13 - (يعملون له ما يشاء من محاريب) أبنية مرتفعة يصعد إليها بدرج (وتماثيل) جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء أي صور من نحاس وزجاج ورخام ولم يكن اتخاذ الصور حراما في سريعته (وجفان) جمع جفنة (كالجواب) جمع جابية وهو حوض كبير يجتمع على الجفنة ألف رجل يأكلون منها (وقدور راسيات) ثابتات لها قوائم لا تتحرك عن أماكنها تتخذ من الجبال باليمن يصعد إليها بالسلالم وقلنا (اعملوا) يا (آل داود) بطاعة الله (شكرا) له على ما آتاكم (وقليل من عبادي الشكور) العامل بطاعتي شكرا لنعمتي
يعني تعالى ذكره: يعمل الجن لسليمان ما يشاء من محاريب، وهي جمع محراب، والمحراب: مقدم كل مسجد وبيت ومصلى، ومنه قول عدي بن زيد:
كدمى العاج في المحاريب أو كالـ بيض في الروض زهره مستنير
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " ما يشاء من محاريب " قال: بنيان دون القصور.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " يعملون له ما يشاء من محاريب " وقصور ومساجد.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " يعملون له ما يشاء من محاريب " قال: المحاريب: المساكن. وقرأ قول الله ( فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب) ( آل عمران:39).
حدثني عمرو بن عبد الحميد الآملي، قال: ثنا مروان بن معاوية، عن جويبر، عن الضحاك : " يعملون له ما يشاء من محاريب " قال: المحاريب: المساجد.
وقوله " وتماثيل " يعني أنهم يعملون له تماثيل من نحاس وزجاج.
كما حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد " وتماثيل " قال: من نحاس.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيج، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وتماثيل " قال: من زجاج وشبه.
حدثنا عمرو بن عبد الحميد، قال: ثنا مروان، عن جويبر، عن الضحاك في قول الله " وتماثيل " قال: الصور.
قوله " وجفان كالجواب " يقول: وينحتون له ما يشاء من جفان كالجواب، وهي جمع جابية والجابية: الحوض الذي يجبى فيه الماء، كما قال الأعشى ميمون بن قيس:
تروح على نادي المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق
وكما قال الآخر:
فصبحت جابيةً صهارجا كأنها جلد السماء خارجا
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " وجفان كالجواب " يقول: كالجوبة من الأرض.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله " وجفان كالجواب " يعني: بالجواب: الحياض.
وحدثني يعقوب، قال: ثنا ابن علية، عن أبي رجاء، عن الحسن " وجفان كالجواب " قال: كالحياض.
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " وجفان كالجواب " قال: حياض الإبل.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وجفان كالجواب " قال: جفان كجوبة الأرض من العظم، والجوبة من الأرض: يستنقع فيها الماء.
حدثت عن الحسين بن الفرج، قال: سمعت أبا معاذ، يقول: أخبرنا عبيد، قال: سمعت الضحاك يقول في قوله " وجفان كالجواب " كالحياض.
حدثنا عمرو، قال: ثنا مروان بن معاوية، قال: ثنا جويبر، عن الضحاك : " وجفان كالجواب " قال: كحياض الإبل من العظم.
وقوله " وقدور راسيات " يقول: وقدور ثابتات لا يحركن عن أماكنهن، ولا تحول لعظمهن.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن عمرو، قال: ثنا أبو عاصم، قال: ثنا عيسى، وحدثني الحارث، قال: ثنا الحسن، قال: ثنا ورقاء جميعاً، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، قوله " وقدور راسيات " قال: عظام.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " وقدور راسيات " قال: عظام ثابتات في الأرض لا يزلن عن أمكنتهن.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " وقدور راسيات " قال: مثال الجبال من عظمها، يعمل فيها الطعام من الكبر والعظم، لا تحرك، ولا تنقل، كما قال للجبال: راسيات.
وقوله " اعملوا آل داود شكرا " يقول تعالى ذكره: وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكراً له على ما أنعم عليكم من النعم التي خصكم بها عن سائر خلقه مع الشكر له على سائر نعمه التي عمكم به مع سائر خلقه، وترك ذكر: وقلنا لهم، اكتفاء بدلالة الكلام على ما ترك منه، وأخرج قوله " شكرا " مصدراً من قوله " اعملوا آل داود " لأن معنى قوله " اعملوا " اشكروا ربكم بطاعتكم إياه، وأن العمل بالذي رضي الله، لله شكر.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد، قال: ثنا يحيى بن واضح، قال: ثنا موسى بن عبادة، عن محمد بن كعب، قوله " اعملوا آل داود شكرا " قال: الشكر: تقوى الله، والعمل بطاعته.
حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: أخبرني حيوة، عن زهرة بن معبد، أنه سمع أبا عبد الرحمن الحبلي يقول " اعملوا آل داود شكرا " وأفضل الشكر: الحمد.
قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد، في قوله " اعملوا آل داود شكرا " قال: أعطاكم وعلمكم وسخر لكم ما لم يسخر لغيركم، وعلمكم منطق الطير، اشكروا له يا آل داود، قال: الحمد طرف من الشكر.
وقوله " وقليل من عبادي الشكور " يقول تعالى ذكره: وقليل من عبادي المخلص توحيدي، والمفردو طاعتي وشكري على نعمتي عليهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثني علي، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله " وقليل من عبادي الشكور " يقول: قليل من عبادي الموحدون توحيدهم.
فيه ثماني مسائل :
الأولى:قوله تعالى: " من محاريب وتماثيل " المحراب في اللغة : كل موضع مرتفع. وقيل للذي يصلي فيه : محراب ،لأنه يجب أن يرفع ونعظم ، وقال الضحاك : من محاربيب أن من مساجد .وكذا قال قتادة . وقال مجاهد :المحاريب دون القصور .وقال أبو عبيدة :المحراب أشرف بيوت الدار .قال :
كدمى العاج في المحاريب او كالبيض في الروض زهره مستنير
وقيل : هو ما يرقى إليه بالدردج كالغرفة الحسنة، كما قال : " إذ تسوروا المحراب " [ص : 21 ] وقوله : " فخرج على قومه من المحراب " [مريم : 11 ]أي أشرف عليهم .وفي الخبر أنه أمر أن يعمل حول كرسيه ألف محراب فيها ألف رجل علهم المسوح يصرخون إلى الله دائبا،وهوعلى الكرسيفي موكبه والمحاريب حوله ، ويقول لجنوده إذا ركب : سبحوا الله إلى ذلك العلم ، فإذا بلغوه قال : هللوه إلى ذلك العلم ،فإذا بلغوه قال : كبروه إلى ذلك العلم الآخر ،فتلج الجنود بالتسبيح والتهليل لجة واحدة
الثانية: قوله تعالى : "وتماثيل "جمع تمثال . وهو كل ما صور على مثل صورة من الحيوان أوغير حيوان . وقيل : كانت من زجاج ونحاس ورخام تماثيل اشياء ليست بحيوان .وذكر أنها صور الأنبياء والعلماء ،وكانت تصور في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهادا ،"قال صلى الله عليه وسلم : إن أولئك كان إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور " .أي ليتذكروا عبادتهم فيجتهدوا في العبادة .وهذا يدل على أن التصوير كان مباحا في ذلك الزمان ، ونسخ ذلك بشرع محمد صلى الله عليه وسلم .وسيأتي لهذا مزيد بيان في سورة نوح عليه السلام .وقيل : التماثيل طلسمات كان يعملها ، ويحرم على كل مصور أن يتجاوزها فلا يتجاوزها ،فيعمل تمثالا للذباب أو للبعوض أوللتماسيح في مكان ،ويأمرهم ألا يتجاوزوه واحد أبدا ما دام ذلك التمثال قائما . وواحد التماثيل تمثال بكسر التاء .قال :
ويا رب يوم قد لهوت وليلة بآنسة كأنها خط تمثال
وقيل : إن هذه التماثيل رجال اتخذهم من نحاس وسأل ربه أن ينفخ فنها الروح ليقاتلوا في سبيل الله ولايحيك فيهم السلاح . ويقال : إن إسفنديار كان منهم ، والله أعلم .وروي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط
الأسدان له ذراعيهما ، وإذا قعد أطلق النسران أجنحتهما .
الثالثة : حكى مكي في الهداية له : أن فرقة تجوز التصوير ، وتحتج بهذه الآية .قال ابن عطية :وذلك خطأ ، وما أحفظ عن أحد من أئمة العلم من يجوزه .
قلت : ماحكاه مكي ذكره النحاس قبله ، قال النحاس : قال قوم عمل الصور جائز لهذه الآية ولما أخبر الله عز وجل عن المسيح . وقال قوم : قد صح النهي عن النبي صلى الله عليه وسلم عنها ، والتوعد لمن عملهما أو اتخذها ، فنسخ الله عز وجل يهذه ماكان مباحا قبله ، وكانت الحكمة في ذلك لأنه بعث عليه السلام والصور تعبد ، فكان الأصح إزالتها .
