(إن المنافقين يخادعون الله) بإظهار خلاف ما أبطنوه من الكفر فيدفعوا عنهم أحكامه الدنيوية (وهو خادعهم) مجازيهم على خداعهم فيفتضحون في الدنيا بإطلاع الله نبيه على ما أبطنوه ويعاقبون في الآخرة (وإذا قاموا إلى الصلاة) مع المؤمنين (قاموا كسالى) متثاقلين (يراؤون الناس) بصلاتهم (ولا يذكرون الله) يصلون (إلا قليلا) رياء
قال أبو جعفر: قد دللنا فيما مضى قبل على معنى خداع المنافق ربه، ووجه خداع الله إياهم، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع ، مع اختلاف المختلفين في ذلك.
فتأويل ذلك : إن المنافقين يخادعون الله ، بإحرازهم بنفاقهم دماءهم وأموالهم ، والله خادعهم بما حكم فيهم من منع دمائهم بما أظهروا بألسنتهم من الإيمان ، مع علمه بباطن ضمائرهم واعتقادهم الكفر، استدراجاً منه لهم في الدنيا، حتى يلقوه في الآخرة، فيوردهم بما استبطنوا من الكفر نار جهنم ، كما:
حدثنا محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم"، قال : يعطيهم يوم القيامة نوراً يمشون به مع المسلمين كما كانوا معهم في الدنيا، ثم يسلبهم ذلك النور فيطفئه ، فيقومون في ظلمتهم ، ويضرب بينهم بالسور.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج قال ، قال ابن جريج : "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم"، قال : نزلت في عبد الله بن أبي ، وأبي عابر بن النعمان ، وفي المنافقين ، "يخادعون الله وهو خادعهم"، قال: مثل قوله في البقرة : "يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم" [البقرة: 9]. قال : وأما قوله : "وهو خادعهم"، فيقول : في النور الذي يعطى المنافقون مع المؤمنين ، فيعطون النور، فإذا بلغوا السور سلب ، وما ذكر الله من قوله: "انظرونا نقتبس من نوركم" [الحديد: 13]. قال قوله : "وهو خادعهم".
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يزيد بن هارون ، عن سفيان بن حسين ، عن الحسن : أنه كان إذا قرأ: "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم"، قال : يلقى على كل مؤمن ومنافق نور يمشون به ، حتى إذا انتهوا إلى الصراط طفىء نور المنافقين ، ومضى المؤمنون بنورهم ، فينادونهم : "انظرونا نقتبس من نوركم" إلى قوله: "ولكنكم فتنتم أنفسكم" [الحديد: 13 ، 4 ]. قال الحسن : فذلك خديعة الله إياهم.
وأما قوله : "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس"، فإنه يعني : أن المنافقين لا يعملون شيئا من الأعمال التي فرضها الله على المؤمنين على وجه التقرب بها إلى الله ، لأنهم غير موقنين بمعاد ولا ثواب ولا عقاب ، وإنما يعملون ما عملوا من الأعمال الظاهرة إبقاء على أنفسهم ، وحذاراً من المؤمنين عليها أن يقتلوا أو يسلبوا أموالهم. فهم إذا قاموا إلى الصلاة التي هي نن الفرائض الظاهرة، قاموا كسالى إليها، رياء للمؤمنين ليحسبوهم منهم وليسوا منهم ، لأنهم غير معتقدي فرضها ووجوبها عليهم ، فهم في قيامهم إليها كسالى، كما:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى"، قال : والله لولا الناس ما صلى المنافق ، ولا يصلي إلا رياء وسمعة.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس"، قال : هم المنافقون ، لولا الرياء ما صلوا.
وأما قوله : "ولا يذكرون الله إلا قليلا"، فلعل قائلاً أن يقول : وهل من ذكر الله شيء قليل؟
قيل له : إن معنى ذلك - بخلاف ما ذهبت-: ولا يذكرون الله إلا ذكر رياء، ليدفعوا به عن أنفسهم القتل والسباء وسلب الأموال ، لا ذكر موقن مصدق بتوحيد الله ، مخلص له الربوبية. فلذلك سماه الله "قليلا"، لأنه غير مقصود به الله ، ولا مبتغى به التقرب إلى الله ، ولا مراد به ثواب الله وما عنده. فهو، وإن كثر، من وجه نصب عامله وذاكره، في معنى السراب الذي له ظاهر بغير حقيقة ماء.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب قال : قرأ الحسن : "ولا يذكرون الله إلا قليلا"، قال : إنما قل لأنه كان لغير الله.
