15 - (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) بأن أصر على الشرك وقيل هي في المرائين (نوفِّ إليهم أعمالهم) أي جزاء ما عملوه من خير كصدقة وصلة رحم (فيها) بأن نوسِّع عليهم رزقهم (وهم فيها) أي الدنيا (لا يبخسون) ينقصون شيئاً
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره : من كان يريد بعمله الحياة الدنيا ، وإياها وزينتها يطلب به ، نوف إليهم أجور أعمالهم فيها وثوابها ، "وهم فيها" ، يقول : وهم في الدنيا ، "لا يبخسون" ، يقول : لا ينقصون أجرها ، ولكنهم يوفونه فيها .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها" ، الآية ، وهي ما يعطيهم الله من الدنيا بحسناتهم ، وذلك أنهم لا يظلمون نقيراً . يقول : من عمل صالحاً التماس الدنيا ، صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل ، لا يعمله إلا الالتماس الدنيا ، يقول الله : أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة ، وحبط عمله الذي كان يعمل التماس الدنيا ، وهو في الآخرة من الخاسرين .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها" ، قال : ثواب ما عملوا في الدنيا من خير أعطوه في الدنيا ، وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها .
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير قوله : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها" ، قال : وزن ما عملوا من خير أعطوا في الدنيا ، وليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها . قال : هي مثل الآية التي في الروم : ( وما أتيتم من ربا ليربوا في أموال الناس فلا يربوا عند الله ) .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبي ، عن سفيان ، عن منصور ، عن سعيد بن جبير : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها" ، قال : من عمل للدنيا ، وفيه في الدنيا .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها" ، قال : من عمل عملاً مما أمر الله به ، من صلاة أو صدقة ، لا يريد بها وجه الله ، أعطاه الله في الدنيا ثواب ذلك مثل ما أنفق ، فذلك قوله : "نوف إليهم أعمالهم فيها" ، في الدنيا ،"وهم فيها لا يبخسون" ، أجر ما عملوا فيها ، "أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها" ، الآية .
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا الثوري ، عن عيسى ـ يعني ابن ميمون ـ عن مجاهد في قوله : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها" ، قال : ممن لا يقبل منه ، جوزي به ، يعطى ثوابه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن عيسى الجرشي ، عن مجاهد : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها" ، قال : ممن لا يقبل منه ، يعجل له في الدنيا .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون" ، أي :لا يظلمون . يقول : من كانت الدنيا همه وسدمه ، وطلبته ونيته ، جازاه الله بحسناته في الدنيا ، ثم يفضي إلى الآخرة ، وليس له حسنة يعطى بها جزاءً . وأما المؤمن ، فيجازى بحسناته في الدنيا ، ويثاب عليها في الآخرة ، "وهم فيها لا يبخسون" ، أي : في الآخرة لا يظلمون .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، وحدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق ، جميعاً عن معمر ، عن قتادة :"من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها" ، الآية ، قال : من كان إنما همته الدنيا ، إياها يطلب ، أعطاه الله مالاً ، وأعطاه فيها ما يعيش ، وكان ذلك قصاصاً له بعمله ، "وهم فيها لا يبخسون" ، قال : لا يظلمون .
قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن ليث بن أبي سليم ، عن محمد بن كعب القرظي : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : "من أحسن من محسن ، فقد وقع أجره عى الله في عاجل الدنيا وآجل الآخرة" .
حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد بن سليمان قال ، سمعت الضحاك يقول في قوله : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها" ، الآية ، يقول : من عمل عملاً صالحاً في غير تقوى ـ يعني : من أهل الشرك ـ أعطي على ذلك أجراً في الدنيا : يصل رحماً ، يعطي سائلاً ، يرحم مضطراً ، في نحو هذا من أعمال البر، يعجل الله له ثواب عمله في الدنيا ، يوسع عليه في المعيشة والرزق ، ويقر عينه فيما خوله ، ويدفع عنه من مكاره الدنيا ، في نحو هذا ، وليس له في الآخرة من نصيب .
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا حفص بن عمر أبو عمر الضرير قال ، حدثنا همام ، عن قتادة ، عن أنس في قوله : "نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون" ، قال : هي في اليهود والنصارى .