الرابعة : التمثال على قسمين : حيوان وموات . والموات على قسمين : جماد ونام ، وقد كانت الجن تصنع لسليمان جميعه ، لعموم قوله :وتماثيل .وفي الإسرائيليات : أن التماثيل من الطير كانت على كرسي سليمان . فإن قيل : لا عموم لقوله : "وتماثيل " فإنه إثبات في نكرة ، والإثبات في النكرة لا عموم له ، إنما العموم في النفي في النكرة .قلنا: كذلك هو بيد أنه قد اقترن بهذا الإثبات في النكرة ما يقتضي حمله على العموم ، وهو قوله : ما يشاء فاقتران المشيئة به يقتضي العموم له . فإن قيل : كيف استحاز الصور المنهي عنها ؟ قلنا كان ذلك جائزا في شرعه ونسخ ذلك بشرعنا كمابينا ، والله أعلم .
وعن أبي العالية : لم يكن اتخاذ الصور إذ ذلك محرما .
الخامسة : مقتضى الأحاديث يدل على أن الصور ممنوعة ،ثم جاء :
"إلا ما كان رقما في ثوب " فخص من جملة الصور ، ثم ثبتت الكراهية فيه بقوله عليه السلام لعائشة في الثوب : "أخريه عني فإني كلما رأيته ذكرت الدنيا " .ثم بهتكه الثوب المصور على عائشة منع منه ،ثم بقطعها له وسادتين تغيرت الصورة وخرجت عن هيئتها ،فإن جواز ذلك إذا لم تكن الصورة فيه متصلة الهيئة ، ولو كانت متصلة الهيئة لم يجز ، لقولها في النمرقة المصورة : اشتريتها لك لتقعد عليها وتوسدها ،فمنع منه وتوعد عليه .وتبين بحديث الصلاة إلى الصور أن ذلك جائز ف الرقم في الثوب ثم نسخه المنع منه . فهكذا استقر الأمر فيه والله أعلم ، قاله ابن العربي .
السادسة : "روى مسلم عن عائشة قالت :
كان لنا ستر فيه تمثال طائر وكان الجاخل إذا دخل استقبله ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : حولي هذا فإن كلما دخلت فرأيته ذكرت الدنيا " .قالت : وكانت لنا قطيفة كنانقول علمها حرير ،فكنا نلبسها .وعنها قالت :
"دخل على رسول الله صلىالله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة ، فتلون وجهه ، ثم تناول الستر فهتكه ،ثم قال : إن من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله عز وجل ".وعنها : أنه كان لها ثوب فيه تصاوير ممدود إلى سهوة ، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إليه فقال :أخريه عني قالت : فأخرته فجعلته وسادتين .قال بعض العلماء : ويمكن أن يكون تهتيكه عليه السلام الثوب وأمره بتأخيره ورعا ، لأن محل النبوة والرسالة الكمال .فتأمله.
السابعة : قال المزني عن الشافعي :إن دعي رجل إلى عرس فرأى صورة ذات روح أوصورا ذات أرواح ، لم يدخل إن كانت منصوبة . وإن كانت توطأ فلا بأس ،وإن كانت صورة الشجر . ولم يختلفوا أن التصاوير ف الستور المعلقة مكروهة غير محرمة . وكذلك عندهم ماكن خرطا أوتقشا في البناء .واستثنى بعضهم ما كان رقما في ثوب ،لحدث سهل بن حنيف.
قلت : لعن رسول الله المصورين ولم يستثن وقوله :
" إن أصحاب هذه الصور يعذبون يوم القيمامة ويقال لهم أحيوا ما خلقتم " ولم يستثن .و"في الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج عنق من النار يوم القيامة له عينان تبصران وأذنان تسمعان والسان ينطق يقول : إن وكلت بثلاث :بكل جبار عنيد ، وبكل عن دعا مع الله إلها آخر وبالمصورين " قال أبو عيسى : هذا حديث حشن غريب صحيح .وفي البخاري و مسلم "عن عبد الله بن مسعود قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون " .يدل على المنع من تصوير شيء ، أين شيء كان . وقد قال جل وعز : " ما كان لكم أن تنبتوا شجرها "[النمل :60 ]على ما تقدم بيانه فاعلمه .
