(الذين) بدل أو نعت المنافقين (يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين) لما يتوهمون فيهم من القوة (أيبتغون) يطلبون (عندهم العزة) استفهام إنكار ، أي لا يجدون عندهم (فإن العزة لله جميعا) في الدنيا والآخرة ولا ينالها إلا أولياؤه
قال أبو جعفر: أما قوله جل ثناؤه : "الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين"، فمن صفة المنافقين. يقول الله لنبيه : يا محمد، بشر المنافقين الذين يتخذون أهل الكفر بي والإلحاد في ديني "أولياء"- يعني : أنصاراً وأخلاء - "من دون المؤمنين"، يعني : من غير المؤمنين ، "أيبتغون عندهم العزة"، يقول : أيطلبون عندهم المنعة والقوة، باتخاذهم إياهم أولياء من دون أهل الإيمان بي ؟ "فإن العزة لله جميعا"، يقول : فإن الذين اتخذوهم من الكافرين أولياء ابتغاء العزة عندهم ، هم الأذلاء الأقلاء، فهلا اتخذوا الأولياء من المؤمنين ، فيلتمسوا العزة والمنعة والنصرة من عند الله الذي له العزة والمنعة، الذي يعز من يشاء ويذل من يشاء، فيعزهم ويمنعهم؟ وأصل "العزة"، الشدة. ومنه قيل للأرض الصلبة الشديدة، عزاز. وقيل : قد استعز على المريض، إذا اشتد مرضه وكاد يشفي. ويقال : تعزز اللحم، إذا اشتد. ومنه قيل: عز علي أن يكون كذا وكذا، بمعنى: اشتد علي.
قوله تعالى : " الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " " الذين" نعت للمنافقين وفي هذا دليل على أن من عمل معصية من الموحدين ليس بمنافق لأنه لا يتولى الكفار وتضمن المنع من موالاة الكافر، وأن يتخذوا أعواناً على الأعمال المتعلقة بالدين وفي الصحيح "عن عائشة رضي الله عنها أن رجلاً من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم معه فقال له :
ارجع فإنا لا نستعين بمشرك " " العزة" أي الغلبة عزة يعزه عزاً إذا غلبه " فإن العزة لله جميعا" أي الغلبة والقوة لله قال ابن عباس: " يبتغون عندهم " يريد عند بني فينقاع فإن ابن أبي كان يواليهم .
يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان, ثم رجع عنه, ثم عاد فيه, ثم رجع واستمر على ضلاله وازداد حتى مات, فإنه لا توبة بعد موته ولا يغفر الله له ولا يجعل له مما هو فيه فرجاً ولا مخرجاً ولا طريقاً إلى الهدى, ولهذا قال: "لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً". قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن عبدة, حدثنا حفص بن جميع عن سماك, عن عكرمة, عن ابن عباس في قوله تعالى: "ثم ازدادوا كفراً" قال: تمادوا على كفرهم حتى ماتوا, وكذا قال مجاهد. وروى ابن أبي حاتم من طريق جابر المعلى عن عامر الشعبي, عن علي رضي الله عنه, أنه قال: يستتاب المرتد ثلاثاً, ثم تلا هذه الاية "إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفراً لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلاً", ثم قال: "بشر المنافقين بأن لهم عذاباً أليماً" يعني أن المنافقين من هذه الصفة, فإنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم, ثم وصفهم بأنهم يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين, بمعنى أنهم معهم في الحقيقة يوالونهم ويسرون إليهم بالمودة, ويقولون لهم إذا خلوا بهم: إنما نحن معكم, إنما نحن مستهزئون, أي بالمؤمنين, في إظهارنا لهم الموافقة, قال الله تعالى منكراً عليهم فيما سلكوه من موالاة الكافرين "أيبتغون عندهم العزة", ثم أخبر الله تعالى بأن العزة كلها له وحده لا شريك له ولمن جعلها له, كما قال تعالى في الاية الأخرى "من كان يريد العزة فلله العزة جميعاً". وقال تعالى: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون", والمقصود من هذا التهييج على طلب العزة من جناب الله والإقبال على عبوديته والانتظام في جملة عباده المؤمنين الذين لهم النصرة في الحياة الدنيا, ويوم يقوم الأشهاد, ويناسب هنا أن نذكر الحديث الذي رواه الإمام أحمد: حدثنا حسين بن محمد, حدثنا أبو بكر بن عياش بن حميد الكندي, عن عبادة بن نسيء, عن أبي ريحانه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وفخراً, فهو عاشرهم في النار" تفرد به أحمد, وأبو ريحانة هذا هو أزدي, ويقال أنصاري, واسمه شمعون, بالمعجمة, فيما قاله البخاري, وقال غيره: بالمهملة, والله أعلم.
