15 - (من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه) لأن ثواب اهتدائه له (ومن ضل فإنما يضل عليها) لأن إثمه عليها (ولا تزر) نفس (وازرة) آثمة أي لا تحمل (وزر) نفس (أخرى وما كنا معذبين) أحدا (حتى نبعث رسولا) يبين له ما يجب عليه
قوله تعالى ولا تزر وازرة وزر أخرى الآية أخرج ابن عبد البر بسند ضعيف عن عائشة قالت سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين فقال هم من آبائهم ثم سألته بعد ذلك فقال الله أعلم بما كانوا عاملين ثم سألته بعدما استحكم الإسلام فنزلت ولا تزر وازرة وزر أخرى وقال هم على الفطرة أو قال في الجنة
يقول تعالى ذكره : من استقام على طريق الحق فاتبعه ، وذلك دين الله الذي ابتعث به نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم " فإنما يهتدي لنفسه " يقول : فليس ينفع بلزومه الاستقامة، وإيمانه بالله ورسوله غير نفسه " ومن ضل " يقول : ومن جار عن قصد السبيل ، فأخذ على غير هدى، وكفر بالله وبمحمد صلى الله عليه وسلم وبما جاء به من عند الله من الحق ، فليس يضر بضلاله وجوره عن الهدى غير نفسه ، لأنه يوجب لها بذلث غضب الله وأليم عذابه . . . . وإنما عنى بقوله " فإنما يضل عليها" فإنما يكسب إثم ضلاله عليها لا على غيرها، وقوله " ولا تزر وازرة وزر أخرى" يعني تعالى ذكره : ولا تحمل حاملة حمل أخرى غيرها من الآثام . وقال " وازرة وزر أخرى" لأن معناها : ولا تزر نفس وازرة وزر نفس أخرى يقال منه : وزرت كذا أزره وزرا ، والوزر: هو الإثم يجمع أوزارا ، كما قال تعالى " ولكنا حملنا أوزارا من زينة القوم " وكأن معنى الكلام : ولا تأثم اثمة إثم أخرى، ولكن على كل نفس إثمها دون إثم غيرها من الأنفس .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " ولا تزر وازرة وزر أخرى" والله ما يحمل الله على عبد ذنب غيره ، ولا يؤاخذ إلا بعمله . وقوله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" يقول تعالى ذكره : وما كنا مهلكي قوم إلا بعد الإعذار إليهم بالرسل ، وإقامة الحجة عليهم بالآيات التي تقطع عذرهم .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" إن الله تبارك وتعالى ليس يعذب أحدا حتى يسبق إليه من الله خبر، أو يأتيه من الله بينة وليس معذبا أحدا إلا بذنبه .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، عن أبي هريرة ، قال : إذا كان يوم القيامة، .جمع الله تبارك وتعالى نسم الذين ماتوا في الفترة والمعتوه والأصم والأبكم ، والشيوخ الذين جاء الإسلام وقد خرفوا ، ثم أرسل رسولا ، أن ادخلوا النار، فيقولون : كيف ولم ياتنا رسول ؟ وايم الله لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما ثم يرسل إليهم ، فيطيعه من كان يريد أن يطيعه قبل ، قال أبو هريرة : اقرءوا إن شتمم " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا" .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثنا أبو سفيان ، عن معمر ، عن همام ، عن أبي هريرة نحوه .
قوله تعالى : " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها " : أي إنما كل أحد يحاسب عن نفسه لا عن غيره ، فمن اهتدى فثواب اهتداءه له ، ومن ضل فعقاب كفره عليه . ولا تزر وازرة وزر اخرى تقدم في الأنعام . وقال ابن عباس : نزلت في الوليد بن المغيرة ، قال لأهل مكة : اتبعوني واكفروا بمحمد وعلي أوزاركم ، فنزلت هذه الآية ، أي أن الوليد لا يحمل آثامكم وإنما اثم كل واحد عليه . يقال : وزر يزر وزرا ووزرة ، أي إثم . والوزر الثقل المثقل والجمع أوزار ، ومنه يحملون أوزارهم على ظهورهم أي أثقال ذنوبهم . وقد وزر إذا حمل فهو وازر ومنه وزير السلطان الذي يحمل ثقل دولته . والهاء في قوله كناية عن النفس ، أي لا تؤخذ نفس آثمة بإثم أخرى ، حتى أن الوالدة تلقى ولدها يوم القيامة فتقول يا بني ! ألم يكن حجري لك وطاء ، ألم يكن ثديي لك سقاء ، ألم يكن بطني لك وعاء ،! بلى يا أمه ! فتقول : يا بني ! فإن ذنوبي أثقلتني فاحمل منها ذنبا واحدا ! فيقول : إليك عني يا أمه ! فإني بذنبي عنك اليوم مشغول .
