133 - (فأرسلنا عليهم الطوفان) وهو ماء دخل بيوتهم ووصل إلى حلوق الجالسين سبعة أيام (والجراد) فأكل زرعهم وثمارهم كذلك (والقمل) السوس أو نوع من القراد ، فتتبع ما تركه الجراد (والضفادع) فملأت بيوتهم وطعامهم (والدم) في مياههم (آيات مفصلات) مبينات (فاستكبروا) عن الإيمان بها (وكانوا قوماً مجرمين)
قال أبو جعفر: اختلف أهل التأويل في معنى " الطوفان ".
فقال بعضهم: هو الماء.
ذكر من قال ذلك:
حدثني ابن وكيع قال، حدثنا حبويه أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: لما جاء موسى بالآيات، كان أول الآيات الطوفان، فأرسل الله عليهم السماء.
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن يمان قال، حدثنا سفيان، عن إسمعيل، عن أبي مالك قال: " الطوفان "، الماء.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا المحاربي، عن جويبر، عن الضحاك قال: " الطوفان "، الماء.
... قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال: " الطوفان "، الغرق.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: " الطوفان "، الماء، و((الطاعون))، [الموت] على كل حال.
حدثني المثنى قال، حدثني أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: " الطوفان "، الموت على كل حال.
حدثنا محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: " الطوفان "، الماء.
وقال آخرون: بل هو الموت.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا يحيى بن يمان قال، حدثنا المنهال بن خليفة، عن الحجاج، عن الحكم بن ميناء، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الطوفان الموت ".
حدثني عباس بن محمد قال، حدثنا حجاج، عن ابن جريج قال: سألت عطاء : ما الطوفان؟قال: الموت.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا عبد الله بن رجاء، عن ابن جريج ، عن عطاء ، عمن حدثه، عن مجاهد قال: " الطوفان "، الموت.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن عبد الله بن كثير: " فأرسلنا عليهم الطوفان "، قال الموت. قال ابن جريج وسألت عطاء عن " الطوفان "، قال: الموت. قال ابن جريج : وقال مجاهد : الموت على كل حال.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن المنهال بن خليفة، عن حجاج، عن رجل، عن عائشة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: " الطوفان الموت ".
وقال آخرون: بل ذلك كان أمراً من الله طاف بهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا جرير، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عباس: " فأرسلنا عليهم الطوفان "، قال: أمر الله، الطوفان، ثم قرأ " فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون " [القلم: 19].
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، يزعم أن " الطوفان " من السيل: البعاق والدباش، وهو الشديد. ومن الموت، المبالغ الذريع السريع.
وقال بعضهم: هو كثرة المطر والريح.
وكان بعض نحويي الكوفيين يقول: " الطوفان " مصدر مثل ((الرجحان )) و((النقصان))، لا يجمع.
وكان بعض نحويي البصرة يقول: هو جمع، واحدها في القياس ((الطوفانة)).
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي ما قاله ابن عباس، على ما رواه عنه أبو ظبيان: أنه أمر من الله طاف بهم، وأنه مصدر من قول القائل: ((طاف بهم أمر الله يطوف طوفاناً))، كما يقال: ((نقص هذا الشيء ينقص نقصاناً)).
وإذا كان ذلك كذلك، جاز أن يكون الذي طاف بهم المطر الشديد، وجاز أن يكون الموت الذريع. ومن الدلالة على أن المطر الشديد قد يسمى ((طوفاناً))، قول حسيل بن عرفطة:
غير الجدة من آياتها خرق الريح وطوفان المطر
ويروى:
خرق الريح بطوفان المطر
وقول الراعي:
تضحي إذا العيس أدركنا نكائثها خرقاء يعتادها الطوفان والزؤد
وقول أبي النجم:
قد مد طوفان فبث مددا شهراً شآبيب وشهراً بردا
وأما ((القمل))، فإن أهل التأويل اختلفوا في معناه.
فقال بعضهم: هو السوس الذي يخرج من الحنطة.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: ((القمل))، هو السوس الذي يخرج من الحنطة.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب، عن جعفر، عن سعيد، بنحوه.
وقال آخرون: هو الدبى، وهو صغار الجراد الذي لا أجنحة له.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قال ((القمل))، الدبى.
حدثني موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي ، قال: الدبى، القمل.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال: ((القمل))، هو الدبى.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو عاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد قال: ((القمل))، الدبى.
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور قال، حدثنا معمر، عن قتادة قال: ((القمل))، هي الدبى، وهي أولاد الجراد.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جابر بن نوح، عن أبي روق، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال: ((القمل))، الدبى.
... قال حدثنا يحيى بن آدم، عن قيس، عمن ذكره، عن عكرمة قال: ((القمل))، بنات الجراد.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: ((القمل))، الدبى.
وقال آخرون: بل ((القمل))، البراغيث.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: " فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل "، قال: زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث.
وقال بعضهم: هي دواب سود صغار.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر قال، سمعت سعيد بن جبير و الحسن قالا: ((القمل))، دواب سود صغار.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم: أن ((القمل)) عند العرب الحمنان، و ((الحمنان)) ضرب من القردان، واحدتها ((حمنانة))، فوق القمقامة.
و ((القمل)) جمع، واحدتها، ((قملة))، وهي دابة تشبه القمل تأكلها الإبل فيما بلغني، وهي التي عناها الأعشى في قوله:
قوم تعالج قملا أبناؤهم وسلاسلاً أجداً وباباً مؤصدا
وكان الفراء يقول: لم أسمع فيه شيئاً، فإن يكن جمعاً، فواحده ((قامل))، مثل ((ساجد)) و((راكع))، وإن يكن اسماً على معنى جمع، فواحدته ((قملة)).
ذكر المعاني التي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الآيات، والسبب الذي من أجله أحدثها الله فيهم.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يعقوب القمي، عن جعفر بن المغيرة عن سعيد بن جبير قال: لما أتى موسى فرعون قال له: أرسل معي بني إسرائيل! فأبى عليه، فأرسل الله عليهم الطوفان - وهو المطر - فصب عليهم منه شيئاً، فخافوا أن يكون عذاباً، فقالوا لموسى: ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فأنبت لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزرع والثمر والكلأ. فقالوا: هذا ما كنا نتمنى، فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه على الكلأ، فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع. فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم الجراد، فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل! فداسوا وأحرزوا في البيوت، فقالوا: قد أحرزنا! فأرسل الله عليهم القمل - وهو السوس الذي يخرج منه - فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى، فلا يرد منها ثلاثة أقفزة. فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا القمل، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه فكشف عنهم، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل. فبينا هو جالس عند فرعون، إذ سمع نقيق ضفدع فقال فرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا! فقال: وما عسى أن يكون كيد هذا! فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، ويهم أن يتكلم فتثب الضفادع في فيه. فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع، فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فكشف عنهم فلم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الدم، فكان ما استقوا من الأنهار والآبار، أو ما كان في أوعيتهم، وجدوه دماً عبطاً فشكوا إلى فرعون فقالوا: إنا قد ابتلينا بالدم، وليس لنا شراب! فقال: إنه قد سحركم! فقالوا: من أين سحرنا، ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا وجدناه دماً عبيطاً؟ فأتوه فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا حبويه أبو يزيد، عن يعقوب القمي، عن جعفر، عن ابن عباس قال: لما خافوا الغرق، قال فرعون: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا هذا المطر، فنؤمن لك. ثم ذكر نحو حديث ابن حميد، عن يعقوب.
