عند الله رحمةً عليهم لو اتبعوه، لأنه جاء بوضع الإصر والأغلال عنهم، فحملهم الحسد على الكفر به، وترك قبول التخفيف، لغلبة خذلان الله عليهم.
فيه عشر مسائل:
الأولى- روى يحيى بن أبي كثير عن نوف البكالي الحميري: لما اختار موسى قومه سبعين رجلاً لميقات ربه قال الله تعالى لموسى: إني جعل لكم الأرض مسجداً وطهوراً تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام أو قبر، وأجعل السكينة في قلوبكم، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهر قلوبكم، يقرأها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير. فقال ذلك موسى لقومه، فقالوا: لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس، ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا، ونريد أن تكون كما كانت في التابوت، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهر قلوبنا، ولا نريد أن نقرأها إلا نظراً. فقال الله تعالى: "فسأكتبها للذين يتقون" -إلى قوله- "المفلحون" فجعلها لهذه الأمة فقال موسى: يا رب، اجعلني نبيهم. فقال: نبيهم منهم. قال: رب اجعلني منهم. قال: إنك لن تدركهم. فقال موسى: يا رب، أتيتك بوفد من بني إسرائيل، فجعلت وفادتنا لغيرنا. فأنزل الله عز وجل: "ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون" [الأعراف: 159]. فرضي موسى. قال نوف: فاحمدوا الله الذي جعل وفادة بني إسرائيل لكم. وذكر أبو نعيم أيضاً هذه القصة من حديث الأوزاعي قال: حدثنا يحيى بن أبي عمرو السيباني قال حدثني نوف البكالي إذا افتتح موعظة قال: ألا تحمدون ربكم الذي حفظ غيبتكم وأخذ لكم بعد سهمكم وجعل وفادة القوم لكم. وذلك أن موسى عليه السلام وفد ببني إسرائيل فقال الله لهم: إني قد جعلت لكم الأرض مسجداً حيثما صليتم فيها تقبلت صلاتكم إلا في ثلاثة مواطن من صلى فيهن لم أقبل صلاته المقبرة والحمام والمرحاض. قالوا: لا، إلا في الكنيسة. قال: وجعلت لكم التراب طهوراً إذا لم تجدوا الماء. قالوا: لا، إلا بالماء. قال: وجعلت لكم حيثما صلى الرجل فكان وحده تقبلت صلاته. قالوا: لا، إلا في جماعة.
الثانية: قوله تعالى: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" هذه الألفاظ كما ذكرنا أخرجت اليهود والنصارى من الاشتراك الذي يظهر في قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" وخلصت هذه العدة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس وابن جبير وغيرهما. و يتبعون يعني في شرعه ودينه وما جاء به. والرسول والنبي اسمان لمعنيين، فإن الرسول أخص من النبي. وقدم الرسول اهتماماً بمعنى الرسالة، وإلا فمعنى النبوة هو المتقدم، ولذلك "رد رسول الله صلى الله عليه وسلم على البراء حين قال:
وبرسولك الذي أرسلت. فقال له: قل آمنت بنبيك الذي أرسلت" خرجه في الصحيح. وأيضاً فإن في قوله: "وبرسولك الذي أرسلت" تكرير الرسالة، وهو معنى واحد فيكون كالحشو الذي لا فائدة فيه. بخلاف قوله: "ونبيك الذي أرسلت" فإنهما لا تكرار فيهما. وعلى هذا فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولا، لأن الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ، وافترقا في أمر خاص وهي الرسالة. فإذا قلت: محمد رسول من عند الله تضمن ذلك أنه نبي ورسول الله. وكذلك غيره من الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم.
الثالثة: قوله تعالى: "الأمي" هو منسوب إلى الأمة الأمية، التي هي على أصل ولادتها. لم تتعلم الكتابة ولا قراءتها، قاله ابن عزيز. وقال ابن عباس رضي الله عنه: كان نبيكم صلى الله عليه وسلم أمياً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب، قال الله تعالى: "وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك" [العنكبوت: 48]. وروي في الصحيح عن ابن عمر "عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب". الحديث. وقيل: نسب النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة أم القرى، ذكره النحاس.
الرابعة: قوله تعالى: "الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل" روى البخاري قال: حدثنا محمد بن سنان قال حدثنا فليح قال حدثنا هلال عن عطاء بن يسار لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة. فقال: أجل، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا" [الأحزاب: 45] وحرزاً للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صحاب في الأسواق. ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله تعالى حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله، ويفتح بها أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً. -في غير البخاري- قال عطاء: ثم لقيت كعباً فسألته عن ذلك فما اختلفا حرفاً، إلا أن كعباً قال بلغته: قلوباً غلوفياً وآذاناً صمومياً وأعيناً عمومياً. قال ابن عطية: وأظن هذا وهماً أو عجمة. وقد روي عن كعب أنه قالها: قلوباً غلوفاً وآذاناً صموماً وأعينا عموماً. قال الطبري: هي لغة حميرية. وزاد كعب في صفة النبي صلى الله عليه وسلم قال: مولده بمكة، وهجرته بطابة، وملكه بالشأم، وأمته الحامدون، يحمدون الله على كل حال وفي كل منزل، يوضئون أطرافهم ويأتزرون إلى أنصاف ساقهم، رعاة الشمس، يصلون الصلوات حيثما أدركتهم ولو على ظهر الكناسة، صفهم في القتال مثل صفهم في الصلاة. ثم قرأ "إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص" [الصف: 4].
