14 - (فأنذرتكم) خوفتكم يا أهل مكة (ناراً تلظَّى) بحذف إحدى التاءين من الأصل وقرىء بثبوتها أي تتوقد
ثم قال جل ثناؤه : " فأنذرتكم نارا تلظى " يقول تعالى ذكره : فأنذرتكم أيها الناس ناراً تتوهج وهي نار جهنم ، يقول : احذروا أن تعصوا ربكم في الدنيا ، وتكفروا به ، فتصلونها في الآخرة . وقيل : تلظى ، وإنما هي تتلظى ، وهي في موضع رفع ، لأنه فعل مستقبل ، ولو كان فعلاً ماضياً لقيل : فأنذرتكم ناراً تلظت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " نارا تلظى " قال : توهج .
قوله تعالى:" فأنذرتكم " أي حذرتكم وخوفتكم. "نارا تلظى" أي تلهب وتتوقد. وأصله تتلظى. وهي قراءة عبيد بن عمير، ويحيى بن يعمر، وطلحة بن مصرف. " لا يصلاها" أي لا يجد صلاها وهو حرها.
" إلا الأشقى" أي الشقي " الذي كذب " نبي الله محمد صلى الله عليه وسلم" وتولى " أي أعرض عن الإيمان .وروى مكحول عن أبي هريرة قال: كل يدخل الجنة إلا من أباها. قال: يا أبا هريرة، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟ قال: الذي كذب وتولى. وقال مالك. صلى بنا عمر بن عبد العزيز المغرب، فقرأ " والليل إذا يغشى" فلما بلغ " فأنذرتكم نارا تلظى" وقع عليه البكاء، فلم يقدر يتعداها من البكاء، فتركها وقرأ سورة أخرى. وقال الفراء: (إلا الأشقى)إلا من كان شقياً في علم الله جل ثناؤه. وروى الضحاك عن ابن عباس قال: (لا يصلاها إلا الأشقى) أمية بن خلف ونظراؤه الذين كذبوا محمداً صلى الله عليه وسلم. وقال قتادة: كذب بكتاب الله، وتولى عن طاعة الله. وقال الفراء: لم يكن كذب برد ظاهر، ولكنه قصر عما أمر به من الطاعة، فجعل تكذيباً، كما تقول: لقي فلان العدو فكذب: إذا نكل ورجع عن اتباعه. قال: وسمعت أبا ثروان يقول: إن بني نمير ليس لجدهم مكذوبة. يقول: إذا لقوا صدقوا القتال، هي حق. وسمعت سلم بن الحسن يقول: سمعت أبا إسحاق الزجاج يقول: هذه الآية التي من أجلها قال أهل الإرجاء بالإرجاء، فزعموا أنه لا يدخل النار إلا كافر، لقوله جل ثناؤه:
" لا يصلاها إلا الأشقى * الذي كذب وتولى".
قال قتادة : "إن علينا للهدى" أي نبين الحلال والحرام, وقال غيره: من سلك طريق الهدى وصل إلى الله وجعله كقوله تعالى: "وعلى الله قصد السبيل" حكاه ابن جرير , وقوله تعالى: " وإن لنا للآخرة والأولى " أي الجميع ملكنا وأنا المتصرف فيهما وقوله تعالى: "فأنذرتكم ناراً تلظى" قال مجاهد : أي توهج. قال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن سماك بن حرب , سمعت النعمان بن بشير يخطب يقول: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يقول: أنذرتكم النار حتى لو أن رجلاً كان بالسوق لسمعه من مقامي هذا, قال: حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه " . وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن جعفر , حدثني شعبة , حدثني أبو إسحاق , سمعت النعمان بن بشير يخطب ويقول: " سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن أهون أهل النار عذاباً يوم القيامة رجل توضع في أخمص قدميه جمرتان يغلي منهما دماغه". رواه البخاري .
