129 - (فإن تولوا) عن الإيمان بك (فقل حسبي) كافيّ (الله لا إله إلا هو عليه توكلت) به وثقت لا بغيره (وهو رب العرش) الكرسي (العظيم) خصه بالذكر لأنه أعظم المخلوقات ، وروى الحاكم في المستدرك عن أبي بن كعب قال : آخر آية نزلت {لقد جاءكم رسول} إلى آخر السورة
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: فإن تولى، يا محمد، هؤلاء الذين جئتهم بالحق من عند ربك من قومك، فأدبروا عنك ولم يقبلوا ما أتيتهم به من النصيحة في الله، وما دعوتهم إليه من النور والهدى، " فقل حسبي الله "، يكفيني ربي، " لا إله إلا هو "، لا معبود سواه، " عليه توكلت "، وبه وثقت، وعلى عونه اتكلت، وإليه وإلى نصره استندت، فإنه ناصري ومعيني على من خالفني وتولى عني منكم ومن غيركم من الناس، " وهو رب العرش العظيم "، الذي يملك كل ما دونه، والملوك كلهم مماليكه وعبيده.
وإنما عنى بوصفه جل ثناؤه نفسه بأنه " رب العرش العظيم "، الخبر عن جميع ما دونه أنهم عبيده، وفي ملكه وسلطانه، لأن " العرش العظيم "، إنما كان يكون للملوك، فوصف نفسه بأنه ((ذو العرش)) دون سائر خلقه، وأنه الملك العظيم دون غيره، وأن من دونه في سلطانه وملكه، جار عليه حكمه وقضاؤه.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " فإن تولوا فقل حسبي الله "، يعني الكفار، تولوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذه في المؤمنين.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا ابن عيينة ، عن عمرو، عن عبيد بن عمير قال: كان عمر رحمة الله عليه لا يثبت آيةً في المصحف حتى يشهد رجلان. فجاء رجل من الأنصار بهاتين الآيتين: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه "، فقال عمر: لا أسألك عليهما بينة أبداً، كذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثني المثنى قال، حدثنا إسحق قال، حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس، عن زهير، عن الأعمش، عن أبي صالح الحنفي قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله رحيم يحب كل رحيم، يضع رحمته على كل رحيم. قالوا: يا رسول الله، إنا لنرحم أنفسنا وأموالنا - قال:وأراه قال: وأزواجنا -؟ قال: ليس كذلك، ولكن كونوا كما قال الله: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم * فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم ". أراه قرأ هذه الآية كلها " .
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا عبد الصمد قال، حدثنا شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف، عن ابن عباس، عن أبي بن كعب قال: آخر آية نزلت من القرآن: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم "، إلى آخر الآية.
حدثني المثنى قال، حدثنا مسلم بن إبراهيم قال، حدثنا شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف بن مهران، عن ابن عباس، عن أبي قال: آخر آية نزلت على النبي صلى الله عليه وسلم: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم "، الآية.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبي قال، حدثنا شعبة، عن علي بن زيد، عن يوسف مهران، عن أبي قال: أحدث القرآن عهداً بالله هاتان الآيتان: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم "، إلى آخر الآيتين.
حدثني أبو كريب قال، حدثنا يونس بن محمد قال، حدثنا أبان بن يزيد العطار، عن قتادة ، عن أبي بن كعب قال: أحدث القرآن عهداً بالله، الآيتان: " لقد جاءكم رسول من أنفسكم "، إلى آخر السورة.