الخامسة: قوله تعالى: "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" قال عطاء: "يأمرهم بالمعروف" بخلع الأنداد، ومكارم الأخلاق، وصلة الأرحام. "وينهاهم عن المنكر" عبادة الأصنام، وقطع الأرحام.
السادسة: قوله تعالى: "ويحل لهم الطيبات" مذهب مالك أن الطيبات هي المحللات، فكأنه وصفها بالطيب، إذ هي لفظة تتضمن مدحاً وتشريفاً. وبحسب هذا نقول في الخبائث: إنها المحرمات، ولذلك قال ابن عباس: الخبائث هي لحم الخنزير والربا وغيره. وعلى هذا حلل مالك المتقذرات كالحيات والعقارب والخنافس ونحوها. ومذهب الشافعي رحمه الله أن الطيبات هي من جهة الطعم، إلا أن اللفظة عنده ليست على عمومها، لأن عمومها بهذا الوجه من الطعم يقتضي تحليل الخمر والخنزير، بل يراها مختصة فيما حلله الشرع. ويرى الخبائث لفظاً عاماً في المحرمات بالشرع وفي المتقذرات، فيحرم العقارب والخنافس والوزغ وما جرى هذا المجرى. والناس على هذين القولين، وقد تقدم في البقرة هذا المعنى.
السابعة: قوله تعالى: "ويضع عنهم إصرهم" الإصر: الثقل، قاله مجاهد وقتادة وابن جبير. والإصر أيضاً: العهد، قاله ابن عباس والضحاك والحسن. وقد جمعت هذه الآية المعنيين، فإن بني إسرائيل قد كان أخذ عليهم عهد أن يقوموا بأعمال ثقال، فوضع عنهم بمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك العهد وثقل تلك الأعمال، كغسل البول، وتحليل الغنائم ومجالسة الحائض ومؤاكلتها ومضاجعتها، فإنهم كانوا إذا أصاب ثوب أحدهم بول قرضه. وروي: جلد أحدهم. وإذا جمعوا الغنائم نزلت نار من السماء فأكلتها، وإذا حاضت المرأة لم يقربوها، إلى غير ذلك مما ثبت في الحديث الصحيح وغيره.
الثامنة: قوله تعالى: "والأغلال التي كانت عليهم" فالأغلال عبارة مستعارة لتلك الأثقال. ومن الأثقال ترك الاشتغال يوم السبت، فإنه يروى أن موسى عليه السلام رأى يوم السبت رجلاً يحمل قصباً فضرب عنقه. هذا قول جمهور المفسرين. ولم يكن فيهم الدية، وإنما كان القصاص. وأمروا بقتل أنفسهم علامة لتوبتهم، إلى غير ذلك. فشبه ذلك بالأغلال، كما قال الشاعر:
فليس كعهد الدار يا أم مالك لكن أحاطت بالرقاب السلاسل
وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل سوى العدل شيئاً فاستراح العواذل
فشبه حدود الإسلام وموانعه عن التخطي إلى المحظورات بالسلاسل المحيطات بالرقاب.
ومن هذا المعنى قول أبي أحمد بن جحش لأبي سفيان:
اذهب بها اذهب بها طوقتها طوق الحمامة
أي لزمك عارها. يقال: طوق فلان كذا إذا لزمه.
التاسعة: إن قيل: كيف عطف الأغلال وهو جمع على الإصر وهو مفرد، فالجواب أن الإصر مصدر يقع على الكثرة. وقرأ ابن عامر آصارهم بالجمع: مثل أعمالهم. فجمعه لاختلاف ضروب المآثم. والباقون بالتوحيد، لأنه مصدر يقع على القليل والكثير من جنسه مع إفراد لفظه. وقد أجمعوا على التوحيد في قوله: "ولا تحمل علينا إصرا" [البقرة: 286]. وهكذا كلما يرد عليك من هذا المعنى، مثل "وعلى سمعهم" [البقرة: 7]. "لا يرتد إليهم طرفهم" [إبراهيم: 43]. و"من طرف خفي" [الشورى: 45]. كله بمعنى الجمع.
العاشرة: قوله تعالى: "فالذين آمنوا به وعزروه" أي وقروه ونصروه. قال الأخفش: وقرأ الجحدري وعيسى وعزروه بالتخفيف. وكذا "وعزرتموهم" [المائدة: 12] يقال: عزره يعزره ويعزره. و "النور" القرآن والفلاح: الظفر بالمطلوب. وقد تقدم هذا.
" الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل " وهذه صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتب الأنبياء بشروا أممهم ببعثه وأمروهم بمتابعته ولم تزل صفاته موجودة في كتبهم يعرفها علماؤهم وأحبارهم . كما روى الإمام أحمد حدثنا إسماعيل عن الجريري عن أبي صخر العقيلي حدثني رجل من الأعراب قال جلبت حلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما فرغت من بيعي قلت لألقين هذا الرجل فلأسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشراً التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه عن ابن له في الموت كأجمل الفتيان وأحسنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي" فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه إي والذي أنزل التوراة إنا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك وإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله فقال "أقيموا اليهودي عن أخيكم" ثم تولى كفنه والصلاة عليه هذا حديث جيد قوي له شاهد في الصحيح عن أنس. وقال الحاكم صاحب المستدرك "أخبرنا محمد بن عبد الله بن إسحاق البغوي حدثنا إبراهيم بن الهيثم البلدي حدثنا عبد العزيز بن مسلم بن إدريس حدثنا عبد الله بن إدريس عن شرحبيل بن مسلم عن أبي أمامة الباهلي عن هشام بن العاص الأموي قال بعثت أنا ورجل آخر إلى هرقل صاحب الروم ندعوه إلى الإسلام فخرجنا حتى قدمنا الغوطة يعني غوطة دمشق فنزلنا على جبلة بن الأيهم الغساني فدخلنا عليه فإذا هو على سرير له فأرسل إلينا برسوله نكلمه فقلنا والله لا نكلم رسولاً وإنما بعثنا إلى الملك, فإن أذن لنا كلمناه وإلا لم نكلم الرسول فرجع إليه الرسول فأخبره بذلك قال: فأذن لنا فقال: تكلموا فكلمه هشام بن العاص ودعاه إلى الإسلام فإذا عليه ثياب سود فقال له هشام وما هذه التي عليك ؟ فقال لبستها وحلفت أن لا أنزعها حتى أخرجكم من الشام قلنا ومجلسك هذا والله لنأخذنه منك ولنأخذن ملك الملك الأعظم إن شاء الله, أخبرنا بذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال: لستم بهم بل هم قوم يصومون بالنهار ويقومون بالليل فكيف صومكم ؟ فأخبرناه, فملىء وجهه سواداً فقال: قوموا وبعث معنا رسولاً إلى الملك فخرجنا حتى إذا كنا قريباً من المدينة قال لنا الذي معنا: إن دوابكم هذه لا تدخل مدينة الملك فإن شئتم حملناكم على براذين وبغال, قلنا والله لا ندخل إلا عليها فأرسلوا إلى الملك أنهم يأبون ذلك فأمرهم أن ندخل على رواحلنا, فدخلنا عليها متقلدين سيوفنا حتى انتهينا إلى غرفة له فأنخنا في أصلها وهو ينظر إلينا, فقلنا لا إله إلا الله والله أكبر فالله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى صارت كأنها عذق تصفقه الرياح, قال: فأرسل إلينا ليس لكم أن تجهروا علينا بدينكم, وأرسل إلينا أن ادخلوا فدخلنا عليه وهو على فراش له وعنده بطارقة من الروم وكل شيء في مجلسه أحمر وما حوله حمرة وعليه ثياب من الحمرة, فدنونا منه فضحك فقال: ما عليكم لو حييتموني بتحيتكم فيما بينكم ؟ وإذا عنده رجل فصيح بالعربية كثير الكلام فقلنا إن تحيتنا فيما بيننا لا تحل لك وتحيتك التي تحيا بها, لا يحل لنا أن نحييك بها قال كيف تحيتكم فيما بينكم ؟ قلنا السلام عليكم قال فكيف تحيون ملككم قلنا بها قال: فكيف يرد عليكم ؟ قلنا بها, قال فما أعظم كلامكم ؟ قلنا لا إله إلا الله والله أكبر فلما تكلمنا بها والله يعلم لقد انتفضت الغرفة حتى رفع رأسه إليها قال فهذه الكلمة التي قلتموها حيث انتفضت الغرفة أكلما قلتموها في بيوتكم انتفضت عليكم غرفكم ؟ قلنا لا, ما رأيناها فعلت هذا قط إلا عندك, قال: لوددت أنكم كلما قلتم انتفض كل شيء عليكم وإني قد خرجت من نصف ملكي قلنا لم ؟ قال لأنه كان أيسر لشأنها وأجدر أن لا تكون من أمر النبوة وأنها تكون من حيل الناس, ثم سألنا عما أراد فأخبرناه, ثم قال كيف صلاتكم وصومكم ؟ فأخبرناه, فقال: قوموا فأمر لنا بمنزل حسن ونزل كثير فأقمنا ثلاثاً فأرسل إلينا ليلاً فدخلنا عليه فاستعاد قولنا فأعدناه, ثم دعا بشيء كهيئة الربعة العظيمة مذهبة فيها بيوت صغار عليها أبواب ففتح بيتاً وقفلاً فاستخرج حريرة سوداء فنشرها فإذا فيها صورة حمراء, وإذا فيها رجل ضخم العينين عظيم الأليتين لم أر مثل طول عنقه, وإذا ليست له لحية وإذا له ضفيرتان أحسن ما خلق الله فقال: أتعرفون هذا, قلنا لا قال: هذا آدم عليه السلام وإذا هو أكثر الناس شعراً, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء وإذا فيها صورة بيضاء وإذا له شعر كشعر القطط أحمر العينين ضخم الهامة حسن اللحية فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا نوح عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج حريرة سوداء وإذا فيها رجل شديد البياض حسن العينين صلت الجبين طويل الخد أبيض اللحية كأنه يبتسم فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا: لا قال: هذا إبراهيم عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فإذا فيه صورة بيضاء وإذا والله رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أتعرفون هذا ؟ قلنا نعم هذا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وبكينا قال: والله يعلم أنه قام قائماً ثم جلس وقال والله إنه لهو قلنا نعم إنه لهو كأنك تنظر إليه فأمسك ساعة ينظر إليها ثم قال: أما إنه كان آخر البيوت ولكني عجلته لكم لأنظر ما عندكم, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فإذا فيها صورة أدماء سحماء وإذا رجل جعد قطط غائر العينين حديد النظر عابس متراكب الأسنان متقلص الشفة كأنه غضبان فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا موسى عليه السلام وإلى جنبه صورة تشبهه إلا أنه مدهان الرأس عريض الجبين في عينيه نبل فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا قال: هذا هارون بن عمران عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل آدم سبط ربعة كأنه غضبان فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا لوط عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أبيض مشرب حمرة أقنى خفيف العارضين حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا إسحاق عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة تشبه إسحاق إلا أنه على شفته خال فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا يعقوب عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة رجل أبيض حسن الوجه أقنى الأنف حسن القامة يعلو وجهه نور يعرف في وجهه الخشوع يضرب إلى الحمرة قال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا إسماعيل جد نبيكم صلى الله عليه وسلم, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة كصورة آدم كأن وجهه الشمس فقال هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا يوسف عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فإذا فيها صورة رجل أحمر حمش الساقين أخفش العينين ضخم البطن ربعة متقلد سيفاً فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا داود عليه السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة بيضاء فيها صورة رجل ضخم الأليتين طويل الرجلين راكب فرساً فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا سليمان بن داود عليهما السلام, ثم فتح باباً آخر فاستخرج منه حريرة سوداء فيها صورة بيضاء وإذا شاب شديد سواد اللحية كثير الشعر حسن العينين حسن الوجه فقال: هل تعرفون هذا ؟ قلنا لا, قال: هذا عيسى ابن مريم عليه السلام, قلنا من أين لك هذه الصور ؟ لأنا نعلم أنها على ما صورت عليه الأنبياء عليهم السلام لأنا رأينا صورة نبينا عليه السلام مثله, فقال: إن آدم عليه السلام سأل ربه أن يريه الأنبياء من ولده فأنزل عليه صورهم, فكانت في خزانة آدم عليه السلام عند مغرب الشمس فاستخرجها ذو القرنين من مغرب الشمس فدفعها إلى دانيال, ثم قال: أما والله إن نفسي طابت بالخروج من ملكي وإني كنت عبداً لأشركم ملكة حتى أموت, ثم أجازنا فأحسن جائزتنا وسرحنا فلما أتينا أبا بكر الصديق رضي الله عنه فحدثناه بما أرانا وبما قال لنا وما أجازنا, قال فبكى أبو بكر, وقال: مسكين لو أراد الله به خيراً لفعل ثم قال: أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم واليهود يجدون نعت محمد صلى الله عليه وسلم عندهم ", وهكذا أورده الحافظ الكبير البيهقي رحمه الله في كتاب دلائل النبوة عن الحاكم إجازة فذكره وإسناده لا بأس به. وقال ابن جرير: حدثنا المثنى حدثنا عثمان بن عمر حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو فقلت أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة قال أجل والله إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن "يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً" وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي اسمك المتوكل ليس بفظ ولا غليظ ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به قلوباً غلفاً وآذاناً صماً وأعيناً عمياً, قال عطاء: ثم لقيت كعباً فسألته عن ذلك فما اختلف حرفاً إلا أن كعباً قال بلغته: قال قلوباً غلوفياً وآذاناً صمومياً وأعيناً عمومياً, وقد رواه البخاري في صحيحه عن محمد بن سنان عن فليح عن هلال بن علي فذكر بإسناده نحوه, وزاد بعد قوله ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح, وذكر حديث عبد الله بن عمرو, ثم قال: ويقع في كلام كثير من السلف إطلاق التوراة على كتب أهل الكتاب, وقد ورد في بعض الأحاديث ما يشبه هذا والله أعلم.
