15 - (وذكر اسم ربه) مكبرا (فصلى) الصلوات الخمس وذلك من أمور الآخرة وكفار مكة معرضون عنها
وقوله : " وذكر اسم ربه فصلى " اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " وذكر اسم ربه فصلى " فقال بعضهم : معنى ذلك : وحد الله .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس " وذكر اسم ربه فصلى " يقول : وحد الله سبحانه وتعالى .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : وذكر الله ودعاه ورغب إليه .
والصواب من القول في ذلك ، أن يقال : وذكر الله فوحده ، ودعاه ورغب إليه ، لأن كل ذلك من ذكر الله ، ولم يخصص الله تعالى من ذكره نوعاً دون نوع .
وقوله : " فصلى " اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، فقال بعضهم : عني به : فصلى الصلوات الخمس .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي عن ابن عباس ، قوله " فصلى " يقول : صلى الصلوات الخمس .
وقال آخرون : عني به : صلاة العيد يوم الفطر .
وقال آخرون : بل عني به : وذكر اسم ربه فدعا ، وقالوا : الصلاة هاهنا : الدعاء .
والصواب من القول أن يقال : عني بقوله " فصلى " : الصلوات ، وذكر الله فيها بالتحميد والتمجيد والدعاء .
قوله تعالى:" وذكر اسم ربه فصلى" أي ذكر ربه. وروى عطاء عن ابن عباس قال: يريد ذكر معاده وموقفه بين يدي الله جل ثناؤه، فعبده وصلى له. وقيل: ذكر اسم ربه بالتكبير في أول الصلاة، لأنها لا تنعقد إلا بذكره، وهو قول: الله أكبر: وبه يحتج على وجوب تكبيرة الافتتاح، وعلى أنها ليست من الصلاة، لأن الصلاة معطوفة عليها. وفيه حجة لمن قال: إن الافتتاح جائز بكل اسم من أسماء الله عز وجل. وهذه مسألة خلافية بين الفقهاء. وقد مضى القول في هذا في أول سورة ((البقرة)). وقيل: هي تكبيرات العيد. قال الضحاك: (وذكر اسم ربه) في طريق المصلى (فصلى)، أي صلاة العيد. وقيل: " وذكر اسم ربه" وهو أن يذكره بقلبه عند صلاته، فيخاف عقابه، ويرجو ثوابه، ليكون استيفاؤه لها، وخشوعه فيها، بحسب خوفه ورجائه. وقيل: هو أن يفتتح أول كل سورة ببسم الله الرحمن الرحيم. (فصلى) أي فصلى وذكر. ولا فرق بين أن تقول: أكرمتني فزرتني، وبين أن تقول: زرتني فأكرمتني. قال ابن عباس: هذا في الصلاة المفروضة، وهي الصلوات الخمس. وقيل: الدعاء، أي دعاء الله بحوائج الدنيا والآخرة. وقيل: صلاة العيد، قاله أبو سعيد الخدري وابن عمر وغيرهما. وقد تقدم. وقيل: هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاته، قاله أبو الأحوص، وهو مقتضى قول عطاء. وروي عن عبد الله قال: من أقام الصلاة ولم يؤت الزكاة فلا صلاة له.
يقول تعالى: "قد أفلح من تزكى" أي طهر نفسه من الأخلاق الرذيلة وتابع ما أنزل الله على الرسول صلوات الله وسلامه عليه "وذكر اسم ربه فصلى" أي أقام الصلاة في أوقاتها ابتغاء رضوان الله وطاعة لأمر الله وامتثالاً لشرع الله. وقد قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا عباد بن أحمد العزرمي , حدثنا عمي محمد بن عبد الرحمن عن أبيه عن عطاء بن السائب , عن عبد الرحمن بن سابط عن جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قد أفلح من تزكى" قال: "من شهد أن لا إله إلا الله وخلع الأنداد وشهد أني رسول الله" "وذكر اسم ربه فصلى" قال: "هي الصلوات الخمس والمحافظة عليها والاهتمام بها" ثم قال: لا يروى عن جابر إلا من هذا الوجه, وكذا قال ابن عباس : إن المراد بذلك الصلوات الخمس, واختاره ابن جرير .