مسألة : نزعت عائشة رضي الله عنها بهذه الآية في الرد على ابن عمر حيث قال : إن الميت ليعذب ببكاء أهله . قال علماؤنا : وإنما حملها على ذلك أنه لم تسمعه ، وإنه معارض للآية . ولا وجه لإنكارها ، فإن الرواة لهذا المعنى كثير ، كعمر وابنه والمغيرة بن شعبه وقيلة بنت مخرمة ، وهم جازمون بالرواية ح فلا وجه لتخطئتهم . ولا معارضة بين الآية و الحديث محمله على ما إذا كان النوح من وصية الميت و سنته ، كما كانت الجاهلية تفعله ، حتى قال طرفة :
إذا مت فانعيني بما أنا أهله و شقي علي الجيب يا بنت معبد
و قال :
إلى الحول ثم اسم السلام عليكما و من يبك حولا كاملا فقد اعتذر
و إلى هذا نحا البخاري . و قد ذهب جماعة من أهل العلم منهم داود إلى اعتقاد ظاهر الحديث ، و أنه إنما يعذب بنوحهم ، لأنه أهمل نهيهم عنه قبل موته و تأديبهم بذلك ، فيعذب بتفريطه في ذلك ، و بترك ما أمره الله به من قوله : قوا أنفسكم و أهليكم نارا . لا بذنب غيره ، و الله أعلم .
قوله تعالى : و ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا أي لم نترك الخلق سدى ، بل أرسلنا الرسل . و في هذا دليل على أن الأحكام لا تثبت إلا بالشرع خلافا للمعتزلة القائلين بأن العقل يقبح و يحسن و يبيح و يحظر . و قد تقدم في البقرة القول فيه . و الجمهور على أن هذا في حكم الدنيا ، أي أن الله لا يهلك أمه بعذاب إلا بعد الرسالة إليهم و الإنذار . و قالت فرقة : هذا عام في الدنيا و الآخرة ، لقوله تعالى : كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا . قال ابن عطية : و الذي يعطيه النظر أن بعثه آدم عليه السلام بالتوحيد و بث المعتقدات في بنيه مع نصب الأدلة الدالة على الصانع مع سلامة الفطر توجب على كل أحد من العالم الإيمان واتباع شريعة الله ، ثم تجدد ذلك في زمن نوح عليه السلام بعد غرق الكفار . وهذه الآية أيضا يعطي احتمال ألفاظها نحو هذا في الذين لم تصلهم رسالة ، وهم أهل الفترات الذين قد قدر وجودهم بعض أهل العلم . وأما ما وري من أن الله تعالى يبعث إليهم يوم القيامة وإلى المجانين والأطفال فحديث لم يصح ، ولا يقتضي ما تعطيه الشريعة من أن الآخرة ليست دار تكليف . قال المهدوي : وروي عن أبي هريرة أن الله عز وجل يبعث يوم القيامة رسولا إلى أهل الفترة والأبكم والأخرس والأصم ، فيطبعه منهم من كان يريد أن يطيعه في الدنيا ، وتلا الآية ي، رواه معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة ، ذكره النحاس .
قلت : هذا موقوف ، وسيأتي مرفوعا في آخر سورة طه إن شاء الله تعالى ، ولا يصح وقد استدل قوم في أن أهل الجزائر إذا سمعوا بالإسلام وآمنوا فلا تكليف عليهم فيما مضى ، وهذا صحيح ، ومن لم تبلغه الدعوة فهو غير مستحق للعذاب من جهة العقل ، والله أعلم .