قال ، حدثنا حفص بن عمر قال ، حدثنا يزيد بن زريع ، عن أبي رجاء الأزدي ، عن الحسن : "نوف إليهم أعمالهم فيها" ، قال : طيباتهم .
حدثني يعقوب قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابي رجاء ، عن الحسن مثله .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن علية ، عن ابي رجاء عن الحسن مثله .
حدثني المثنى قال ، حدثنا سويد قال ، أخبرنا ابن المبارك ، عن وهيب : أنه بلغه أن مجاهداً كان يقول في هذه الآية : هم أهل الرياء ، هم أهل الرياء .
قال أخبرنا ابن المبارك ، عن حيوة بن شريح قال ، حدثني الوليد بن أبي الوليد أبو عثمان : أن عقبة بن مسلم حدثه : أن شفي بن ماتع الأصبحي حدثه : أنه دخل المدينة ، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس ، فقال : من هذا ؟ قالوا : أبو هريرة ! فدنوت منه حتى قعدت بين يديه ، وهو يحدث الناس ، فلما سكت وخلا ، قلت : أنشدك بحق وبحق ، لما حدثتني حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم عقلته وعلمته . قال : فقال أبو هريرة : أفعل ، أحدثنك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ! ثم نشغ نشغةً ، ثم أفاق فقال : لأحدثنك حديثاً حدثينه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا البيت ، ما فيه أحد غيري وغيره ! ثم نشغ أبو هريرة نشغةً شديدة ، ثم مال خاراً على وجهه ، واشتد به طويلاً ، ثم أفاق فقال : حدثني رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن الله تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامة ، نزل إلى القيامة ليقضي بينهم ، وكل أمة جاثية . فأول من يدعى به ، رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ، ورجل كثير المال . فيقول الله للقارىء : ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي ؟ قال : بلى ، يا رب ! قال : فماذا عملت فيما علمت ؟ قال :كنت أقوم آناء الليل وآناء النهار ! فيقول الله له :كذبت ! وتقول له الملائكة : كذبت ! ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان قارىء ، فقد قيل ذلك ! ويؤتى بصاحب المال فيقول الله له : ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد ؟ قال : بلى ، يا رب ! قال : فماذا عملت فيما آتيتك ؟ قال كنت أصل الرحم ، وأتصدق . فيقول الله له : كذبت ! وتقول له الملائكة : كذبت ! ويقول الله له : بل أردت أن يقال : أمرت بالجهاد فقاتلت حتى قتلت . فيقول الله له : كذبت ! وتقول له الملائكة : كذبت ! ويقول الله له : بل أردت أن يقال : فلان جريء ، وقد قيل ذلك ! ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتي فقال : يا أبا هريرة ، أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة .
قال الوليد أبو عثمان : فأخبرني عقبة أن شفياً هو الذي دخل على معاوية فأخبره بهذا .
قال أبو عثمان : وحدثني العلاء بن أبي حكيم : أنه كان سياقاً لمعاوية ، قال : فدخل عليه رجل فحدثه بهذا عن ابي هريرة ، فقال أبو هريرة : وقد فعل بهؤلاء هذا ،فكيف بمن بقي من الناس ! ثم بكى معاوية بكاءً شديداً حتى ظننا أنه هلك ، وقلنا كقد جاءنا هذا الرجل بشر ! ثم أفاق معاوية ومسح عن وجهه فقال : صدق الله ورسوله : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها" ، وقرأ إلى : "وباطل ما كانوا يعملون" .
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا سفيان ، عن عيسى بن ميمون ، عن مجاهد : "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها" ، الآية ، قال : ممن لا يتقبل منه ، يصوم ويصلي يريد به الدنيا ، ويدفع عنه هم الآخرة ، "وهم فيها لا يبخسون" ، لا ينقصون .