آخر تفسير سورة التوبة
قوله تعالى: "فإن تولوا فقل حسبي الله" أي إن أعرض الكفار يا محمد بعد هذه النعم التي من الله عليهم بها فقل حسبي الله، أي كافي الله تعالى "لا إله إلا هو عليه توكلت" أي اعتمدت، وإليه فوضت جميع أموري. "وهو رب العرش العظيم" خص العرش لأنه عظم المخلوقات فيدخل فيه ما دونه إذا ذكره. وقراءة العامة بخفض العظيم نعتاً للعرش. وقرئ بالرفع صفة للرب، رويت عن ابن كثير، وهي قراءة ابن محيصن. وفي كتاب أبي داود عن أبي الدرداء قال:
"من قال إذا أصبح وإذا أمسى حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات، كفاه الله ما أهمه صادقاً كان بها أو كاذباً" وفي نوادر الأصول عن بريدة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من قال عشر كلمات عند دبر كل صلاة وجد الله عندهن مكفياً مجزياً: خمس للدنيا وخمس للآخرة حسبي الله لديني حسبي الله لدنياي حسبي الله لما أهمني حسبي الله لمن بغى علي حسبي الله لمن حسدني حسبي الله لمن كادني بسوء حسبي الله عند الموت حسبي الله عند المساءلة في القبر حسبي الله عند الميزان حسبي الله عند الصراط حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وإليه أنيب". وحكى النقاش عن أبي بن كعب أنه قال: أقرب القرآن عهداً بالله تعالى هاتان الآيتان "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى آخر السورة، وقد بيناه. وروى يوسف بن مهران عن ابن عباس: أن آخر ما نزل من القرآن "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" وهذه الآية. ذكره الماوردي. وقد ذكرنا عن ابن عباس خلافه، على ما ذكرناه في البقرة، وهو أصح. وقال مقاتل: تقدم نزولها بمكة. وهذا فيه بعد، لأن السورة مدنية، والله أعلم. وقال يحيى بن جعدة: كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه لا يثبت آية في المصحف حتى يشهد عليها رجلان، فجاءه رجل من الأنصار بالآيتين من آخر سورة براءة "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" فقال عمر: والله لا أسألك عليهما بينة، كذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم، فأثبتهما. قال علماؤنا: الرجل هو خزيمة بن ثابت، وإنما أثبتهما عمر رضي الله عنه بشهادته وحده لقيام الدليل على صحتها في صفة النبي صلى الله عليه وسلم، فهي قرينة تغني عن طلب شاهد آخر، بخلاف آية الأحزاب "رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه" [الأحزاب:23] فإن تلك ثبتت بشهادة زيد وخزيمة لسماعهما إياها من النبي صلى الله عليه وسلم. وقد تقدم هذا المعنى في مقدمة الكتاب. والحمد لله.
يقول تعالى ممتناً على المؤمنين بما أرسل إليهم رسولاً من أنفسهم أي من جنسهم وعلى لغتهم كما قال إبراهيم عليه السلام: "ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم" وقال تعالى: " لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم " وقال تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" أي منكم وبلغتكم كما قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى: إن الله بعث فينا رسولاً منا نعرف نسبه وصفته ومدخله ومخرجه وصدقه وأمانته وذكر الحديث وقال سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله تعالى: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية وقال صلى الله عليه وسلم "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح" وقد وصل هذا من وجه آخر كما قال الحافظ أبو محمد الحسن بن عبد الرحمن الرامهرمزي في كتابه الفاصل بين الراوي والواعي: حدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن زياد حدثنا ابن أبي عمر حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال: أشهد على أبي لحدثني عن أبيه عن جده عن علي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي لم يمسني من سفاح الجاهلية شيء" وقوله تعالى: "عزيز عليه ما عنتم" أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته ويشق عليها ولهذا جاء في الحديث المروي من طرق عنه أنه قال: "بعثت بالحنيفية السمحة" وفي الصحيح "إن هذا الدين يسر وشريعته كلها سهلة سمحة كاملة يسيرة على من يسرها الله تعالى عليه" "حريص عليكم" أي على هدايتكم ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم, وقال الطبراني حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري حدثنا سفيان بن عيينة عن فطن عن أبي الطفيل عن أبي ذر قال: تركنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكر لنا منه علماً قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بين لكم" وقال الإمام أحمد: حدثنا فطن حدثنا المسعودي عن الحسن بن سعد عن عبدة الهذلي عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لم يحرم حرمة إلا وقد علم أنه سيطلعها منكم مطلع ألا وإني آخذ بحجزكم أن تهافتوا في النار كتهافت الفراش أو الذباب".