حدثنا موسى بن هرون قال، حدثنا عمرو بن حماد قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: ثم إن الله أرسل عليهم - يعني على قوم فرعون - الطوفان، وهو المطر، فغرق كل شيء لهم، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فكشفه الله عنهم، ونبتت به زروعهم، فقالوا: ما يسرنا أنا لم نمطر! فبعث الله عليهم الجراد، فأكل حروثهم، فسألوا موسى أن يدعو ربه، فيكشفه، ويؤمنوا به. فدعا فكشفه، وقد بقي من زروعهم بقية فقالوا: لم تؤمنون، وقد بقي من زروعنا بقية تكفينا؟ فبعث الله عليهم الدبى - وهو القمل - فلحس الأرض كلها، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضه، وكان لأحدهم الطعام فيمتلىء دبىً، حتى إن أحدهم ليبني الأسطوانة بالجص، فيزلقها حتى لا يرتقي فوقها شيء. يرفع فوقها الطعام، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملآن دبىً، فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من الدبى - وهو ((الرجز)) الذي ذكر الله في القرآن أنه وقع عليهم - فسألوا موسى أن يدعو ربه فيكشف عنهم ويؤمنوا به، فلما كشف عنهم، أبوا أن يؤمنوا. فأرسل الله عليهم الدم، فكان الإسرائيلي يأتي هو والقبطي يستقيان من ماء واحد، فيخرج ماء هذا القبطي دماً، ويخرج للإسرائيلي ماءً. فلما اشتد ذلك عليهم، سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به، فكشف ذلك، فأبوا أن يؤمنوا، وذلك حين يقول الله: " فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون "، [الزخرف: 50].
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال، حدثنا محمد بن ثور، عن معمر، عن قتادة : " فأرسلنا عليهم الطوفان "، قال: أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياماً، ثم كشف عنهم فلم يؤمنوا، وأخصبت بلادهم خصباً لم تخصب مثله، فأرسل الله عليه الجراد فأكله إلا قليلاً، فلم يؤمنوا أيضاً. فأرسل الله القمل - وهي الدبى، وهي أولاد الجراد - فأكلت ما بقي من زروعهم، فلم يؤمنوا فأرسل الله عليهم الضفادع، فدخلت عليهم بيوتهم، ووقعت في آنيتهم وفرشهم، فلم يؤمنوا. ثم أرسل الله عليهم الدم، فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحول ذلك الماء دماً، قال الله: " آيات مفصلات ".
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: " فأرسلنا عليهم الطوفان " حتى بلغ " مجرمين "، قال: أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياماً، فدعوا موسى، فدعا ربه فكشفه عنهم. ثم عادوا لسوء ما يحضر بهم. ثم أنبتت أرضهم، ثم أرسل الله عليهم الجراد، فأكل عامة حروثهم وثمارهم. ثم دعوا موسى فدعا ربه فكشف عنهم، ثم عادوا بشر ما يحضر بهم. فأرسل الله عليهم القمل، هذا الدبى الذي رأيتم، فأكل ما أبقى الجراد من حروثهم، فلحسه. فدعوا موسى، فدعا ربه فكشفه عنهم. ثم عادوا بشر ما يحضر بهم. ثم أرسل الله عليهم الضفادع حتى ملأت بيوتهم وأفنيتهم. فدعوا موسى، فدعا ربه فكشف عنهم. ثم عادوا بشر ما يحضر بهم، فأرسل الله عليهم الدم، فكانوا لا يغترفون من مائهم إلا دماً أحمر، حتى لقد ذكر أن عدو الله فرعون، كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد، القبطي والإسرائيلي، فيكون مما يلي الإسرائيلي ماءً، ومما يلي القبطي دماً. فدعوا موسى، فدعا ربه فكشفه عنهم، في تسع آيات: السنين ونقص من الثمرات، وأراهم يد موسى عليه السلام وعصاه.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس: " فأرسلنا عليهم الطوفان "، وهو المطر، حتى خافوا الهلاك، فأتوا موسى فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك ان يكشف عنا المطر، إنا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم المطر. فأنبت الله به حرثهم، وأخصب به بلادهم، فقالوا: ما نحب أنا لم نمطر بترك ديننا، فلن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم الجراد، فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه فكشف عنهم الجراد. وكان قد بقي من زرعهم ومعاشهم بقايا، فقالوا، قد بقي لنا ما هو كافينا، فلن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل الله عليهم القمل - وهو الدبى - فتتبع ما كان ترك الجراد، فجزعوا وأحسوا بالهلاك، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبى، فإنا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه فكشف عنهم الدبى، فقالوا: ما نحن لك بمؤمنين، ولا مرسلين معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم الضفادع، فملأ بيوتهم منها، ولقوا منها أذى شديداً لم يلقوا مثله فيما كان قبله، أنها كانت تثب في قدورهم، فتفسد عليهم طعامهم، وتطفىء نيرانهم. قالوا: يا موسى، ادع لنا ربك ان يكشف عنا الضفادع، فقد لقينا منها بلاء وأذى، فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم الضفادع، فقالوا: لا نؤمن لك، ولا نرسل معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم الدم، فجعلوا لا يأكلون إلا الدم، ولا يشربون إلا الدم، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم، فإنا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل! فدعا ربه، فكشف عنهم الدم، فقالوا: يا موسى، لن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل! فكانت آيات مفصلات بعضها على إثر بعض، ليكون لله عليهم الحجة، فأخذهم الله بذنوبهم، فأغرقهم في اليم.
حدثني عبد الكريم قال، حدثنا إبراهيم قال، حدثنا سفيان قال، حدثنا أبو سعد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: أرسل على قوم فرعون الآيات: الجراد، والقمل، والضفادع، والدم، آيات مفصلات. قال: فكان الرجل من بني إسرائيل يركب مع الرجل من قوم فرعون في السفينة، فيغترف الاسرائيلي ماءً، ويغترف الفرعوني دماً. قال: وكان الرجل من قوم فرعون ينام في جانب، فيكثر عليه القمل والضفادع حتى لا يقدر أن ينقلب على الجانب الآخر. فلم يزالوا حتى أوحى الله إلى موسى: أن أسر بعبادي إنكم متبعون.
