15 - (وجعلوا له من عباده جزء) حيث قالوا الملائكة بنات الله لأن الولد جزء من الوالد والملائكة من عباد الله تعالى (إن الإنسان) لقائل ما تقدم (لكفور مبين) بين ظاهر الكفر
يقول تعالى ذكره : وجعل هؤلاء المشركون لله من خلقه نصيباً ، وذلك قولهم للملائكة : هم بنات الله .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله عز وجل : " وجعلوا له من عباده جزءاً " قال : ولداً وبنات من الملائكة .
حدثنا محمد ، قال : ثنا أحمد ، قال : ثنا أسباط ، عن السدي " وجعلوا له من عباده جزءاً " قال : البنات .
وقال آخرون : عني بالجزء ها هنا : العدل .
ذكر من قال ذلك : حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وجعلوا له من عباده جزءاً " : أي عدلاً .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : " وجعلوا له من عباده جزءاً " : أي عدلاً .
وإنما اخترنا القول الذي اخترناه في تأويل ذلك ، لأن الله جل ثناؤه أتبع ذلك قوله : " أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين " توبيخاً لهم على قولك ذلك ، فكان معلوماً أن توبيخه إياهم بذلك إنما هو عما أخبر عنهم من قيلهم ما قالوا في إضافة البنات إلى الله جل ثناؤه .
وقوله : " إن الإنسان لكفور مبين " يقول تعالى ذكره : إن الإنسان لذو جحد لنعم ربه التي أنعمها عليه مبين : يقول : يبين كفرانه نعمه عليه ، لمن تأمله بفكر قلبه ، وتدبر حاله .
قوله تعالى : " وجعلوا له من عباده جزءا " أي عدلاً ، عن قتادة يعني من عبد من دون الله عز وجل ، الزجاج و المبرد : الجزء هاهنا البنات ، عجب المؤمنين من جهلهم إذ أقروا بأن خالق السموات والأرض هو الله ثم جعلوا له شريكاً أو ولداً ، ولم يعلموا أن من قدر على خلق السموات والأرض لا يحتاج إلى شيء يعتضد به أو يستأنس به ، لأن هذا من صفات النقص ، قال الماوردي : والجزء عند أهل العربية البنات ، يقال : قد أجزأت المرأة إذا ولدت البنات ، قال الشاعر :
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب قد تجزئ الحرة المذكار أحياناً
الزمخشري : ومن بدع التفاسير تفسير الجزء بالإناث ، وادعاء أن الجزء في لغة العرب اسم للإناث ، وما هو إلا كذب على العرب ووضع مستحدث متحول ، ولم يقنعهم ذلك حتى اشتقوا منه : أجزأت المرأة ، ثم صنعوا بيتاً ، وبيتاً :
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب
زوجتها من بنات الأوس مجزئة
وإنما قوله : " وجعلوا له من عباده جزءا " متصل بقوله : " ولئن سألتهم " أي ولئن سألتهم عن خالق السموات والأرض ليعترفن به ، وقد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزءاً فوصفوه بصفات المخلوقين ، ومعنى (( من عباده جزءاً )) أن قالوا الملائكة بنات الله ، فجعلوهم جزءاً له وبعضاً ، كما يكون الولد بضعة من والده وجزءاً له ، وقرئ (( جزؤا )) بضمتين ، " إن الإنسان " يعني الكافر ، " لكفور مبين " قال الحسن : بعد المصائب وينسى النعم ، (( مبين )) مظهر الكفر .