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى حدثنا حماد بن سلمة عن علي بن زيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ملكان فيما يرى النائم فقعد أحدهما عند رجليه والاخر عند رأسه. فقال الذي عند رجليه للذي عند رأسه: اضرب مثل هذا ومثل أمته فقال: إن مثله ومثل أمته كمثل قوم سفر انتهوا إلى رأس مفازة ولم يكن معهم من الزاد ما يقطعون به المفازة ولا ما يرجعون به فبينما هم كذلك إذ أتاهم رجل في حلة حبرة فقال: أرأيتم إن وردت بكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء تتبعوني ؟ فقالوا: نعم قال: فانطلق بهم فأوردهم رياضاً معشبة وحياضاً رواء فأكلوا وشربوا وسمنوا فقال لهم: ألم ألفكم على تلك الحال فجعلتم لي إن وردت بكم رياضاً معشبة وحياضاً رواء أن تتبعوني ؟ فقالوا بلى فقال: فإن بين أيديكم رياضاً هي أعشب من هذه وحياضاً هي أروى من هذه فاتبعوني فقالت طائفة صدق والله لنتبعه, وقالت طائفة قد رضينا بهذا نقيم عليه, وقال البزار: حدثنا سلمة بن شبيب وأحمد بن منصور قالا حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان حدثنا أبي عن عكرمة عن أبي هريرة رضي الله عنه أن أعرابياً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستعينه في شيء قال عكرمة: أراه قال في دم فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً ثم قال: "أحسنت إليك" قال الأعرابي لا ولا أجملت فغضب بعض المسلمين وهموا أن يقوموا إليه فأشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم أن كفوا فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وبلغ إلى منزله دعا الأعرابي إلى البيت فقال: "إنك إنما جئتنا تسألنا فأعطيناك فقلت ما قلت" فزاده رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً وقال: "أحسنت إليك ؟" فقال الأعرابي نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنك جئتنا فسألتنا فأعطيناك فقلت ما قلت. وفي أنفس أصحابي عليك من ذلك شيء فإذا جئت فقل بين أيديهم ما قلت بين يدي حتى يذهب عن صدورهم" فقال: نعم فلما جاء الأعرابي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن صاحبكم كان جاء فسألنا فأعطيناه فقال ما قال, وإنا قد دعوناه فأعطيناه فزعم أنه قد رضي, كذلك يا أعرابي ؟" فقال الأعرابي: نعم فجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً .
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن مثلي ومثل هذا الأعرابي كمثل رجل كانت له ناقة فشردت عليه فاتبعها الناس فلم يزيدوها إلا نفوراً. فقال لهم صاحب الناقة خلوا بيني وبين ناقتي فأنا أرفق بها وأنا أعلم بها فتوجه إليها وأخذ لها من قتام الأرض ودعاها حتى جاءت واستجابت وشد عليها رحلها وإني لو أطعتكم حيث قال ما قال لدخل النار" رواه البزار ثم قال لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه (قلت) وهو ضعيف بحال إبراهيم بن الحكم بن أبان والله أعلم, وقوله: " بالمؤمنين رؤوف رحيم " كقوله "واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون * وتوكل على العزيز الرحيم" وهكذا أمره تعالى في هذه الاية الكريمة وهي قوله تعالى "فإن تولوا" أي تولوا عما جئتم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة الشاملة "فقل حسبي الله لا إله إلا هو" أي الله كافي لا إله إلا هو عليه توكلت كما قال تعالى: "رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلاً" "وهو رب العرش العظيم" أي هو مالك كل شيء وخالقه, لأنه رب العرش العظيم الذي هو سقف المخلوقات وجميع الخلائق من السموات والأرضين وما فيهما وما بينهما تحت العرش مقهورون بقدرة الله تعالى, وعلمه محيط بكل شيء وقدره نافذ في كل شيء وهو على كل شيء وكيل, قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن أبي بكر حدثنا بشر بن عمر حدثنا شعبة عن علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس رضي الله عنهما عن أبي بن كعب قال: آخر آية نزلت من القرآن هذه الاية "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى آخر السورة, وقال عبد الله بن الإمام أحمد حدثنا روح بن عبد المؤمن حدثنا عمر بن شقيق حدثنا أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب رضي الله عنهم أنهم جمعوا القرآن في مصاحف في خلافة أبي بكر رضي الله عنه فكان رجال يكتبون ويملي عليهم أبي بن كعب فلما انتهوا إلى هذه الاية من سورة براءة "ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم" الاية فظنوا أن هذا آخر ما نزل من القرآن فقال لهم أبي بن كعب إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأني بعدها آيتين "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى آخر السورة قال هذا آخر ما نزل من القرآن فختم بما فتح به بالله الذي لا إله إلا هو وهو قول الله تعالى: " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وهذا غريب أيضاً.