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قال: لما أتى موسى بالرسالة إلى فرعون، أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بني إسرائيل، فاستكبروا، قال: لن أرسل معك بني إسرائيل! فارسل الله عليهم الطوفان - وهو الماء - أمطر عليهم حتى كادوا يهلكون، وامتنع منهم كل شيء، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك بما عهد عندك، لئن كشفت عنا هذا لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل! فدعا الله فكشف عنهم المطر، فأنبت الله لهم حروثهم، وأحيى بذلك المطر كل شيء من بلادهم فقالوا: والله ما نحب أنا لم نكن أمطرنا هذا المطر، ولد كان خيراً لنا، فلن نرسل معك بني إسرائيل، ولن نؤمن لك يا موسى! فبعث الله عليهم الجراد، فأكل عامة حروثهم، وأسرع الجراد في فسادها، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا الجراد، فإنا مؤمنون لك، ومرسلون معك بني إسرائيل! فكشف الله عنهم الجراد. وكان الجراد أبقى لهم من حروثهم بقية، فقالوا: قد بقي لنا من حروثنا ما كان كافينا، فما نحن بتاركي ديننا، ولن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم القمل - و((القمل))، الدبى، وهو الجراد الذي ليست له أجنحة - فتتبع ما بقي من حروثهم وشجرهم وكل نبات كان لهم، فكان القمل أشد عليهم من الجراد، فلم يستطيعوا للقمل حيلةً، وجزعوا من ذلك. وأتوا موسى فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك يكشف عنا القمل، فإنه لم يبق لنا شيئاً، قد أكل ما بقي من حروثنا! ولئن كشفت عنا القمل لنؤمنن لك، ولنرسلن معك بني إسرائيل! فكشف الله عنهم القمل، فنكثوا، وقالوا: لن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل! فأرسل الله عليهم الضفادع، فامتلأت منها البيوت، فلم يبق لهم طعام ولا شراب إلا وفيه الضفادع، فلقوا منه شيئاً لم يلقوه فيما مضى، فقالوا: يا موسى، ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل! قال: فكشف الله عنهم، فلم يفعلوا، فأنزل الله: " فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بالغوه إذا هم ينكثون "، إلى " وكانوا عنها غافلين ".
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أبو تميلة قال، حدثنا الحسن بن واقد، عن زيد، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت الضفادع برية، فلما أرسلها الله على آل فرعون، سمعت وأطاعت، فجعلت تغرق أنفسها في القدور وهي تغلي، وفي التنانير وهي تفور، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء.
حدثنا ابن حميد، قال، حدثنا سلمة، عن ابن إسحق قال: فرجع عدو الله - يعني فرعون، حين آمنت السحرة - مغلوباً مغلولاً، ثم أبى إلى الإقامة على الكفر، والتمادي في الشر، فتابع الله عليه بالآيات، وأخذه بالسنين، فأرسل عليه الطوفان، ثم الجراد، ثم القمل، ثم الضفادع، ثم الدم، آيات مفصلات، فأرسل الطوفان - وهو الماء - ففاض على وجه الأرض ثم ركد، لا يقدرون على أن يحرثوا ولا يعملوا شيئاً، حتى جهدوا جوعاً. فلما بلغهم ذلك، قالوا: يا موسى: ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل! فدعا موسى ربه، فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الجراد، فأكل الشجر، فيما بلغني، حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد، حتى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا. فأرسل الله عليهم القمل، فذكر لي أن موسى أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه. فمضى إلى كثيب أهيل عظيم، فضربه بها، فانثال عليهم قملاً، حتى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النوم والقرار. فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا، فأرسل الله عليهم الضفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً ولا إناء إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه. فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيء مما قالوا. فأرسل الله عليهم الدم، فصارت مياه آل فرعون دماً، لا يستقون من بئر ولا نهر، ولا يغترفون من إناء، إلا عاد دماً عبيطاً.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، حدثنا محمد بن إسحق، عن محمد بن كعب القرظي: أنه حدث: أن المرأة من آل فرعون كانت تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش، فتقول: اسقيني من مائك! فتغرف لها من جرتها أو تصب لها من قربتها، فيعود في الإناء دماً، حتى إن كانت لتقول لها: اجعليه في فيك، ثم مجيه في في فتأخذ في فيها ماءً، فإذا مجته في فيها صار دماً، فمكثوا في ذلك سبعة أيام.
حدثني المثنى قال، حدثنا أبو حذيفة قال، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد : الجراد يأكل زروعهم ونباتهم، والضفادع تسقط على فرشهم وأطعمتهم، والدم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم.
قال، حدثنا شبل، عن عبد الله بن كثير، عن مجاهد قال: لما سال النيل دماً، فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيباً، ويستقي الفرعوني دماً، ويشتركان في إناء واحد، فيكون ما يلي الإسرائيلي ماءً طيباً، وما يلي الفرعوني دماً.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي بكر قال، حدثني سعيد ابن جبير: أن موسى لما عالج فرعون بالآيات الأربع: العصا، واليد، ونقص من الثمرات، والسنين، قال: يا رب، إن عبدك هذا قد علا في الأرض وعتا في الأرض، وبغى علي وعلا عليك، وعالى بقومه، رب خذ عبدك بعقوبة تجعلها له ولقومه نقمةً، وتجعلها لقومي عظة، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية! فبعث الله عليهم الطوفان - وهو الماء - وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة بعضها في بعض، فامتلأت بيوت القبط ماءً حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، من جلس منهم غرق، ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل قطرة. فجعلت القبط تنادي موسى: ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل! قال: فواثقوا موسى ميثاقاً أخذ عليهم به عهودهم. وكان الماء أخذهم يوم السبت، فأقام سبعة أيام إلى السبت الآخر. فدعا موسى ربه، فرفع عنهم الماء، فأعشبت بلادهم من ذلك الماء، فأقاموا شهراً في عافية، ثم جحدوا وقالوا: ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا، وخصباً لبلادنا، ما نحب أنه لم يكن.
قال: وقد قال قائل لابن عباس: إني سألت ابن عمر عن الطوفان فقال: ما أدري، موتاً كان أو ماء! فقال ابن عباس: أما يقرأ ابن عمر ((سورة العنكبوت))، حين ذكر الله قوم نوح فقال: " فأخذهم الطوفان وهم ظالمون "، [العنكبوت: 14]. أرأيت لو ماتوا، الى من جاء موسى عليه السلام بالآيات الأربع بعد الطوفان؟-
قال فقال موسى: يا رب إن عبادك قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدي، رب خذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن يعدهم آية في الأمم الباقية! قال: فبعث الله عليهم الجراد، فلم يدع لهم ورقةً ولا شجرة ولا زهرة ولا ثمرة إلا أكله، حتى لم يبق جنىً، حتى إذا أفنى الخضر كلها، أكل الخشب، حتى أكل الأبواب وسقوف البيوت. وابتلي الجراد بالجوع، فجعل لا يشبع، غير أنه لا يدخل بيوت بني إسرائيل، فعجوا وصاحوا الى موسى، فقالوا: يا موسى، هذه المرة ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل! فأعطوه عهد الله وميثاقه، فدعا لهم ربه، فكشف الله عنهم الجراد بعدما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت، ثم أقاموا شهراً في عافية، ثم عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم ولأعمالهم أعمال السوء. قال: فقال موسى: يا رب، عبادك، قد نقضوا عهدي، وأخلفوا موعدي، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية! فأرسل الله عليهم القمل. قال أبو بكر: سمعت سعيد بن جبير و الحسن يقولان: كان إلى جنبهم كثيب أعفر بقرية من قرى مصر تدعى ((عين شمس))، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب، فضربه بعصاه ضربةً صار قملاً تدب إليهم، وهي دواب سود صغار. فدب إليهم القمل، فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم، ولزم جلودهم كأنه الجري عليهم، فصرخوا وصاحوا إلى موسى: إنا نتوب ولا نعود، فادع لنا ربك! فدعا ربه فرفع عنهم القمل بعد ما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت. فأقاموا شهراً في عافية، ثم عادوا وقالوا: ما كنا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم، جعل الرمل دواب، وعزه فرعون لا نصدقه أبداً ولا نتبعه! فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم، فدعا موسى عليهم فقال: يا رب إن عبادك نقضوا عهدي، وأخلفوا وعدي، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة، ولقومي عظة، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية! فأرسل الله عليهم الضفادع، فكان أحدهم يضطجع فتركبه الضفادع، فتكون عليه ركاماً حتى يستطيع أن ينصرف إلى الشق الآخر، ويفتح فاه لأكلته، فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه، ولا يعجن عجيناً إلا تسدحت فيه، ولا يطبخ قدراً إلا امتلأت ضفادع، فعذبوا بها أشد العذاب، فشكوا إلى موسى عليه السلام وقالوا: هذه المرة نتوب ولا نعود! فأخذ عهدهم وميثاقهم. ثم دعا ربه فكشف الله عنهم الضفادع بعد ما أقام عليهم سبعاً من السبت إلى السبت. فأقاموا شهراً في عافية، ثم عادوا لتكذيبهم وإنكارهم وقالوا: قد تبين لكم سحره يجعل التراب دواب، ويجيء بالضفادع في غير ماء! فآذوا موسى عليه السلام، فقال موسى: يا رب إن عبادك نقضوا عهدي، وأخلفوا وعدي، فخذهم بعقوبة تجعلها لهم عقوبة ولقومي عظة، ولمن بعدي آية في الأمم الباقية! فابتلاهم الله بالدم، فأفسد عليهم معايشهم، فكان الإسرائيلي والقبطي يأتيان النيل فيستقيان، فيخرج للإسرائيلي ماءً، ويخرج للقبطي دماً. ويقومان إلى الحب فيه الماء، فيخرج للإسرائيلي في إنائه ماءً، وللقبطي دماً.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهداً في قوله: " فأرسلنا عليهم الطوفان "، قال: الموت، " والجراد "، قال: الجراد يأكل أمتعتهم وثيابهم ومسامير أبوابهم، " والقمل "، هو الدبى، سلطه الله عليهم بعد الجراد، قال: " والضفادع "، تسقط في أطعمتهم التي في بيوتهم وفي أشربتهم.