وقال الحافظ أبو القاسم الطبراني: حدثنا موسى بن هارون, حدثنا محمد بن إدريس بن وراق بن الحميدي, حدثنا محمد بن عمر بن إبراهيم من ولد جبير بن مطعم قال: حدثتني أم عثمان بنت سعيد وهي جدتي عن أبيها سعيد بن محمد بن جبير عن أبيه محمد بن جبير عن أبيه جبير بن مطعم قال: خرجت تاجراً إلى الشام فلما كنت بأدنى الشام لقيني رجل من أهل الكتاب فقال: هل عندكم رجل نبياً ؟ قلت نعم, قال: هل تعرف صورته إذا رأيتها ؟ قلت نعم, فأدخلني بيتاً فيه صور فلم أر صورة النبي صلى الله عليه وسلم, فبينا أنا كذلك إذ دخل رجل منهم علينا فقال: فيم أنتم ؟ فأخبرناه فذهب بنا إلى منزله فساعة ما دخلت نظرت إلى صورة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا رجل آخذ بعقب النبي صلى الله عليه وسلم قلت: من هذا الرجل القابض على عقبه ؟ قال إنه لم يكن نبي إلا كان بعده نبي إلا هذا النبي فإنه لا نبي بعده وهذا الخليفة بعده وإذا صفة أبي بكر رضي الله عنه وقال أبو داود: حدثنا عمر بن حفص أبو عمرو الضرير حدثنا حماد بن سلمة أن سعيد بن أياس الجريري أخبرهم عن عبد الله بن شقيق العقيلي عن الأقرع مؤذن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بعثني عمر إلى الأسقف فدعوته فقال له عمر: هل تجدني في الكتاب ؟ قال نعم, قال: كيف تجدني ؟ قال: أجدك قرناً فرفع عمر الدرة وقال: قرن مه ؟ قال: قرن حديد أمير شديد, قال: فكيف تجد الذي بعدي ؟ قال: أجد خليفة صالحاً غير أنه يؤثر قرابته, قال عمر يرحم الله عثمان ثلاثاً قال: كيف تجد الذي بعده ؟ قال: أجده صدأ حديد, قال فوضع عمر يده على رأسه وقال: يا دفراه يا دفراه قال: يا أمير المؤمنين إنه خليفة صالح ولكنه يستخلف حين يستخلف والسيف مسلول والدم مهراق وقوله تعالى: "يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر" هذه صفة الرسول صلى الله عليه وسلم في الكتب المتقدمة وهكذا كانت حاله عليه الصلاة والسلام لا يأمر إلا بخير ولا ينهى إلا عن شر كما قال عبد الله بن مسعود إذا سمعت الله يقول "يا أيها الذين آمنوا" فأرعها سمعك فإنه خير تؤمر به أو شر تنهى عنه, ومن أهم ذلك وأعظمه ما بعثه الله به من الأمر بعبادته وحده لا شريك له والنهي عن عبادة من سواه كما أرسل به جميع الرسل قبله كما قال تعالى: " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت ". وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو عامر هو العقدي عبد الملك بن عمرو, حدثنا سليمان هو ابن بلال عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن عبد الملك بن سعيد عن أبي حميد وأبي أسيد رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "إذا سمعتم الحديث عني تعرفه قلوبكم وتلين له أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم قريب فأنا أولاكم به, وإذا سمعتم الحديث عني تنكره قلوبكم وتنفر منه أشعاركم وأبشاركم وترون أنه منكم بعيد فأنا أبعدكم منه" رواه الإمام أحمد رضي الله عنه بإسناد جيد ولم يخرجه أحد من أصحاب الكتب, وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن علي رضي الله عنه قال: إذا سمعتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهدى والذي هو أهنى والذي هو أتقى ثم رواه عن يحيى عن ابن سعيد عن مسعر عن عمرو بن مرة عن أبي البختري عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه قال إذا حدثتم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً فظنوا به الذي هو أهداه وأهناه وأتقاه, وقوله "ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث" أي يحل لهم ما كانوا حرموه على أنفسهم من البحائر والسوائب والوصائل والحام ونحو ذلك مما كانوا ضيقوا به على أنفسهم ويحرم عليهم الخبائث, قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله تعالى. قال بعض العلماء فكل ما أحل الله تعالى من المآكل فهو طيب نافع في البدن والدين وكل ما حرمه فهو خبيث ضار في البدن والدين وقد تمسك بهذه الاية الكريمة من يرى التحسين والتقبيح العقليين وأجيب عن ذلك بما لا يتسع هذا الموضع له وكذا احتج بها من ذهب من العلماء, إلا أن المرجع في حل المآكل التي لم ينص على تحليلها ولا تحريمها إلى ما استطابته العرب في حال رفاهيتها وكذا في جانب التحريم إلى ما استخبثته وفيه كلام طويل أيضاً. وقوله "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" أي أنه جاء بالتيسير والسماحة كما ورد الحديث من طرق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "بعثت بالحنيفية السمحة" وقال صلى الله عليه وسلم لأميريه معاذ وأبي موسى الأشعري لما بعثهما إلى اليمن "بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا وتطاوعا ولا تختلفا" وقال صاحبه أبو برزة الأسلمي: إني صحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم وشهدت تيسيره, وقد كانت الأمم التي قبلنا في شرائعهم ضيق عليهم, فوسع الله على هذه الأمة أمورها وسهلها لهم ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله تجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تقل أو تعمل" وقال "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" ولهذا قال: أرشد الله هذه الأمة أن يقولوا "ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين" وثبت في صحيح مسلم أن الله تعالى قال: بعد كل سؤال من هذه قد فعلت قد فعلت, وقوله "فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه" أي عظموه ووقروه, وقوله "واتبعوا النور الذي أنزل معه" أي القرآن والوحي الذي جاء به مبلغاً إلى الناس "أولئك هم المفلحون" أي في الدنيا والاخرة .