وقال مسلم : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة , حدثنا أبو أسامة عن الأعمش عن أبي إسحاق عن النعمان بن بشير قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أهون أهل النار عذاباً من له نعلان وشراكان من نار يغلي منهما دماغه كما يغلي المرجل, ما يرى أن أحداً أشد منه عذاباً وإنه لأهونهم عذاباً". وقوله تعالى: "لا يصلاها إلا الأشقى" أي لا يدخلها دخولاً يحيط به من جميع جوانبه إلا الأشقى ثم فسره فقال: "الذي كذب" أي بقلبه "وتولى" أي عن العمل بجوارحه وأركانه.
قال الإمام أحمد : حدثنا حسن بن موسى , حدثنا ابن لهيعة , حدثنا عبد ربه بن سعيد عن المقبري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يدخل النار إلا شقي قيل: ومن الشقي ؟ قال: الذي لا يعمل بطاعة ولا يترك لله معصية".
وقال الإمام أحمد : حدثنا يونس وسريج قالا: حدثنا فليح عن هلال بن علي عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل أمتي تدخل الجنة يوم القيامة إلا من أبى قالوا: ومن يأبى يا رسول الله ؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى" رواه البخاري عن محمد بن سنان عن فليح به.
وقوله تعالى: "وسيجنبها الأتقى" أي وسيزحزح عن النار التقي النقي ثم فسره بقوله: "الذي يؤتي ماله يتزكى" أي يصرف ماله في طاعة ربه ليزكي نفسه وماله وما وهبه الله من دين ودنيا "وما لأحد عنده من نعمة تجزى" أي ليس بذله ماله في مكافأة من أسدى إليه معروفاً, فهو يعطي في مقابلة ذلك وإنما دفعه ذلك "ابتغاء وجه ربه الأعلى" أي طمعاً في أن يحصل له رؤيته في الدار الاخرة في روضات الجنات قال الله تعالى:"ولسوف يرضى" أي ولسوف يرضى من اتصف بهذه الصفات, وقد ذكر غير واحد من المفسرين أن هذه الايات نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه, حتى إن بعضهم حكى الإجماع من المفسرين على ذلك, ولا شك أنه داخل فيها وأولى الأمة بعمومها فإن لفظها العموم, وهو قوله تعالى: " وسيجنبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكى * وما لأحد عنده من نعمة تجزى " ولكنه مقدم الأمة وسابقهم في جميع هذه الأوصاف وسائر الأوصاف الحميدة, فإنه كان صديقاً تقياً كريماً جواداً بذالاً لأمواله في طاعة مولاه ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكم من دراهم ودنانير بذلها ابتغاء وجه ربه الكريم, ولم يكن لأحد من الناس عنده منة يحتاج إلى أن يكافئه بها, ولكن كان فضله وإحسانه على السادات والرؤساء من سائر القبائل, ولهذا قال له عروة بن مسعود وهو سيد ثقيف يوم صلح الحديبية: أما والله لولا يد لك عندي لم أجزك بها لأجبتك, وكان الصديق قد أغلظ له في المقالة, فإن كان هذا حاله مع سادات العرب ورؤساء القبائل فكيف بمن عداهم, ولهذا قال تعالى: " وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى* ولسوف يرضى ". وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعته خزنة الجنة يا عبد الله هذا خير فقال أبو بكر : يا رسول الله ما على من يدعى منها ضرورة فهل يدعى منها كلها أحد ؟ قال: نعم وأرجو أن تكون منهم" , آخر تفسير سورة الليل ولله الحمد والمنة.
14- "فأنذرتكم ناراً تلظى" أي حذرتكم وخوفتكم ناراً تتوقد وتتوهج، وأصله تتلظى فحذقت إحدى التاءين تخفيفاً. وقرأ على الأصل عبيد بن عمير ويحيى بن يعمر وطلحة بن مصرف.
14- "فأنذرتكم": يا أهل مكة، "ناراً تلظى"، أي: تتلظى، يعني تتوقد وتتوهج.
14-" فأنذرتكم ناراً تلظى " تتلهب .
14. Therefor have I warned you of the flaming Fire
14 - Therefore do I warn you of a Fire blazing fiercely;