وقال بعضهم: ((الدم))، الذي أرسله الله عليهم، كان رعافاً.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا أحمد بن خالد قال، حدثنا يحيى بن أبي بكير قال، حدثنا زهير قال، قال زيد بن أسلم: أما ((القمل)) فالقمل، وأما ((الدم))، فسلط الله عليهم الرعاف. وأما قوله: " آيات مفصلات "، فإن معناه: علامات ودلالات على صحة نبوة موسى، وحقيقة ما دعاهم إليه " مفصلات "، قد فصل بينها، فجعل بعضها يتلو بعضاً، وبعضها في إثر بعض.
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي ابن أبي طلحة، عن ابن عباس قال: فكانت آيات مفصلات بعضها في إثر بعض، ليكون لله الحجة عليهم، فأخذهم الله بذنوبهم، فأغرقهم في اليم.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن ابن جريج قوله: " آيات مفصلات "، قال: يتبع بعضها بعضاً، ليكون لله عليهم الحجة، فينتقم منهم بعد ذلك. وكانت الآية تمكث فيهم من السبت إلى السبت، وترفع عنهم شهراً، قال الله عز وجل: " فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم "، الآية.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة قال، قال ابن إسحق : " آيات مفصلات "، أي: آية بعد آية، يتبع بعضها بعضاً.
وكان مجاهد يقول فيما ذكر عنه في معنى ((المفصلات))، ما:
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا أبو سعد قال، سمعت مجاهداً يقول في " آيات مفصلات "، قال: معلومات.
القول في تأويل قوله: " فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين ".
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فاستكبر هؤلاء الذين أرسل الله عليهم ما ذكر في هذه الآيات والحجج، عن الإيمان بالله وتصديق رسوله موسى صلى الله عليه وسلم، واتباعه على ما دعاهم إليه، وتعظموا على الله وعتوا عليه، " وكانوا قوما مجرمين "، يقول: كانوا قوماً يعملون بما يكرهه الله من المعاصي والفسق، عتوا وتمرداً.
فيه خمس مسائل:
الأولى- روى إسرائيل عن سماك عن نوف الشامي قال: مكث موسى صلى الله عليه وسلم في آل فرعون بعدما غلب السحرة أربعين عاماً. وقال محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن منجاب: عشرين سنة، يريهم الآيات: الجراد والقمل والضفادع والدم.
الثانية- قوله تعالى: "الطوفان" أي المطر الشديد حتى عاموا فيه. وقال مجاهد وعطاء: الطوفان الموت قال الأخفش: واحدته طوفانة. وقيل: هو مصدر كالرجحان والنقصان، فلا يطلب له واحد. قال النحاس: الطوفان في اللغة ما كان مهلكاً من موت أو سيل، أي ما يطيف بهم فيهلكهم. وقال السدي: ولم يصب بني إسرائيل قطرة من ماء، بل دخل بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم، ودام عليهم سبعة أيام. وقيل: أربعين يوماً. فقالوا: ادع لنا ربك يكشف عنا فنؤمن بك، فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان فلم يؤمنوا. فأنبت الله لهم في تلك السنة ما لم ينبته قبل ذلك من الكلأ والزرع. فقالوا: كان ذلك الماء نعمة، فبعث الله عليهم الجراد وهو الحيوان المعروف، جمع جرادة في المذكر والمؤنث. فإن أردت الفصل نعت فقلت رأيت جرادة ذكراً- فأكل زروعهم وثمارهم حتى أنها كانت تأكل السقوف والأبواب حتى تنهدم ديارهم. ولم يدخل دور بني إسرائيل منها شيء.
الثالثة- واختلف العلماء في قتل الجراد إذا حل بأرض فأفسد، فقيل: لا يقتل. وقال أهل الفقه كلهم: يقتل. احتج الأولون بأنه خلق عظيم من خلق الله يأكل من رزق الله ولا يجري عليه القلم. وبما روي:
"لا تقتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم". واحتج الجمهور بأن في تركها فساد الأموال، وقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم بقتال المسلم إذا أراد أخذ ماله، فالجراد إذا أرادت فساد الأموال كانت أولى أن يجوز قتلها. ألا ترى أنهم قد اتفقوا على أنه يجوز قتل الحية والعقرب؟ لأنهما يؤذيان الناس فكذلك الجراد. روى ابن ماجة عن جابر وأنس بن مالك "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا على الجراد قال:
اللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء. قال رجل: يا رسول الله، كيف تدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره؟ قال: إن الجراد نثرة الحوت في البحر".
