12 - (ذلكم) أي العذاب الذي أنتم فيه (بأنه) بسبب أنه في الدنيا (إذا دعي الله وحده كفرتم) بتوحيده (وإن يشرك به) يجعل له شريك (تؤمنوا) تصدقوا بالاشراك (فالحكم) في تعذيبكم (لله العلي) على خلقه (الكبير) العظيم
وفي هذا الكلام متروك استغنى بدلالة الظاهر ذكره عليه ، وهو فأجيبوا إن لا سبيل إلى ذلك هذا الذي لكم من العذاب أيها الكافرون " بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم " فأنكرتم أن تكون الألوهة له خالصة وقلتم "أجعل الآلهة إلها واحدا " [ ص : 5 ] .
" وإن يشرك به تؤمنوا " يقول : وإن يجعل لله شريك تصدق من جعل ذلك له " فالحكم لله العلي الكبير " يقول : فالقضاء لله العلي على كل شيء ، الكبير الذي كل شيء دونه متصاغراً له اليوم .
قوله تعالى : " ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم " ( ذلكم ) في موضع رفع أي الأمر ( ذلكم ) أو ( ذلكم ) العذاب الذي أنتم فيه بكفركم . وفي الكلام متروك تقديره فأجيبوا بأنه لاسبيل إلى الرد . وذالك لأنكم ( إذا دعلي الله ) أي وحد الله (وحده كفرتم ) وأـنكتم أن تكون الألوهية له خاصة ، وإن أشرك به مشرك صدقتموه وآمنتم بقوله . قال الثعلبي : وسمعت بعض العلماء يقول : " وإن يشرك به " بعد الرد إلى الدنيا لو كان [ به ] " تؤمنوا " تصدقوا المشرك ، نظيره ، " ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه " [ الأنعام : 28 ] " فالحكم لله العلي الكبير " عن أن تكون له صاحبة أو ولد .
يقول تعالى مخبراً عن الكفار إنهم ينادون يوم القيامة وهم في غمرات النيران يتلظون وذلك عندما باشروا من عذاب الله تعالى ما لا قبل لأحد به فمقتوا عند ذلك أنفسهم وأبغضوها غاية البغض بسبب ما أسلفوا من الأعمال السيئة التي كانت سبب دخولهم إلى النار فأخبرتهم الملائكة عند ذلك إخباراً عالياً نادوهم نداء بأن مقت الله تعالى لهم في الدنيا حين كان يعرض عليهم الإيمان فيكفرون أشد من مقتكم أيها المعذبون أنفسكم اليوم في هذه الحالة. قال قتادة في قوله تعالى: "لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون" يقول لمقت الله أهل الضلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدنيا فتركوه وأبوا أن يقبلوه أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة, وهكذا قال الحسن البصري ومجاهد والسدي وذر بن عبيد الله الهمداني وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وابن جرير الطبري رحمة الله عليهم أجمعين. وقوله: "قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن ابن مسعود رضي الله عنه هذه الاية كقوله تعالى: "كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتاً فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون" وكذا قال ابن عباس والضحاك وقتادة وأبو مالك وهذا هو الصواب الذي لا شك فيه ولا مرية. وقال السدي أميتوا في الدنيا ثم أحيوا في قبورهم فخوطبوا, ثم أميتوا ثم أحيوا يوم القيامة, وقال ابن زيد: أحيوا حين أخذ عليهم الميثاق من صلب آدم عليه السلام ثم خلقهم في الأرحام ثم أماتهم ثم أحياهم يوم القيامة, وهذان القولان من السدي وابن زيد ضعيفان لأنه يلزمهما على ما قالا ثلاث إحياءات وإماتات, والصحيح قول ابن مسعود وابن عباس ومن تابعهما, والمقصود من هذا كله أن الكفار يسألون الرجعة وهم وقوف بين يدي الله عز وجل في عرصات القيامة كما قال عز وجل: " ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم عند ربهم ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحا إنا موقنون " فلا يجابون ثم إذا رأوا النار وعاينوها ووقفوا عليها ونظروا إلى ما فيها من العذاب والنكال سألوا الرجعة أشد مما سألوا أول مرة فلا يجابون قال الله تعالى: " ولو ترى إذ وقفوا على النار فقالوا يا ليتنا نرد ولا نكذب بآيات ربنا ونكون من المؤمنين * بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون " فإذا دخلوا النار وذاقوا مسها وحسيسها ومقامعها وأغلالها كان سؤالهم للرجعة أشد وأعظم " وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحا غير الذي كنا نعمل أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير " "ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون * قال اخسؤوا فيها ولا تكلمون" وفي هذه الاية الكريمة تلطفوا في السؤال وقدموا بين يدي كلامهم مقدمة وهي قولهم "ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين" أي قدرتك عظيمة فإنك أحييتنا بعد ما كنا أمواتاً ثم أمتنا ثم أحييتنا فأنت قادر على ما تشاء, وقد اعترفنا بذنوبنا وإننا كنا ظالمين لأنفسنا في الدار الدنيا "فهل إلى خروج من سبيل" أي فهل أنت مجيبنا إلى أن تعيدنا إلى الدار الدنيا فإنك قادر على ذلك لنعمل غير الذي كنا نعمل فإن عدنا إلى ماكنا فيه فإنا ظالمون, فأجيبوا أن لا سبيل إلى عودكم ومرجعكم إلى الدار الدنيا, ثم علل المنع من ذلك بأن سجاياكم لا تقبل الحق ولا تقتضيه بل تجحده وتنفيه, ولهذا قال تعالى: "ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا" أي