14 - (وربطنا على قلوبهم) قويناهم على قول الحق (إذ قاموا) بين يدي يملكهم وقد أمرهم بالسجود للأصنام (فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه) أي غيره (إلها لقد قلنا إذا شططا) أي قولا ذا شطط أي إفراط في الكفر إن دعونا إلها غير الله فرضا
وقوله " وربطنا على قلوبهم " يقول عز ذكره : وألهمناهم الصبر، وشددنا قلوبهم بنور الإيمان حتى عزفت أنفسهم عما كانوا عليه من خفض العيش .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد عن قتادة " وربطنا على قلوبهم " يقول : با لأيما ن. وقوله " إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض " يقول : حين قاموا بين يدي الجبار دقينوس ، فقالوا له إذ عاتبهم على تركهم عبادة آلهته : " ربنا رب السموات والأرض " يقول : قالوا ربنا ملك السموات والأرض وما فيهما من شيء ، وآلهتك مربوبة، وغير جائز لنا أن نترك عبادة الرب ونعبد المربوب لن ندعو من دونه إلها يقول : لن ندعو من دون رب السموات والأرض إلها، لأنه لا إله غيره ، وإن كل ما دونه فهو خلقه " لقد قلنا إذا شططا" يقول جل ثناؤه : لئن دعونا إلها غيرإله السموات والأرض ، لقد قلنا اذن بدعائنا غيره الها، شططا من القول : يعني غاليا من الكذب ، مجاوزا مقداره في البطول والغلو: كما قال الشاعر:
ألا يا لقومي قد أشطت عواذلي ويزعمن أن أودى بحقي باطلي
يقال منه : قد أشط فلان في السوم إذا جاوز القدر وارتفع ، يشط إشطاطا وشططا .فاما من البعد فإنما يقال : شط منزل فلان يشط شطوطا، ومن الطول : شطت الجارية تشط شطاطا وشطاطة : إذا طالت .
وبنحو الذي قلنا في تاويل قوله " شططا" قال أهل التاويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " لقد قلنا إذا شططا" يقول كذبا .
حدثنا يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " لقد قلنا إذا شططا" قال : لقد قلنا إذن خطا، قال : الشطط : الخطأ من القول .
قوله تعالى : " وربطنا على قلوبهم " عبارة عن شدة عزم قوة صبر ، أعطاها الله لهم حتى قالوا بين يدي الكفار : " ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا" ولما كان الفزع وخور النفس بشبه بالتناسب الانحلال حسن في شدة النفس وقوة التصميم أن يشبه الربط ، ومنه يقال : فلان رابط الجأش ، إذا كان لا تفرق نفسه عن الفرزع والحرب وغيرها . ومنه الربط على قلب أم موسى .و قوله تعالى : " وليربط على قلوبكم ويثبت به الأقدام " [ الأنفال : 11] . قوله تعالى : " إذ قاموا فقالوا " فيه مسألتان :
الأولى : قوله تعالى : " إذ قاموا فقالوا " يحتمل ثلاثة معان :
أحدها : أن يكون هذا وصف مقامهم بين يدي الملك الكافر _ كما تقدم ن وهو مقدم يحتاح إلى الربط على القلب حيث خالفوا دينه ، ورفضوا في ذات الله هيبته .
والمعنى الثاني فيما قيل : إنهم أولاد عظماء تلك المدينة ، فخرجوا واجتمعوا وراء تلك المدينة من غير ميعاد ، فقال أسنهم : إني أجد نفسي أن ربي رب السموات والأرض ، فقالوا ونحن كذلك نحد في أنفسنا . فقاموا جيمعاً فقالوا : ( ربنا رب السموات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا شططا ) أي لئن ددعونا إلهاً غيره فقد قلنا إذا جوراً ومحالاً .
والمعنى الثالث : أن يعبر بالقيام عن انبعاثهم بالعزم إلى الهروب إلى الله تعالى ومنابذة الناس ، كما تقول : قام فلان إلى أمر كذا إذاعزم عليه بغاية الجد .