فيه ثلاث مسائل:
الأولى: قوله تعالى: " من كان " كان زائدة، ولهذا جزم بالجواب فقال: " نوف إليهم " قاله الفراء. وقال الزجاج: ( من كان) في موضع جزم بالشرط، وجوابه " نوف إليهم " أي من يكن يريد، والأول في اللفظ ماض والثاني مستقبل، كما قال زهير:
ومن هاب أسباب المنية يلقها ولو رام أسباب السماء بسلم
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية، فقيل: نزلت في الكفار، قاله الضحاك ، واختاره النحاس، بدليل الآية التي بعدها " أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار " أي من أتى منهم بصلة رحم أو صدقة نكافئه بها في الدنيا، بصحة الجسم، وكثرة الرزق، لكن لا حسنة له في الآخرة. وقد تقدم هذا المعنى في ( براءة) مستوفى. وقيل: المراد بالآية المؤمنون، أي من أراد بعمله ثواب الدنيا عجل له الثواب ولم ينقص شيئاً في الدنيا، وله في الآخرة العذاب لأنه جرد قصده إلى الدنيا، وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات " فالعبد إنما يعطى على وجه قصده، وبحكم ضميره، وهذا أمر متفق عليه في الأمم بين كل ملة. وقيل: هو لأهل الرياء، وفي الخبر أنه يقال لأهل الرياء: " صمتم وصليتم وتصدقتم وجاهدتم وقرأتم ليقال ذلك فقد قيل ذلك " ثم قال: " إن هؤلاء أول من تسعر بهم النار ". رواه أبو هريرة، ثم بكى بكاء شديداً وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: " من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها " وقرأ الآيتين، خرجه مسلم في صحيحه بمعناه و الترمذي أيضاً. وقيل: الآية عامة في كل من ينوي بعمله غير الله تعالى، كان معه أصل إيمان أو لم يكن، قاله مجاهد وميمون بن مهران، وإليه ذهب معاوية رحمه الله تعالى. وقال ميمون بن مهران: ليس أحد يعمل حسنة إلا وفي ثوابها، فإن كان مسلماً مخلصاً وفي في الدنيا والآخرة، وإن كان كافراً وفي في الدنيا. وقيل: من كان يريد الدنيا بغزوة مع النبي صلى الله عليه وسلم وفيها، أي وفي أجر الغزاة ولم ينقص منها، وهذا خصوص والصحيح العموم.
الثانية: قال بعض العلماء: معنى هذه الآية قوله عليه السلام: " إنما الأعمال بالنيات ". وتدلك هذه الآية على أن من صام في رمضان لا عن رمضان لايقع عن رمضان، وتدل على أن من توضأ للتبرد والتنظف لايقع قربة عن جهة الصلاة، وهكذا كل ما كان في معناه.
الثالثة: ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة، وكذلك الآية التي في ( الشورى) " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منه " ( الشورى: 42) الآية. وكذلك " من يرد ثواب الدنيا نؤته منها " ( آل عمران: 145) قيدها وفسرها التي في ( سبحان) " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد " ( الإسراء: 18) إلى قوله " محظورا " فأخبر سبحانه أن العبد ينوي ويريد والله سبحانه يحكم ما يريد، وروى الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: " من كان يريد الحياة الدنيا " أنها منسوخة بقوله: " من كان يريد العاجلة ". والصحيح ما ذكرناه، وأنه من باب الإطلاق والتقييد، ومثله قوله: " وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " ( البقرة: 186) فهذا ظاهره خبر عن إجابة كل داع دائماً على كل حال، وليس كذلك، لقوله تعالى: " فيكشف ما تدعون إليه إن شاء " ( الأنعام: 41). والنسخ في الأخبار لا يجوز، لاستحالة تبدل الواجبات العقلية، ولاستحالة الكذب على الله تعالى، فأما الأخبار عن الأحكام الشرعية فيجوز نسخها على خلاف فيه، على ما هو مذكور في الأصول، ويأتي في ( النحل) بيانه إن شاء الله تعالى.
قال العوفي عن ابن عباس في هذه الاية: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا وذلك أنهم لا يظلمون نقيراً يقول من عمل صالحاً التماس الدنيا صوماً أو صلاة أو تهجداً بالليل لا يعمله إلا التماس الدنيا يقول الله تعالى: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا وهو في الاخرة من الخاسرين: وهكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد, وقال أنس بن مالك والحسن: نزلت في اليهود والنصارى, وقال مجاهد وغيره: نزلت في أهل الرياء, وقال قتادة: من كانت الدنيا همه ونيته وطلبته جازاه الله بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى الاخرة وليس له حسنة يعطى بها جزاء وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الاخرة, وقد ورد في الحديث المرفوع نحو من هذا, وقال تعالى: " من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا * ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا * كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا * انظر كيف فضلنا بعضهم على بعض وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا " وقال تعالى: " من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب ".