الرابعة- ثبت في صحيح مسلم "عن عبد الله بن أبي أوفى قال:
غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات كنا نأكل الجراد معه". ولم يختلف العلماء في أكله على الجملة، وأنه إذا أخذ حياً وقطعت رأسه أنه حلال باتفاق. وأن ذلك يتنزل منه منزلة الذكاة فيه. وإنما اختلفوا هل يحتاج إلى سبب يموت به إذا صيد أم لا، فعامتهم على أنه لا يحتاج إلى ذلك، ويؤكل كيفما مات. وحكمه عندهم حكم الحيتان، وإليه ذهب ابن نافع ومطرف وذهب مالك إلى أنه لا بد له من سبب يموت به، كقطع رؤوسه أو أرجله أو أجنحته إذا مات من ذلك، أو يسلق أو يطرح في النار، لأنه عنده من حيوان البر فميتته محرمة. وكان الليث يكره أكل ميت الجراد، إلا ما أخذ حياً ثم مات فإن أخذه ذكاة. وإليه ذهب سعيد بن المسيب. وروى الدارقطني عن ابن عمر "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
أحل لنا ميتتان الحوت والجراد ودمان الكبد والطحال". وقال ابن ماجة: حدثنا أحمد بن منيع حدثنا سفيان بن عيينة "عن أبي سعيد سمع أنس بن مالك يقول: كن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد على الأطباق". ذكره ابن المنذر أيضاً.
الخامسة- روى محمد بن المنكدر عن جابر بن عبد الله "عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إن الله تعالى خلق ألف أمة ستمائة منها في البحر وأربعمائة في البر وإن أول هلاك هذه الأمم الجراد فإذا هلكت الجراد تتابعت الأمم مثل نظام السلك إذا انقطع". ذكره الترمذي الحكيم في نوادر الأصول وقال: وإنما صار الجراد أول هذه الأمم هلاكاً لأنه خلق من الطينة التي فضلت من طينة آدم. وإنما تهلك الأمم لهلاك الآدميين لأنها مسخرة لهم.
رجعنا إلى قصة القبط- فعاهدوا موسى أن يؤمنوا لو كشف عنهم الجراد، فدعا فكشف وكان قد بقي من زروعهم شيء فقالوا: يكفينا ما بقي، ولم يؤمنوا فبعث الله عليهم القمل، وهو صغار الدبى، قاله قتادة. والدبى: الجراد قبل أن يطير، الواحد دباة. وأرض مدببة إذا أكل الدبى نباتها. وقال ابن عباس: القمل السوس الذي في الحنطة. وقال ابن زيد: البراغيث. وقال الحسن: دواب سود صغار. وقال أبو عبيدة: الحمنان، وهو ضرب من القراد، واحدها حمنانة. فأكلت دوابهم وزروعهم، ولزمت جلودهم كأنها الجدري عليهم، ومنعهم النوم والقرار. وقال حبيب بن أبي ثابت: القمل الجعلان. والقمل عند أهل اللغة ضرب من القردان. قال أبو الحسن الأعرابي العدوي: القمل دواب صغار من جنس القردان، إلا أنها أصغر منها، واحدتها قملة. قال النحاس: وليس هذا بناقض لما قاله أهل التفسير، لأنه يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم، وهي أنها كلها تجتمع في أنها تؤذيهم. وذكر بعض المفسرين أنه كان بعين شمس كثيب من رمل فضربه موسى بعصاه فصار قملاً. وواحد القمل قملة. وقيل: القمل القمل، قاله عطاء الخراساني. وفي قراءة الحسن والقمل بفتح القاف وإسكان الميم. فتضرعوا فلما كشف عنهم لم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم الضفادع، جمع ضفدع وهي المعروفة التي تكون في الماء، وفيه مسألة واحدة وهي أن النهي ورد عن قتلها، أخرجه أبو داود وابن ماجة بإسناد صحيح. أخرجه أبو داود عن أحمد بن حنبل عن عبد الرزاق وابن ماجة عن محمد بن يحيى النيسابوري الذهلي عن أبي هريرة قال:
"نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد". وخرج النسائي "عن عبد الرحمن بن عثمان:
أن طبيباً ذكر ضفدعاً في دواء عند النبي صلى الله عليه وسلم، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن قتله". صححه أبو محمد عبد الحق. وعن أبي هريرة قال: الصرد أول طير صام. ولما خرج إبراهيم عليه السلام من الشام إلى الحرم في بناء البيت كانت السكينة معه والصرد، فكان الصرد دليله إلى الموضع، والسكينة مقداره. فلما صار إلى البقعة وقعت السكينة على موضع البيت ونادت: ابن يا إبراهيم على مقدار ظلي، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن قتل الصرد لأنه كان دليل إبراهيم على البيت، وعن الضفدع لأنها كان تصب الماء على نار إبراهيم. ولما تسلطت على فرعون جاءت فأخذت الأمكنة كلها، فلما صارت إلى التنور وثبت فيها وهي نار تسعر، طاعة لله. فجعل الله نقيقها تسبيحاً. يقال: إنها أكثر الدواب تسبيحاً. قال عبد الله بن عمرو: لا تقتلوا الضفدع فإن نقيقه الذي تسمعون تسبيح. فروي أنها ملأت فرشهم وأوعيتهم وطعامهم وشرابهم، فكان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع، وإذا تكلم وثب الضفدع في فيه. فشكوا إلى موسى وقالوا: نتوب، فكشف الله عنهم ذلك فعادوا إلى كفرهم، فأرسل الله عليهم الدم فسال النيل عليهم دماً. وكان الإسرائيلي يغترف منه الماء، والقبطي الدم. وكان الإسرائيلي يصب الماء في فم القبطي فيصير دماً، والقبطي يصب الدم في فم الإسرائيلي فيصير ماء زلالاً. "آيات مفصلات" أي مبينات ظاهرات، عن مجاهد. قال الزجاج: آيات مفصلات نصب على الحال. ويروى أنه كان بين الآية والآية ثمانية أيام. وقيل: أربعون يوماً. وقيل: شهر، فلهذا قال مفصلات. "فاستكبروا" أي ترفعوا عن الإيمان بالله تعالى.