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة: "ولا يذكرون الله إلا قليلا"، قال : إنما ذكر المنافق ، لأن الله لم يقبله. وكل ما رد الله قليل، وكل ما قبل الله كثير.
قوله تعالى : " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم " قد مضى في البقرة معنى الخدع والخداع من الله مجازاتهن على خداعهم أولياءه ورسله، قال الحسن: يعطى كل إنسان من مؤمن ومنافق نور يوم القيامة فيفرح المنافقون ويظنون أنهم قد نجوا فإذا جاءوا إلى الصراط طفئ نور كل منافق فذلك قولهم : " انظرونا نقتبس من نوركم " [ الحديد : 13] .
قوله تعالى :" وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " أي يصلون مراءاة وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون ثواباً ولا يعتقدون على تركها عقباً وفي صحيح الحديث :
"إن أثقل صلاة على المنافقين العتمة والصبح " فإن العتمة تأتي وقد أتعبهم عمل النهار فيثقل عليهم القيام إليها، وصلاة الصبح تأتي والنوم أحب إليهم من مفروح به ولوا السيف ما قاموا .
والرياء : إظهار الجميل ليراه الناس لا لاتباع أمر الله، وقد تقدم بيانه، ثم وصفهم بقله الذكر عند المراءاة وعند الخوف و"قال صلى الله عليه وسلم ذاماً لمن أخر الصلاة :
تلك صلاة المنافقين ثلاثاً يجلس أحدهم يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان أو على قرني الشيطان قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً "رواه مالك وغيره فقيل: وصفهم بقلة الذكر لأنهم كانوا لا يذكرون لاه بقراءة ولا تسبيح، وإنما كانوا يذكرون بالتكبير، وقيل: وصفة بالقلة لأن الله تعالى لا يقبله وقيل: لعدم الإخلاص فيه وهنا مسألتان :
الأولى - بين الله تعالى في هذه الآية صلاة المنافقين، وبينهما رسوله محمد صلى الله عليه وسلم فمن صلى كصلاتهم وذكر كذكرهم لحق بهم في عدم القبول، وخرج من مقتضى قوله تعالى : " قد أفلح المؤمنون * الذين هم في صلاتهم خاشعون " [المؤمنون: 1-2] وسيأتي اللهم إلا أن يكن له عذر فيقصر على القرض حسب ما عليه النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي حين رآه أخل بالصلاة فقال له
" إذا أقمت إلى الصلاة فأسبغ ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً ثم ارفع حتى تعتدل قائماً ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ثم افعل ذلك في صلاتها كلها" رواه الأئمة و"قال صلى الله عليه وسلم :
لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن " و"قال :
لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود " أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح : والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم يرون أن يقيم الرجل صلبه في الركوع والسجود وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: من لا يقيم صلبه في الركوع والسجود فصلاته فاسدة، "لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : لا تجزئ صلاة لا يقيم الرجل فيها صلبه في الركوع والسجود "قال ابن العربي وذهب ابن القاسم وأبو حنيفة إلى أن الطمأنينة ليست بفرض وهي رواية عراقية لا ينبغي لأحد من المالكيين أن يشتغل بها وقد مضى في البقرة هذا المعنى .
الثانية - قال ابن العربي: إن من صلى صلاة ليراها الناس يرونه فيها فيشهدون له بالإيمان أو أرد الطلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة وجواز الإمامة فليس ذلك بالرياء المنهي عنه ولم يكن عليه حرج، وإنما الرياء المعصية أن يظهرها صيداً للناس وطريقاً إلى الأكل فهذه نية لا تجزئ وعليه الإعادة .
قلت: قوله "وأراد طلب المنزلة والظهور لقبول الشهادة " فيه نفظر وقد تقدم بيانه في النساء فتأمله هنا ودلت هذه الآية على أن الرياء يدخل الفرض والنفل: لقول الله تعالى : " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا " فعم وقال قوم: إنما يدخل النفل خاصة لأن الفرض واجب على جميع الناس والنفل عرضه لذلك وقيل بالعكس، لأنه لو لم يأت بالنوافل لم يؤاخذ بها .
