13 - (ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها) فتهتدي بالإيمان والطاعة باختيار منها (ولكن حق القول مني) وهو (لأملأن جهنم من الجنة) الجن (والناس أجمعين) وتقول لهم الخزنة اذا دخلوها
يقول تعالى ذكره: " ولو شئنا " يا محمد " لآتينا " هؤلاء المشركين بالله من قومك وغيرهم من أهل الكفر بالله " هداها " يعني: رشدها وتوفيقها للإيمان بالله " ولكن حق القول مني " يقول: وجب العذاب مني لهم، وقوله " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " يعني من أهل المعاصي والكفر بالله منهم.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " قال: لو شاء الله لهدى الناس جميعاً، لو شاء الله لأنزل عليهم من السماء آية، فظلت أعناقهم لها خاضعين، " ولكن حق القول مني " حق القول عليهم.
قال محمد بن كعب القرظي: لما قالوا: "ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون" رد عليهم بقوله: "ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها" يقول: لو شئت لهديت الناس جميعاً فلم يختلف منهم أحد "ولكن حق القول مني" الآية، ذكره ابن المبارك في رقائقه في حديث طويل. وقد ذكرناه في التذكرة. النحاس: ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها في معناه قولان: أحدهما: أنه في الدنيا. والآخر: أن سياق الكلام يدل على أنه في الآخرة، أي لو شئنا لرددناهم إلى الدنيا والمحنة كما سألوا: "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" أي حق القول مني لأعذبن من عصاني بنار جهنم. وعلم الله تبارك وتعالى أنه لو ردهم لعادوا، كما قال تعالى: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عن" هذه الهداية معناها خلق المعرفة في القلب. وتأويل المعتزلة: ولو شئنا لأكرهناهم على الهداية بإظهار الآيات الهائلة، لاكن لا يحسن منه فعله، لأنه ينقض الغرض المجرى بالتكليف إليه وهو الثواب الذي لا يستحق إلا بما يفعله المكلف باختياره. وقالت الإمامية في تأويلها: إنه يجوز أن يريد هداها إلى طريق الجنة في الآخرة ولم يعاقب أحداً، ولكن حق القول منه أنه يملأ جهنم، فلا يجب على الله تعالى عندنا هداية الكل إليها، قالوا: بل الواجب هداية المعصومين، فأما من له ذنب فجائز هدايته إلى النار جزاء على أفعاله. وفي جواز ذلك منع، لقطعهم على أن المراد هداها إلى الإيمان. وقد تكلم العلماء عليهم في هذين التأويلين بما فيه كفاية في أصول الدين. وأقرب مالهم في الجواب أن يقال: فقد بطل عندنا وعندكم أن يهديهم الله سبحانه على طريق الإجلاء والإجبار والإكراه، فصار يؤدي ذلك إلى مذهب الجبرية، وهو مذهب رذل عندنا وعندكم، فلم يبق إلا أن المهتدين من المؤمنين إنما هداهم الله تعالى إلى الإيمان والطاعة على طريق الاختيار حتى يصح التكليف فمن شاء آمن وأطاع اختياراً لا جبراً، قال الله تعالى: "لمن شاء منكم أن يستقيم" التكوير:28 ، وقال: "فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا" المزمل:19 . ثم عقب هاتين الآيتين بقوله تعالى: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله". فوقع إيمان المؤمنين بمشيئتهم، ونفى أن يشاؤوا إلا أن يشاء الله، ولهذا فرطت المجبرة لما رأوا أن هدايتهم إلى الإيمان معذوق بمشيئة الله تعالى، فقالوا: الخلق مجبورون في طاعتهم كلها، التفاتاً إلى قوله: "وما تشاؤون إلا أن يشاء الله". وفرطت القدرية لما رأوا أن هدايتهم إلى الإيمان معذوق بمشيئة العباد، فقالوا: الخلق خالقون لأفعالهم، التفاتاً منهم إلى قوله تعالى: "لمن شاء منكم أن يستقيم". ومذهبنا هو الاقتصاد في الاعتقاد، وهو مذهب بين مذهبي المجبرة والقدرية، وخير الأمور أوسطها. وذلك أن أهل الحق قالوا: نحن نفرق بين ما اضطررنا إليه وبين ما اخترناه، وهو أنا ندرك تفرقة بين حركة الارتعاش الواقعة في يد الإنسان بغير محاولته وإدارته ولا مقرونة بقدرته، وبين حركة الاختيار إذا حرك يده حركة مماثلة لحركة الإرتعاش، ومن لا يفرق بين الحركتين: حركة الارتعاش وحركة الاختيار، وهما موجودتان في ذاته ومحسوستان في يده بمشاهدته وإدراك حاسته - فهو معتوه في عقله ومختل في حسه، وخارج من حزب العقلاء. وهذا هو الحق المبين، وهو طريق بين طريقي الإفراد والتفريط. و: كلا طرفي قصد الأمور ذميم وبهذا الاعتبار اختار أهل النظر من العلماء أن سموا هذه المنزلة بين المنزلتين كسباً، وأخذوا هذه التسمية من كتاب الله العزيز، وهو قوله سبحانه: "لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت" البقرة:286 .