هذا إخبار من الله عز وجل عن تمرد قوم فرعون وعتوهم وعنادهم للحق وإصرارهم على الباطل في قولهم "مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين" يقولون أي آية جئتنا بها ودلالة وحجة أقمتها رددناها فلا نقبلها منك ولا نؤمن بك ولا بما جئت به قال الله تعالى: "فأرسلنا عليهم الطوفان" اختلفوا في معناه فعن ابن عباس في رواية كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثمار وبه قال الضحاك بن مزاحم, وعن ابن عباس في رواية أخرى هو كثرة الموت وكذا قال عطاء, وقال مجاهد: الطوفان الماء والطاعون على كل حال. وقال ابن جرير: حدثنا ابن هشام الرفاعي, حدثنا يحيى بن يمان حدثنا المنهال بن خليفة عن الحجاج عن الحكم بن ميناء عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "الطوفان الموت" وكذا رواه ابن مردويه من حديث يحيى بن يمان به, وهو حديث غريب, وقال ابن عباس في رواية أخرى: هو أمر من الله طاف بهم ثم قرأ "فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون" وأما الجراد فمعروف مشهور وهو مأكول لما ثبت في الصحيحين عن أبي يعفور قال سألت عبد الله بن أبي أوفى عن الجراد فقال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم سبع غزوات نأكل الجراد وروى الشافعي وأحمد بن حنبل وابن ماجه من حديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال "أحلت لنا ميتتان ودمان: الحوت والجراد والكبد والطحال" ورواه أبو القاسم البغوي عن داود بن رشيد عن سويد بن عبد العزيز عن أبي تمام الأيلي عن زيد بن أسلم عن ابن عمر مرفوعاً مثله, وروى أبو داود عن محمد بن الفرج عن محمد بن زبرقان الأهوازي عن سليمان التيمي عن أبي عثمان عن سلمان قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال "أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه" وإنما تركه عليه السلام لأنه كان يعافه كما عافت نفسه الشريفة أكل الضب وأذن فيه. وقد روى الحافظ ابن عساكر في جزء جمعه في الجراد من حديث أبي سعيد الحسن بن علي العدوي حدثنا نصر بن يحيى بن سعيد, حدثنا يحيى بن خالد عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل الجراد ولا الكلوتين ولا الضب من غير أن يحرمها أما الجراد فرجز وعذاب, وأما الكلوتان فلقربهما من البول, وأما الضب فقال "أتخوف أن يكون مسخاً" ثم قال غريب لم أكتبه إلا من هذا الوجه, وقد كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه يشتهيه ويحبه, فروى عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن عمر سئل عن الجراد فقال: ليت أن عندنا منه قفعة أو قفعتين نأكله, وروى ابن ماجه: حدثنا أحمد بن منيع عن سفيان بن عيينة عن أبي سعد سعيد بن المرزبان البقال سمع أنس بن مالك يقول كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يتهادين الجراد على الأطباق, وقال أبو القاسم البغوي: حدثنا داود بن رشيد حدثنا بقية بن الوليد عن يحيى بن يزيد القعنبي حدثني أبي عن صدي بن عجلان عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن مريم بنت عمران عليها السلام سألت ربها عز وجل أن يطعمها لحماً لا دم له فأطعمها الجراد فقالت اللهم أعشه بغير رضاع وتابع بينه بغير شياع" وقال نمير: الشياع الصوت, وقال أبو بكر بن أبي داود: حدثنا أبو تقي هشام بن عبد الملك المزني, حدثنا بقية بن الوليد حدثنا إسماعيل بن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي زهير النميري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقاتلوا الجراد فإنه جند الله الأعظم" غريب جداً. وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله تعالى: "فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد" قال: كانت تأكل مسامير أبوابهم وتدع الخشب, وروى ابن عساكر من حديث علي بن زيد الخرائطي عن محمد بن كثير سمعت الأوزاعي يقول: خرجت إلى الصحراء فإذا أنا برجل من جراد في السماء فإذا برجل راكب على جرادة منها وهو شاك في الحديد وكلما قال بيده هكذا مال الجراد مع يده وهو يقول الدنيا باطل باطل ما فيها الدنيا باطل باطل ما فيها الدنيا باطل باطل مافيها, وروى الحافظ أبو الفرج المعافى بن زكريا الحريري: حدثنا محمد بن الحسن بن زياد, حدثنا أحمد بن عبد الرحيم أخبرنا وكيع عن الأعمش أنبأنا عامر قال: سئل شريح القاضي عن الجراد فقال: قبح الله الجرادة فيها خلقة سبعة جبابرة, رأسها رأس فرس, وعنقها عنق ثور, وصدرها صدر أسد, وجناحها جناح نسر, ورجلاها رجل جمل, وذنبها ذنب حية, وبطنها بطن عقرب, وقدمنا عند قوله تعالى: "أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة" حديث حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل جراد فجعلنا نضربه بالعصي ونحن محرمون, فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "لابأس بصيد البحر" وروى ابن ماجه عن هارون الحمال عن هشام بن القاسم عن زياد بن عبد الله بن علاثة عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أنس وجابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا دعا على الجراد قال "اللهم أهلك كباره واقتل صغاره وأفسد بيضه واقطع دابره وخذ بأفواهه عن معايشنا وأرزاقنا إنك سميع الدعاء" فقال له جابر يا رسول الله أتدعو على جند من أجناد الله بقطع دابره ؟ فقال "إنما هو نثرة حوت في البحر" قال هشام أخبرني زياد أنه أخبره من رآه ينثره الحوت قال من حقق ذلك إن السمك إذا باض في ساحل البحر فنضب الماء عنه وبدا للشمس أنه يفقس كله جراداً طياراً. وقدمنا عند قوله "إلا أمم أمثالكم" حديث عمر رضي الله عنه أن الله خلق ألف أمة ستمائة في البحر وأربعمائة في البر, وإن أولها هلاكاً الجراد, وقال أبو بكر بن أبي داود حدثنا يزيد بن المبارك حدثنا عبد الرحمن بن قيس حدثنا سالم بن سالم حدثنا أبو المغيرة الجوزجاني محمد بن مالك عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا وباء مع السيف ولا نجاء مع الجراد" حديث غريب وأما القمل فعن ابن عباس هو السوس الذي يخرج من الحنطة وعنه أنه الدبا وهو الجراد الصغير الذي لا أجنحة له وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة وعن الحسن وسعيد بن جبير القمل دواب سود صغار, وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: القمل البراغيث, وقال ابن جرير القمل جمع واحدتها قملة وهي دابة تشبه القمل تأكلها الإبل فيما بلغني وهي التي عناها الأعشى بقوله:
قوم يعالج قملاً أبناؤهم وسلاسلاً أجدى وباباً موصدا
قال: وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة, يزعم أن القمل عند العرب الحمنان واحدتها حمنانة وهي صغار القردان فوق القمقامة. وقال أبو جعفر ابن جرير: حدثنا ابن حميد الرازي, حدثنا يعقوب القمي عن جعفر بن أبي المغيرة عن سعيد بن جبير قال: لما أتى موسى عليه السلام فرعون قال له: أرسل معي بني إسرائيل فلم يرسلهم فأرسل الله عليهم الطوفان وهو المطر فصب عليهم منه شيئاً خافوا أن يكون عذاباً فقالوا لموسى: ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل, فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل, فأنبت لهم في تلك السنة شيئاً لم ينبته قبل ذلك من الزروع والثمار والكلأ فقالوا: هذا ما كنا نتمنى فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه على الكلأ, فلما رأوا أثره في الكلأ عرفوا أنه لا يبقي الزرع, فقالوا يا موسى ادع لنا ربك فيكشف عنا الجراد فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم الجراد فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل فداسوا وأحرزوا في البيوت فقالوا قد أحرزنا فأرسل الله عليهم القمل وهو السوس الذي يخرج منه فكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحى فلا يرد منها إلا ثلاثة أقفزة فقالوا يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا القمل فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل. فبينما هو جالس عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع فقال لفرعون ما تلقى أنت وقومك من هذا فقال وما عسى أن يكون كيد هذا فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه, فقالوا لموسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذه الضفادع فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا وأرسل الله عليهم الدم فكانوا ما استقوا من الأنهار والابار وما كان في أوعيتهم وجدوه دماً عبيطاً فشكوا إلى فرعون فقالوا إنا قد ابتلينا بالدم وليس لنا شراب فقال: إنه قد سحركم, فقالوا من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا وجدناه دماً عبيطاً فأتوه وقالوا يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فلم يؤمنوا ولم يرسلوا معه بني إسرائيل, وقد روي نحو هذا عن ابن عباس والسدي وقتادة وغير واحد من علماء السلف أنه أخبر بذلك, وقال محمد بن إسحاق بن يسار رحمه الله, فرجع عدو الله فرعون حين آمنت السحرة مغلوباً مغلولاً ثم أبى إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر فتابع الله عليه الايات فأخذه بالسنين وأرسل عليه الطوفان, ثم الجراد, ثم القمل, ثم الضفادع, ثم الدم, آيات مفصلات, فأرسل الطوفان وهو الماء ففاض على وجه الأرض, ثم ركد لا يقدرون على أن يحرثوا ولا أن يعملوا شيئاً حتى جهدوا جوعاً فلما بلغهم ذلك "قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل" فدعا موسى ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا فأرسل الله عليهم الجراد فأكل الشجر فيما بلغني حتى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ومساكنهم فقالوا مثل ما قالوا فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا فأرسل الله عليهم القمل فذكر لي أن موسى عليه السلام أمر أن يمشي إلى كثيب حتى يضربه بعصاه فمشى إلى كثيب أهيل عظيم فضربه بها فانثال عليهم قملاً حتى غلب على البيوت والأطعمة ومنعهم النوم والقرار, فلما جهدهم قالوا مثل ما قالوا فدعا ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا فأرسل الله عليهم الضفادع فملأت البيوت والأطعمة والانية فلا يكشف أحد ثوباً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع قد غلبت عليه, فلما جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا فسأل ربه فكشف عنهم فلم يفوا له بشيء مما قالوا فأرسل الله عليهم الدم فصارت مياه آل فرعون دماً لا يستقون من بئر ولا نهر ولا يغترفون من إناء إلا عاد دماً عبيطاً. وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن منصور المروزي أنبأنا النضر أنبأنا إسرائيل أنبأنا جابر بن يزيد عن عكرمة عن عبيد الله بن عمرو قال: لا تقتلوا الضفادع فإنها لما أرسلت على قوم فرعون انطلق ضفدع منها فوقع في تنور فيه نار يطلب بذلك مرضاة الله فأبدلهن الله من هذا أبرد شيء يعلمه من الماء وجعل نقيقهن التسبيح, وروي من طريق عكرمة عن ابن عباس نحوه, وقال زيد بن أسلم: يعني بالدم الرعاف. رواه ابن أبي حاتم.