قد تقدم في أول سورة البقرة قوله تعالى: "يخادعون الله والذين آمنوا", وقال ههنا: "إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم" ولاشك أن الله لا يخادع, فإنه العالم بالسرائر والضمائر, ولكن المنافقين لجهلهم وقلة علمهم وعقلهم يعتقدون أن أمرهم كما راج عند الناس وجرت عليهم أحكام الشريعة ظاهراً, فكذلك يكون حكمهم عند الله يوم القيامة وأن أمرهم يروج عنده كما أخبر تعالى عنهم أنهم يوم القيامة يحلفون له أنهم كانوا على الاستقامة والسداد, ويعتقدون أن ذلك نافع لهم عنده, كما قال تعالى: "يوم يبعثهم الله جميعاً فيحلفون له كما يحلفون لكم" الاية, وقوله: "هو خادعهم" أي هو الذي يستدرجهم في طغيانهم وضلالهم, ويخذلهم عن الحق والوصول إليه في الدنيا, وكذلك يوم القيامة, كما قال تعالى: " يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب * ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور * فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير " وقد ورد في الحديث "من سمع سمع الله به, ومن راءى راءى الله به". وفي حديث آخر "إن الله يأمر بالعبد إلى الجنة فيما يبدو للناس ويعدل به إلى النار" عياذاً بالله من ذلك.
وقوله: "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى" الاية, هذه صفة المنافقين في أشرف الأعمال وأفضلها وخيرها, وهي الصلاة إذا قاموا إليها, قاموا وهم كسالى عنها, لأنهم لا نية لهم فيها ولا إيمان لهم بها ولا خشية, ولا يعقلون معناها كما روى ابن مردويه من طريق عبيد الله بن زحر عن خالد بن أبي عمران عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس, قال: يكره أن يقوم الرجل إلى الصلاة وهو كسلان, ولكن يقوم إليها طلق الوجه عظيم الرغبة شديد الفرح, فإنه يناجي الله وإن الله تجاهه يغفر له ويجيبه إذا دعاه, ثم يتلو هذه الاية " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " وروي من غير هذا الوجه عن ابن عباس نحوه, فقوله تعالى: "وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى" هذه صفة ظواهرهم كما قال: "ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى" ثم ذكر تعالى صفة بواطنهم الفاسدة, فقال: " يراؤون الناس " أي لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله بل إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة, ولهذا يتخلفون كثيراً عن الصلاة التي لا يرون فيها غالباً كصلاة العشاء في وقت العتمة, وصلاة الصبح في وقت الغلس, كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً, ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام, ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس, ثم أنطلق معي برجال ومعهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار". وفي رواية "والذي نفسي بيده, لو علم أحدهم أنه يجد عرقاً سميناً أو مرماتين حسنتين, لشهد الصلاة, ولولا ما في البيوت من النساء والذرية لحرقت عليهم بيوتهم" .
وقال الحافظ أبو يعلى: حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي, حدثنا محمد بن دينار عن إبراهيم الهجري, عن أبي الأحوص, عن عبد الله, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أحسن الصلاة حيث يراه الناس وأساءها حيث يخلو, فتلك استهانة استهان بها ربه عز وجل". وقوله: "ولا يذكرون الله إلا قليلاً" أي في صلاتهم لا يخشعون ولا يدرون ما يقولون بل هم في صلاتهم ساهون لاهون, وعما يراد بهم من الخير معرضون, وقد روى الإمام مالك عن العلاء بن عبد الرحمن, عن أنس بن مالك, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, تلك صلاة المنافق, يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان, قام فنقر أربعاً لا يذكر الله فيها إلا قليلاً", وكذا رواه مسلم والترمذي والنسائي من حديث إسماعيل بن جعفر المدني عن العلاء بن عبد الرحمن به, وقال الترمذي: حسن صحيح.
