15 - (ويذهب غيظ قلوبهم) كربها (ويتوب الله على من يشاء) بالرجوع إلى الإسلام كأبي سفيان (والله عليم حكيم)
قال أبو جعفر: يقول الله تعالى ذكره: ويذهب وجد قلوب هؤلاء القوم المؤمنين من خزاعة، على هؤلاء القوم الذين نكثوا أيمانهم من المشركين، وغمها وكربها بما فيها من الوجد عليهم، بمعونتهم بكراً عليهم، كما:
حدثني ابن وكيع قال، حدثنا عمرو بن محمد العنقزي، عن أسباط، عن السدي : " ويذهب غيظ قلوبهم "، حين قتلهم بنو بكر، وأعانتهم قريش.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن المفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي ، مثله، إلا أنه قال: وأعانتهم عليهم قريش.
وأما قوله: " ويتوب الله على من يشاء "، فإنه خبر مبتدأ، ولذلك رفع، وجزم الأحرف الثلاثة قبل ذلك على وجه المجازاة، كأنه قال: قاتلوهم، فإنكم إن تقاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، ويخزهم، وينصركم عليهم، ثم ابتدأ فقال: " ويتوب الله على من يشاء "، لأن القتال غير موجب لهم التوبة من الله، وهو موجب لهم العذاب من الله، والخزي، وشفاء صدور المؤمنين، وذهاب غيظ قلوبهم، فجزم ذلك شرطاً وجزاءً على القتال، ولم يكن موجباً القتال التوبة، فابتدىء الخبر به ورفع.
ومعنى الكلام: ويمن الله على من يشاء من عباده الكافرين، فيقبل به إلى التوبة بتوفيقه إياه، " والله عليم "، بسرائر عباده، ومن هو للتوبة أهل، فيتوب عليه، ومن منهم غير أهل لها فيخذله، " حكيم "، في تصريف عباده من حال كفر إلى حال إيمان بتوفيقه من وفقه لذلك، ومن حال إيمان إلى كفر، بخذلانه من خذل منهم عن طاعته وتوحيده، وغير ذلك من أمرهم.
قوله تعالى: "ويتوب الله على من يشاء" القراءة بالرفع على الاستئناف، لأنه ليس من جنس الأول. ولهذا لم يقل ويتب بالجزم، لأن القتال غير موجب لهم التوبة من الله جل وعز. وهو موجب لهم العذاب والخزي، وشفاء صدور المؤمنين وذهاب غيظ قلوبهم ونظيره: "فإن يشإ الله يختم على قلبك" [الشورى: 24]. تم الكلام. ثم قال: "ويمح الله الباطل" والذين تاب الله عليهم مثل أبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل وسليم بن أبي عمرو، فإنهم أسلموا. وقرأ ابن أبي إسحاق ويتوب بالنصب. وكذا روي عن عيسى الثقفي والأعرج، وعليه فتكون التوبة داخلة في جواب الشرط، لأن المعنى: إن تقاتلوهم يعذبهم الله. وكذلك ما عطف عليه. ثم قال: "ويتوب الله" أي إن تقاتلوهم. فجمع بين تعذيبهم بأيديكم وشفاء صدورهم وإذهاب غيظ قلوبكم والتوبة عليكم. والرفع أحسن، لأن التوبة لا يكون سببها القتال، إذ قد توجد بغير قتال لمن شاء الله أن يتوب عليه في كل حال.
وهذا أيضاً تهييج وتحضيض وإغراء على قتال المشركين الناكثين بأيمانهم الذين هموا بإخراج الرسول من مكة, كما قال تعالى: "وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين" وقال تعالى: "يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم" الاية, وقال تعالى: "وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها" الاية, وقوله: " وهم بدؤوكم أول مرة " قيل المراد بذلك: يوم بدر حين خرجوا لنصر عيرهم, فلما نجت وعلموا بذلك استمروا على وجوههم, طلباً للقتال بغياً وتكبراً كما تقدم بسط ذلك, وقيل المراد نقضهم العهد وقتالهم مع حلفائهم بني بكر لخزاعة أحلاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سار إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح وكان ما كان ولله الحمد والمنة .