يخبر تعالى عن حال المشركين يوم القيامة وقالهم حين عاينوا البعث وقاموا بين يدي الله عز وجل, حقيرين ذليلين ناكسي رؤوسهم, أي من الحياء والخجل يقولون "ربنا أبصرنا وسمعنا" أي نحن الان نسمع قولك ونطيع أمرك, كما قال تعالى: "أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا" وكذلك يعودون على أنفسهم بالملامة إذا دخلوا النار بقولهم " لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير " وهكذا هؤلاء يقولون "ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا" أي إلى دار الدنيا "نعمل صالحاً إنا موقنون" أي قد أيقنا وتحققنا فيها أن وعدك حق ولقاءك حق, وقد علم الرب تعالى منهم أنه لو أعادهم إلى دار الدنيا لكانوا كما كانوا فيها كفاراً يكذبون بآيات الله ويخالفون رسله, كما قال تعالى: " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا " الاية, وقال ههنا " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " كما قال تعالى: " ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعا " "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" أي من الصنفين فدارهم النار لامحيد لهم عنها ولا محيص لهم منها, نعوذ بالله وكلماته التامة من ذلك, "فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا" أي يقال لأهل النار على سبيل التقريع والتوبيخ: ذوقوا هذا العذاب بسبب تكذيبكم به واستبعادكم وقوعه وتناسيكم له إذ عاملتموه معاملة من هو ناس له "إنا نسيناكم" أي سنعاملكم معاملة الناسي, لأنه تعالى لا ينسى شيئاً ولا يضل عنه شيء, بل من باب المقابلة كما قال تعالى: " اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا " وقوله تعالى: "وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون" أي بسبب كفركم وتكذيبكم, كما قال تعالى في الاية الأخرى " لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا * إلا حميما وغساقا * جزاء وفاقا * إنهم كانوا لا يرجون حسابا * وكذبوا بآياتنا كذابا * وكل شيء أحصيناه كتابا * فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا ".
13- "ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها" هذا رد عليهم لما طلبوا الرجعة: أي لو شئنا لآتينا كل نفس هداها فهدينا الناس جميعاً فلم يكفر منهم أحد. قال النحاس: في معنى هذا قولان: أحدهما أنه في الدنيا، والآخر أنه في الآخرة: أي ولو شئنا لرددناهم إلى الدنيا "ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" وجملة لو شئنا مقدرة بقول معطوف على المقدر قبل قوله أبصرنا أي ونقول لو شئنا، ومعنى "ولكن حق القول مني" أي نفذ قضائي وقدري وسبقت كلمتي "لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين" هذا هو القول الذي وجب من الله وحق على عباده ونفذ فيه قضاؤه، فكان مقتضى هذا القول أنه لا يعطي كل نفس هداها، وإنما قضى عليهم بهذا، لأنه سبحانه قد علم أنهم من أهل الشقاوة، وأنهم ممن يختار الضلالة على الهدى.
13- "ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها"، رشدها وتوفيقها للإيمان، "ولكن حق"، وجب، "القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين"، وهو قوله لإبليس: "لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين" (ص-85).
13ـ " ولو شئنا لآتينا كل نفس هداها " ما تهتدي به إلى الإيمان والعمل الصالح بالتوفيق له. " ولكن حق القول مني " ثبت قضائي وسبق وعيدي وهو " لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " وذلك تصريح بعدم إيمانهم لعدم المشيئة المسبب عن سبق الحكم بأنهم من أهل النار ، ولا يدفعه جعل ذوق العذاب مسبباً عن نسيانهم العاقبة وعدم تفكرهم فيها بقوله :
13. And if We had so willed, We could have given every soul its guidance, but the word from Me concerning evil doers took effect: that I will fill hell with the jinn and mankind together.
13 - If We had so willed we could certainly have brought every soul its true guidance: but the World from Me will come true, I will fill Hell with Jinns and men all together.