وقوله: "وقد نزل عليكم في الكتاب أن إذا سمعتم آيات الله يكفر بها ويستهزأ بها فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره إنكم إذاً مثلهم", أي إنكم إذا ارتكبتم النهي بعد وصوله إليكم ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يكفر فيه بآيات الله ويستهزأ وينتقص بها وأقررتموهم على ذلك, فقد شاركتموهم في الذي هم فيه, فلهذا قال تعالى: "إنكم إذاً مثلهم" في المأثم, كما جاء في الحديث "من كان يؤمن بالله واليوم الاخر, فلا يجلس على مائدة يدار عليها الخمر" والذي أحيل عليه في هذه الاية من النهي في ذلك هو قوله تعالى في سورة الأنعام, وهي مكية "وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم" الاية, قال مقاتل بن حيان: نسخت هذه الاية التي في سورة الأنعام, يعني نسخ قوله: " إنكم إذا مثلهم " لقوله " وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء ولكن ذكرى لعلهم يتقون ". وقوله: "إن الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً" أي كما أشركوهم في الكفر كذلك يشارك الله بينهم في الخلود في نار جهنم أبداً ويجمع بينهم في دار العقوبة والنكال والقيود والأغلال وشراب الحميم والغسلين لا الزلال.
وقوله 139- "الذين يتخذون الكافرين أولياء" وصف للمنافقين أو منصوب على الذم: أي يجعلون الكفار أولياء لهم يوالونهم على كفرهم ويمالئونهم على ضلالهم. وقوله: "من دون المؤمنين" في محل نصب على الحال: أي يوالون الكافرين متجاوزين ولاية المؤمنين "أيبتغون عندهم العزة" هذا الاستفهام للتقريع والتوبيخ، والجملة معترضة. قوله "فإن العزة لله جميعاً" هذه الجملة تعليل لما تقدم من توبيخهم بابتغاء العزة عند الكافرين وجميع أنواع العزة وأفرادها مختص بالله سبحانه، وما كان منها مع غيره فهو من فيضه وتفضله كما في قوله "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" والعزة: الغلبة، يقال عزه يعزه عزاً: إذا غلبه.
139-"الذين يتخذون الكافرين أولياء"،يعني: يتخذون اليهود أولياء وأنصاراً أو بطانة"من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة"، أي: المعونة والظهر على محمد صلى الله عليه وسلم و أصحابه: وقيل: أيطلبون عندهم القوة والغلبة "فإن العزة"أي : الغلبة والقوة والقدرة،"لله جميعاً" .
139" الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " في محل النصب، أو الرفع على الذم بمعنى أريد الذين أو هم الذين. " أيبتغون عندهم العزة " أيتعززون بموالاتهم. " فإن العزة لله جميعا " لا يتعزز إلا من أعزه الله، وقد كتب العزة لأوليائه فقال: "ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين" ولا يؤبه بعزة غيرهم بالإضافة إليهم.
139. Those who choose disbelievers for their friends instead of believers! Do they look for power at their hands? Lo! all power appertaineth to Allah.
139 - Yea, to those who take for friends unbelievers rather than believers: is it honor they seek among them? nay, all honor is with God.