يخبر تعالى أن من اهتدى واتبع الحق, واقتفى أثر النبوة, فإنما يحصل عاقبة ذلك الحميدة لنفسه, "ومن ضل" أي عن الحق, وزاغ عن سبيل الرشاد, فإنما يجني على نفسه, وإنما يعود وبال ذلك عليه, ثم قال: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" أي لا يحمل أحد ذنب أحد, ولا يجني جان إلا على نفسه, كما قال تعالى: "وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء" ولا منافاة بين هذا وبين وقوله: "وليحملن أثقالهم وأثقالاً مع أثقالهم",)وقوله: "ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم" فإن الدعاة عليهم إثم ضلالتهم في أنفسهم, وإثم آخر بسبب ما أضلوا من أضلوا من غير أن ينقص من أوزار أولئك, ولا يحمل عنهم شيئاً, وهذا من عدل الله ورحمته بعباده, وكذا قوله تعالى: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" إخبار عن عدله تعالى, وأنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بإرسال الرسول إليه, كقوله تعالى: "كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير" وكذا قوله: " وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين " وقال تعالى: " وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " إلى غير ذلك من الايات الدالة على أن الله تعالى لا يدخل أحداً النار إلا بعد إرسال الرسول إليه, ومن ثم طعن جماعة من العلماء في اللفظة التي جاءت معجمة في صحيح البخاري عند قوله تعالى: "إن رحمة الله قريب من المحسنين".
حدثنا عبد الله بن سعد , حدثنا يعقوب , حدثنا أبي عن صالح بن كيسان عن الأعرج بإسناده إلى أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "اختصمت الجنة والنار" فذكر الحديث إلى أن قال "وأما الجنة فلا يظلم الله من خلقه أحداً, وإنه ينشىء للنار خلقاً فيلقون فيها, فتقول هل من مزيد ؟ ثلاثاً" وذكر تمام الحديث, فهذا إنما جاء في الجنة, لأنها دار فضل, وأما النار فإنها دار عدل لا يدخلها أحد إلا بعد الإعذار إليه وقيام الحجة عليه. وقد تكلم جماعة من الحفاظ في هذه اللفظة, وقالوا: لعله انقلب على الراوي بدليل ما أخرجاه في الصحيحين , واللفظ للبخاري من حديث عبد الرزاق عن معمر عن همام عن أبي هريرة قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تحاجت الجنة والنار" فذكر الحديث إلى أن قال: "فأما النار فلا تمتلىء حتى يضع فيها قدمه, فتقول: قط قط, فهناك تمتلىء وينزوي بعضها إلى بعض. ولا يظلم الله من خلقه أحداً, وأما الجنة فإن الله ينشىء لها خلقاً".
بقي ههنا مسألة قد اختلف الأئمة رحمهم الله تعالى فيها قديماً وحديثاً, وهي الولدان الذين ماتوا وهم صغار وآباؤهم كفار: ماذا حكمهم ؟ وكذا المجنون والأصم والشيخ الخرف ومن مات في الفترة ولم تبلغه دعوة ؟ وقد ورد في شأنهم أحاديث أنا أذكرها لك بعون الله وتوفيقه, ثم نذكر فصلاً ملخصاً من كلام الأئمة في ذلك والله المستعان.
(فالحديث الأول) عن الأسود بن سريع . قال الإمام أحمد : حدثنا علي بن عبد الله , حدثنا معاذ بن هشام , حدثنا أبي عن قتادة عن الأحنف بن قيس . عن الأسود بن سريع أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أربعة يحتجون يوم القيامة : رجل أصم لا يسمع شيئاً, ورجل أحمق, ورجل هرم, ورجل مات في فترة, فأما الأصم فيقول : رب قد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً , وأما الأحمق فيقول: رب قد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر, وأما الهرم فيقول: رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً, وأما الذي مات في الفترة فيقول: رب ما أتاني لك رسول. فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه, فيرسل إليهم أن ادخلوا النار, فوالذي نفس محمد بيده, لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً". وبالإسناد عن قتادة عن الحسن عن أبي رافع عن أبي هريرة مثله, غير أنه قال في آخره: "فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً, ومن لم يدخلها يسحب إليها", وكذا رواه إسحاق بن راهويه عن معاذ بن هشام , ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد من حديث أحمد بن إسحاق عن علي بن عبد الله المديني به, وقال: هذا إسناد صحيح, وكذا رواه حماد بن سلمة عن علي بن زيد عن أبي رافع عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أربعة كلهم يدلي على الله بحجة" فذكر نحوه, ورواه ابن جرير من حديث معمر عن همام عن أبي هريرة , فذكره موقوفاً, ثم قال أبو هريرة : فاقرؤوا إن شئتم "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" وكذا رواه معمر عن عبد الله بن طاوس عن أبيه عن أبي هريرة موقوفاً.