الثانية : قال ابن عطية : تعلقت الصوفية في القيام والقول بقوله : ( إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض ) قلت : وهذا تعلق غير صحيح ! هؤلاء هاموا فذكروا الله على هدايته ، وشكروا لما أولاهم من نعمة ونعمته ، ثم هاموا على وجوههم منقطعين إلى ربهم خائفسين من قومهم ، وهذه سنة الله في الرسل والآنبياء والفضلاء الأولياء . أين هذا من ضرب الأرض بالأقدام والرقص بالأكمام ! وخاصة في هذه الأزمان عند سماع الأصوات الحسان من المرد والسنوان ، هيهات ! بينهما والله ما بين الأرض والسماء . وثم هذا حرام عند جماعة العلماء ، على ما يأتي بيانه في سورة لقمان إن شاء الله تعالى . وقد تقدم في ( سبحان) عنه قوله " ولا تمش في الأرض مرحا " [ الإسراء : 73] ما فيه كفاية . وقال الإمام ابو بكر الطرسوسيي وسئل عن مذهب الصوفية فقال : وأما الرقص والتواجد فأول من أحدثه أصحاب السامري ، لما اتخذ لهم عجلاً جسداً له خوار قاموا يرقصون حواليه ويتواجدون ، فهو دين الكفار وعباد العجل ، على ما يأتي .
من ههنا شرع في بسط القصة وشرحها, فذكر تعالى أنهم فتية وهم الشباب, وهم أقبل للحق وأهدى للسبيل من الشيوخ الذين قد عتوا وانغمسوا في دين الباطل, ولهذا كان أكثر المستجيبين لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم شباباً, وأما المشايخ من قريش, فعامتهم بقوا على دينهم ولم يسلم منهم إلا القليل. وهكذا أخبر تعالى عن أصحاب الكهف أنهم كانوا فتية شباباً, وقال مجاهد : بلغني أنه كان في آذان بعضهم القرطة يعني الحلق, فألهمهم الله رشدهم وآتاهم تقواهم, فآمنوا بربهم أي اعترفوا له بالوحدانية, وشهدوا أنه لا إله إلا هو "وزدناهم هدى" استدل بهذه الاية وأمثالها غير واحد من الأئمة كالبخاري وغيره ممن ذهب إلى زيادة الإيمان وتفاضله وأنه يزيد وينقص, ولهذا قال تعالى: "وزدناهم هدى" كما قال: "والذين اهتدوا زادهم هدى وآتاهم تقواهم" وقال "فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون" وقال: "ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم" إلى غير ذلك من الايات الدالة على ذلك. وقد ذكر أنهم كانوا على دين المسيح عيسى بن مريم, فالله أعلم, والظاهر أنهم كانوا قبل ملة النصرانية بالكلية, فإنهم لو كانوا على دين النصرانية لما اعتنى أحبار اليهود بحفظ خبرهم وأمرهم لمباينتهم لهم, وقد تقدم عن ابن عباس أن قريشاً بعثوا إلى أحبار اليهود بالمدينة يطلبون منهم أشياء يمتحنون بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبعثوا إليهم أن يسألوه عن خبر هؤلاء, وعن خبر ذي القرنين, وعن الروح, فدل هذا على أن هذا أمر محفوظ في كتب أهل الكتاب وأنه متقدم على دين النصرانية, والله أعلم.
وقوله "وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السموات والأرض" يقول تعالى: وصبرناهم على مخالفة قومهم ومدينتهم ومفارقة ما كانوا فيه من العيش الرغيد والسعادة والنعمة, فإنه ذكر غير واحد من المفسرين من السلف والخلف أنهم كانوا من أبناء ملوك الروم وسادتهم, وأنهم خرجوا يوماً في بعض أعياد قومهم وكان لهم مجتمع في السنة يجتمعون فيه في ظاهر البلد, وكانوا يعبدون الأصنام والطواغيت, ويذبحون لها, وكان لهم ملك جبار عنيد يقال له دقيانوس,. وكان يأمر الناس بذلك ويحثهم عليه ويدعوهم إليه, فلما خرج الناس لمجتمعهم ذلك, وخرج هؤلاء الفتية مع آبائهم وقومهم, ونظروا إلى ما يصنع قومهم بعين بصيرتهم, عرفوا أن هذا الذي يصنعه قومهم من السجود لأصنامهم والذبح لها لا ينبغي إلا الله الذي خلق السموات والأرض, فجعل كل واحد منهم يتخلص من قومه وينحاز منهم ويتبرز عنهم ناحية, فكان أول من جلس منهم وحده أحدهم, جلس تحت ظل شجرة فجاء الاخر فجلس إليها عنده, وجاء الاخر فجلس إليهما, وجاء الاخر فجلس إليهم, وجاء الاخر وجاء الاخر, ولا يعرف واحد منهم الاخر, وإنما جمعهم هناك الذي جمع قلوبهم على الإيمان.