الثامنة : وقد استثنى من هذا لباب لعب البنات ،لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين ،وزفت إليه وهي بنت تسع ولعبها معها، ومات عنها وهي بنت ثمان عشرة سنة . وعنها أيضا قالت : " كنت ألعب بالبنات عند النبي صلى الله عليه وسلم وكان لي صواحب يلعبن معي ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل ينقمن منه فيسربهن إلي فيلعبن معي ."خرجهما مسلم .قال العلماء : وذلك للضرورة إلى ذلك وحاجة البنات حتى يتدربن على تربية أولادهن . ثم إنه لا بقاء لذلك ، وكذلك مايصنع الحلاوة أومن العجين لا بقاء له ، فرخص في ذلك ، والله أعلم .
قوله تعالى : " وجفان كالجواب " قال ابن عرفة : الجواب جمع الجابية ، وهي حفيرة كالحوض .وقال : كحياض الإبل .وقال ابن القاسم عن مالك : كالجوبة من الأرض،والمعنى متقارب . وكان يقعد على الجفنة الوحدة ألف رجل .النحاس وجفان كالجواب الأولى أن تكون بالياء ،ومن حذف الياء قال سبل الألف واللام أن تدخل على النكرة فلا يغيرها عن حالها ، فلما كان يقال جواب ودخل الألف واللام أقر على حاله فحذف الياء . وواحد الجوابي جابية ، وهي القدر العظيمة ،والحوض العظيم الكبير الذي يحبى فيه الشيء أي يجمع ، ومنه جببت الخراج ، وجبيت الجراد ، أي جعلت الكساء فجمعته فيه .إلا أن ليثا روى عن مجاهد قال : الجوابي جمع جوبة ، والجوبة الحفرة الكبيرة تكون في الجبل فيها ماء المطر. وقال الكسائي :جبوت الماء في الحوض وجبيته أي جمعته ،والجابية الوض الذي يجبى فيه الماء للإبل ،قال:
تروح على آل المحق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق
ويروى أيضا :
نفي الذم عن آل المحلق جفنة كجابية السيح . ........
ذكر النحاس .
قوله تعالى: "وقدور راسيات " قال سعد بن جبير :هي قدور النحاس تكون بفارس . وقال الحضحاك : هي قدور تعمل من الجبال . غيره : قد تحتت من الجبال الصم مما عملت له الشياطين ، أثافيها منها منحوتة هكذا من المجبال . ومعنىراسيات ثوابت ، لا تحمل ولا تحرك لعظمها . قال ابن العربي : وكذالك كانت قدوة عبد الله بن جدعان ، يصعد إليها في الجاهلية بسلم . وعنها عبر طرفة بن العبد بقوله :
كالجوابي لا تني مترعة لقرى الأضياف أو للمتضر
قال ابن العربي : ورأيت برباط أبي سعيد قدروه الصوفية على نحو ذلك ، فإنهم يطبخون جميعا ويأكلون جميعا من غير استئثار واحد منهم على أحد .
قوله تعالى: " اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور " قد مضى معنى الشكر في البقرة وغيرهما . "وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر فلا هذ الآية ثم قال : ثلاث من أوتيهن فقد أوتي مثل ما أوتي آل داود: قال فقلنا : ما هن ؟ فقال :العدل في الرضا والقضب . والقصد في الفقر والغنى .وخشية الله في السر والعلانية" .خرجه الترمذي الحكيم أبو عبد الله عن عطاء بن يسار عن أبي هريرة . وروي أن داود عليه السلام قال: يارب كيف أطيق شكرك على نعمتك . وإلهامي وقدرتي علىكشرك نعمة لك فقال : يا داود الآن عرفتني . وقد مضى هذا المعنيى في سورة إبراهيم .وأن الشكر حقيقة الاعتراف بالغنيمة للمنعم واستعمالها في طاعته ، والكفران استعمالها في المعصية .وقيل من يفعل ذلك ، لأن الخير أقل من الشر ، والطاعة أقل من المعصية ،بحسب سابق التقدير . وقال مجاهد : لماقاله الله تعالى : " اعملوا آل داود شكرا " قال داود لسليمان :إن الله عز وجل قد ذكر الشكر فاكفني صلاة النهار أكفك صلاة الليل ،قال : لا أقدر ،قال: فاكفني - قال الفاريابي ، أراه قال إلى صلاة الظهر - قال نعم ، فكفاه ،وقال الزهري :اعملوا آل داود شكرا أي قولوا الحمد لله .وشكرا نصب على جهة المفعول ، أي اعملوا عملا هو الشكر .وكأن الصلاة والصيام والعبادات كلهاهي في نفسهاالشكر إذا سدت مسده ، ويبين هذا قوله تعالى: " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم "[ص: 24 ] وهو المراد بقوله :وقليل من عبادي الشكور .وقد قال سفيان بن عيينة في تأويل قوله تعالى : " أن اشكر لي " أن المراد بالشكر الصلوات الخمس .و"في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عالى عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تفطر قدماه ، فقالت له عائشة رضي الله عنها : أتصنع هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تاخر ؟ فقال : أفلا أكون عبدا شكورا " افرد بإخراجه مسلم .فظاهر القرآن والسنة أن الشكر بعمل الأبدان دون الاقتصار علىعمل اللسان ، فالشكر بالأفعال عمل الأركان ،والكشر بالأقوال عمل اللسان .والله أعلم .
