135 - (إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم) في الدنيا والآخرة إن عصيتموني
القول في تأويل قوله تعالى : " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " .
قوله تعالى : " إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " إن كفرتم به وأصررتم على ذلك .
وهذا إخبار من الله تعالى عن عبده ورسوله هود عليه السلام, أنه دعا قومه عاداً, وكان قومه يسكنون الأحقاف, وهي جبال الرمل قريباً من حضرموت, من جهة بلاد اليمن, وكان زمانهم بعد قوم نوح, كما قال في سورة الأعراف "واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد قوم نوح وزادكم في الخلق بسطة" وذلك أنهم كانوا في غاية من قوة التركيب والقوة والبطش الشديد, والطول المديد, والأرزاق الدارة, والأموال والجنات والأنهار, والأبناء والزروع والثمار, وكانوا مع ذلك يعبدون غير الله معه, فبعث الله هوداً إليهم رجلاً منهم رسولاً وبشيراً ونذيراً, فدعاهم إلى الله وحده, وحذرهم نقمته وعذابه في مخالفته وبطشه, فقال لهم كما قال نوح لقومه إلى أن قال "أتبنون بكل ريع آية تعبثون" اختلف المفسرون في الريع بما حاصله أنه المكان المرتفع عند جواد الطرق المشهورة, يبنون هناك بنياناً محكماً هائلاً باهراً, ولهذا قال "أتبنون بكل ريع آية" أي معلماً بناء مشهوراً "تعبثون" أي وإنما تفعلون ذلك عبثاً لا للاحتياج إليه بل لمجرد اللعب واللهو وإظهار القوة, ولهذا أنكر عليه نبيهم عليهم السلام ذلك, لأنه تضييع للزمان وإتعاب للأبدان في غير فائدة, واشتغال بما لا يجدي في الدنيا ولا في الاخرة, ولهذا قال "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" قال مجاهد : والمصانع البروج المشيدة والبنيان المخلد, وفي رواية عنه: بروج الحمام. وقال قتادة : هي مأخذ الماء.
قال قتادة : وقرأ بعض الكوفيين " وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون ". وفي القراءة المشهورة "وتتخذون مصانع لعلكم تخلدون" أي لكي تقيموا فيها أبداً وذلك ليس بحاصل لكم بل زائل عنكم, كما زال عمن كان قبلكم. وروى ابن أبي حاتم رحمه الله: حدثنا أبي , حدثنا الحكم بن موسى , حدثنا الوليد , حدثنا ابن عجلان , حدثني عون بن عبد الله بن عتبة أن أبا الدرداء رضي الله عنه لما رأى ما أحدث المسلمون في الغوطة من البنيان ونصب الشجر, قام في مسجدهم فنادى: يا أهل دمشق, فاجتمعوا إليه, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: ألا تستحيون, ألا تستحيون, تجمعون ما لا تأكلون, وتبنون ما لا تسكنون, وتأملون ما لا تدركون, إنه قد كانت قبلكم قرون يجمعون فيوعون, ويبنون فيوثقون, ويأملون فيطيلون, فأصبح أملهم غروراً, وأصبح جمعهم بوراً, وأصبحت مساكنهم قبوراً, ألا إن عاداً ملكت ما بين عدن وعمان خيلاً وركاباً, فمن يشتري مني ميراث عاد بدرهمين ؟.
وقوله "وإذا بطشتم بطشتم جبارين" أي يصفهم بالقوة والغلظة والجبروت "فاتقوا الله وأطيعون" أي اعبدوا ربكم وأطيعوا رسولكم, ثم شرع يذكرهم نعم الله عليهم, فقال " واتقوا الذي أمدكم بما تعلمون * أمدكم بأنعام وبنين * وجنات وعيون * إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " أي إن كذبتم وخالفتم, فدعاهم إلى الله بالترغيب والترهيب, فما نفع فيهم.
فقال: 135- "إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم" إن كفرتم وأصررتم على ما أنتم فيه ولم تشكروا هذه النعم، والمراد بالعذاب العظيم الدنيوي والأخروي.
وقد أخرج ابن المنذر عن ابن عباس "قالوا أنؤمن لك" أي أنصدقك؟. وأخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد "واتبعك الأرذلون" قال: الحواكون. وأخرج أيضاً عن قتادة قال: سفلة الناس وأراذلهم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس "الفلك المشحون" قال: الممتلئ. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أنه قال أتدرون ما المشحون؟ قلنا لا، قال: هو الموقر. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً قال: هو المثقل. وأخرج ابن جرير عنه أيضاً "بكل ريع" قال: طريق "آية" قال: علماً "تعبثون" قال: تلعبون. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عنه أيضاً "بكل ريع" قال: شرف. وأخرجوا أيضاً عنه "لعلكم تخلدون" قال: كأنكم تخلدون. وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضاً "جبارين" قال: أقوياء.
135- "إني أخاف عليكم"، قال ابن عباس: إن عصيتموني، "عذاب يوم عظيم".
135 -" إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم " في الدنيا والآخرة ، فإنه كما قدر على الإنعام قدر على الانتقام .
135. Lo! I fear for you the retribution of an awful day.
135 - Truly I fear for you the Penalty of a Great Day.