وقال أحمد حدثنا علي بن بحر حدثنا علي بن محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق عن يحيى بن عباد عن أبيه عباد بن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه قال أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الايتين من آخر براءة "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى عمر بن الخطاب فقال: من معك على هذا ؟ قال: لا أدري والله إني لأشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعيتها وحفظتها فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: لو كانت ثلاث آيات لجعلتها سورة على حدة فانظروا سورة من القرآن فضعوها فيها, فوضعوها في آخر براءة, وقد تقدم الكلام أن عمر بن الخطاب هو الذي أشار على أبي بكر الصديق رضي الله عنهما بجمع القرآن فأمر زيد بن ثابت فجمعه وكان عمر يحضرهم وهم يكتبون ذلك, وفي الصحيح أن زيداً قال: فوجدت آخر سورة براءة مع خزيمة بن ثابت أو أبي خزيمة, وقد قدمنا أن جماعة من الصحابة تذكروا ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال خزيمة بن ثابت حين ابتدأهم بها والله أعلم, وقد روى أبو داود عن يزيد بن محمد عن عبد الرزاق بن عمر ـ وقال كان من ثقات المسلمين من المتعبدين عن مدرك بن سعد قال يزيد شيخ ثقة عن يونس بن ميسرة عن أم الدرداء عن أبي الدرداء قال: من قال إذا أصبح وإذا أمسى: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم. سبع مرات إلا كفاه الله ما أهمه, وقد رواه ابن عساكر في ترجمة عبد الرزاق عن عمر, هذا من رواية أبي زرعة الدمشقي عنه عن أبي سعد مدرك بن أبي سعد الفزاري عن يونس بن ميسرة بن حليس عن أم الدرداء سمعت أبا الدرداء يقول: ما من عبد يقول: حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم سبع مرات صادقاً كان بها أو كاذباً إلا كفاه الله ما أهمه. وهذه زيادة غريبة, ثم رواه في ترجمة عبد الرزاق أبي محمد عن أحمد بن عبد الله بن عبد الرزاق عن جده عبد الرزاق بن عمر بسنده فرفعه فذكر مثله بالزيادة وهذا منكر, والله أعلم.
ثم قال مخاطباً لرسوله ومسلياً له، ومرشداً له إلى ما يقوله عند أن يعصى 129- "فإن تولوا" أي أعرضوا عنك ولم يعملوا بما جئت به ولا قبلوه "فقل" يا محمد "حسبي الله" أي كافي الله سبحانه المنفرد بالألوهية "عليه توكلت" أي فوضت جميع أموري "وهو رب العرش العظيم" وصفه بالعظم، لأنه أعظم المخلوقات. وقد قرأ الجمهور بالجر على أنه صفة لعرش. وقرأ ابن محيصن بالرفع صفة لرب. وقد رويت هذه القراءة عن ابن كثير.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: "فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً" قال: كان إذا نزلت سورة آمنوا بها فزادهم الله إيماناً وتصديقاً وكانوا بها يستبشرون. وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: "رجساً إلى رجسهم" قال: شكاً إلى شكهم. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "أو لا يرون أنهم يفتنون" قال: يقتلون. وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد نحوه وقال: بالسنة والجوع. وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: بالعدو. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن قتادة قال: بالغزو في سبيل الله. وأخرج أبو الشيخ عن بكار بن مالك قال: يمرضون في كل عام مرة أو مرتين. وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد قال: كانت لهم في كل عام كذبة أو كذبتان. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن حذيفة قال: كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين، فيض بها فئام من الناس كثير. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "نظر بعضهم إلى بعض" قال: هم المنافقون. وأخرج سعيد بن منصور وابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: لا تقولوا انصرفنا من الصلاة، فإن قوماً انصرفوا صرف الله قلوبهم ولكن قولوا قضينا الصلاة. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر نحوه. وأقول: الانصراف يكون عن الخير كما يكون عن الشر، وليس في إطلاقه هنا على رجوع المنافقين عن مجلس الخير ما يدل على أنه لا يطلق إلا على نحو ذلك وإلا لزم أن كل لفظ يستعمل في لغة العرب في الأمور المتعددة إذا استعمل في القرآن في حكاية ما وقع من الكفار لا يجوز استعماله في حكاية ما وقع عن أهل الخير كالرجوع والذهاب والدخول والخروج والقيام والقعود. واللازم باطل بالإجماع، فالملزوم مثله، ووجه الملازمة ظاهر لا يخفى. وأخرج عبد بن حميد والحارث بن أبي أسامة في مسنده وابن المنذر وابن مردويه وأبو نعيم في دلائل النبوة وابن عساكر عن ابن عباس في قوله: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" قال: ليس من العرب قبيلة إلا وقد ولدت النبي صلى الله عليه وسلم مضريها وربيعها ويمانيها. وأخرج ابن سعد عنه في قوله: "من أنفسكم" قال: قد ولدتموه يا معشر العرب. وأخرج عبد الرزاق في المصنف وابن جرير وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه وأبو الشيخ عن جعفر بن محمد عن أبيه في قوله: "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" قال: لم يصبه شيء من ولادة الجاهلية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح" وهذا فيه انقطاع، ولكنه قد وصله الحافظ الرامهرمزي في كتابه الفاصل بين الراوي والواعي، فقال: حدثنا أبو أحمد يوسف بن هارون بن زياد، حدثنا ابن أبي عمر، حدثنا محمد بن جعفر بن محمد قال: أشهد على أبي يحدثني عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم إلى أن ولدني أبي وأمي". وأخرج ابن مردويه عن أنس قال: "قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" فقال علي بن أبي طالب: يا رسول الله ما معنى من أنفسكم؟ قال:نسباً وصهراً وحسباً، ليس في ولا في آبائي من لدن آدم سفاح كلنا نكاح". وأخرج الحاكم عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأ "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" يعني من أعظمكم قدراً. وأخرج ابن سعد عنه نحو حديث علي الأول. وأخرج الطبراني عنه أيضاً نحوه. وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن عائشة نحوه. وفي الباب أحاديث بمعناه، ويؤيده ما في صحيح مسلم وغيره من حديث واثلة بن الأسقع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم". وأخرج أحمد والترمذي وحسنه وابن مردويه وأبو نعيم والبيهقي عن العباس بن عبد المطلب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله حين خلق الخلق جعلني من خير خلقه، ثم خير أنفسهم، ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم، فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً" وفي الباب أحاديث. وأخرج ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه وابن منيع وابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل من طريق يوسف بن مهران عن ابن عباس عن أبي بن كعب قال: آخر آية أنزلت على النبي صلى الله عليه وسلم، وفي لفظ: آخر ما أنزل من القرآن "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى آخر الآية، وروي عنه نحوه من طريق أخرى أخرجها عبد الله بن أحمد في زوائد المسند، وابن الضريس في فضائله، وابن أبي داود في المصاحف وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في الدلائل والخطيب في تلخيص المتشابه والضياء في المختارة. وأخرج ابن مردويه عن سعد بن أبي وقاص قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة جاءته جهينة فقالوا له: إنك قد نزلت بين أظهرنا فأوثق لنا نأمنك وتأمنا قال: ولم سألتم هذا؟ قالوا: نطلب الأمن، فأنزل الله هذه الآية "لقد جاءكم رسول من أنفسكم". وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: "فإن تولوا فقل حسبي الله" يعني الكفار تولوا عن النبي صلى الله عليه وسلم. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال: إنما سمي العرش عرشاً لارتفاعه، وقد رويت أحاديث كثيرة في صفة العرش وماهيته وقدره.
وإلى هنا انتهى الثلث الأول من التفسير المسمى فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير بقلم مؤلفه: محمد بن علي الشوكاني، غفر الله لهما. وكان تمام هذا الثلث في نهار يوم الثلاثاء لعله يوم عشرين من شهر محرم سنة 1227هـ.
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجمعين.
الحمد له: انتهى سماعاً على مؤلفه. أطال الله مدته في شهر جمادى الأولى من عام 1235هـ.
يحيى بن علي الشوكاني
غفر الله لهما آمين
129-"فإن تولوا "، إن أعرضوا عن الإيمان وناصبوك الحرب "فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم".
روي عن أبي بن كعب قال: آخر ما نزل من القرآن هاتان الآيتان "لقد جاءكم رسول من أنفسكم" إلى آخر السورة. وقال: هم أحدث الآيات بالله عهدا.
129."فإن تولوا"عن الإيمان بك ."فقل حسبي الله"فإنه يكفيك معرتهم ويعينك عليهم ."لا إله إلا هو"كالدليل عليه."عليه توكلت"فلا أرجو ولا أخاف إلا منه."وهو رب العرش العظيم"الملك العظيم ، أو الجسم العظيم المحيط الذي تنزل منه الأحكام المقادير. وقرئ"العظيم"بالرفع. وعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه: أن آخر ما نزل هاتان الآيتان "وعن النبي صلى الله عليه وسلم ما نزل القرآن علي إلا آية آية وحرفاً حرفاً ما خلا سورة براءة وقل هو الله أحد ، فإنهما أنزلتا علي ومعهما سبعون ألف صف من الملائكة"والله أعلم.
129. Now, if they turn away (O Muhammad) say: Allah sufficeth me. There is no God save Him. In Him have I put my trust, and He is Lord of the Tremendous Throne.
129 - But if they turn away, say: God sufficeth me: there is no god but he: on him is my trust, he the Lord of the throne (of Glory) supreme