وقوله: " مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء " يعني المنافقين محيرين بين الإيمان والكفر, فلا هم مع المؤمنين ظاهراً وباطناً ولا مع الكافرين ظاهراً وباطناً, بل ظواهرهم مع المؤمنين وبواطنهم مع الكافرين, ومنهم من يعتريه الشك, فتارة يميل إلى هؤلاء وتارة يميل إلى أولئك "كلما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا" الاية, وقال مجاهد "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء" يعني أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم "ولا إلى هؤلاء" يعني اليهود. وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا عبد الوهاب, حدثنا عبيد الله عن نافع, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين, تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة ولا تدري أيتهما تتبع", تفرد به مسلم, وقد رواه عن محمد بن المثنى مرة أخرى, عن عبد الوهاب فوقف به على ابن عمر ولم يرفعه, قال: حدثنا به عبد الوهاب مرتين, كذلك قلت, وقد رواه الإمام أحمد عن إسحاق بن يوسف عن عبيد الله, وكذا رواه إسماعيل بن عياش وعلي بن عاصم عن عبيد الله, عن نافع عن ابن عمر مرفوعاً, وكذا رواه عثمان بن محمد بن أبي شيبة عن عبدة, عن عبد الله به مرفوعاً, ورواه حماد بن سلمة عن عبيد الله أو عبد الله بن عمر, عن نافع, عن ابن عمر مرفوعاً. وراه أيضاً صخر بن جويرية عن نافع, عن ابن عمر, عن النبي صلى الله عليه وسلم بمثله. وقال الإمام أحمد: حدثنا خلف بن الوليد, حدثنا الهذيل بن بلال عن ابن عبيد أنه جلس ذات يوم بمكة وعبد الله بن عمر معه, فقال أبي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن مثل المنافق يوم القيامة كالشاة بين الربيضين من الغنم, إن أتت هؤلاء نطحتها, وإن أتت هؤلاء نطحتها" فقال له ابن عمر: كذبت, فأثنى القوم على أبي خيراً أو معروفاً, فقال ابن عمر: ما أظن صاحبكم إلا كما تقولون, ولكني شاهدي الله إذ قال: كالشاة بين الغنمين, فقال: هو سواء, فقال: هكذا سمعته.
وقال الإمام أحمد: حدثنا يزيد, حدثنا المسعودي عن أبي جعفر محمد بن علي, قال: بينما عبيد بن عمير يقص وعنده عبد الله بن عمر, فقال عبيد بن عمير: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كالشاة بين ربيضين, إذا أتت هؤلاء نطحتها, وإذا أتت هؤلاء نطحتها", فقال ابن عمير: ليس كذلك, إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كشاة بين غنمين", قال: فاحتفظ الشيخ وغضب, فلما رأى ذلك ابن عمر قال: أما إني لو لم أسمعه لم أردد ذلك عليك.
(طريقة أخرى عن ابن عمر) ـ قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر عن عثمان بن بودويه, عن يعفر بن زوذي, قال: سمعت عبيد بن عمير وهو يقص يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المنافق كمثل الشاة الرابضة بين الغنمين", فقال ابن عمر: ويلكم لا تكذبوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم, إنما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم, "مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين", ورواه أحمد أيضاً من طرق عن عبيد بن عمير, عن ابن عمر, ورواه ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا عبيد الله بن موسى, أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص, عن عبد الله هو ابن مسعود, قال: مثل المؤمن والمنافق والكافر مثل ثلاثة نفر انتهوا إلى واد, فوقع أحدهم فعبر, ثم وقع الاخر حتى إذا أتى على نصف الوادي ناداه الذي على شفير الوادي: ويلك أين تذهب إلى الهلكة, ارجع عودك على بدئك, وناداه الذي عبر: هلم إلى النجاة, فجعل ينظر إلى هذا مرة وإلى هذا مرة, قال: فجاءه سيل فأغرقه, فالذي عبر هو المؤمن, والذي غرق المنافق "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء" والذي مكث الكافر.
وقال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا شعبة عن قتادة "مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء" يقول: ليسوا بمؤمنين مخلصين, ولا مشركين مصرحين بالشرك, قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يضرب مثلاً للمؤمن وللمنافق وللكافر كمثل رهط ثلاثة دفعوا إلى نهر فوقع المؤمن فقطع, ثم وقع المنافق حتى إذا كاد يصل إلى المؤمن, ناداه الكافر, أن هلم إلي فإني أخشى عليك, وناداه المؤمن: أن هلم إلي فإن عندي وعندي يحظى له ما عنده, فما زال المنافق يتردد بينهما حتى أتى أذى فغرقه, وإن المنافق لم يزل في شك وشبهة حتى أتى عليه الموت وهو كذلك, قال: وذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "مثل المنافق كمثل ثاغية بين غنمين, رأت غنماً على نشز فأتتها وشامتها فلم تعرف, ثم رأت غنماً على نشز فأتتها فشامتها فلم تعرف", ولهذا قال تعالى: "ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلاً" أي ومن صرفه عن طريق الهدى "فلن تجد له ولياً مرشداً" , ولا منقذ لهم مما هم فيه, فإنه تعالى لا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل وهم يسألون.