ثم بين سبحانه هؤلاء الذين كتب لهم هذه الرحمة ببيان أوضح مما قبله وأصرح فقال: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" وهو محمد عليه الصلاة والسلام، فخرجت اليهود والنصارى وسائر الملل. والأمي: إما نسبة إلى الأمة الأمية التي لا تكتب ولا تحسب: وهم العرب، أو نسبة إلى الأم. والمعنى أنه باق على حالته التي ولد عليها لا يكتب ولا يقرأ المكتوب، وقيل: نسبة إلى أم القرى، وهي مكة "الذي يجدونه" يعني اليهود والنصارى: أي يجدون نعته "مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل" وهما مرجعهم في الدين، وهذا الكلام منه سبحانه مع موسى قبل نزول الإنجيل فهو من باب الإخبار بما سيكون، ثم وصف هذا النبي الذي يجدونه كذلك بأنه يأمر بالمعروف: أي بكل ما تعرفه القلوب ولا تنكره من الأشياء التي هي من مكارم الأخلاق "وينهاهم عن المنكر" أي ما تنكره القلوب ولا تعرفه، وهو ما كان من مساوئ الأخلاق، قيل إن قوله: "يأمرهم بالمعروف" إلى قوله: "أولئك هم المفلحون" كلام يتضمن تفصيل أحكام الرحمة التي وعد بها ذكر معناه الزجاج، وقيل هو في محل نصب على الحال من النبي، وقيل هو مفسر لقوله: "مكتوباً". قوله: "يحل لهم الطيبات" أي المستلذات وقيل: يحل لهم ما حرم عليهم من الأشياء التي حرمت عليهم بسبب ذنوبهم "ويحرم عليهم الخبائث" أي المستخبئات كالحشرات والخنازير "ويضع عنهم إصرهم" الإصر الثقل: أي يضع عنهم التكاليف الشاقة الثقيلة. وقد تقدم بيانه في البقرة "والأغلال التي كانت عليهم" أي ويضع عنهم الأغلال التي كانت عليهم، الأغلال مستعارة للتكاليف الشاقة التي كانوا قد كلفوها "فالذين آمنوا به" أي بمحمد صلى الله عليه وسلم "واتبعوه" فيما جاء به من الشرائع "وعزروه" أي عظموه ووقروه، قاله الأخفش، وقيل: معناه منعوه من عدوه، وأصل العزر: المنع، وقرأ الجحدري "وعزروه" بالتخفيف "ونصروه" أي قاموا بنصره على من يعاديه "واتبعوا النور الذي أنزل معه" أي اتبعوا القرآن الذي أنزل عليه مع نبوته، وقيل المعنى: واتبعوا القرآن المنزل إليه مع اتباعه بالعمل بسنته مما يأمر به وينهى عنه، أو اتبعوا القرآن مصاحبين له في اتباعه، والإشارة بـ "أولئك" إلى المتصفين بهذه الأوصاف "هم المفلحون" الفائزون بالخير والفلاح لا غيرهم من الأمم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "واختار موسى قومه" الآية. قال كان الله أمره أن يختار من قومه سبعين رجلاً، فاختار سبعين رجلاً فبرز بهم ليدعوا ربهم، فكان فيما دعوا الله أن قالوا: اللهم أعطنا ما لم تعط أحداً من قبلنا ولا تعطه أحداً بعدنا، فكره الله ذلك من دعائهم فأخذتهم الرجفة "قال" موسى " رب لو شئت أهلكتهم من قبل وإياي أتهلكنا بما فعل السفهاء منا إن هي إلا فتنتك " يقول: إن هي إلا عذابك تصيب به من تشاء وتصرفه عمن تشاء. وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد "لميقاتنا" قال: لتمام الموعد وفي قوله: "فلما أخذتهم الرجفة" قال: ماتوا ثم أحياهم. وأخرج ابن أبي شيبة وأبو الشيخ عن أبي العالية في قوله: "إن هي إلا فتنتك" قال: بليتك. وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس "إن هي إلا فتنتك" قال: مشيئتك. وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: إن السبعين الذين اختارهم موسى من قومه، إنما أخذتهم الرجفة، لأنهم لم يرضوا العمل ولم ينهوا عنه. وأخرج سعيد بن منصور عنه في قوله: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة" فلم يعطها موسى "قال عذابي أصيب به من أشاء" إلى قوله: "المفلحون". وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: "واكتب لنا في هذه الدنيا حسنة وفي الآخرة" قال: فكتب الرحمة يومئذ لهذه الأمة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم من طرق عن ابن عباس في قوله: "إنا هدنا إليك" قال: تبنا إليك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير مثله. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي وجزة السعدي، وكان من أعلم الناس بالعربية قال: لا والله ما أعلمها في كلام العرب هدنا، قيل: فكيف قال هدنا بكسر الهاء، يقول: ملنا. وأخرج عبد الرزاق وأحمد في الزهد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن وقتادة في قوله: "ورحمتي وسعت كل شيء" قال: وسعت رحمته في الدنيا البر والفاجر. وهي يوم القيامة للذين اتقوا خاصة. وأخرج مسلم وغيره عن سلمان عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن لله مائة رحمة فمنها رحمة يتراحم بها الخلق وبها تعطف الوحوش على أولادها، وأخر تسعة وتسعين إلى يوم القيامة". وأخرج نحوه أحمد وأبو داود والطبراني والحاكم والضياء المقدسي من حديث جندب بن عبد الله العجلي. وأخرج أبو الشيخ عن السدي قال: لما نزلت "ورحمتي وسعت كل شيء" قال إبليس: وأنا من الشيء، فنسخها الله، فنزلت "فسأكتبها للذين يتقون" إلى آخر الآية. وأخرج ابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن جريج قال: لما نزلت "ورحمتي وسعت كل شيء" قال إبليس: أنا من الشيء، قال الله تعالى: "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة" قالت اليهود: فنحن نتقي ونؤتي الزكاة، قال الله: "الذين يتبعون الرسول النبي الأمي" فعزلها الله عن إبليس وعن اليهود، وجعلها لأمة محمد صلى الله عليه وسلم. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن قتادة نحوه. وأخرج البزار في مسنده وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال: سأل موسى ربه مسألة فأعطاها محمداً صلى الله عليه وسلم. قوله: "واختار موسى قومه" إلى قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" فأعطى محمداً كل شيء سأل موسى ربه في هذه الآية. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في قوله: "فسأكتبها للذين يتقون" قال: كتبها الله لهذه الأمة. وأخرج ابن جرير عنه في الآية قال: يتقون الشرك. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن النخعي في قوله: "النبي الأمي" قال: كان لا يقرأ ولا يكتب. وأخرج عبد بن حميد وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: هو نبيكم صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يكتب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: "الذي يجدونه مكتوباً عندهم" قال: يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوباً عندهم. وأخرج ابن سعد والبخاري وابن جرير والبيهقي في الدلائل عن عطاء بن يسار قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، فقلت له: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً، وحرزاً للأميين أنت عبدي ورسولي سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ولا تجزي بالسيئة السيئة، ولكن تعفو وتصفح، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً. وأخرج ابن سعد والدارمي في مسنده والبيهقي في الدلائل وابن عساكر عن عبد الله بن سلام مثله. وقد روي نحو هذا مع اختلاف في بعض الألفاظ وزيادة في بعض ونقص في بعض عن جماعة. وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله: "ويحل لهم الطيبات" قال: الحلال "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" قال: التثقيل الذي كان في دينهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: "ويحرم عليهم الخبائث" قال: كلحم الخنزير والربا وما كانوا يستحلونه من المحرمات من المآكل التي حرمها الله، وفي قوله: "ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم" قال: هو ما كان الله أخذ عليهم من الميثاق فيما حرم عليهم. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: "ويضع عنهم إصرهم" قال: ما غلظ على بني إسرائيل من قرض البول من جلودهم إذا أصابهم ونحوه. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "وعزروه" يعني: عظموه ووقروه.
157 - " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " الآية . قال نوف البكالي الحميري : لما اختار موسى قومه سبعين رجلاً ، قال الله تعالى لموسى : اجعل لكم الأرض مسجداً وطهوراً ، تصلون حيث أدركتكم الصلاة إلا عند مرحاض أو حمام أو قبر ، وأجعل السكينة في قلوبكم ، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهر قلوبكم ، يقرؤها الرجل والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير ، فقال ذلك موسى لقومه ، فقالوا : لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس ، ولا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا ، ولا نستطيع أن نقرأ التوراة عن ظهور قلوبنا ، ولا نريد أن نقرأها إلا نظراً ، فقال الله تعالى : "فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة " إلى قوله : " أولئك هم المفلحون " ، فجعلها الله لهذه الأمة . فقال موسى عليه السلام : يا رب اجعلني نبيهم ، فقال : نبيهم منهم . قال : يا رب اجعلني منهم فقال : إنك لن تدركهم ، فقال موسى عليه السلام : يا رب إني أتيتك بوفد بني إسرائيل فجعلت وفادتنا لغيرنا ، فأنزل الله تعالى : " ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " ( الأعراف - 159 ) ، فرضي موسى .
قوله تعالى : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم . قال ابن عباس رضي الله عنهما هو نبيكم كان أمياً لا يكتب ولا يقرأ ولا يحسب . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب " . وهو منسوب إلى الأم ، أي هو على ما ولدته أمه . وقيل هو منسوب إلى أمته ، أصله أمتي فسقطت التاء في النسبة كما سقطت في المكي والمدني وقيل : هو منسوب إلى أم القرى وهي مكة .
" الذي يجدونه " أي : يجدون صفته ونعته ونبوته ، " مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " .
أخبرنا عبدالواحد المليحي أنا أحمد بن عبدالله النعيمي أنا محمد بن يوسف حدثنا محمد بن إسماعيل حدثنا محمد بن سنان حدثنا فليح حدثنا هلال عن عطاء بن يسار قال لقيت عبدالله بن عمرو بن العاص ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة : قال : أجل ، والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً ، وحرزاً للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يدفع بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر ، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء ، يقولوا : لا إله إلا الله ، ويفتح به أعيناً عمياً وآذاناً صماً وقلوباً غلفاً .