وقال ابن جرير : حدثني عمرو بن عبد الحميد الاملي , حدثنا مروان بن معاوية عن أبي خلدة قال: دخلت على أبي العالية فقال لي: إذا غدوت غداً إلى العيد فمر بي, قال: فمررت به فقال: هل طعمت شيئاً ؟ قلت: نعم. قال: أفضت على نفسك من الماء ؟ قلت: نعم. قال: فأخبرني ما فعلت زكاتك! قلت: قد وجهتها قال: إنما أردتك لهذا ثم قرأ "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال: إن أهل المدينة لا يرون صدقة أفضل منها ومن سقاية الماء (قلت): وقد روينا عن أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز أنه كان يأمر الناس بإخراج صدقة الفطر ويتلو هذه الاية "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال أبو الأحوص : إذا أتى أحدكم سائل وهو يريد الصلاة فليقدم بين يدي صلاته فإن الله تعالى يقول: "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" وقال قتادة في هذه الاية "قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى" زكى ماله وأرضى خالقه.
ثم قال تعالى: "بل تؤثرون الحياة الدنيا" أي تقدمونها على أمر الاخرة وتبدونها على ما فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم " والآخرة خير وأبقى " أي ثواب الله في الدار الاخرة خير من الدنيا وأبقى, فإن الدنيا دنية فانية والاخرة شريفة باقية, فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى ويهتم بما يزول عنه قريباً ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد. قال الإمام أحمد : حدثنا حسين بن محمد , حدثنا ذويد عن أبي إسحاق عن عروة عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الدنيا دار من لا دار له, ومال من لا مال له, ولها يجمع من لا عقل له" وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا يحيى بن واضح , حدثنا أبو حمزة عن عطاء عن عرفجة الثقفي قال استقرأت ابن مسعود " سبح اسم ربك الأعلى * الذي خلق فسوى * والذي قدر فهدى * والذي أخرج المرعى * فجعله غثاء أحوى " إلى قوله " بل تؤثرون الحياة الدنيا " ترك القراءة وأقبل على أصحابه وقال: آثرنا الدنيا على الاخرة, فسكت القوم فقال: آثرنا الدنيا لأنا رأينا زينتها ونساءها وطعامها وشرابها, وزويت عنا الاخرة فاخترنا هذا العاجل وتركنا الاجل, وهذا منه على وجه التواضع والهضم أو هو إخبار عن الجنس من حيث هو والله أعلم.
وقد قال الإمام أحمد : حدثنا سليمان بن داود الهاشمي , حدثنا إسماعيل بن جعفر , أخبرني عمرو بن أبي عمرو عن المطلب بن عبد الله عن أبي موسى الأشعري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أحب دنياه أضر بآخرته, ومن أحب آخرته أضر بدنياه فآثروا ما يبقى على ما يفنى" تفرد به أحمد , وقد رواه أيضاً عن أبي سلمة الخزاعي عن الدراوردي عن عمرو بن أبي عمرو به مثله سواء, وقوله تعالى: "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" قال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا نصر بن علي , حدثنا معتمر بن سليمان عن أبيه عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" قال النبي صلى الله عليه وسلم: "كان كل هذا ـ أو كان هذا ـ في صحف إبراهيم وموسى" ثم قال: لا نعلم أسند الثقات عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس غير هذا, وحديثاً آخر رواه مثل هذا.
