136 - (قالوا سواء علينا) مستو عندنا (أوعظت أم لم تكن من الواعظين) أصلا أي لا نرعوي لوعظك
يقول تعالى ذكره : قالت عاد لنبيهم هود صلى الله عليه وسلم : معتدل عندنا و عظك إيانا ، و تركك الوعظ ، فلن نؤمن لك و لن نصدقك على ما جئتنا به .
وقوله : " إن هذا إلا خلق الأولين " اختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة سوى أبي جعفر ، و عامة قراء الكوفة المتأخرين منهم " إن هذا إلا خلق الأولين " من قبلنا . و قرأ ذلك أبو جعفر ، و أبو عمر بن العلاء ، " إن هذا إلا خلق الأولين " بفتح الخاء و تسكين اللام بمعنى : ما هذا الذي جئتنا به إلا كذب الأولين و أحاديثهم .
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك ، نحو اختلاف القراء في قراءته ، فقال بعضهم : معناه ما هذا إلا دين الأولين و عادتهم و أخلاقهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : " إن هذا إلا خلق الأولين " يقول : دين الأولين .
حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن قتادة قوله : " إن هذا إلا خلق الأولين " يقول : هكذا خلقة الأولين ، و هكذا كانوا يحيون و يموتون .
وقال آخرون : بل معنى ذلك : ما هذا إلا كذب الأولين وأساطيرهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " إن هذا إلا خلق الأولين " قال : أساطير الأولين .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، و حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : " إلا خلق الأولين " قال : كذبهم .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، في قوله : " إن هذا إلا خلق الأولين " قال : إن هذا إلا أمر الأولين وأساطير الأولين اكتتبها فهي تملي عليه بكرة و أصيلا .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا دواد ، عن عامر ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، " إن هذا إلا خلق الأولين " يقول : إن هذا إلا اختلاق الأولين .
قال : ثنا يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا داود ، عن الشعبي ، عن علقمة عن عبد الله ، أنه كان يقرأ " إن هذا إلا خلق الأولين " ويقول شيء اختلقوه .
حدثني يعقوب ، قال : ثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي ، قال : قال علقمة " إن هذا إلا خلق الأولين " قال : اختلاق الأولين .
وأولى القراءتين في ذلك بالصواب قراءة من قرأ " إن هذا إلا خلق الأولين " بضم الخاء و اللام ، بمعنى : إن هذا إلا عادة الأولين و دينهم ، كما قال ابن عباس ، لأنهم إنما عرتبوا على البنيان الذي كانوا يتخذونه ، و بطشهم بالناس بطش الجبابرة ، و قلة شكرهم ربهم فيما أنعم عليهم ، فأجابوا نبيهم بأنهم يفعلون ما يفعلون من ذلك ، احتذاء منهم سنة من قبلهم من الأمم ، و اقتفاء منهم آثارهم ، فقالوا : ما هذا الذي نفعله إلا خلق الأولين ، يعنون بالخلق : عادة الأولين . و يزيد ذلك بيانا و تصحيحا لما اخترنا من القراءة و التأويل ، قولهم " وما نحن بمعذبين " لأنهم لو كانوا لا يقرون بأن لهم ربا يقدر على تعذيبهم ، ما قالوا " وما نحن بمعذبين " بل كانوا يقولون : إن هذا الذي جئتنا به يا هود إلا خلق الأولين ، وما لنا من معذب يعذبنا ، و لكنهم كانوا مقرين الصانع ، و يعبدون الآلهة ، على نحو ما كان مشركو العرب يعبدونها ، و يقولون إنها تقربنا إلى الله زلفى فلذلك قالوا لهود وهم منكرون نبوته " سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين " ثم قالوا له : ما هذا الذي نفعله إلا عادة من قبلنا و أخلاقهم ، و ما الله معذبنا عليه ، كما أخبرنا تعالى ذكره عن الأمم الخالية قبلنا ، أنهم كانوا يقولون لرسلهم " إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " الزخرف : 23 .
قوله تعالى : " قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين " كل ذلك عندنا سواء لا نسمع منك ولا نلوي على ما تقوله وروى العباس عن أبي عمرو وبشر عن الكسائي :أوعظت مدغمة الظاء في التاء وهو بعيد ، لأن الظاء حرف إطباق إنما يدغم فيما قرب منه حداً وكان مثله ومخرجه .