(الحديث الثاني) عن أنس بن مالك قال أبو داود الطيالسي : حدثنا الربيع عن يزيد بن أبان قال: قلنا لأنس : يا أبا حمزة ما تقول في أطفال المشركين ؟ فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لم يكن لهم سيئات فيعذبوا بها, فيكونوا من أهل النار, ولم يكن لهم حسنات فيجازوا بها, فيكونوا من أهل الجنة".
(الحديث الثالث) عن أنس أيضاً. قال الحافظ أبو يعلى : حدثنا أبو خيثمة , حدثنا جرير عن ليث عن عبد الوارث , عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يؤتى بأربعة يوم القيامة: بالمولود, والمعتوه, ومن مات في الفترة, والشيخ الفاني الهرم كلهم يتكلم بحجته" فيقول الرب تبارك وتعالى: لعنق من النار ابرز, ويقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم, وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه, قال: فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب أنى ندخلها ومنها كنا نفر ؟ قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعاً, فقال: فيقول الله تعالى: أنتم لرسلي أشد تكذيباً ومعصية, فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار, وهكذا رواه الحافظ أبو بكر البزار عن يوسف بن موسى عن جرير بن عبد الحميد بإسناده مثله.
(الحديث الرابع) عن البراء بن عازب رضي الله عنه . قال الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده أيضاً: حدثنا قاسم بن أبي شيبة , حدثنا عبد الله يعني ابن داود عن عمر بن ذر عن يزيد بن أمية , عن البراء قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المسلمين, قال: "هم مع آبائهم وسئل عن أولاد المشركين, فقال: هم مع آبائهم فقيل: يا رسول الله ما يعملون ؟ قال: الله أعلم بهم" ورواه عمر بن ذر عن يزيد بن أمية عن رجل عن البراء عن عائشة , فذكره.
(الحديث الخامس) عن ثوبان . قال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار في مسنده: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري , حدثنا ريحان بن سعيد , حدثنا عباد بن منصور عن أيوب , عن أبي قلابة عن أبي أسماء , عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم عظم شأن المسألة قال "إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلين يحملون أوزارهم على ظهورهم, فيسأهلم ربهم, فيقولون: ربنا لم ترسل إلينا رسولاً, ولم ياتنا لك أمر, ولو أرسلت إلينا رسولاً لكنا أطوع عبادك, فيقول لهم ربهم: أرأيتم إن أمرتكم بأمر تطيعوني ؟ فيقولون: نعم, فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنم فيدخلوها, فينطلقون حتى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيظاً وزفيراً, فرجعوا إلى ربهم, فيقولون: ربنا أخرجنا أو أجرنا منها, فيقول لهم: ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني فيأخذ على ذلك مواثيقهم, فيقول: اعمدوا إليها فادخلوها, فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا منها ورجعوا وقالوا: ربنا فرقنا منها ولا نستطيع أن ندخلها, فيقول: ادخلوها داخرين "فقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "لو دخلوها أول مرة كانت عليهم برداً وسلاماً" ثم قال البزار : ومتن هذا الحديث غير معروف إلا من هذا الوجه, لم يروه عن أيوب إلا عباد , ولا عن عباد إلا ريحان بن سعيد , قلت: وقد ذكره ابن حيان في ثقاته, وقال يحيى بن معين والنسائي : لا بأس به, ولم يرضه أبو داود , وقال أبو حاتم : شيخ لا بأس به يكتب حديثه ولا يحتج به.
(الحديث السادس) عن أبي سعيد سعد بن مالك بن سنان الخدري . قال الإمام محمد بن يحيى الذهلي : حدثنا سعيد بن سليمان عن فضيل بن مرزوق عن عطية , عن أبي سعيد قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الهالك في الفترة والمعتوه والمولود, يقول الهالك في الفترة: لم يأتني كتاب, ويقول المعتوه: رب لم تجعل لي عقلاً أعقل به خيراً ولا شراً, ويقول المولود: رب لم أدرك العقل, فترفع لهم نار, فيقال لهم: ردوها, قال: فيردها من كان في علم الله سعيداً لو أدرك العمل, ويمسك عنها من كان في علم الله شقياً لو أدرك العمل, فيقول: إياي عصيتم, فكيف لو أن رسلي أتتكم ؟!" وكذا رواه البزار عن محمد بن عمر بن هياج الكوفي عن عبيد الله بن موسى عن فضيل بن مرزوق به, ثم قال: لا يعرف من حديث أبي سعيد إلا من طريقه عن عطية عنه, وقال في آخره "فيقول الله إياي عصيتم, فكيف برسلي بالغيب ؟".