أنتم هكذا تكونون وإن رددتم إلى الدار الدنيا كما قال عز وجل: "ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون" وقوله جل وعلا: "فالحكم لله العلي الكبير" أي هو الحاكم في خلقه العادل الذي لا يجور فيهدي من يشاء ويضل من يشاء ويرحم من يشاء ويعذب من يشاء لا إله إلا هو, وقوله جل جلاله: "هو الذي يريكم آياته" أي يظهر قدرته لخلقه بما يشاهدونه في خلقه العلوي والسفلي من الايات العظيمة الدالة على كمال خالقها ومبدعها ومنشئها "وينزل لكم من السماء رزقاً" وهو المطر الذي يخرج به من الزروع والثمار ما هو مشاهد بالحس من اختلاف ألوانه وطعومه وروائحه وأشكاله وألوانه وهو ماء واحد فبالقدرة العظيمة فاوت بين هذه الأشياء "وما يتذكر" أي يعتبر ويتفكر في هذه الأشياء ويستدل بها على عظمة خالقها "إلا من ينيب" أي من هو بصير منيب إلى الله تبارك وتعالى وقوله عز وجل: "فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون" أي فأخلصوا لله وحده العبادة والدعاء وخالفوا المشركين في مسلكهم ومذهبهم. قال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير حدثنا هشام يعني بن عروة بن الزبير عن أبي الزبير محمد بن مسلم بن مدرس المكي قال: كان عبد الله بن الزبير يقول في دبر كل صلاة حين يسلم لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن, لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون, قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يهلل بهن دبر كل صلاة, ورواه مسلم وأبو داود والنسائي من طرق عن هشام بن عروة وحجاج بن أبي عثمان وموسى بن عقبة ثلاثتهم عن أبي الزبير عن عبد الله بن الزبير قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في دبر كل صلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له" وذكر تمامه. وقد ثبت في الصحيح عن ابن الزبير رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول عقب الصلوات المكتوبات: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير لا حول ولا قوة إلا بالله, لا إله إلا الله, ولا نعبد إلا إياه, له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن, لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون". وقال ابن أبي حاتم: حدثنا الربيع حدثنا الخصيب بن ناصع حدثنا صالح يعني المري عن هشام بن حسان عن ابن سيرين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ادعوا الله تبارك وتعالى وأنتم موقنون بالإجابة واعلموا أن الله تعالى لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه".
ثم أحاب الله سبحانه عن قولهم هذا بقوله: 12- "ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم" أي ذلك الذي أنتم فيه من العذاب بسبب أنه إذا دعي الله في الدنيا وحده دون غيره كفرتم به وتركتم توحيده "وإن يشرك به" غيره من الأصنام أو غيرها "تؤمنوا" بالإشراك به وتجيبوا الداعي إليه، فبين سبحانه لهم السبب الباعث على عدم إجابتهم إلى الخروج من النار، وهو ما كانوا فيه من ترك توحيد الله وإشراك غيره به في العبادة التي رأسها الدعاء، ومحل ذلكم العذاب الذي أنتم فيه بذلك السبب، وفي الكلام حذف، والتقدير: فأجيبوا بأن لا سبيل إلى الرد، وذلك لأنكم كنتم إذا دعي الله إلخ "فالحكم لله" وحده دون غيره، وهو الذي حكم عليكم بالخلود في النار وعدم الخروج منها و "العلي" المتعالي عن أن يكون له مماثل في ذاته ولا صفاته، و"الكبير" الذي كبر عن أن يكون له مثل أو صاحبة أو ولد أو شريك.
12. قال الله تعالى: " ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم "، فيه مترزك استغني عنه لدلالة الظاهر عليه، مجازه: فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك، وهذا العذاب والخلود في النار بأنكم إذا دعي الله وحده كفرتم، إذا قيل لا إله إلا الله [كفرتم]، وقلتم: " أجعل الآلهة إلهاً واحداً " (ص-5)، " وإن يشرك به "، غيره، " تؤمنوا "، تصدقوا ذلك الشرك، " فالحكم لله العلي الكبير ". الذي لا أعلى منه ولا أكبر.
12-" ذلكم " الذي أنتم فيه " بأنه " بسبب أنه" إذا دعي الله وحده " متحداً أو توحد وحده فحذف الفعل وأقيم مقامه في الحالية . " كفرتم " بالتوحيد " وإن يشرك به تؤمنوا " بالإشراك " فالحكم لله " المستحق للعبادة حيث حكم عليكم بالعذاب السرمد الدائم . " العلي " عن أن يشرك به ويسوي بغيره " الكبير " حيث حكم على من أشرك وسوى به بعض مخلوقاته في استحقاق العبادة بالعذاب السرمد .
12. (It is said unto them): This is (your plight) because, when Allah only was invoked, ye disbelieved, but when some partner was ascribed to Him ye were believing. But the command belongeth only to Allah, the Sublime, the Majestic.
12 - (The answer will be:) This is because, when God was invoked as the only (object of worship), ye did reject faith, but when partners were joined to Him, ye believed! The Command is with God, Most High, Most Great!