فعند ذلك نزلت بهم العقوبة من الله عز وجل المبينة بقوله: 133- "فأرسلنا عليهم الطوفان" وهو المطر الشديد. قال الأخفش: واحدة طوفانة، وقيل: هو مصدر كالرجحان والنقصان فلا واحد له، وقيل الطوفان: الموت. وقال النحاس: الطوفان في اللغة ما كان مهلكاً من موت أو سيل: أي ما يطيف بهم فيهلكهم "والجراد" هو الحيوان المعروف أرسله الله لأكل زروعهم فأكلها "والقمل" قيل: هي الدباء، والدباء الجراد قبل أن تطير، وقيل: هي السوس، وقيل البراغيث، وقيل دواب سود صغار، وقيل ضرب من القردان، وقيل الجعلان. قال النحاس: يجوز أن تكون هذه الأشياء كلها أرسلت عليهم. وقرأ الحسن القمل بفتح القاف وإسكان الميم. وقرأ الباقون بضم القاف وفتح الميم مشددة. وقد فسر عطاء الخراساني القمل بالقمل "والضفادع" جمع ضفدع وهو الحيوان المعروف الذي يكون في الماء "والدم" روي أنه سال النيل عليهم دماً، وقيل هو الرعاف. قوله: "آيات مفصلات" أي مبينات. قال الزجاج: هو منصوب على الحال. والمعنى: أرسلنا عليهم هذه الأشياء حال كونها آيات بينات ظاهرات "فاستكبروا" أي ترفعوا عن الإيمان بالله "وكانوا قوماً مجرمين" لا يهتدون إلى حق ولا ينزعون عن باطل.
133 - " فأرسلنا عليهم الطوفان " قال ابن عباس وسعيد بن جبير وقتادة و محمد بن إسحاق - دخل كلام بعضهم في بعض - : لما آمنت السحرة ، ورجع فرعون مغلوباً ، أبى هو وقومه إلا الإقامة على الكفر والتمادي في الشر ،فتابع الله عليهم الآيات وأخذهم بالسنين ونقص من الثمرات ، فلما عالج منهم بالآيات الأربع : العصا ، واليد ، والسنين ، ونقص الثمار ، فأبوا أن يؤمنوا فدعا عليهم ، فقال : يا رب إن عبدك فرعون علا في الأرض وبغى وعتا وإن قومه قد نقضوا عهدك ، رب فخذهم بعقوبة تجعلها لهم نقمة ولقومي عظةً ولمن بعدهم آيةً وعبرة ، فبعث الله عليهم الطوفان ، وهو الماء ، أرسل الله عليهم الماء وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكة مختلطة ، فامتلأت بيوت القبط حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم ومن جلس منهم غرق ، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل من المار قطرة ، وركد الماء على أرضهم لا يقدرون أن يحرثوا ولا يعملوا شيئاً ، ودام ذلك عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت .
وقال مجاهد وعطاء : الطوفان الموت . وقال وهب : الطوفان الطاعون بلغة اليمن . وقال أبوقلابة : الطوفان الجدري ، وهم أول من عذبوا به فبقي في الأرض .
وقال مقاتل : الطوفان الماء طغى فوق حروثهم .
وروى ابن ظبيان عن ابن عباس قال : الطوفان أمر من الله طاف بهم ، ثم قرأ " فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون " ( القلم - 19 ) .
قال نحاة الكوفة : الطوفان مصدر لا يجمع ، كالرجحان والنقصان .
وقال أهل البصرة : هو جمع ، واحدها طوفانة ، فقال لموسى ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه فرفع عنهم الطوفان ، فأنبت الله لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته لهم قبل ذلك من الكلأ والزرع والثمر وأخصبت بلادهم ، فقالوا : ما كان هذا الماء إلا نعمة علينا وخصباً ، فلم يؤمنوا وأقاموا شهراً في عافية ، فبعث الله عليهم الجراد فأكل عامة زروعهم وثمارهم وأوراق الشجر حتى كانت تأكل الأبواب وسقوف البيوت والخشب والثياب والأمتعة ومسامير الأبواب من الحديد حتى تقع دورهم ، وابتلي الجراد بالجوع ، فكان لا يشبع ولم يصب بني إسرائيل شيء من ذلك فعجوا وضجوا ، وقالوا : يا موسى ادع لنا ربك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ، وأعطوه عهد الله وميثاقه ، فدعا موسى عليه السلام فكشف الله عنهم الجراد بعدما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت .
وفي الخبر : ( مكتوب على صدر كل جرادة جند الله الأعظم ) .
ويقال إن موسى برز إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت الجراد من حيث جاءت ، وكانت قد بقيت من زروعهم وغلاتهم بقية ، فقالوا : قد بقي لنا ما هو كافينا فما نحن بتاركي ديننا ، فلم يفوا بما عاهدوا ، وعادوا لأعمالهم السوء ، فأقاموا شهراً في عافية ، ثم بعث الله عليهم القمل .
( واختلفوا في القمل ) فروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : القمل السوس الذي يخرج من الحنطة . وقال مجاهد و السدي و قتادة و الكلبي : القمل الدبي والجراد والطيارة التي لها أجنحة ، والدبي الصغار التي لا أجنحة لها . وقال ( عكرمة : هي بنات ) الجراد . وقال أبو عبيدة : وهو الحمنان وهو ضرب من القراد . وقال عطاء الخرساني : هو القمل . وبه قرأ أبوالحسن ( القمل ) بفتح القاف وسكون الميم .