(الحديث السابع) عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال هشام بن عمار ومحمد بن المبارك الصوري : حدثنا عمرو بن واقد عن يونس بن حلبس عن أبي إدريس الخولاني , عن معاذ بن جبل عن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: "يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلاً وبالهالك في الفترة وبالهالك صغيراً, فيقول الممسوخ: يا رب لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد مني" وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك "فيقول الرب عز وجل: إني آمركم بأمر فتطيعوني ؟ فيقولون: نعم, فيقول: اذهبوا فادخلوا النار, قال: ولو دخلوها ما ضرتهم, فتخرج عليهم قوابض فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعاً, ثم يأمرهم ثانية, فيرجعون كذلك, فيقول الرب عز وجل: قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون, وعلى علمي خلقتكم, وإلى علمي تصيرون, ضميهم, فتأخذهم النار".
(الحديث الثامن) عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة, فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه, كما تنتج البهيمة جمعاء, هل تحسون فيها من جدعاء ؟" وفي رواية قالوا: " يارسول الله, أفرأيت من يموت صغيراً ؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين". وقال الإمام أحمد : حدثنا موسى بن داود , حدثنا عبد الرحمن بن ثابت عن عطاء بن قرة عن عبد الله بن ضمرة , عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم ـ شك موسى ـ قال: "ذراري المسلمين في الجنة يكفلهم إبراهيم عليه السلام" وفي صحيح مسلم عن عياض بن حمار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله عز وجل أنه قال "إني خلقت عبادي حنفاء", وفي رواية لغيره "مسلمين".
(الحديث التاسع) عن سمرة رضي الله عنه. رواه الحافظ أبو بكر البرقاني في كتابه المستخرج على البخاري من حديث عوف الأعرابي . عن أبي رجاء العطاردي عن سمرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كل مولود يولد على الفطرة فناداه الناس: يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ قال: وأولاد المشركين". وقال الطبراني : حدثنا عبد الله بن أحمد , حدثنا عقبة بن مكرم الضبي عن عيسى بن شعيب , عن عباد بن منصور عن أبي رجاء , عن سمرة قال: سألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أطفال المشركين, فقال: "هم خدم أهل الجنة".
(الحديث العاشر) عن عم حسناء قال أحمد : حدثنا روح , حدثنا عوف عن حسناء بنت معاوية , من بني صريم قالت: حدثني عمي قال: قلت: " يا رسول الله من في الجنة ؟ قال النبي في الجنة, والشهيد في الجنة, والمولود في الجنة, والوئيد في الجنة". فمن العلماء من ذهب إلى الوقوف فيهم لهذا الحديث, ومنهم من جزم لهم بالجنة لحديث سمرة بن جندب في صحيح البخاري أنه عليه الصلاة والسلام قال في جملة ذلك المنام حين مر على ذلك الشيخ تحت الشجرة وحوله ولدان, فقال له جبريل: هذا إبراهيم عليه السلام, وهؤلاء أولاد المسلمين وأولاد المشركين, قالوا: يا رسول الله وأولاد المشركين ؟ قال: "نعم وأولاد المشركين" ومنهم من جزم لهم بالنار لقوله عليه السلام: "هم مع آبائهم" ومنهم من ذهب إلى أنهم (يمتحنون يوم القيامة في العرصات), فمن أطاع دخل الجنة وانكشف على الله فيهم بسابق السعادة, ومن عصى دخل النار داخراً وانكشف علم الله به بسابق الشقاوة وهذا القول يجمع بين الأدلة كلها, وقد صرحت به الأحاديث المتقدمة المتعاضدة الشاهد بعضها لبعض, وهذا القول هو الذي حكاه الشيخ أبو الحسن علي بن إسماعيل الأشعري عن أهل السنة والجماعة, وهو الذي نصره الحافظ أبو بكر البيهقي في كتاب الاعتقاد , وكذلك غيره من محققي العلماء والحفاظ والنقاد. وقد ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر النمري بعد ما تقدم من أحاديث الامتحان, ثم قال: وأحاديث هذا الباب ليست قوية ولا تقوم بها حجة, وأهل العلم ينكرونها, لأن الاخرة دار جزاء وليست بدار عمل ولا ابتلاء, فكيف يكلفون دخول النار وليس ذلك في وسع المخلوقين والله لا يكلف نفساً إلا وسعها ؟.
(والجواب) عما قال أن أحاديث هذا الباب منها ما هو صحيح كما قد نص على ذلك كثير من أئمة العلماء, ومنها ما هو حسن ومنها ما هو ضعيف يتقوى بالصحيح والحسن, وإذا كانت أحاديث الباب الواحد متصلة متعاضدة على هذا النمط, أفادت الحجة عند الناظر فيها. وأما قوله إن الدار الاخرة دار جزاء, فلا شك أنها دار جزاء, ولا ينافي التكليف في عرصاتها قبل دخول الجنة أو النار, كما حكاه الشيخ أبو الحسن الأشعري عن مذهب أهل السنة والجماعة من امتحان الأطفال وقد قال تعالى: "يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود" الاية,
وقد ثبت في الصحاح وغيرها أن المؤمنين يسجدون لله يوم القيامة, وأن المنافق لا يستطيع ذلك ويعود ظهره كالصفيحة الواحدة طبقاً واحداً كلما أراد السجود خر لقفاه. وفي الصحيحين في الرجل الذي يكون آخر أهل النار خروجاً منها, أن الله يأخذ عهوده ومواثيقه أن لا يسأل غير ما هو فيه, ويتكرر ذلك مراراً ويقول الله تعالى: يا ابن آدم ما أغدرك, ثم يأذن له في دخول الجنة, وأما قوله: فكيف يكلفهم الله دخول النار وليس ذلك في وسعهم, فليس هذا بمانع من صحة الحديث, فإن الله يأمر العباد يوم القيامة بالجواز على الصراط, وهو جسر على جهنم أحد من السيف وأدق من الشعرة, ويمر المؤمنون عليه بحسب أعمالهم كالبرق وكالريح وكأجاويد الخيل والركاب, ومنهم الساعي ومنهم الماشي ومنهم من يحبو حبواً ومنهم المكدوش على وجهه في النار, وليس ما ورد في أولئك بأعظم من هذا بل هذا أطم وأعظم.
وأيضاً فقد أثبتت السنة بأن الدجال يكون معه جنة ونار, وقد أمر الشارع المؤمنين الذين يدركونه أن يشرب أحدهم من الذي يرى أنه نار, فإنه يكون عليه برداً وسلاماً, فهذا نظير ذاك, وأيضاً فإن الله تعالى أمر بني إسرائيل أن يقتلوا أنفسهم فقتل بعضهم بعضاً حتى قتلوا فيما قيل في غداة واحدة سبعين ألفاً, يقتل الرجل أباه وأخاه, وهم في عماية غمامة أرسلها الله عليهم, وذلك عقوبة لهم على عبادتهم العجل, وهذا أيضاً شاق على النفوس جداً لا يتقاصر عما ورد في الحديث المذكور, والله أعلم.
(فصل) إذا تقرر هذا فقد اختلف الناس في ولدان المشركين على أقوال (أحدها) أنهم في الجنة. واحتجوا بحديث سمرة أنه عليه السلام رأى مع إبراهيم عليه السلام أولاد المسلمين وأولاد المشركين, وبما تقدم في رواية أحمد عن حسناء عن عمها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "والمولود في الجنة" وهذا استدلال صحيح, ولكن أحاديث الامتحان أخص منه. فمن علم الله منه أنه يطيع جعل روحه في البرزخ مع إبراهيم وأولاد المسلمين الذين ماتوا على الفطرة, ومن علم منه أنه لا يجيب, فأمره إلى الله تعالى يوم القيامة يكون في النار, كما دلت عليه أحاديث الامتحان, ونقله الأشعري عن أهل السنة, ثم إن هؤلاء القائلين بأنهم في الجنة منهم من جعلهم مستقلين فيها, ومنهم من جعلهم خدماً لهم, كما جاء في حديث علي بن زيد عن أنس عند أبي داود الطيالسي وهو ضعيف, والله أعلم.