ثم إن الله سبحانه توعد من كان مقصور الهمة على الدنيا لا يطلب غيرها ولا يريد سواها فقال: 15- "من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها". قال الفراء: إن كان هذه زائدة، ولهذا جزم الجواب. وقال الزجاج: من كان في موضع جزم بالشرط، وجوابه نوف إليهم: أي من يكن يريد.
واختلف أهل التفسير في هذه الآية، فقال الضحاك: نزلت في الكفار واختاره النحاس بدليل الآية التي بعدها "أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار"، وقيل: الآية واردة في الناس على العموم كافرهم ومسلمهم. والمعنى: أن من كان يريد بعمله حظ الدنيا يكافأ بذلك، والمراد بزينتها: ما يزينها ويحسنها من الصحة والأمن والسعة في الرزق وارتفاع الحظ ونفاذ القول ونحو ذلك. وإدخال كان في الآية يفيد أنهم مستمرون على إرادة الدنيا بأعمالهم لا يكادون يريدون الآخرة، ولهذا قيل إنهم مع إعطائهم حظوظ الدنيا يعذبون في الآخرة لأنهم جردوا قصدهم إلى الدنيا ولم يعملوا للآخرة. وظاهر قوله: "نوف إليهم أعمالهم فيها" أن من أراد بعمله الدنيا حصل له الجزاء الدنيوي ولا محالة، ولكن الواقع في الخارج يخالف ذلك، فليس كل متمن ينال من الدنيا أمنيته وإن عمل لها وأرادها، فلا بد من تقييد ذلك بمشيئة الله سبحانه. قال القرطبي: ذهب أكثر العلماء إلى أن هذه الآية مطلقة، وكذلك الآية التي في الشورى "من كان يريد حرث الدنيا نؤته منها"، وكذلك "ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها" قيدتها وفسرتها التي في سبحان "من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد" قوله: "وهم فيها لا يبخسون" أي وهؤلاء المريدون بأعمالهم الدنيا هم فيها: أي في الدنيا لا يبخسون: أي لا ينقصون من جزائهم فيها بحسب أعمالهم لها، وذلك في الغالب وليس بمطرد، بل إن قضت به مشيئته سبحانه، ورجحته حكمته البالغة. وقال القاضي: معنى الآية: من كان يريد بعمل الخير الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم وافية كاملة من غير بخس في الدنيا، وهو ما ينالون من الصحة والكفاف وسائر اللذات والمنافع، فخص الجزاء بمثل ما ذكره وهو حاصل لكل عامل للدنيا ولو كان قليلاً يسيراً.
15-قوله تعالى: "من كان يريد الحياة الدنيا"، أي: من كان يريد بعمله الحياة الدنيا، " وزينتها "، نزلت في كل من عمل عملا يريد به غير الله عز وجل "نوف إليهم أعمالهم فيها"، أي: نوف لهم أجور أعمالهم في الدنيا بسعة الرزق ودفع المكاره وما أشبهها. "وهم فيها لا يبخسون"، أي: في الدنيا لا ينقص حظهم.
15."من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها"بإحسانه وبره."نوف إليهم أعمالهم فيها"نوصل إليهم جزاء أعمالهم في الدنيا من الصحة والرئاسة وسعة الرزق وكثرة الأولاد.وقرئ يوف بالياء أي يوف الله ونوف على البناء للمفعول ونوف بالتخفيف والرفع لن الشرط ماض كقوله:
وإن أتاه كريم يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرم
"وهم فيها لا يبخسون"لا ينقصون شيئاً من أجورهم .والآية في أهل الرياء .وقيل في المنافقين .وقيل في الكفرة وغرضهم وبرهم.
15. Whoso desireth the life of the world and its pomp, We shall repay them their deeds herein, and therein they will not be wronged.
15 - Those who desire the life of the present and its glitter, to them we shall pay (the price of) their deeds therein, without diminution.