14 - (وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون) الجائرون بكفرهم (فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا) قصدوا هداية
يقول تعالى ذكره مخبراً عن قيل النفر من الجن " وأنا منا المسلمون " الذين قد خضعوا لله بالطاعة " ومنا القاسطون " وهم الجائرون عن الإسلام وقصد السبيل .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " قال : العادلون عن الحق .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " القاسطون " قال : الظالمون .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قال " القاسطون " الجائرون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله " القاسطون " قال : الجائرون .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد : المقسط : العادل والقاسط : الجائر ، وذكر بيت شعر :
قسطنا على الأملاك في عهد تبع ومن قبل ما أدرى النفوس عقابها
وقال : وهذا مثل الترب والمتبرب ، قال : والترب : المسكين ، وقرأ " أو مسكينا ذا متربة " [ البلد : 6 ] ، قال : المترب : الغني .
وقوله " فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا " يقول : فمن أسلم وخضع لله بالطاعة ، فأولئك تعمدوا وترجوا رشداً في دينهم .
قوله تعالى: " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون" أي وانا بعد استماع القرىن مختلفون، فمنا من أسلم ومنا من كفر. والقاسط: الجائر، لأنه عاد لعن الحق والمقسط : العادل ، لأنه عادل الحق، يقال : قسط: أي جارن وأقسط : إذا عدل، قال الشاعر :
قوم هم قتلوا ابن هند عنوة عمراص وهم قسطوا على النعمان
قوله تعالى : " فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا " أي قصدوا طريق الحق وتوخوه ومنه تحري القبلة .
يقول تعالى مخبراً عن الجن أنهم قالوا مخبرين عن أنفسهم "وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك" أي غير ذلك "كنا طرائق قدداً" أي طرائق متعددة مختلفة وآراء متفرقة, قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد "كنا طرائق قدداً" أي منا المؤمن ومنا الكافر. وقال أحمد بن سليمان النجاد في أماليه: حدثنا أسلم بن سهل بحشل , حدثنا علي بن الحسن بن سليمان وهو أبو الشعثاء الحضرمي شيخ مسلم , حدثنا أبو معاوية قال: سمعت الأعمش يقول تروح إلينا جني فقلت له: ما أحب الطعام إليكم ؟ فقال الأرز, قال: فأتيناهم به فجعلت أرى اللقم ترفع ولا أرى أحداً, فقلت فيكم من هذه الأهواء التي فينا ؟ قال: نعم فقلت فما الرافضة فيكم ؟ قال: شرنا. عرضت هذا الإسناد على شيخنا الحافظ أبي الحجاج المزني فقال هذا إسناد صحيح إلى الأعمش , وذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة العباس بن أحمد الدمشقي قال: سمعت بعض الجن وأنا في منزل لي بالليل ينشد:
قلوب براها الحب حتى تعلقت مذاهبها في كل غرب وشارق
تهيم بحب الله والله ربها معلقة بالله دون الخلائق
وقوله تعالى: "وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هرباً" أي نعلم أن قدرة الله حاكمة علينا وأنا لا نعجزه في الأرض, ولو أمعنا في الهرب فإنه علينا قادر لا يعجزه أحد منا "وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به" يفتخرون بذلك وهو مفخر لهم وشرف رفيع وصفة حسنة, وقولهم "فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخساً ولا رهقاً" قال ابن عباس وقتادة وغيرهما: فلا يخاف أن ينقص من حسناته أو يحمل عليه غير سيئاته كما قال تعالى: "فلا يخاف ظلماً ولا هضماً" " وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " أي منا المسلم ومنا القاسط, وهو الجائر عن الحق الناكب عنه, بخلاف المقسط فإنه العادل "فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً" أي طلبوا لأنفسهم النجاة "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطباً" أي وقوداً تسعر بهم.
وقوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا * لنفتنهم فيه " اختلف المفسرون في معنى هذا على قولين: (أحدهما) وأن لو استقام القاسطون على طريقة الإسلام وعدلوا إليها واستمروا عليها "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي كثيراً, والمراد بذلك سعة الرزق, كقوله تعالى: " ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم " وكقوله تعالى: "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض" وعلى هذا يكون معنى قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنختبرهم, كما قال مالك عن زيد بن أسلم : لنفتنهم لنبتليهم من يستمر على الهداية ممن يرتد إلى الغواية.
(ذكر من قال بهذا القول) قال العوفي عن ابن عباس : " وألو استقاموا على الطريقة " يعني بالاستقامة الطاعة, وقال مجاهد " وألو استقاموا على الطريقة " قال: الإسلام وكذا قال سعيد بن جبير وسعيد بن المسيب وعطاء والسدي ومحمد بن كعب القرظي, وقال قتادة " وألو استقاموا على الطريقة " يقول: لو آمنوا كلهم لأوسعنا عليهم من الدنيا وقال مجاهد : " وألو استقاموا على الطريقة " أي: طريقة الحق, وكذا قال الضحاك واستشهد على ذلك بالايتين اللتين ذكرناهما, وكل هؤلاء أو أكثرهم قالوا في قوله: "لنفتنهم فيه" أي لنبتليهم به. وقال مقاتل : نزلت في كفار قريش حين منعوا المطر سبع سنين.
(والقول الثاني) " وألو استقاموا على الطريقة " الضلال "لأسقيناهم ماء غدقاً" أي لأوسعنا عليهم الرزق استدراجاً, كما قال تعالى: "فلما نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء حتى إذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون" وكقوله: " أيحسبون أنما نمدهم به من مال وبنين * نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون " وهذا قول أبي مجلز لاحق بن حميد , فإنه قال في قوله تعالى: " وألو استقاموا على الطريقة " أي طريقة الضلالة, رواه ابن جرير وابن أبي حاتم , وحكاه البغوي عن الربيع بن أنس وزيد بن أسلم والكلبي وابن كيسان وله اتجاه, ويتأيد بقوله لنفتنهم فيه. وقوله: "ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذاباً صعداً" أي عذاباً مشقاً شديداً موجعاً مؤلماً, قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة وابن زيد : "عذاباً صعداً" أي مشقة لا راحة معها, وعن ابن عباس : جبل في جهنم, وعن سعيد بن جبير : بئر فيها.
قوله: 14- "وأنا منا المسلمون" هم الذين آمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم "ومنا القاسطون" أي الجائرون الظالمون الذين حادوا عن طريق الحق، ومالوا إلى طريق الباطل، يقال قسط: إذا جار، وأقسط: إذا عدل "فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً" أي قصدوا طريق الحق. قال الفراء: أموا الهدى.
14- "وأنا منا المسلمون"، وهم الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم، "ومنا القاسطون"، الجائرون العادلون عن الحق. قال ابن عباس: هم الذين جعلوا لله نداً، يقال: أقسط الرجل إذا عدل فهو مقسط، وقسط إذا جار فهو قاسط، "فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً"، أي: قصدوا طريق الحق وتوخوه.
14-" وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون " الجائرون عن طريق الحق وهو الإيمان والطاعة . " فمن أسلم فأولئك تحروا رشداً " توخوا رشداً عظيماً يبلغهم إلى دار الثواب .
14. And there are among us some who have surrendered (to Allah) and there are among us some who are unjust. And whoso hath surrendered to Allah, such have taken the right path purposefully.
14 - Amongst us are some that submit their wills (to God), and some that swerve from justice. Now those who submit their wills they have sought out (the path) of right conduct: