14 - (وإنا إلى ربنا لمنقلبون) لمنصرفون
و قوله : " وإنا إلى ربنا لمنقلبون " يقول جل ثناؤه : و ليقولوا أيضاً : و إنا إلى ربنا من بعد مماتنا لصائرون إليه راجعون .
قال : وما ينبغي لعبد أن يدع قول هذا وليس بواجب ذكره باللسان ، فيقول متى ركب وخاصة في السفر إذا تذكر (( سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) اللهم أنت الصاحب في السفر ، الخليفة في الأهل والمال ، اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والجور بعد الكور ، وسوء المنظر في الأهل والمال ، يعني بـ(( الجور بعد الكور )) تشتت أمر الرجل بعد اجتماعه ، و"قال عمرو بن دينار ، ركبت مع أبي جعفر إلى أرض له نحو حائط يقال لها مدركة ، فركب على جمل صعب فقلت له : أبا جعفر ! أما تخاف أن يصرعك ؟ فقال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : على سنام كل بعير شيطان إذا ركبتموها فاذكروا اسم الله كما أمركم ثم أمتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله " ، و" قال علي بن ربيعة : شهدت علي بن أبي طالب ركب دابة يوماً فلما وضع رجله في الركاب قال : باسم الله ، فلما استوى على الدابة قال الحمد لله ، ثم قال : سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، وإنا إلى ربنا لمنقلبون )) ثم قال : الحمد لله والله أكبر ثلاثاً ، اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت ، ثم ضحك فقلت له ما أضحكك ؟ قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صنع كما صنعت ، وقال كما قلت ، ثم ضحك فقلت له ما يضحكك يا رسول الله ؟ قال : العبد أو قال عجباً لعبد أن يقول اللهم لا إله إلا أنت ظلمت نفسي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت يعلم أنه لا يغفر الذنوب غيرها " ، خرجه أبو داود الطيالسي في مسنده ، و أبو عبد الله محمد بن خويزمنداد ، في أحكامه ، وذكر الثعلبي نحوه مختصراً عن علي رضي الله عنه ، ولفظه عنه : " أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا وضع رجله في الركاب قال : باسم الله فإذا استوى قاله : الحمد لله على كل حال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون وإذا نزلتم من الفلك والأنعام فقولوا اللهم أنزلنا منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين "، ، وروى أبي نجيح عن مجاهد قال : من ركب ولم يقل سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين ، قاله له الشيطان : تعالوا نتنزه على الخيل أو في بعض الزوارق ، فيركبون حاملين مع أنفسهم أواني الخمر والمعارف ، فلا يزالون يستقون حتى تمل طلاهم هم على ظهور الدواب أو في بطون السفن وهي تجري بهم ، لا يذكرون إلا الشيطان ، ولا يمتثلون إلا أوامره ، الزمخشري : ولقد بلغني أن بعض السلاطين ركب وهو يشرب الخمر من بلد إلى بلد بينهما مسيرة شهر ، فلم يصح إلا بعدما اطمأنت به الدار ، فلم يشعر بمسيره ولا أحس به ، فكم بين فعل أولئك الراكبين وبين ما أمر الله به فيه هذه الآية ! ؟ .
يقول تعالى: ولئن سألت يا محمد هؤلاء المشركين بالله, العابدين معه غيره "من خلق السموات والأرض ؟ ليقولن خلقهن العزيز العليم" أي ليعترفن بأن الخالق لذلك هو الله وحده لا شريك له, وهم مع هذا يعبدون معه غيره من الأصنام والأنداد, ثم قال تعالى: "الذي جعل لكم الأرض مهداً" أي فراشاً قراراً ثابتة تسيرون عليها وتقومون وتنامون وتنصرفون, مع أنها مخلوقة على تيار الماء, لكنه أرساها بالجبال لئلا تميد هكذا ولا هكذا "وجعل لكم فيها سبلاً" أي طرقاً بين الجبال والأودية "لعلكم تهتدون" أي في سيركم من بلد إلى بلد, وقطر إلى قطر, "والذي نزل من السماء ماء بقدر" أي بحسب الكفاية لزروعكم وثماركم وشربكم لأنفسكم ولأنعامكم.
وقوله تبارك وتعالى: "فأنشرنا به بلدة ميتاً" أي أرضاً ميتة, فلما جاءها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج, ثم نبه تعالى بإحياء الأرض على إحياء الأجساد يوم المعاد بعد موتها, فقال: "كذلك تخرجون" ثم قال عز وجل: "والذي خلق الأزواج كلها" أي مما تنبت الأرض من سائر الأصناف من نبات وزروع وثمار وأزاهير وغير ذلك. ومن الحيوانات على اختلاف أجناسها وأصنافها "وجعل لكم من الفلك" أي السفن "والأنعام ما تركبون" أي ذللها لكم وسخرها ويسرها لأكلكم لحومها وشربكم ألبانها وركوبكم ظهورها, ولهذا قال جل وعلا: "لتستووا على ظهوره" أي لتستووا متمكنين مرتفعين "على ظهوره" أي على ظهور هذا الجنس "ثم تذكروا نعمة ربكم" أي فيما سخر لكم "إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين" أي مقاومين, ولولا تسخير الله لنا هذا ما قدرنا عليه. قال ابن عباس رضي الله عنهما وقتادة والسدي وابن زيد: مقرنين, أي مطيقين, "وإنا إلى ربنا لمنقلبون" أي لصائرون إليه بعد مماتنا وإليه سيرنا الأكبر, وهذا من باب التنبيه بسير الدنيا على سير الاخرة, كما نبه بالزاد الدنيوي على الزاد الأخروي في قوله تعالى: "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى" وباللباس الدنيوي على الأخروي في قوله تعالى: "وريشاً ولباس التقوى ذلك خير".
ذكر الأحاديث الواردة عند ركوب الدابة
(حديث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب) رضي الله عنه. قال الإمام: حدثنا يزيد, حدثنا شريك بن عبد الله عن أبي إسحاق, عن علي بن ربيعة قال: رأيت علياً رضي الله عنه أتى بدابة, فلما وضع رجله في الركاب قال: باسم الله, فلما استوى عليها قال: الحمد لله "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين * وإنا إلى ربنا لمنقلبون" ثم حمد الله تعالى ثلاثاً وكبر ثلاثاً, ثم قال: سبحانك لا إله إلا أنت قد ظلمت نفسي فاغفر لي ثم ضحك, فقلت له: مم ضحكت يا أمير المؤمنين ؟ فقال رضي الله عنه: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل مثلما فعلت ثم ضحك, فقلت: مم ضحكت يا رسول الله ؟ فقال صلى الله عليه وسلم: "يعجب الرب تبارك وتعالى من عبده إذا قال رب اغفر لي, ويقول علم عبدي أنه لا يغفر الذنوب غيري" وهكذا رواه أبو داود والترمذي والنسائي من حديث أبي الأحوص, زاد النسائي ومنصور عن أبي إسحاق السبيعي عن علي بن ربيعة الأسدي الوالبي به. وقال الترمذي: حسن صحيح, وقد قال عبد الرحمن بن مهدي عن شعبة: قلت لأبي إسحاق السبيعي: ممن سمعت هذا الحديث ؟ قال: من يونس بن خباب, فلقيت يونس بن خباب فقلت: ممن سمعته ؟ فقال: من رجل سمعه من علي بن ربيعة, ورواه بعضهم عن يونس بن خباب عن شقيق بن عقبة الأسدي عن علي بن ربيعة الوالبي به.
(حديث عبد الله بن عباس) رضي الله عنهما. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو المغيرة "حدثنا أبو بكر بن عبد الله عن علي بن أبي طلحة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أردفه على دابته, فلما استوى عليها كبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثاً وحمد ثلاثاً, وهلل واحدة, ثم استلقى عليه وضحك, ثم أقبل عليه فقال ما من امرىء مسلم يركب فيصنع كما صنعت, إلا أقبل الله عز وجل عليه, فضحك إليه كما ضحكت إليك" تفرد به أحمد.
(حديث عبد الله بن عمر) رضي الله عنهما. قال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل, حدثنا حماد بن سلمة عن أبي الزبير عن علي بن عبد الله البارقي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا ركب راحلته كبر ثلاثاً ثم قال "سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ـ ثم يقول ـ اللهم إني أسألك في سفري هذا البر والتقوى, ومن العمل ما ترضى, اللهم هون علينا السفر واطو لنا البعيد, اللهم أنت الصاحب في السفر والخليفة في الأهل, اللهم اصحبنا في سفرنا واخلفنا في أهلنا". وكان صلى الله عليه وسلم إذا رجع إلى أهله قال: "آيبون تائبون إن شاء الله عابدون لربنا حامدون" وهكذا رواه مسلم وأبو داود والنسائي من حديث ابن جريج, والترمذي من حديث حماد بن سلمة, كلاهما عن أبي الزبير به.
(حديث آخر) قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن عبيد حدثنا محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم عن عمرو بن الحكم بن ثوبان عن أبي لاس الخزاعي قال: حملنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على إبل من إبل الصدقة إلى الحج, فقلنا: يا رسول الله ما نرى أن تحملنا هذه, فقال صلى الله عليه وسلم: "ما من بعير إلا في ذروته شيطان, فاذكروا اسم الله عليها إذا ركبتموها كما آمركم, ثم امتهنوها لأنفسكم فإنما يحمل الله عز وجل" أبو لاس اسمه محمد بن الأسود بن خلف.
(حديث آخر) في معناه ـ قال أحمد: حدثنا عتاب, أخبرنا عبد الله, وعلي بن إسحاق , أخبرنا عبد الله يعني ابن المبارك, أخبرنا أسامة بن زيد, أخبرني محمد بن حمزة أنه سمع أباه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "على ظهر كل بعير شيطان فإذا ركبتموها فسموا الله عز وجل ثم لا تقصروا عن حاجاتكم".
14- "وإنا إلى ربنا لمنقلبون" أي راجعون إليه، وهذا تمام ما يقال عند ركوب الدابة أو السفينة.
14. " وإنا إلى ربنا لمنقلبون "، لمنصرفون في المعاد.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي ، أخبرنا أبو الحسين علي بن محمد بن عبد الله بن بشران ، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي ، حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا معمر، عن أبي إسحاق ، أخبرني علي بن ربيعة أنه " شهد علياً رضي الله عنه حين ركب فلما وضع رجله في الركاب قال: بسم الله، فلما استوى قال: الحمد لله، ثم قال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون، ثم حمد ثلاثاً وكبر ثلاثاً، ثم قال: لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، ثم ضحك، فقال: ما يضحكك يا أمير المؤمنين؟ قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ما فعلت، وقال مثل مثل ما قلت، ثم ضحك، فقلنا: ما يضحكك يا نبي الله؟ قال:العبد أو قال: عجبت للعبد إذا قال لا إله إلا الله ظلمت نفسي فاغفر لي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا هو ".
14-" وإنا إلى ربنا لمنقلبون " أي راجعون ، واتصاله بذلك لأن الركوب للتنقل والنقلة العظمى هو الانقلاب إلى الله تعالى ، أو لأنه مخطر فينبغي للراكب أن لا يغفل عنه ويستعد للقاء الله تعالى .
14. And lo! unto our Lord we are returning.
14 - And to our Lord, surely, must we turn back!