كما جاء في الحديث الذين رواه البخاري تعليقاً من حديث يحيى بن سعيد عن عمرة عن عائشة رضي الله عنها قالت: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الأرواح جنود مجندة, فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" وأخرجه مسلم في صحيحه من حديث سهيل عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, والناس يقولون: الجنسية علة الضم, والغرض أنه جعل كل أحد منهم يكتم ما هو عليه عن أصحابه خوفاً منهم, ولا يدري أنهم مثله حتى قال أحدهم: تعلمون والله يا قوم إنه ما أخرجكم من قومكم وأفردكم عنهم إلا شيء, فليظهر كل واحد منكم بأمره, فقال آخر: أما أنا فإني والله رأيت ما قومي عليه فعرفت أنه باطل, وإنما الذي يستحق أن يعبد وحده ولا يشرك به شيء هو الله الذي خلق السموات والأرض وما بينهما, وقال الاخر: وأنا والله وقع لي كذلك, وقال الاخر كذلك, حتى توافقوا كلهم على كلمة واحدة, فصاروا يداً واحدة, وإخوان صدق, فاتخذوا لهم معبداً يعبدون الله فيه, فعرف بهم قومهم فوشوا بأمرهم إلى ملكهم فاستحضرهم بين يديه فسألهم عن أمرهم وما هم عليه, فأجابوه بالحق ودعوه إلى الله عز وجل, ولهذا أخبر تعالى عنهم بقوله: " وربطنا على قلوبهم إذ قاموا فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها " ولن لنفي التأبيد أي لا يقع منا هذا أبداً, لأنا لو فعلنا ذلك لكان باطلاً, ولهذا قال عنهم: "لقد قلنا إذاً شططاً" أي باطلاً وبهتاناً "هؤلاء قومنا اتخذوا من دونه آلهة لولا يأتون عليهم بسلطان بين" أي هلا أقاموا على صحة ما ذهبوا إليه دليلاً واضحاً صحيحاً "فمن أظلم ممن افترى على الله كذباً" يقولون: بل هم ظالمون كاذبون في قولهم ذلك, فيقال إن ملكهم لما دعوه إلى الإيمان بالله أبى عليهم وتهددهم وتوعدهم, وأمر بنزع لباسهم عنهم الذي كان عليهم من زينة قومهم, وأجلهم لينظروا في أمرهم لعلهم يرجعون عن دينهم الذي كانوا عليه, وكان هذا من لطف الله بهم, فإنهم في تلك النظرة توصلوا إلى الهرب منه والفرار بدينهم من الفتنة, وهذا هو المشروع عند وقوع الفتن في الناس أن يفر العبد منهم خوفاً على دينه, كما جاء في الحديث "يوشك أن يكون خير مال أحدكم غنماً يتبع بها شعف الجبال ومواقع القطر يفر بدينه من الفتن" ففي هذه الحال تشرع العزلة عن الناس ولا تشرع فيما عداها, لما يفوت بها من ترك الجماعات والجمع, فلما وقع عزمهم على الذهاب والهرب من قومهم, واختار الله تعالى لهم ذلك وأخبر عنهم بذلك في قوله: "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله" أي وإذ فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير الله, ففارقوهم أيضاً بأبدانكم, "فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته" أي يبسط عليكم رحمة يستركم بها من قومكم " ويهيئ لكم من أمركم " الذي أنتم فيه "مرفقاً" أي أمراً ترتفقون به, فعند ذلك خرجوا هراباً إلى الكهف فأووا إليه, ففقدهم قومهم من بين أظهرهم وتطلبهم الملك, فيقال أنه لم يظفر بهم وعمى الله عليه خبرهم كما فعل بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم, وصاحبه الصديق حين لجآ إلى غار ثور, وجاء المشركون من قريش في الطلب فلم يهتدوا إليه مع أنهم يمرون عليه, وعندها قال النبي صلى الله عليه وسلم حين رأى جزع الصديق