وقوله: "أتخشونهم ؟ فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين" يقول تعالى لا تخشوهم واخشون فأنا أهل أن يخشى العباد من سطوتي وعقوبتي فبيدي الأمر وما شئت كان ومالم أشأ لم يكن, ثم قال عزيمة على المؤمنين وبياناً لحكمته فيما شرع لهم من الجهاد مع قدرته على إهلاك الأعداء بأمر من عنده: "قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين": وهذا عام في المؤمنين كلهم, وقال مجاهد وعكرمة والسدي في هذه الاية "ويشف صدور قوم مؤمنين" يعني خزاعة, وأعاد الضمير في قوله: "ويذهب غيظ قلوبهم" عليهم أيضاً. وقد ذكر ابن عساكر في ترجمة مؤذن لعمر بن عبد العزيز رضي الله عنه عن مسلم بن يسار عن عائشة رضي الله عنها, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غضبت أخذ بأنفها وقال "يا عويش قولي اللهم رب النبي محمد اغفر ذنبي, وأذهب غيظ قلبي وأجرني من مضلات الفتن" ساقه من طريق أبي أحمد الحاكم, عن الباغندي عن هشام بن عمار حدثنا عبد الرحمن بن أبي الجوزاء عنه "ويتوب الله على من يشاء" أي من عباده "والله عليم" أي بما يصلح عباده "حكيم" في أفعاله وأقواله الكونية والشرعية فيفعل ما يشاء ويحكم ما يريد, وهو العادل الحاكم الذي لا يجور أبداً ولا يضيع مثقال ذرة من خير وشر, بل يجازي عليه في الدنيا والاخرة.
والخامسة: أنه سبحانه يذهب بالقتال غيظ قلوب المؤمنين الذي نالهم بسبب ما وقع من الكفار من الأمور الجالبة للغيظ وحرج الصدر. فإن قيل: شفاء الصدور وإذهاب غيظ القلوب كلاهما بمعنى فيكون تكراراً، قيل في الجواب: إن القلب أخص من الصدر، وقيل: إن شفاء الصدر إشارة إلى الوعد بالفتح، ولا ريب أن الانتظار لنجاز الوعد مع الثقة به فيهما شفاء للصدر، وأن إذهاب غيظ القلوب إشارة إلى وقوع الفتح، وقد وقعت للمؤمنين ولله الحمد هذه الأمور كلها، ثم قال: "ويتوب الله على من يشاء" وهو ابتداء كلام يتضمن الإخبار بما سيكون، وهو أن بعض الكافرين يتوب عن كفره كما وقع من بعض أهل مكة يوم الفتح، فإنهم أسلموا وحسن إسلامهم، وهذا على قراءة الرفع في يتوب، وهي قراءة الجمهور: وقرئ بنصب يتوب بإضمار أن، ودخول التوبة في جملة ما أجيب به الأمر من طريق المعنى. قرأ بذلك ابن أبي إسحاق وعيسى الثقفي والأعرج. فإن قيل: كيف تقع التوبة جزاء للمقاتلة؟ وأجيب أن القتال قد يكون سبباً لها إذا كانت من جهة الكفار، وأما إذا كانت من جهة المسلمين فوجهه أن النصر والظفر من جهة الله يكون سبباً لخلوص النية والتوبة عن الذنوب.
15-"ويذهب غيظ قلوبهم"، كربها ووجدها بمعونة قريش بكرا عليهم، ثم قال مستأنفاً: "ويتوب الله على من يشاء"، فيهديه إلى الإسلام كما فعل بأبي سفيان وعكرمة بن أبي جهل و سهيل بن عمرو، "والله عليم حكيم" وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يوم فتح مكة: "ارفعوا السيف إلا خزاعة من بني بكر إلى العصر".
15."ويذهب غيظ قلوبهم " لما لقوا منهم وقد أوفى الله بما وعدهم والآية من المعجزات . "ويتوب الله على من يشاء " ابتداء إخبار بأن بعضهم يتوب عن كفره وقد كان ذلك أيضاً ، وقرئ " ويتوب " بالنصب على إضمار أن على أنه من جملة ما أجيب به الأمر فإن القتال كما تسبب لتعذيب قوم تسبب لتوبة قوم آخرين " والله عليم " بما كان وما سيكون . " حكيم" لا يفعل ولا يحكم إلا على وفق الحكمة .
15. And He will remove the anger of their hearts. Allah relenteth toward whom He will. Allah is Knower, Wise.
15 - And still the indignation of their hearts for God will turn (in mercy) to whom he will; and God is all knowing, all wise.