قوله تعالى : " وقليل من عبادي الشكور " يحتمل أن يكون مخاطبة لآل داود ،ويحتمل أن يكون مخاطبة لمحمد صلى الله عيه وسلم .قال ابن عطية :وعلى كل وجه ففيه تنبيه وتحريض .وسمع عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه رجلا يقول : اللهم اجعلني من القليق ، فقال عمر : ما هذا الدعاء؟ فقال الرجل : أرت قوله تعالى : "وقليل من عبادي الشكور " .فقال عمر رضي الله عنه : كل الناس أعلم منك ياعمر ! وروي أن سليمان عليه السلام كان يأكر الشعير ويطعم أهله الخشكار ويطعم المساكين الدرمك . وقد قيل : إنه كان يأكل الرماد ويتوسده ، والأول أصح ، إذا الرماد ليس بقوت . وروي أنه ما شبع قط ، فقيل له في ذلك فقال : أخاف إن شبعت أن أنسى الجياع . وهذا من الشكر ومن القليل ، فتأمله ،والله أعلم .
لما ذكر تعالى ما أنعم به على داود, عطف بذكر ما أعطى ابنه سليمان عليهما الصلاة والسلام من تسخير الريح له, تحمل بساطه غدوها شهر ورواحها شهر. قال الحسن البصري : كان يغدو على بساطه من دمشق, فينزل باصطخر يتغذى بها ويذهب رائحاً من اصطخر فيبيت بكابل, وبين دمشق واصطخر شهر كامل للمسرع وبين اصطخر وكابل شهر كامل للمسرع.
وقوله تعالى: "وأسلنا له عين القطر" قال ابن عباس رضي لله عنهما ومجاهد وعكرمة وعطاء الخراساني وقتادة والسدي ومالك عن زيد بن أسلم, وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغير واحد: القطر النحاس. قال قتادة : وكانت باليمن, فكل ما يصنع الناس مما أخرج الله تعالى لسليمان عليه السلام قال السدي : وإنما أسيلت له ثلاثة أيام. وقوله تعالى: "ومن الجن من يعمل بين يديه بإذن ربه" أي وسخرنا له الجن يعملون بين يديه بإذن ربه. أي بقدره وتسخيره لهم بمشيئته ما يشاء من البنايات وغير ذلك "ومن يزغ منهم عن أمرنا" أي ومن يعدل ويخرج منهم عن الطاعة "نذقه من عذاب السعير" وهو الحريق.
وقد ذكر ابن أبي حاتم ههنا حديثاً غريباً, فقال: حدثنا أبي حدثنا أبو صالح , حدثنا معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير , عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الجن على ثلاثة أصناف: صنف لهم أجنحة يطيرون في الهواء, وصنف حيات وكلاب, وصنف يحلون ويظعنون" رفعه غريب جداً. وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا حرملة , حدثنا ابن وهب , أخبرني بكر بن مضر عن محمد بن بحير عن ابن أنعم أنه قال: الجن ثلاثة أصناف: صنف لهم الثواب وعليهم العقاب, وصنف طيارون فيما بين السماء والأرض, وصنف حيات وكلاب. قال بكر بن مضر : ولا أعلم إلا أنه قال: حدثني أن الإنس ثلاثة أصناف: صنف يظلهم الله بظل عرشه يوم القيامة, وصنف كالأنعام بل هم أضل سبيلاً, وصنف في صورة الناس على قلوب الشياطين.
وقال أيضاً: حدثنا أبي حدثنا علي بن هاشم بن مرزوق , حدثنا سلمة يعني ابن الفضل عن إسماعيل عن الحسن قال: الجن ولد إبليس, والإنس ولد آدم, ومن هؤلاء مؤمنون ومن هؤلاء مؤمنون, وهم شركاؤهم في الثواب والعقاب, ومن كان من هؤلاء وهؤلاء مؤمناً, فهو ولي الله تعالى, ومن كان من هؤلاء وهؤلاء كافراً فهو شيطان.