في قوله: يا رسول الله لو أن أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا, فقال: "يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟" وقد قال تعالى: " إلا تنصروه فقد نصره الله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم " فقصة هذا الغار أشرف وأجل وأعظم وأعجب من قصة أصحاب الكهف, وقد قيل: إن قومهم ظفروا بهم ووقفوا على باب الغار الذي دخلوه, فقالوا: ماكنا نريد منهم من العقوبة أكثر مما فعلوا بأنفسهم, فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعلوا ذلك , وفي هذا نظر, والله أعلم, فإن الله تعالى قد أخبر أن الشمس تدخل عليهم في الكهف بكرة وعشياً, كما قال تعالى:
14- "وربطنا على قلوبهم" أي قويناها بالصبر على هجر الأهل والأوطان، وفراق الخلان والأخدان "إذ قاموا" الظرف منصوب بربطنا. واختلف أهل التفسير في هذا القيام على أقوال: فقيل إنهم اجتمعوا وراء المدينة من غير ميعاد، فقال رجل منهم هو أكبر القوم: إني لأجد في نفسي شيئاً، إن ربي رب السموات والأرض، فقالوا: ونحن أيضاً كذلك نجد في أنفسنا، فقاموا جميعاً "فقالوا ربنا رب السموات والأرض" قاله مجاهد. وقال أكثر المفسرين: إنه كان لهم ملك جبار يقال له دقيانوس، وكان يدعو الناس إلى عبادة الطواغيت، فثبت الله هؤلاء الفتية وعصمهم حتى قاموا بين يديه "فقالوا ربنا رب السموات والأرض" وقال عطاء ومقاتل إنهم قالوا ذلك عند قيامهم من النوم "لن ندعوا من دونه إلهاً" أي لن نعبد معبوداً آخر غير الله لا اشتراكاً ولا استقلالاً "لقد قلنا إذاً شططاً" أي قولاً ذا شطط، أو قولاً هو نفس الشطط لقصد المبالغة بالوصف بالمصدر، واللام هي الموطئة للقسم، والشطط الغلو ومجاوزة الحد. قال أعشى بن قيس:
أتنتهون ولن ينهى ذوي شطط كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل
14 - " وربطنا " ، شددنا ، " على قلوبهم " ، بالصبر والتثبيت وقويناهم بنور الإيمان حتى صبروا على هجران دار قومهم ، ومفارقة ما كانوا فيه من العز وخصب العيش وفروا بدينهم إلى الكهف ، " إذ قاموا " ، بين يدي دقيانوس حين عاتبهم على ترك عبادة الأصنام ، " فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها " ، قالوا ذلك لأن قومهم كانوا يعبدون الأوثان ، " لقد قلنا إذاً شططاً " ، يعني : إن دعونا غير الله لقد قلنا إذاً شططاً ، قال ابن عباس : جوراً . وقال قتادة : كذباً . وأصل الشطط و الإشطاط مجازة القدر والإفراط .
14."وربطنا على قلوبهم"وقويناها بالصبر على هجر الوطن والأهل والمال ، والجراءة على إظهار الحق والرد على دقيانوس الجبار."إذ قاموا "بين يديه . " فقالوا ربنا رب السماوات والأرض لن ندعوا من دونه إلها لقد قلنا إذا شططا "والله لقد قلنا قولاً ذا شطط أي ذا بعد عن الحق مفرط في الظلم.
14. And We made firm their hearts when they stood forth and said: Our Lord is the Lord of the heavens and the earth. We cry unto no god beside Him, for then should we utter an enormity.
14 - We gave strength to their hearts: behold, they stood up and said; our Lord is the Lord of the heavens and of the earth: never shall we call upon any god other than him: if we did, we should indeed have uttered an enormity