122 - (وآتيناه) فيه التفات عن الغيبة (في الدنيا حسنة) هي الثناء الحسن في أهل الأديان (وإنه في الآخرة لمن الصالحين) الذين لهم الدرجات العلى
يقول تعالى ذكره : وآتينا إبراهيم على قنوته لله ، وشكره له على نعمه ، وإخلاصه العبادة له في هذه الدنيا ذكراً حسناً ، وثناء جميلاً باقياً على الأيام "وإنه في الآخرة لمن الصالحين" يقول : وإنه في الدار الآخرة يوم القيامة لمن صلح أمره وشأنه عند الله ، وحسنت فيها منزلته وكرامته .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "وآتيناه في الدنيا حسنة" قال : لسان صدق .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة : "وآتيناه في الدنيا حسنة" فليس من أهل دين إلا يتولاه ويرضاه .
قوله تعالى " وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين "
يمدح تعالى عبده ورسوله وخليله إبراهيم إمام الحنفاء ووالد الأنبياء, ويبرئه من المشركين ومن اليهودية والنصرانية, فقال: "إن إبراهيم كان أمة قانتاً لله حنيفاً" فأما الأمة: فهو الإمام الذي يقتدى به, والقانت: هو الخاشع المطيع, والحنيف: المنحرف قصداً عن الشرك إلى التوحيد, ولهذا قال: "ولم يك من المشركين" قال سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل, عن مسلم البطين عن أبي العبيدين: أنه سأل عبد الله بن مسعود عن الأمة القانت, فقال: الأمة معلم الخير, والقانت: المطيع لله ورسوله, وعن مالك قال: قال ابن عمر: الأمة الذي يعلم الناس دينهم, وقال الأعمش عن يحيى بن الجزار عن أبي العبيدين أنه جاء إلى عبد الله فقال: من نسأل إذا لم نسألك ؟ فكأن ابن مسعود رق له, فقال: أخبرني عن الأمة, فقال: الذي يعلم الناس الخير.
وقال الشعبي: حدثني فروة بن نوفل الأشجعي قال: قال ابن مسعود: إن معاذاً كان أمة قانتاً لله حنيفاً, فقلت في نفسي: غلط أبو عبد الرحمن, وقال إنما قال الله: "إن إبراهيم كان أمة" فقال: أتدري ما الأمة وما القانت ؟ قلت: الله أعلم, فقال: الأمة الذي يعلم الخير, والقانت المطيع لله ورسوله, وكذلك كان معاذ. وقد روي من غير وجه عن ابن مسعود, أخرجه ابن جرير. وقال مجاهد: أمة أي أمة وحده, والقانت المطيع وقال مجاهد أيضاً: كان إبراهيم أمة أي مؤمناً وحده والناس كلهم إذ ذاك كفار. وقال قتادة: كان إمام هدى, والقانت المطيع لله. وقوله: "شاكراً لأنعمه" أي قائماً بشكر نعم الله عليه, كقوله تعالى: "وإبراهيم الذي وفى" أي قام بجميع ما أمره الله تعالى به.
وقوله: "اجتباه" أي اختاره واصطفاه كقوله: "ولقد آتينا إبراهيم رشده من قبل وكنا به عالمين", ثم قال: "وهداه إلى صراط مستقيم" وهو عبادة الله وحده لا شريك له على شرع مرضي. وقوله: "وآتيناه في الدنيا حسنة" أي جمعنا له خير الدنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطيبة " وإنه في الآخرة لمن الصالحين ". وقال مجاهد في قوله: "وآتيناه في الدنيا حسنة" أي لسان صدق. وقوله: "ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً" أي ومن كماله وعظمته وصحة توحيده وطريقه, أنا أوحينا إليك ياخاتم الرسل وسيد الأنبياء "أن اتبع ملة إبراهيم حنيفاً وما كان من المشركين" كقوله في الأنعام: " قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين " ثم قال تعالى منكراً على اليهود.
122- "وآتيناه في الدنيا حسنة" أي خصلة حسنة أو حالة حسنة، وقيل هو الولد الصالح، وقيل الثناء الحسن، وقيل النبوة، وقيل الصلاة منا عليه في التشهد، وقيل هي أنه يتولاه جميع أهل الأديان، ولا مانع أن يكون ما آتاه الله شاملاً لذلك كله ولما عداه من خصال الخير "وإنه في الآخرة لمن الصالحين" حسبما وقع منه السؤال لربه حيث قال: " وألحقني بالصالحين * واجعل لي لسان صدق في الآخرين * واجعلني من ورثة جنة النعيم ".
122 - " وآتيناه في الدنيا حسنة " ،يعني الرسالة والخلة وقيل : لسان الصدق والثناء الحسن . وقال مقاتل بن حيان : يعني الصلوات في قول هذه الأمة : اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ، كما صليت على إبراهيم .
وقيل : أولاداً أبراراً على الكبر .
وقيل : القبول العام في جميع الأمم .
" وإنه في الآخرة لمن الصالحين " ، مع آبائه الصالحين في الجنة . وفي الآية تقديم وتأخير ،مجازه : وآتيناه في الدنيا والآخرة حسنة ، وإنه لمن الصالحين .
122."وآتيناه في الدنيا حسنةً"بأن حببه إلى الناس حتى أن أرباب الملل يتولونه ويثنون عليه ، ورزقه أولاداً طيبة وعمراً طويلاً في السعة والطاعة. "وإنه في الآخرة لمن الصالحين"لمن أهل الجنة كما سأله بقوله:"وألحقني بالصالحين".
122. And We gave him good in the world, and in the Hereafter he is among the righteous.
122 - And we gave him good in this world, and he will be, in the hereafter, in the ranks of the righteous.