وقوله تعالى: "يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل" أما المحاريب فهي البناء الحسن, وهو أشرف شيء في المسكن وصدره. وقال مجاهد : المحاريب بنيان دون القصور. وقال الضحاك : هي المساجد, وقال قتادة : هي القصور والمساجد. وقال ابن زيد : هي المساكن. وأما التماثيل, فقال عطية العوفي والضحاك والسدي : التماثيل الصور. قال مجاهد : وكانت من نحاس. وقال قتادة : من طين وزجاج. وقوله تعالى: "وجفان كالجواب وقدور راسيات" الجواب جمع جابية, وهي الحوض الذي يجبى فيه الماء, كما قال الأعشى ميمون بن قيس :
تروح على آل المحلق جفنة كجابية الشيخ العراقي تفهق
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما "كالجواب" أي كالجوبة من الأرض. وقال العوفي عنه كالحياض, وكذا قال مجاهد والحسن وقتادة والضحاك وغيرهم. والقدور الراسيات, أي الثابتات في أماكنها لا تتحرك ولا تتحول عن أماكنها لعظمها, كذا قال مجاهد والضحاك وغيرهما. وقال عكرمة : أثافيها منها. وقوله تعالى: "اعملوا آل داود شكراً" أي وقلنا لهم: اعملوا شكراً على ما أنعم به عليكم في الدين والدنيا, وشكراً مصدر من غير الفعل, أو أنه مفعول له, وعلى التقديرين فيه دلالة على أن الشكر يكون بالفعل كما يكون بالقول والنية, كما قال الشاعر:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة يدي ولساني والضمير المحجبا
قال أبو عبد الرحمن الحبلي : الصلاة شكر والصيام شكر, وكل خير تعمله لله عز وجل شكر, وأفضل الشكر الحمد, رواه ابن جرير , وروى هو وابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي قال: الشكر تقوى الله تعالى والعمل الصالح, وهذا لمن هو متلبس بالفعل, وقد كان آل داود عليهم السلام كذلك قائمين بشكر الله تعالى قولاً وعملاً قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا عبد الله بن أبي بكر , حدثنا جعفر يعني ابن سليمان عن ثابت البناني , قال: كان داود عليه السلام قد جزأ على أهله وولده ونسائه الصلاة, فكان لا تأتي عليهم ساعة من الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي, فغمرتهم هذه الاية "اعملوا آل داود شكراً وقليل من عبادي الشكور" وفي الصحيحين " عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن أحب الصلاة إلى الله تعالى صلاة داود, كان ينام نصف الليل, ويقوم ثلثه, وينام سدسه, وأحب الصيام إلى الله تعالى صيام داود, كان يصوم يوماً ويفطر يوماً, ولا يفر إذا لاقى " .
وقد روى أبو عبد الله بن ماجه من حديث سنيد بن داود : حدثنا يوسف بن محمد بن المنكدر عن أبيه عن جابر رضي الله عنه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قالت أم سليمان بن داود عليهم السلام, لسليمان, يابني لا تكثر النوم بالليل, فإن كثرة النوم بالليل تترك الرجل فقيراً يوم القيامة" وروى ابن أبي حاتم عن داود عليه الصلاة والسلام ههنا أثراً غريباً مطولاً جداً وقال أيضاً: حدثنا أبي , حدثنا عمران بن موسى , حدثنا أبو زيد فيض بن إسحاق الرقي قال: قال فضيل في قوله تعالى: "اعملوا آل داود شكراً" قال داود: يا رب كيف أشكرك والشكر نعمة منك ؟ قال "الان شكرتني حين قلت إن النعمة مني". وقوله تعالى: "وقليل من عبادي الشكور" إخبار عن الواقع.