قوله 142- "إن المنافقين يخادعون الله" هذا كلام مبتدأ يتضمن بيان بعض قبائح المنافقين وفضائحهم، وقد تقدم معنى الخدع في البقرة، ومخادعتهم لله هي أنهم يفعلون فعل المخادع من إظهار الإيمان وإبطان الكفر، ومعنى كون الله خادعهم: أنه صنع بهم صنع من يخادع من خادعه، وذلك أنه تركهم على ما هم عليه من التظهر بالإسلام في الدنيا، فعصم به أموالهم ودماءهم، وأخر عقوبتهم إلى الدار الآخرة، فجازهم على خداعهم بالدرك الأسفل من النار. قال في الكشاف: والخادع اسم فاعل من خادعته فخدعته إذا غلبته وكنت أخدع منه. والكسالى بضم الكاف جمع كسلان. وقرئ بفتحها، والمراد أنهم يصلون وهم متكاسلون متثاقلون لا يرجون ثواباً ولا يخافون عقاباً. والرياء إظهار الجميل ليراه الناس، لا لاتباع أمر الله، وقد تقدم بيانه، والمراءاة المفاعلة. قوله "ولا يذكرون الله إلا قليلاً" معطوف على يراؤون: أي لا يذكرونه سبحانه إلا ذكراً قليلاً أو لا يصلون إلا صلاة قليلة، ووصف الذكر بالقلة لعدم الإخلاص، أو لكونه غير مقبول أو لكونه قليلاً في نفسه، لأن الذي يفعل الطاعة لقصد الرياء، إنما يفعلها في المجامع ولا يفعلها خالياً كالمخلص.
142-"إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم"،أي يعاملونه معاملة المخادعين وهو خادعهم،أي: مجازيهم وعلى خداعهم وذلك أنهم يعطون نوراً يوم القيامة كما للمؤمنين ، فيمضي المؤمنون بنورهم على الصراط ويطفأ نور المنافقين"وإذا قاموا إلى الصلاة "،يعني: المنافقين"قاموا كسالى" أي: متثاقلين لا يريدون بها الله فإن رآهم أحد صلوا وإلا انصرفوا فلا يصلون،" يراؤون الناس "أي: يفعلون ذلك مراءاةً للناس لا اتباعاً لأمر الله،"ولا يذكرون الله إلا قليلاً"، قال ابن عباس رضي الله عنهما والحسن:إنما قال ذلك لنهم يفعلونها رياءً وسمعة، ولو أرادوا بذلك القليل وجه الله تعالى لكان كثيراً، وقال قتادة: إنما قل ذكر المنافقين لأن الله تعالى لم يقبله ، وكل ما قبل الله فهو كثير.
142" إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم " سبق الكلام فيه أول سورة البقرة. " وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى " متثاقلين كالمكره على الفعل، وقرئ " كسالى " بالفتح وهما جمعا كسلان. " يراؤون الناس " ليخالوهم مؤمنين المراءاة مفاعلة بمعنى التفعيل كنعم وناعم أو للمقابلة فإن المرائي يري من يرائيه عمله وهو يريه استحسانه. " ولا يذكرون الله إلا قليلا " إذ المرائي لا يفعل إلا بحضرة من يرائيه، وهو أقل أحواله أو لأن ذكرهم باللسان قليل بالإضافة إلى ذكر القلب. وقيل المراد بالذكر الصلاة. وقيل الذكر فيها فإنهم لا يذكرون فيها غير التكبير والتسليم.
142. Lo! the hypocrites seek to beguile Allah, but it is Allah who beguileth them. When they stand up to worship they perform it languidly and to be seen of men, and are mindful of Allah but little;
142 - The hypocrites they think they are over reaching God, but he will over reach them: when they stand up to prayer, they stand without earnestness, to be seen of men, but little do they hold God in remembrance;