(والقول الثاني) أنهم مع آبائهم في النار. واستدل عليه بما رواه الإمام أحمد بن حنبل عن أبي المغيرة , حدثنا عتبة بن ضمرة بن حبيب , حدثني عبد الله بن أبي قيس مولى غطيف أنه أتى عائشة فسألها عن ذراري الكفار, فقال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هم تبع لابائهم فقلت: يارسول الله بلا أعمال ؟ فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين" وأخرجه أبو داود من حديث محمد بن حرب عن محمد بن زياد الألهاني , سمعت عبد الله بن أبي قيس , سمعت عائشة تقول: " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذراري المؤمنين, قال: هم مع آبائهم قلت: فذراري المشركين ؟ قال: هم مع آبائهم فقلت بلا عمل ؟ قال: الله أعلم بما كانوا عاملين" ورواه أحمد أيضاً عن وكيع عن أبي عقيل يحيى بن المتوكل وهو متروك عن مولاته بهية عن عائشة أنها ذكرت أطفال المشركين لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن شئت أسمعتك تضاغيهم في النار".
وروى عبد الله بن الإمام أحمد : حدثنا عثمان بن أبي شيبة عن محمد بن فضيل بن غزوان , عن محمد بن عثمان عن زاذان عن علي رضي الله عنه قال: " سألت خديجة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ولدين لها ماتا في الجاهلية, فقال: هما في النار قال: فلما رأى الكراهية في وجهها فقال لها: لو رأيت مكانهما لأبغضتهما قال: فولدي منك ؟ قال: إن المؤمنين وأولادهم في الجنة, وإن المشركين وأولادهم في النار ـ ثم قرأ ـ "والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم " " وهذا حديث غريب, فإن في إسناده محمد بن عثمان مجهول الحال, وشيخه زاذان لم يدرك علياً , والله أعلم.
وروى أبو داود من حديث ابن أبي زائدة عن أبيه عن الشعبي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الوائدة والموؤودة في النار" ثم قال الشعبي : حدثني به علقمة عن أبي وائل عن ابن مسعود , وقد رواه جماعة عن داود بن أبي هند , عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن قيس الأشجعي قال: أتيت أنا وأخي النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: " إن أمنا ماتت في الجاهلية, وكانت تقري الضيف, وتصل الرحم, وإنها وأدت أختاً لنا في الجاهلية لم تبلغ الحنث. فقال: الوائدة الموؤودة في النار إلا أن تدرك الوائدة الإسلام فتسلم" وهذا إسناد حسن.
(والقول الثالث) التوقف فيهم. واعتمدوا على قوله صلى الله عليه وسلم: "الله أعلم بما كانوا عاملين" وهو في الصحيحين من حديث جعفر بن أبي إياس عن سعيد بن جبير , عن ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين, قال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" وكذلك هو في الصحيحين من حديث الزهري عن عطاء بن يزيد , وعن أبي سلمة عن أبي هريرة , عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أطفال المشركين, فقال: "الله أعلم بما كانوا عاملين" ومنهم من جعلهم من أهل الأعراف, وهذا القول يرجع إلى قول من ذهب إلى أنهم من أهل الجنة, لأن الأعراف ليس دار قرار ومآل أهلها الجنة, كما تقدم تقرير ذلك في سورة الأعراف, والله أعلم.
(فصل) وليعلم أن هذا الخلاف مخصوص بأطفال المشركين, فأما ولدان المؤمنين فلا خلاف بين العلماء كما حكاه القاضي أبو يعلى بن الفراء الحنبلي عن الإمام أحمد أنه قال: لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة, وهذا هو المشهور بين الناس, وهو الذي نقطع به إن شاء الله عز وجل, فأما ما ذكره الشيخ أبو عمر بن عبد البر عن بعض العلماء أنهم توقفوا في ذلك وأن الولدان كلهم تحت المشيئة, قال أبو عمر : ذهب إلى هذا القول جماعة من أهل الفقه والحديث, منهم حماد بن زيد وحماد بن سلمة وابن المبارك وإسحاق بن راهويه وغيرهم, قالوا: وهو يشبه ما رسم مالك في موطئه في أبواب القدر, وما أورده من الأحاديث في ذلك, وعلى ذلك أكثر أصحابه, وليس عن مالك فيه شيء منصوص إلا أن المتأخرين من أصحابه ذهبوا إلى أن أطفال المسلمين في الجنة وأطفال المشركين خاصة في المشيئة, انتهى كلامه, وهو غريب جداً, وقد ذكر أبو عبد الله القرطبي في كتاب التذكرة نحو ذلك أيضاً, والله أعلم.
