154 - (ولما سكت) سكن (عن موسى الغضب أخذ الألواح) التي ألقاها (وفي نسختها) أي ما نسخ فيها أي كتب (هدى) من الضلالة (ورحمة للذين هم لربهم يرهبون) يخافون وأدخل اللام على المفعول لتقدمه
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله: " ولما سكت عن موسى الغضب "، ولما كف عنه وسكن. وكذلك كل كاف عن شيء: ((ساكت عنه))، وإنما قيل للساكت عن الكلام ((ساكت))، لكفه عنه. وقد ذكر عن يونس الجرمي أنه قال: يقال: ((سكت عنه الحزن))، وكل شيء، فيما زعم، ومنه قول أبي النجم:
وهمت الأفعى بأن تسيحا وسكت المكاء أن يصيحا
" أخذ الألواح "، يقول: أخذها بعد ما ألقاها، وقد ذهب منها ما ذهب، " وفي نسختها هدى ورحمة "، يقول: وفيما نسخ فيها، أي كتب فيها، " هدى " بيان للحق، " ورحمة للذين هم لربهم يرهبون "، يقول: للذين يخافون الله ويخشون عقابه على معاصيه.
واختلف أهل العربية في وجه دخول ((اللام)) في قوله: " لربهم يرهبون "، مع استقباح العرب أن يقال في الكلام: ((رهبت لك))، بمعنى: رهبتك، و((أكرمت لك))، بمعنى: أكرمتك.
فقال بعضهم: ذلك كما قال جل ثناؤه: " إن كنتم للرؤيا تعبرون " [يوسف: 43]، أوصل الفعل باللام.
وقال بعضهم: من أجل ربهم يرهبون. وقال بعضهم: إنما دخلت عقيب الإضافة: الذين هم راهبون لربهم، وراهبو ربهم، ثم أدخلت ((اللام)) على هذا المعنى، لأنها عقيب الإضافة، لا على التكليف.
وقال بعضهم: إنما فعل ذلك، لأن الاسم تقدم الفعل، فحسن إدخال ((اللام)).
وقال آخرون: قد جاء مثله في تأخير الاسم في قوله: " ردف لكم بعض الذي تستعجلون " [النمل: 72].
وذكر عن عيسى بن عمر أنه قال: سمعت الفرزدق يقول: ((نقدت له مئة درهم))، يريد: نقدته مئة درهم. قال: والكلام واسع.
قوله تعالى: "ولما سكت عن موسى الغضب" أي سكن. وكذلك قرأها معاوية بن قرة سكن بالنون. وأصل السكوت السكون والإمساك، يقال: جرى الوادي ثلاثاً ثم سكن، أي أمسك عن الجري. وقال عكرمة: سكت موسى عن الغضب، فهو من المقلوب. كقولك: أدخلت الأصبع في الخاتم، وأدخلت الخاتم في الأصبع. وأدخلت القلنسوة في رأسي، وأدخلت رأسي في القلنسوة. "أخذ الألواح" التي ألقاها. "وفي نسختها هدى ورحمة" أي هدىً من الضلالة، ورحمة أي من العذاب. والنسخ: نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر. ويقال للأصل الذي كتبت منه: نسخة، وللفرع نسخة. فقيل: لما تكسرت الألواح صام موسى أربعين يوماً، فردت عليه وأعيدت له تلك الألواح في لوحين، ولم يفقد منها شيئاً، ذكره ابن عباس. قال القشيري: فعلى هذا "وفي نسختها" أي وفيما نسخ من الألواح المتكسرة ونقل إلى الألواح الجديدة هدىً ورحمة. وقال عطاء: وفيما بقي منها. وذلك أنه لم يبق منها إلا سبعها، وذهب ستة أسباعها. ولكن لم يذهب من الحدود والأحكام شيء. وقيل: المعنى وفي نسختها أي وفيما نسخ له منها من اللوح المحفوظ هدىً. وقيل: المعنى وفيما كتب له فيها هدىً ورحمة، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه. وهذا كما يقال: انسخ ما يقول فلان، أي أثبته في كتابك.
