(يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم) بموالاتهم (سلطانا مبينا) برهاناً بيناً على نفاقكم
قال أبو جعفر: وهذا نهي من الله عباده المؤمنين أن يتخلقوا بأخلاق المنافقين ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فيكونوا مثلهم في ركوب ما نهاهم عنه من موالاة أعدائه.
يقول لهم جل ثناؤه : يا أيها الذين آمنوا بالله ورسوله ، لا توالوا الكفار فتؤازروهم من دون أهل منتكم ودينكم من المؤمنين ، فتكونوا كمن أوجبت له النار من المنافقين.
ثم قال جل ثناؤه متوعدا من اتخذ منهم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، إن هو لم يرتدع عن موالاته ، وينزجر عن مخالته ، أن يلحقه بأهل ولايتهم من المنافقين الذين أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بتبشيرهم بأن لهم عذاباً أليماً: "أتريدون"، أيها المتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ممن قد آمن بي وبرسولي ، "أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا"، يقول : حجة، باتخاذكم الكافرين أولياء من دون المؤمنين ، فتستوجبوا منه ما استوجبه أهل النفاق الذين وصف لكم صفتهم ، وأخبركم بمحلهم عنده ، "مبينا"، يعني : يبين عن صحتها وحقيقتها. يقول : لا تعرضوا لغضب الله، بإيجابكم الحجة على أنفسكم في تقدمكم على ما نهاكم ربكم من موالاة أعدائه وأهل الكفر به. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبينا"، قال : إن لله السلطان على خلقه ، ولكنه يقول : عذراً مبيناً. حدثي المثنى قال ، حدثنا قبيصة بن عقبة قال ، حدثنا سفيان ، عن رجل ، عن عكرمة قال : ما كان في القرآن من سلطان، فهو حجة.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله : "سلطانا مبينا"، قال : حجة.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد،مثله.
قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء " مفعولان، أي لا تجعلوا خاصتكم وبطانتكم منهم وقد تقدم هذا المعنى " أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا" أي في تعذيبه إياكم بإقامته حجته عليكم إذ قد نهاكم .
ينهى الله تعالى عباده المؤمنين عن اتخاذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين يعني مصاحبتهم ومصادقتهم, ومناصحتهم وإسرار المودة إليهم, وإفشاء أحوال المؤمنين الباطنة إليهم, كما قال تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه" أي يحذركم عقوبته في ارتكابكم نهيه, ولهذا قال ههنا: "أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً" أي حجة عليكم في عقوبته إياكم. قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا مالك بن إسماعيل, حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار, عن عكرمة, عن ابن عباس قوله: "سلطاناً مبيناً" قال كل سلطان في القرآن حجة, وهذا إسناد صحيح, وكذا قال مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير ومحمد بن كعب القرظي والضحاك والسدي والنضر بن عربي.
ثم أخبرنا تعالى "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" أي يوم القيامة جزاء على كفرهم الغليظ. قال الوالبي عن ابن عباس "في الدرك الأسفل من النار" أي في أسفل النار, وقال غيره: النار دركات كما أن الجنة درجات, وقال سفيان الثوري عن عاصم, عن ذكوان أبي صالح, عن أبي هريرة "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال في توابيت ترتج عليهم: كذا رواه ابن جرير عن ابن وكيع, عن يحيى بن يمان, عن سفيان الثوري به. ورواه ابن أبي حاتم عن المنذر بن شاذان, عن عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن عاصم, عن أبي صالح, عن أبي هريرة, "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال: الدرك الأسفل بيوت لها أبواب تطبق عليهم, فتوقد من تحتهم ومن فوقهم. قال ابن جرير: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن, حدثنا سفيان عن سلمة بن كهيل, عن خيثمة, عن عبد الله يعني ابن مسعود "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال: في توابيت من نار تطبق عليهم أي مغلقة مقفلة, ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج, عن وكيع, عن سفيان, عن سلمة, عن خيثمة, عن ابن مسعود "إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار" قال: في توابيت من حديد مبهمة عليهم, ومعنى قوله: مبهمة, أي مغلقة مقفلة لا يهتدى لمكان فتحها.
وروى ابن أبي حاتم, حدثنا أبي, حدثنا أبو سلمة, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن أن ابن مسعود سئل عن المنافقين, فقال: يجعلون في توابيت من نار تطبق عليهم في أسفل درك من النار "ولن تجد لهم نصيراً" أي ينقذهم مما هم فيه ويخرجهم من أليم العذاب, ثم أخبر تعالى أن من تاب منهم في الدنيا, تاب عليه وقبل ندمه إذا أخلص في توبته وأصلح عمله, واعتصم بربه في جميع أمره, فقال تعالى: "إلا الذين تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله" أي بدلوا الرياء بالإخلاص فينفعهم العمل الصالح وإن قل, قال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى قراءة, أنبأنا ابن وهب, أخبرني يحيى بن أيوب عن عبيد الله بن زحر, عن خالد بن أبي عمران, عن عمران عن عمرو بن مرة, عن معاذ بن جبل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أخلص دينك يكفك القليل من العمل". "فأولئك مع المؤمنين" أي في زمرتهم يوم القيامة " وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما " ثم قال تعالى مخبراً عن غناه عما سواه, وأنه إنما يعذب العباد بذنوبهم فقال تعالى: "ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم" أي أصلحتم العمل وآمنتم بالله ورسوله "وكان الله شاكراً عليماً" أي من شكر شكر له, ومن آمن قلبه به علمه وجازاه على ذلك أوفر الجزاء.
قوله 144- "يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين" أي: لا تجعلوهم خاصة لكم وبطانة توالونهم من دون إخوانكم من المؤمنين كما فعل المنافقون من موالاتهم للكافرين "أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً" الاستفهام للتقريع والتوبيخ: أي أتريدون أن تجعلوا الله عليكم حجة بينة يعذبكم بها بسبب ارتكابكم لما نهاكم عنه من موالاة الكافرين.
144-قوله تعالى:"يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين"، نهى الله المؤمنين عن موالاة الكفار، قال:"أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً"،أي حجة بينةً في عذابكم، ثم ذكر منازل المنافقين فقال جل ذكره:
144" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين " فإنه صنيع المنافقين ودينه فلا تتشبهوا بهم، " أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا " حجة بينة فإن موالاتهم دليل على النفاق أو سلطاناً يسلط عليكم عقابه.
144. O ye who believe! Choose not disbelievers for (your) friends in place of believers. Would ye give Allah a clear warrant against you?
144 - O ye who believe take not for friends unbelievers rather than believers: do ye wish to offer God an open proof against yourselves?