وقد ذكروا في ذلك أيضاً حديث عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين قالت: " دعي النبي صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار, فقلت: يا رسول الله طوبى له عصفور من عصافير الجنة لم يعمل السوء ولم يدركه, فقال: أو غير ذلك يا عائشة, إن الله خلق الجنة وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم. وخلق النار وخلق لها أهلاً وهم في أصلاب آبائهم" رواه مسلم وأحمد وأبو داود والنسائي وابن ماجه .
ولما كان الكلام في هذه المسألة يحتاج إلى دلائل صحيحة جيدة وقد يتكلم فيها من لا علم عنده عن الشارع, كره جماعة من العلماء الكلام فيها, روي ذلك عن ابن عباس والقاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق ومحمد بن الحنفية وغيرهم, وأخرج ابن حبان في صحيحه عن جرير بن حازم : سمعت أبا رجاء العطاردي , سمعت ابن عباس رضي الله عنهما وهو على المنبر يقول: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يزال أمر هذه الأمة مواتياً أو مقارباً ما لم يتكلموا في الوالدان والقدر" قال ابن حبان : يعني أطفال المشركين, وهكذا رواه أبو بكر البزار من طريق جرير بن حازم , ثم قال: وقد رواه جماعة عن أبي رجاء عن ابن عباس موقوفاً.
15- " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه " بين سبحانه أن ثواب العمل الصالح وعقاب ضده يختصان بفاعلهما لا يتعدان منه إلى غيره، فمن اهتدى بفعل ما أمره الله به وترك ما نهاه الله عنه، فإنما تعود منفعة ذلك إلى نفسه، "ومن ضل" عن طريق الحق فلم يفعل ما أمر به، ولم يترك ما نهي عنه "فإنما يضل عليها" أي فإن وبال ضلاله واقع على نفسه لا يجاوزها، فكل أحد محاسب عن نفسه مجزي بطاعته معاقب بمعصيته، ثم أكد هذا الكلام بأبلغ تأكيد فقال: "ولا تزر وازرة وزر أخرى" والوزر الإثم، يقال وزر يزر وزراً ووزرة. أي إثماً، والجمع أوزار، والوزر الثقل. ومنه "يحملون أوزارهم على ظهورهم" أي أثقال ذنوبهم: ومعنى الآية: لا تحمل نفس حاملة للوزر وزر نفس أخرى حتى تخلص الأخرى عن وزرها وتؤخذ به الأولى، وقد تقدم مثل هذا في الأنعام. قال الزجاج في تفسير هذه الآية: إن الآثم والمذنب لا يؤاخذ بذنب غيره "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" لما ذكر سبحانه اختصاص المهتدي بهدايته والضال بضلاله، وعدم مؤاخذة الإنسان بجناية غيره، ذكر أنه لا يعذب عباده إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال رسله، وإنزال كتبه، فبين سبحانه أنه لم يتركهم سدىً، ولا يؤاخذهم قبل إقامة الحجة عليهم، والظاهر أنه لا يعذبهم لا في الدنيا ولا في الآخرة إلا بعد الإعذار إليهم بإرسال الرسل، وبه قالت طائفة من أهل العلم. وذهب الجمهور إلى أن المنفي هنا هو عذاب الدنيا لا عذاب الآخرة.
15 - " من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه " ، لها ثوابه ، " ومن ضل فإنما يضل عليها " ، لأن عليها عقابه .
" ولا تزر وازرة وزر أخرى " ، أي : لا تحمل حاملة حمل أخرى من الآثام ، أي : لا يؤخذ أحد بذنب أحد ، " وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً " ، إقامةً للحجة وقطعاً للعذر ، وفيه دليل على أن ما وجب وجب بالسمع لا بالعقل .
15."من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها"لا ينجي اهتداؤه غيره ولا يردي ضلاله سواه. "ولا تزر وازرة وزر أخرى"ولا تحمل نفس حاملة وزراً وزر نفس أخرى، بل إنما تحمل وزرها . "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً"يبين الحجج ويمهد الشرائع فيلزمهم الحجة ، وفيه دليل على أن لا وجوب قبل الشرع.
15. Whosoever goeth right, it is only for (the good of) his own soul that he goeth right, and whosoever erreth, erreth only to its hurt. No laden soul can bear another's load. We never punish until We have sent a messenger.
15 - Who receiveth guidance, receiveth it for his own benefit: who goeth astray doth so to his own loss: no bearer of burdens can bear the burden of another: nor would we visit with our wrath until we had sent an apostle (to give warning).