تابعه عبدالعزيز بن سلمة ، عن هلال عن عطاء عن ابن سلام أخبرنا الإمام الحسين بن محمد القاضي أنا أبو العباس عبدالله بن محمد بن هارون الطيسفوني أنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي أنا أبو بكر أحمد بن محمد بن بسطام أنا أبو الحسن بن سيار القرشي حدثنا عبدالله بن عثمان بن أبي حمزة عن الأعمش عن أبي صالح عن عبدالله بن ضمرة بن كعب - رضي الله عنه - قال : إني أجد في التوراة مكتوباً محمد رسول الله لا فظ ولا غليظ ولا سخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح ، أمته الحمادون يحمدون الله في كل منزلة ويكبرونه على كل نجد ،يأتزرون على أنصافهم ويوضؤون أطرافهم ، صفهم في الصلاة وصفهم في القتال سواء ، مناديهم ينادي في جو السماء ، لهم في جوف الليل دوي النحل ، مولده بمكة ومهاجره بكابة وملكه بالشام .
قوله تعالى : " يأمرهم بالمعروف " أي : بالإيمان ، " وينهاهم عن المنكر " أي : عن الشرك ، وقيل : المعروف : الشريعة والسنة ، والمنكر: مالا يعرف في شريعة ولا سنة . وقال عطاء : يأمرهم بالمعروف : بخلع الأنداد ، ومكارم الأخلاق ، وصلة الأرحام ، وينهاهم عن المنكر : عن عبادة الأوثان وقطع الأرحام . " ويحل لهم الطيبات " يعني : ما كانوا يحرمونه في الجاهلية من البحيرة و السائبة و الوصيلة و الحام " ويحرم عليهم الخبائث " يعني : الميتة ، والدم ، ولحم الخنزير ، والزنا وغيرها من المحرمات . " ويضع عنهم إصرهم " ، قرأ ابن عامر ( آصارهم ) بالجمع . والإصر : كل ما يثقل على الإنسان من قول أو فعل .
قال ابن عباس و الحسن و الضحاك و السدي و مجاهد : يعني العهد الثقيل كان أخذ على بني إسرائيل بالعمل بما في التوراة .
وقال قتادة : يعني التشديد الذي كان عليهم في الدين ، " والأغلال " ، يعني : الأثقال " التي كانت عليهم " ، وذلك مثل : قتل الأنفس في التوبة ، وقطع الأعضاء الخاطئة ، وقرض النجاسة عن الثوب بالمقراض ، وتعيين القصاص في القتل وتحريم أخذ الدية ، وترك العمل في السبت ، وأن صلاتهم لا تجوز إلا في الكنائس وغير ذلكم الشدائد . وشبهت بالأغلال التي تجمع اليد إلى العنق . " فالذين آمنوا به " ، أي : بمحمد صلى الله عليه وسلم . " وعزروه " . وقروه ، " ونصروه " على الأعداء " واتبعوا النور الذي أنزل معه " . يعني : القرآن " أولئك هم المفلحون " .
157. " الذين يتبعون الرسول النبي " مبتدأ خبره يأمرهم ، أو خبر مبتدأ تقديره هم الذين ، أو بدل من الذين يتقون بدل البعض أو الكل، والمراد من آمن منهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنما سماه رسولا بالإضافة إلى الله تعالى ونبيا بالإضافة إلى العباد . " الأمي " الذي لا يكتب ولا يقرأ ، وصفه به تنبيها على أن كمال علمه مع حاله إحدى معجزاته . " الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل " اسما وصفة . " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات " مما حرم عليهم كالشحوم . " ويحرم عليهم الخبائث " كالدم ولحم الخنزير أو كالربا والرشوة . " ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم " ويخفف عنهم ما كلفوا به من التكاليف الشاقة كتعيين القصاص في العمد والخطأ ، وقطع الأعضاء الخاطئة وقرض موضع النجاسة ، وأصل الإصر الثقل الذي يأصر صاحبه أي يحبسه من الحراك لثقله . وقرأ ابن عامر (آصارهم )" فالذين آمنوا به وعزروه " وعظموه بالتقوية . وقرئ بالتخفيف وأصله المنع ومنه التعزير ." ونصروه " لي . " واتبعوا النور الذي أنزل معه " أي مع نبوته يعني القرآن ، وإنما سماه نورا لأنه بإعجازه ظاهر أمره مظهر غيره ، أو لأنه كاشف الحقائق مظهر لها ، ويجوز أن يكون معه متعلقا باتبعوا أي واتبعوا النور المنزل مع اتباع النبي يكون إشارة إلى اتباع الكتاب والسنة . " أولئك هم المفلحون " الفائزون بالرحمة الأبدية ، ومضمون الآية جواب دعاء موسى صلى الله عليه وسلم .
157. Those who follow the messenger, the Prophet who can neither read nor write, whom they will find described in the Torah and the Gospel (which are) with them. He will enjoin on them that which is right and forbid them that which is wrong. He will make lawful for them all good things and prohibit for them only the foul; and he will relieve them of their burden and the fetters that they used to wear. Then those who believe in him, and honor him and help him, and follow the light which is sent down with him: they are the successful.
157 - Those who follow the apostle, the unlettered prophet, whom they find mentioned in their own (scriptures), in the law and the Gospel; for he commands them what is just and forbids them what is evil; he allows them as lawful what is good (and pure) and prohibits them from what is bad (and impure); he releases them from their heavy burdens and from the yokes that are upon them. so it is those who believe in him, honor him, help him, and follow the light which is sent down with him, it is they who will prosper.