قوله تعالى: "للذين هم لربهم يرهبون" أي يخافون. وفي اللام ثلاثة أقوال: قول الكوفيين هي زائدة. قال الكسائي: حدثني من سمع الفرزدق يقول: نقدت لها مائة درهم، بمعنى نقدتها. وقيل: هي لام أجل، المعنى: والذين هم من أجل ربهم يرهبون لا رياء ولا سمعة، عن الأخفش. وقال محمد بن يزيد: هي متعلقة بمصدر، المعنى: للذين هم رهبتهم لربهم. وقيل: لما تقدم المفعول حسن دخول اللام، كقوله: "إن كنتم للرؤيا تعبرون" [يوسف: 43]. فلما تقدم المعمول وهو المفعول ضعف عمل الفعل فصار بمنزلة ما لا يتعدى.
يقول تعالى: "ولما سكت" أي سكن "عن موسى الغضب" أي غضبه على قومه "أخذ الألواح" أي التي كان ألقاها من شدة الغضب على عبادتهم العجل غيرة لله وغضباً له "وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون" يقول كثير من المفسرين إنها لما ألقاها تكسرت ثم جمعها بعد ذلك ولهذا قال بعض السلف فوجد فيها هدى ورحمة, وأما التفصيل فذهب وزعموا أن رضاضها لم يزل موجوداً في خزائن الملوك لبني إسرائيل إلى الدولة الإسلامية والله أعلم بصحة هذا وأما الدليل الواضح على أنها تكسرت حين ألقاها وهي من جوهر الجنة فقد أخبر تعالى أنه لما أخذها بعد ما ألقاها وجد فيها"هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون" ضمن الرهبة معنى الخضوع, ولهذا عداها باللام. وقال قتادة: في قوله تعالى: "أخذ الألواح" قال رب إني أجد في الألواح أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة هم الاخرون السابقون أي آخرون في الخلق سابقون في دخول الجنة رب اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها وكان من قبلهم يقرؤون كتابهم نظراً حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئاً ولم يعرفوه وإن الله أعطاهم من الحفظ شيئاً: لم يعطه أحد من الأمم. قال رب اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة يؤمنون بالكتاب الأول وبالكتاب الاخر ويقاتلون فصول الضلالة حتى يقاتلون الأعور الكذاب فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة صدقاتهم يأكلونها في بطونهم ويؤجرون عليها, وكان من قبلهم من الأمم إذا تصدق بصدقة فقبلت منه بعث الله عليها ناراً فأكلتها وإن ردت عليه تركت فتأكلها السباع والطير وإن الله أخذ صدقاتهم من غنيهم لفقيرهم قال رب فاجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة إذا هم أحدهم بحسنة ثم لم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتبت له عشر أمثالها إلى سبعمائة, رب اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد. قال رب إني أجد في الألواح أمة هم المشفوعون والمشفوع لهم فاجعلهم أمتي, قال تلك أمة أحمد. قال قتادة فذكر لنا أن نبي الله موسى عليه السلام نبذ الألواح وقال اللهم اجعلني من أمة أحمد .
قوله: 154- "ولما سكت عن موسى الغضب" أصل السكوت السكون والإمساك، يقال: جرى الوادي ثلاثاً ثم سكن: أي أمسك عن الجري: قيل: هذا مثل كأن الغضب كان يغريه على ما فعل، ويقول له: قل لقومك كذا وألق الألواح وجر برأس أخيك فترك الإغراء وسكت، وقيل: هذا الكلام فيه قلب، والأصل سكت موسى عن الغضب كقولهم: أدخلت الأصبع الخاتم، والخاتم الأصبع، وأدخلت القلنسوة رأسي، ورأسي القلنسوة. وقرأ معاوية بن قرة ولما سكن عن موسى الغضب وقرئ سكت وأسكت "أخذ الألواح" التي ألقاها عند غضبه "وفي نسختها هدى ورحمة" النسخ نقل ما في كتاب إلى كتاب آخر، ويقال للأصل الذي كان النقل منه: نسخة وللمنقول نسخة أيضاً. قال القشيري. والمعنى "وفي نسختها": أي فيما نسخ من الألواح المتكسرة ونقل إلى الألواح الجديدة "هدى ورحمة" وقيل المعنى: وفيما نسخ له منها: أي من اللوح المحفوظ، وقيل المعنى: وفيما كتب له فيها هدى ورحمة، فلا يحتاج إلى أصل ينقل عنه، وهذا كما يقال: أنسخ ما يقول فلان: أي أثبته في كتابك والنسخة فعلة، بمعنى مفعولة كالخطبة. والهدى ما يهتدون به من الأحكام، والرحمة ما يحصل لهم من الله عند عملهم بما فيها من الرحمة الواسعة، واللام في "للذين هم" متعلقة بمحذوف: أي كائنة لهم أو لأجلهم، واللام في "لربهم يرهبون" للتقوية للفعل لما كان مفعوله متقدماً عليه فإنه يضعف بذلك بعض الضعف. وقد صرح الكسائي بأنها زائدة. وقال الأخفش: هي لام الأجل أي لأجل ربهم يرهبون. وقال محمد بن يزيد المبرد: هي متعلقة بمصدر الفعل المذكور، والتقدير: للذين هم رهبتهم لربهم يرهبون.
وقد أخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن أيوب قال: تلا أبو قلابة هذه الآية "إن الذين اتخذوا العجل" إلى قوله: "وكذلك نجزي المفترين" قال: هو جزاء كل مفتر يكون إلى يوم القيامة أن يذله الله. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أعطي موسى التوراة في سبعة ألواح من زبرجد، فيها تبيان لكل شيء وموعظة، ولما جاء فرأى بني إسرائيل عكوفاً على العجل رمى التوراة من يده فتحطمت، وأقبل على هارون فأخذ برأسه فرفع الله منها ستة أسباع وبقي سبع: " ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة " قال: فيما بقي منها. وأخرج ابن المنذر عن مجاهد أو سعيد بن جبير قال: كانت الألواح من زمرد فلما ألقاها موسى ذهب التفصيل، وبقي الهدى والرحمة، وقرأ وكتبنا له في الألواح موعظة وتفصيلاً لكل شيء وقرأ "ولما سكت عن موسى الغضب أخذ الألواح وفي نسختها هدى ورحمة" قال: ولم يذكر التفصيل هاهنا.
154 - قوله تبارك وتعالى : " ولما سكت " أي : سكن ، " عن موسى الغضب أخذ الألواح " التي كان ألقاها وقد ذهب ستة أسباعها " وفي نسختها " اختلفوا فيه ، قيل أراد بها الألواح ، لأنها نسخت من اللوح المحفوظ .
وقيل : إن موسى لم ألقى الألواح تكسرت فنسخ منها نسخة أخرى فهو المراد من قوله : " وفي نسختها " .
وقيل : أراد : وفيما نسخ منها . وقال عطاء : فيما بقيى منها . وقال ابن عباس و عمرو بن دينار : لما ألقى موسى الألواح فتكسرت صام أربعين يوماً فردت عليه في لوحين فكان فيه ، " هدىً ورحمة " ، أي : هدى من الضلالة ورحمة من العذاب ، " للذين هم لربهم يرهبون " ، أي : للخائفين من ربهم ، واللام في " لربهم " زيادة توكيد ، كقوله :" ردف لكم " ( النمل - 72 ) ، وقال الكسائي : لما تقدمت قبل الفعل حسنت ، كقوله : " للرؤيا تعبرون " (يوسف - 43 ) ، وقال قطرب : أراد من ربهم يرهبون . وقيل : أراد راهبون . وقيل : أراد راهبون لربهم .
154. " ولما سكت " سكن وقد قرئ به . " عن موسى الغضب " باعتذار هارون ، أو بتوبتهم وفي هذا الكلام مبالغة وبلاغة من حيث إنه جعل الغضب الحامل له على ما فعل كالأمر به والمغري عليه حتى عبر عن سكونه بالسكوت . وقرئ " سكت " و((أسكت )) على أن المسكت هو الله أو أخوه أو الذين تابوا . " أخذ الألواح " التي ألقاها . " وفي نسختها " وفيما نسخ فيها أي كتب ، فعلة بمعنى مفعول كالخطبة وقيل فيما نسخ منها من الألواح المنكسرة , " هدى " بيان للحق , " ورحمة " إرشاد إلى الصلاح والخير ، " للذين هم لربهم يرهبون " دخلت اللام على المفعول لضعف الفعل بالتأخير ، أو حذف المفعول واللام للتعليل والتقدير يرهبون معاصي الله لربهم .
154. Then, when the anger of Moses abated, he took up the tablets, and in their inscription there was guidance and mercy for all those who fear their Lord.
154 - When the anger of Moses was appeased, he took up the tablets: in the writing thereon was guidance and mercy for such as fear their Lord.