قالوا : أمر الله موسى أن يمشي إلى كثيب أعفر ، بقرية من قرى مصر تدعى عين شمس ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب وكان أهيل فضربه بعصاه فانثال عليهم القمل ، فتتبع ما بقي من حروثهم وأشجارهم ونباتهم فأكله ، ولحس الأرض كلها وكان يدخل بين ثوب أحدهم وجلده فيعضه ، وكان أحدهم يأكل الطعام فيمتلئ قملاً .
قال سعيد بن المسيب : القمل السوس الذي يخرج من الحبوب ، وكان الرجل يخرج عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها ثلاثة أقفزة ، فلم يصابوا ببلاء كان أشد عليهم من القمل ، وأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم ولزم جلودهم كأنه الجدري عليهم ومنعهم النوم والقرار فصرخوا وصاحوا إلى موسى أنا نتوب فادع لنا ربك يكشف عنا البلاء ، فدعا موسى عليه السلام الله فرفع الله القمل عنهم بعدما أقام عليهم سبعة أيام من السبت إلى السبت ، فنكثوا وعادوا إلى أخبث أعمالهم .
وقالوا : ما كنا قط أحق أن نستيقن أنه ساحر منا اليوم يجعل الرمل دواب . فدعا موسى بعدما أقاموا شهراً في عافية ، فأرسل الله عليهم الضفادع فامتلأت منها بيوتهم وأفنيتهم وأطعمتهم وآنيتهم ، فلا يكشف أحد إناءً ولا طعاماً إلا وجد فيه الضفادع ، وكان الرجل يجلس في الضفادع في ذقنه ،ويهم أن يتكلم فيثب الضفدع في فيه ،وكانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفئ نيرانهم ، وكان أحدهم يضطجع فتركبه الضفادع فتكون عليه ركاماً حتى ما يستطيع أن ينصرف إلى شقة الآخر ،ويفتح فاه لأكلته فيسبق الضفدع أكلته إلى فيه ، ولا يعجن عجينا إلا تشدخت فيه ، ولا يفتح قدراً إلا امتلأت ضفادع ، فلقوا منها أذىً شديداً .
روى عكرمة عن ابن عباس قال : كانت الضفادع برية ، فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف أنفسها في القدور وهي تغلي ، وفي التنانير وهي تفور ، فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء ، فلما رأوا ذلك بكوا وشكوا ذلك إلى موسى ، وقالوا هذه المرة نتوب ولا نعود ، فأخذ عهودهم ومواثيقهم ، ثم دعا ربه فكشف عنهم الضفادع بعدما أقام سبعاً من السبت إلى السبت ، فأقاموا شهراً في عافية ثم نقضوا العهد وعادوا لكفرهم ، فدعا عليهم موسى فأرسل الله عليهم الدم ، فسال النيل عليهم دماً وصارت مياههم دماً وما يستقون من الآبار والأنهار إلا وجدوه دماً عبيطاً أحمر ، فشكوا إلى فرعون وقالوا ليس لنا شراب ، فقال : إنه سحركم ، فقالوا : من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئاً من الماء إلا دما عبيطاً ؟ وكان فرعون يجمع بين القبطي والإسرائيلي على الإناء الواحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماءً والقبطي دماً ( ويقومان إلى الجرة فيها الماء فيخرج للإسرائيلي ماء وللقبطي دم ) ، حتى كانت المرأة من آل فرعون تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش فتقول اسقني من مائك فتصب لها من قربتها فيعود في الإناء دماً حتى كانت تقول اجعليه في فيك ثم مجيه في في فتأخذ في فيها ماءً فإذا مجته في فيها صار دماً ، وإن فرعون اعتراه العطش حتى إنه ليضطر إلى مضغ الأشجار الرطبة ، فإذا مضغها يصير ماؤها في فيه ملحاً أجاجاً ، فمكنوا في ذلك سبعة أيام لا يشربون إلا الدم .
قال زيد بن أسلم : الدم الذي سلط عليهم كان الرعاف ، فأتوا موسى وقالوا يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا هذا الدم فنؤمن بك ونرسل معك بني إسرائيل ، فدعا ربه عز وجل فكشف عنهم ، فلم يؤمنوا ،فذلك قوله عز وجل : " فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات " ، يتبع بعضها بعضاً . وتفصيلها أن كل عذاب يمتد أسبوعا ، وبين كل عذابين شهراً ، " فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين " .
133." فأرسلنا عليهم الطوفان " ماء طاف بهم وغشي أماكنهم وحروثهم من مطر أو سيل . وقيل الجدري . وقيل الموتان . وقيل الطاعون . " والجراد والقمل " قيل هو كبار القردان ، وقيل أولا
الجراد قبل نبات أجنحتها . " والضفادع والدم " روي : أنهم مطروا ثمانية أيام في ظلمة شديدة لا يقدر أحد أن يخرج من بيته ، ودخل الماء بيوتهم حتى قاموا فيه إلى تراقيهم ، وكانت بيوت بني إسرائيل مشتبكة ببيوتهم فلم يدخل فيها قطرة ، وركد على أراضيهم فمنعهم من الحرث والتصرف فيها، ودام ذلك عليهم أسبوعا فقالوا لموسى : ادع لنا ربك يكشف عنا ونحن نؤمن بك ،فدعا الله فكشف عنهم ونبت لهم من الكلأ والزرع ما لم يعهد مثله ولم يؤمنوا ، فبعث الله عليهم الجراد فأكلت زروعهم وثمارهم ، ثم أخذت تأكل الأبواب والسقوف والثياب ففزعوا إليه ثانيا فدعا وخرج إلى الصحراء ، وأشار بعصاه نحو المشرق والمغرب فرجعت إلى النواحي التي جاءت منها فلم يؤمنوا ، فسلط الله عليهم القمل فأكل ما أبقاه الجراد وكان يقع في أطعمتهم ويدخل بين أثوابهم وجلودهم فيمصها ، ففزعوا إليه فرفع عنهم فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر ، ثم أرسل الله عليهم الضفادع بحيث لا يكشف ثوب ولا طعام إلا وجدت فيه ، وكانت تمتلئ منها مضاجعهم وتثب إلى قدورهم وهي تغلي ، وأفواههم عند التكلم ففزعوا إليه وتضرعوا ، فأخذ عليهم العهود ودعا فكشف الله عنهم ثم نقضوا العهود ، ثم أرسل عليهم الدم فصارت مياههم دما حتى كان يجتمع القبطي مع الإسرائيلي فيصير دما في فيه . وقيل سلط الله عليهم الرعاف . " آيات " نصب على الحال ." مفصلات " مبينات لا تشكل على عاقل أنها آيات الله ونقمته عليهم ، أو مفصلات لامتحان أحوالهم إذ كان بين كل اثنتين منها شهر وكان امتداد كل واحدة أسبوعا، وقيل إن موسى لبث فيهم بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات على مهل . " فاستكبروا " عن الإيمان ز " وكانوا قوماً مجرمين " .
133. So We sent them the flood and the locusts and the vermin and the frogs and the blood a succession of clear signs. But they were arrogant and became guilty.
133 - So we sent (plagues) on them: wholesale death, Locusts, Lice, Frogs, and blood: signs openly self explained: but they were steeped in arrogance, a people given to sin.