يقول تعالى مخبراً عن جواب قوم هود له بعد ما حذرهم وأنذرهم, ورغبهم ورهبهم, وبين لهم الحق ووضحه "قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين" أي لا نرجع عما نحن عليه " وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين " وهكذا الأمر, فإن الله تعالى قال "إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون" وقال تعالى: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون" الاية, وقولهم "إن هذا إلا خلق الأولين" قرأ بعضهم " إن هذا إلا خلق الأولين " بفتح الخاء وتسكين اللام. قال ابن مسعود والعوفي عن عبد الله بن عباس وعلقمة ومجاهد : يعنون ما هذا الذي جئتنا به إلاأخلاق الأولين, كما قال المشركون من قريش "وقالوا أساطير الأولين اكتتبها فهي تملى عليه بكرة وأصيلاً" وقال " وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاؤوا ظلما وزورا * وقالوا أساطير الأولين " وقال "وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين" وقرأ آخرون "إن هذا إلا خلق الأولين" بضم الخاء واللام, يعنون دينهم وما هم عليه من الأمر هو دين الأولين من الاباء والأجداد, ونحن تابعون لهم سالكون وراءهم, نعيش كما عاشوا, ونموت كما ماتوا, ولا بعث ولامعاد, ولهذا قالوا "وما نحن بمعذبين" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "إن هذا إلا خلق الأولين" يقول: دين الأولين. وقاله عكرمة وعطاء الخراساني وقتادة وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, واختاره ابن جرير .
وقوله تعالى: "فكذبوه فأهلكناهم" أي استمروا على تكذيب نبي الله هود ومخالفته وعناده, فأهلكهم الله وقد بين سبب إهلاكه إياهم في غير موضع من القرآن بأنه أرسل عليهم ريحاً صرصراً عاتية, أي ريحاً شديدة الهبوب, ذات برد شديد جداً, فكان سبب إهلاكهم من جنسهم, فإنهم كانوا أعتى شيء وأجبره, فسلط الله عليهم ما هو أعتى منهم وأشد قوة, كما قال تعالى: "ألم تر كيف فعل ربك بعاد * إرم ذات العماد" وهم عاد الأولى, كما قال تعالى: "وأنه أهلك عاداً الأولى" وهم من نسل إرم بن سام بن نوح "ذات العماد" الذين كانو يسكنون العمد, ومن زعم أن إرم مدينة, فإنما أخذ ذلك من الإسرائيليات من كلام كعب ووهب, وليس لذلك أصل أصيل, ولهذا قال "التي لم يخلق مثلها في البلاد" أي لم يخلق مثل هذه القبيلة في قوتهم وشدتهم وجبروتهم, ولو كان المراد بذلك مدينة لقال: التي لم يبن مثلها في البلاد, وقال تعالى: " فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون " وقد قدمنا أن الله تعالى لم يرسل عليهم من الريح إلا مقدار أنف الثور, عتت على الخزنة, فأذن الله لها في ذلك, فسلكت فحصبت بلادهم, فحصبت كل شيء لهم, كما قال تعالى: "تدمر كل شيء بأمر ربها" الاية, وقال تعالى: " وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية * سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية " أي بقوا أبداناً بلا رؤوس, وذلك أن الريح كانت تأتي الرجل منهم فتقتلعه وترفعه في الهواء, ثم تنكسه على أم رأسه, فتشدخ دماغه وتكسر رأسه وتلقيه, كأنهم أعجاز نخل منقعر, وقد كانو تحصنوا في الجبال والكهوف والمغارات, وحفروا لهم في الأرض إلى أنصافهم, فلم يغن عنهم ذلك من أمر الله شيئاً "إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر" ولهذا قال تعالى: "فكذبوه فأهلكناهم" الاية.
أي وعظك وعدمه "سواء" عندنا لا نبالي بشيء منه ولا نلتفت إلى ما تقوله. وقد روى العباس عن أبي عمرو، وروى بشر عن الكسائي "أوعظت" بإدغام الظاء في التاء وهو بعيد، لان حرف الظاء حرف إطباق إنما يدغم فيما قرب منه جداً. وروي ذلك عن عاصم والأعمش وابن محيصن. وقرأ الباقون بإظهار الظاء.
136- "قالوا سواء علينا"، أي: مستو عندنا، "أوعظت أم لم تكن من الواعظين"، الوعظ كلام يلين القلب بذكر الوعد والوعيد. قال الكلبي: نهيتنا أم لم تكن من الناهين لنا.
136 -" قالوا سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين " فإنا لا نرعوي عما نحن عليه ، وتغيير شق النفي عما تقتضيه المقابلة للمبالغة في قلة اعتدادهم بوعظه .
136. They said: It is all one to us whether thou preachest or art not of those who preach;
136 - They said: It is the same to us whether thou admonish us or be not among (our) admonishers!