ثم ذكر سبحانه ما يعمله الجن لسليمان فقال: 13- "يعملون له ما يشاء" و من في قوله: "من محاريب" للبيان، والمحاريب في اللغة كل موضع مرتفع وهي الأبنية الرفيعة والقصور العالية. قال المبرد: لا يكون المحارب إلا أن يرتقى إليه بدرج، ومنه قيل للذي يصلى فيه محراب لأنه يرفع ويعظم. وقال مجاهد: المحاريب دون القصور. وقال أبو عبيدة: المحراب أشرف بيوت الدار، ومنه قول الشاعر:
وماذا عليه إن ذكرت أوانسا كغزلان رمل في محاريب أقيال
وقال الضحاك: المراد بالمحاريب هنا المساجد، والتماثيل جمع تمثال وهو كل شيء مثلته بشيء: أي صورته بصورته من نحاس أو زجاج أو رخام أو غير ذلك. قيل كانت هى التماثيل صور الأنبياء والملائكة والعلماء والصلحاء، وكانوا يصورونها في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة واجتهاداً. وقيل هي تماثيل أشياء ليست من الحيوان. وقد استدل بهذا على أن التصوير كان مباحاً في شرع سليمان، ونسخ ذلك بشرع نبينا محمد صلى الله عليه وسلم. والجفان جمع جنفة وهي القصعة الكبيرة. والجواب جمع جابية وهي حفيرة كالحوض، وقيل هي الحوض الكبير يجبي الماء: أي يجمعه. قال الواحدي: قال المفسرون: يعني قصاعاً في العظم كحياض الإبل يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها. قال النحاس: الأولى إثبات الياء في الجوابي، ومن حذف الياء قال سبيل الألف واللام أن تدخل على النكرة فلا تغيرها عن حالها، فلما كان يقال جواب ودخلت الألف واللام أقر على حاله فحذف الياء. قال الكسائي: يقال جبوت الماء وجبيته في الحوض: أي جمعته، والجابية الحوض الذي يجبى فيه الماء للإبل. وقال النحاس: والجابية القدر العظيمة والحوض العظيم الكبير الذي يجبى فيه الشيء: أي يجمع، ومنه جبيت الخراج وجبيت الجراد: جمعته في الكساء "وقدور راسيات" قال قتادة: هي قدور النحاس تكون بفارس، وقال الضحاك: هي قدور تنحت من الجبال الصم عملتها له الشياطين، ومعنى راسيات: ثابتات لا تحمل ولا تحرك لعظمها. ثم أمر سبحانه بالعمل الصالح على العموم: أي سليمان وأهله، فقال: "اعملوا آل داود شكراً" أي وقلنا لهم اعملوا بطاعة الله يا آل داود شكراً له على ما آتاكم أو اعملوا عملاً شكراً على أنه صفة مصدر محذوف، أو عملوا للشكر على أنه مفعول له أو حال: أي شاكرين أو مفعول به، وسميت الطاعة شكراً لأنها من جملة أنواعه، أو منصوب على المصدرية بفعل مقدر من جنسه: أي اشكروا شكراً. ثم بين بعد أمرهم بالشكر أن الشاكرين له من عباد ليسوا بالكثير فقال: "وقليل من عبادي الشكور" أي العامل بطاعتي الشاكر لنعمتي قليل. وارتفاع قليل على أنه خبر مقدم. ومن عبادي صفة له. والشكور مبتدأ.
13- "يعملون له ما يشاء من محاريب"، أي: مساجد، والأبنية المرتفعة، وكان مما عملوا له بيت المقدس ابتدأه داود ورفعه قدر قامة رجل، فأوحى الله إليه إني لم أقض ذلك على يدك ولكن ابن لك أملكه بعدك اسمه سليمان أقضي تمامه على يده، فلما توفاه الله استخلف سليمان فأحب إتمام بناء بيت المقدس، فجمع الجن والشياطين وقسم عليهم الأعمال فخص كل طائفة منهم بعمل يستخلصها له، فأرسل الجن والشياطين في تحصيل الرخام والمها الأبيض من معادنه، وأمر ببناء المدينة بالرخام والصفاح، وجعلها اثنى عشر ربضاً، وأنزل كل ربض منها سبطاً من الأسباط، وكانوا اثنى عشر سبطاً، فلما فرغ من بناء المدينة ابتدأ في بناء المسجد فوجه الشياطين فرقاً فرقاً يستخرجون الذهب والفضة والياقوت من معادنها والدر الصافي من البحر، وفرقاً يقلعون الجواهر والحجارة من أماكنها، وفرقاً يأتونه بالمسك والعنبر وسائر الطيب من أماكنها، فأتى من ذلك بشيء لا يحصيه إلا الله عز وجل، ثم أحضر الصناعين وأمرهم بنحت تلك الحجارة المرتفعة وتصييرها ألواحاً وإصلاح تلك الجواهر وثقب البواقيت اللآلئ، فبنى المسجد بالرخام الأبيض والأصفر والأخضر وعمده بأساطين المها الصافي وسقفه بألواح الجواهر الثمينة وفصص سقوفه وحيطانه باللآلئ واليواقيت وسائر الجواهر، وبسط أرضه بألواح الفيروزج فلم يكن يومئذ في الأرض بيت أبهى ولا أنور من ذلك المسجد، وكان يضيء في الظلمة كالقمر ليلة البدر، فلما فرغ منه جمع إليه أحبار بني إسرائيل فأعلمهم أنه بناه الله عز وجل، وأن كل شيء فيه خالص لله، واتخذ ذلك اليوم الذي فرغ منه عيداً.