يقول تعالى مخبراً عن المشركين فيما افتروه وكذبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم وبعضها لله تعالى, كما ذكر الله عز وجل عنهم في سورة الأنعام في قوله تبارك وتعالى: "وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا فما كان لشركائهم فلا يصل إلى الله وما كان لله فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون" وكذلك جعلوا له في قسمي البنات والبنين أخسهما وأردأهما وهو البنات, كما قال تعالى: "ألكم الذكر وله الأنثى * تلك إذاً قسمة ضيزى" وقال جل وعلا ههنا: "وجعلوا له من عباده جزءاً إن الإنسان لكفور مبين" ثم قال جل وعلا: " أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين " وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار, فقال جلت عظمته "وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلاً ظل وجهه مسوداً وهو كظيم" أي إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة, وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به, ويتوارى من القوم من خجله من ذلك, يقول تبارك وتعالى: فكيف تأنفون من ذلك وتنسبونه إلى الله عز وجل, ثم قال سبحانه وتعالى: " أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " أي المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة وإذا خاصمت فلا عبارة لها, بل هي عاجزة عيية أومن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم, فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى, فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض شعراء العرب:
وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا
وأما إذا كان الجمال موفــــــراً كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا
وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار لا عبارة لها ولا همة, كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت: ما هي بنعم الولد نصرها بكاء, وبرها سرقة, وقوله تبارك وتعالى: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً" أي اعتقدوا فيهم ذلك, فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك فقال: "أشهدوا خلقهم" أي شاهدوه وقد خلقهم الله إناثاً "ستكتب شهادتهم" أي بذلك "ويسألون" عن ذلك يوم القيامة وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد "وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم" أي لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله, فإنه عالم بذلك وهو يقرنا عليه, فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:
(أحدها) جعلهم لله تعالى ولداً, تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علواً كبيراً.
(الثاني) دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً.
(الثالث) عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله عز وجل, بل بمجرد الاراء والأهواء والتقليد للأسلاف والكبراء والاباء والخبط في الجاهلية الجهلاء.
(الرابع) احتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدراً, وقد جهلوا في هذا الإحتجاج جهلاً كبيراً, فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له, وينهى عن عبادة ما سواه قال تعالى: "ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين" وقال عز وجل: "واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون" وقال جل وعلا في هذه الاية بعد أن ذكر حجتهم هذه: "ما لهم بذلك من علم" أي بصحة ما قالوه واحتجوا به "إن هم إلا يخرصون" أي يكذبون ويتقولون. وقال مجاهد في قوله تعالى:"ما لهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون" يعني ما يعلمون قدرة الله تبارك وتعالى على ذلك.
ثم رجع سبحانه إلى ذكر الكفار الذين تقدم ذكرهم، فقال: 15- "وجعلوا له من عباده جزءاً" قال قتادة: أي عدلاً، يعني ما عبد من دون الله. وقال الزجاج والمبرد: الجزء هنا البنات، والجزء عند أهل العربية البنات، يقال قد أجزأت المرأة: إذا ولدت البنات، ومنه قول الشاعر:
إن أجزأت حرة يوماً فلا عجب قد تجزئ الحرة المذكار أحيانا
وقد جعل صاحب الكشاف تفسير الجزء بالبنات من بدع التفسير، وصرح بأنه مكذوب على العرب. ويجاب عنه بأنه قد رواه الزجاج والمبرد، وهما إمامة اللغة العربية وحافظاها ومن إليهما المنتهي في معرفتها، ويؤيد تفسير الجزء بالبنات ما سيأتي من قوله: "أم اتخذ مما يخلق بنات" وقوله: " وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن " وقوله: "وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً" وقيل المراد الجزاء هنا الملائكة فإنهم جعلوهم أولاد الله سبحانه قاله مجاهد والحسن. قال الأزهري: ومعنى الآية أنهم جعلوا لله من عباده نصيباً مبالغ فيه، قيل المراد بالغنسان هنا الكافر، فإنه الذي يجحد نعم الله عليه جحوداً بيناً.
15. قوله عز وجل: " وجعلوا له من عباده جزءاً "، أي نصيباً وبعضاً وهو قولهم: الملائكة بنات الله، ومعنى الجعل -هاهنا- الحكم بالشيء والقول، كما تقول: جعلت زيداً أفضلف الناس، أي وصفته وحكمت به، " إن الإنسان "، يعني الكافر، " لكفور "، جحود لنعم الله، " مبين "، ظاهر الكفران.
15-" وجعلوا له من عباده جزءاً " متصل بقوله : " ولئن سألتهم " أي وقد جعلوا له بعد ذلك الاعتراف من عباده ولداً فقالوا الملائكة بنات الله ، ولعله سماه جزءاً كما سمي بعضاً لأنه بضعة من الوالد دلالة على استحالته على الواحد الحق في ذاته ،وقرأ أبو بكر جزأ بضمتين . " إن الإنسان لكفور مبين " ظاهر الكفران ومن ذلك نسبة الولد إلى الله لأنهما من فرط الجهل به والتحقير لشأنه .
15. And they allot to Him a portion of His bondmen! Lo! man is verily a mere ingrate.
15 - Yet they attribute to some of His servants a share with Him (in His godhead)! Truly is man a blasphemous ingrate avowed!