وقال النسائي أخبرنا زكريا بن يحيى , أخبرنا نصر بن علي , حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه , عن عطاء بن السائب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "سبح اسم ربك الأعلى" قال: كلها في صحف إبراهيم وموسى, ولما نزلت "وإبراهيم الذي وفى" قال: وفى إبراهيم " ألا تزر وازرة وزر أخرى " يعني أن هذه الاية كقوله تعالى في سورة النجم " أم لم ينبأ بما في صحف موسى * وإبراهيم الذي وفى * ألا تزر وازرة وزر أخرى * وأن ليس للإنسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى " الايات إلى آخرهن, وهكذا قال عكرمة فيما رواه ابن جرير عن ابن حميد عن مهران عن سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة في قوله تعالى: "إن هذا لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" يقول: الايات التي في سبح اسم ربك الأعلى, وقال أبو العالية : قصة هذه السورة في الصحف الأولى, واختار ابن جرير أن المراد بقوله: إن هذا إشارة إلى قوله: " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى * بل تؤثرون الحياة الدنيا * والآخرة خير وأبقى " ثم قال تعالى: "إن هذا" أي مضمون هذا الكلام "لفي الصحف الأولى * صحف إبراهيم وموسى" وهذا الذي اختاره حسن قوي, وقد روي عن قتادة وابن زيد نحوه, والله أعلم, آخر تفسير سورة سبح, ولله الحمد والمنة وبه التوفيق والعصمة.
15- "وذكر اسم ربه فصلى" قيل المعنى: ذكر اسم ربه بالخوف فعبده وصلى له، وقيل ذكر اسم ربه بلسانه فصلى: أي فأقام الصلوات الخمس. وقيل ذكر موقفه ومعاده فعبده، وهو كالقول الأول. وقيل ذكر اسم ربه بالتكبير في أول الصلاة لأنها لا تنعقد إلا بذكره، وهو قوله: الله أكبر وقيل ذكر اسم ربه في طريق المصلى فصلى، وقيل هو أن يتطوع بصلاة بعد زكاة، وقيل المراد بالصلاة هنا صلاة العيد، كما أن المراد بالتزكي في الآية الأولى زكاة الفطر، ولا يخفى بعد هذا القول لأن السورة مكية، ولم تفرض زكاة الفطر وصلاة العيد إلا بالمدينة.
15- "وذكر اسم ربه فصلى"، قال خرج إلى العيد فصلى، فكان ابن مسعود يقول: رحم الله امرءاً تصدق ثم صلى، ثم يقرأ هذه الآية. وروى نافع: كان ابن عمر إذا صلى الغداة -يعني من يوم العيد- قال: يا نافع أحرجت الصدقة؟ فإن قلت: نعم، مضى إلى المصلى، وإن قلت: لا، قال: فالآن فأخرج، فإنما نزلت هذه الآية في هذا " قد أفلح من تزكى * وذكر اسم ربه فصلى ". وهو قول أبي العالية وابن سيرين.
وقال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؟ لأن هذه السورة مكية، ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة فطر.
قال الشيخ الإمام محيي السنة رحمه الله:/ يجوز أن يكون النزول سابقاً على الحكم كما قال: "وأنت حل بهذا البلد"، فالسورة مكية، وظهر أثر الحل يوم الفتح حتى قال عليه الصلاة والسلام: أحلت لي ساعة من نهار وكذلك نزل بمكة: "سيهزم الجمع ويولون الدبر" (القمر- 45)، قال عمر بن الخطاب: كنت لا أدري أي جمع يهزم، فلما كان يوم بدر رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يثب في الدرع ويقول: سيهزم الجمع ويولون الدبر، "وذكر اسم ربه فصلى" أي: وذكر ربه فصلى، قيل: الذكر: تكبيرات العيد، والصلاة: صلاة العيد، وقيل: الصلاة ها هنا الدعاء.
15-" وذكر اسم ربه " بقلبه ولسانه " فصلى " كقوله : " أقم الصلاة لذكري " ويجوز أن يراد بالذكر تكبيرة التحريم ، وقيل " تزكى " تصدق للفطر " وذكر اسم ربه " كبره يوم العيد " فصلى " صلاته .
15. And remembereth the name of his Lord, so prayeth.
15 - And glorify the name of their Guardian Lord, and (lift their hearts) in Prayer.