وروي عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما فرغ سليمان من بناء بيت المقدس سأل ربه ثلاثاً فأعطاه اثنين، وأنا أرجو أن يكون أعطاه الثالثة، سأل حكماً يصادف حكمه، فأعطاه إياه وسأله ملكاً لا ينبغي لأحد من بعده، فأعطاه إياه، وسأله أن لا يأتي هذا البيت أحد يصلي فيه ركعتين إلا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، وأنا أرجو أن يكون قد أعطاه ذلك".
قالوا: فلم يزل بيت المقدس على ما بناه سليمان حتى غزاه تختنصر فخرب المدينة وهدمها ونقض المسجد، وأخذ ما كان في سقوفه وحيطانه من الذهب والفضة والدر والياقوت وسائر الجواهر، فحمله إلى دار مملكته من أرض العراق، وبنى الشياطين لسليمان باليمن حصوناً كثيرة عجيبة من الصخر.
قوله عز وجل: "وتماثيل"، أي: كانوا يعملون له تماثيل، أي: صوراً من نحاس وصفر وشبة وزجاج ورخام. وقيل: كانوا يصورون السباع والطيور. وقيل: كانوا يتخذون صور الملائكة والأنبياء والصالحين في المساجد ليراها الناس فيزدادوا عبادة، ولعلها كانت مباحة في شريعتهم، كما أن عيسى كان يتخذ صوراً من الطين فينفخ فيها فتكون طيراً بإذن الله.
"وجفان"، أي: قصاع واحدتها جفنة، "كالجواب"، كالحياض التي يجبى فيها الماء، أي: يجمع، واحدتها جابية، يقال: كان يعقد على الجفنة الواحدة ألف رجل يأكلون منها "وقدور راسيات" ثابتات لها قوائم لا يحركن عن أماكنها لعظمهن، ولا ينزلن ولا يعطلن، وكان يصعد عليها بالسلالم، وكانت باليمن.
" اعملوا آل داود شكرا "، أي: وقلنا اعملوا آل داود شكراً، مجازه: اعملوا يا آل داود بطاعة الله شكراً له على نعمه.
"وقليل من عبادي الشكور"، أي: العامل بطاعتي شكراً لنعمتي.
قيل: المراد من آل داود هو داود نفسه. وقيل: داود وسليمان وأهل بيته.
وقال جعفر بن سليمان: سمعت ثابتاً يقول: كان داود نبي الله عليه السلام قد جزأ ساعات الليل والنهار على أهله فلم تكن تأتي ساعة من ساعات الليل والنهار إلا وإنسان من آل داود قائم يصلي.
13ـ " يعملون له ما يشاء من محاريب " قصور حصينة ومساكن شريفة سميت بها لأنها يذب عنها ويحارب عليها . " وتماثيل " وصوراً هي تماثيل للملائكة والأنبياء على ما اعتادوا من العبادات ليراها الناس فيعبدوا نحو عبادتهم وحرمة التصاوير شرع مجدد . روي أنهم عملوا له أسدين في أسفل كرسيه ونسرين فوقه ، فإذا أراد أن يصعد بسط الأسدان له ذراعيهما وإذا قعد أظله النسران بأجنحتهما . " وجفان " وصحاف . " كالجواب " كالحياض الكبار جمع جابية من الجباية وهي من الصفات الغالبة كالدابة . " وقدور راسيات " ثابتات على الأثافي لا تنزل عنها لعظمها . " اعملوا آل داود شكراً " حكاية عما قيل لهم " واشكروا " نصب على العلة أي : اعملوا له واعبدوه شكراً ، أو المصدر لأن العمل له شكراً أو الوصف له أو الحال أو المفعول به .
" وقليل من عبادي الشكور " المتوفر على أداء الشكر بقلبه ولسانه وجوارحه أكثر أوقاته ومع ذلك لا يوفي حقه ، لأن توفيقه الشكر نعمة تستدعي شكراً آخر لا إلى نهايته ، ولذلك قيل الشكور من يرعى عجزه عن الشكر .
13. They made for him what he willed: synagogues and statues, basins like wells and boilers built into the ground. Give thanks, O House of David! Few of My bondmen are thankful.
13 - They Worked for him as he desired, (making) Arches, images, Basons as large as Reservoirs, and (cooking) Cauldrons fixed (in their places): Work ye, sons of David, with thanks but few of My servants are Grateful