ثم بعثناهم) أيقظناهم (لنعلم) علم مشاهدة (أي الحزبين) الفريقين المختلفين في مدة لبثهم (أحصى) أفعل بمعنى أضبط (لما لبثوا) للبثهم متعلق بما بعده (أمدا) غاية
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة قوله " ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا" يقول : ما كان لواحد من الفريقين علم ، لا لكفارهم ولا لمؤمنيهم . وأما قوله " أمدا" فإن أهل التاويل اختلفوا في معناه ، فقال بعضهم : معناه : بعيدا . ذكر من قال ذلك :
حدثني علي ، قال : ثنا عبد الله ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " لما لبثوا أمدا" يقول : بعيدا . وقال آخرون : معناه : عددا .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبوعاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " أمدا" قال : عددا .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله . وفي نصب قوله " أمدا" وجهان : أحدهما ؟ أن يكون منصوبا على التفسير من قوله " أحصى " كأنه قيل : أي الحزبين أصوب عددا لقدر لبثهم . وهذا هوأولى الوجهين في ذلك بالصواب ، لأن تفسير أهل التفسير بذلك جاء .
والآخر: أن يكون منصوبا بوقوع قوله " لبثوا" عليه ، كأنه قال : أي الحزبين أحصى للبثهم غاية .
قوله تعالى : " ثم بعثناهم "أي من بعد نومهم . ويقال لمن أحيي أو أقيمن من نومه مبعوث ،لأنه كان ممنوعاً من الانبعاث والتصرف .
قوله تعالى : " لنعلم أي الحزبين أحصى " ( لنعلم ) عبارة عن خروج ذلك الشيء إلى الوجود ومشاهدته ، وهذا على نحو كلام العرب أي لنعلم ذلك موجوداً ، وإلا فقد كان الله تعالى علم أي الحزبين أحصى الأمد وقرأ الزهر ي (ليعلم ) بالياء والحزبان الفريقان . والظاهر من الآية أن الحزب الواحد هم الفيتة إذا ظنوا ليثبهم قليلاً . والحزب الثاني أهل المدينة الذين بعث الفتية على عهدهم ، حين كان عندهم التاريخ لأمر الفتية . وهذا قول الجمهور من المفسرين . وقالت فرقة : هما حزبان من الكافرين ، اختلفا في مدة أصحاب الكهف . وقيل : هما حزبان من المؤمنين. وقيل غير ذلك مما لا يربتط بألفاظ الآية . و( أحصى ) فعل ماض . و(أمد ) نصب على المفعول به ، قاله أبو علي . وقال الفراء : نصب على التمييز وقال الزجاج : نصب على الظرف ، أي أي الحزبين أحصى للبثهم في الأمد ، والأمد الغاية . وقال مجاهد : ( أمدا ) معناه عددا ، وهذا تفسير بالمعنى على جهة التقريب . وقال الطبري : (أمد ) منصوب بـ(لبثوا ) ابن عطية : وهذا غير متجه ، وأما من قال إنه نصب على التفسير فيلحقه من الاختلال أن أفعل لايكون من فعل رباعي إلا في الشاذ ، و( أحصى ) فعل رباعي . وقد يحتج له بأن يقال : إن أفعل في الرباعي قد كثر ، كقولك : ما أعطاه للمال وآتاه للخير . وقال في صفة حوضه صلى الله عليه وسلم : ( ماؤه أبيض من اللبن ) وقال عمر بن الخطاب : فهو لما سواها أضيع .
هذا إخبار من الله تعالى عن قصة أصحاب الكهف على سبيل الإجمال والاختصار, ثم بسطها بعد ذلك فقال: "أم حسبت" يعني يا محمد "أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" أي ليس أمرهم عجيباً في قدرتنا وسلطاننا فإن خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من الايات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى, وأنه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شيء أعجب من أخبار أصحاب الكهف, كما قال ابن جريج عن مجاهد "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك.
وقال العوفي عن ابن عباس "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" يقول: الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم, وقال محمد بن إسحاق : ما أظهرت من حججي على العباد أعجب من شأن أصحاب الكهف والرقيم, وأما الكهف فهو الغار في الجبل, وهو الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية المذكورون, وأما الرقيم فقال العوفي عن ابن عباس : هو واد قريب من أيلة, وكذا قال عطية العوفي وقتادة . وقال الضحاك : أما الكهف فهو غار في الوادي, والرقيم اسم الوادي, وقال مجاهد : الرقيم كان بنيانهم, ويقول بعضهم: هو الوادي الذي فيه كهفهم.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله الرقيم: كان يزعم كعب أنها القرية, وقال ابن جريج عن ابن عباس : الرقيم الجبل الذي فيه الكهف, وقال ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: اسم ذلك الجبل بنجلوس, وقال ابن جريج : أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي أن اسم جبل الكهف بنجلوس, واسم الكهف حيزم, والكلب حمران. وقال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: القرآن أعلمه إلا حناناً والأواه والرقيم. وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عباس : ما أدري ما الرقيم ؟ كتاب أم بنيان. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الرقيم الكتاب. وقال سعيد بن جبير : الرقيم لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف, ثم وضعوه على باب الكهف.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرقيم الكتاب, ثم قرأ: كتاب مرقوم. وهذا هو الظاهر من الاية, وهو اختيار ابن جرير , قال: الرقيم فعيل بمعنى مرقوم, كما يقال للمقتول قتيل, وللمجروح جريح, والله أعلم. وقوله: " إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا " يخبر تعالى عن أولئك الفتية الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه فهربوا منهم فلجأوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم, فقالوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم "ربنا آتنا من لدنك رحمة" أي هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها وتسترنا عن قومنا " وهيئ لنا من أمرنا رشدا " أي وقدر لنا من أمرنا هذا رشداً أي اجعل عاقبتنا رشداً, كما جاء في الحديث "وما قضيت لنا من قضاء فاجعل عاقبته رشداً" وفي المسند من حديث بسر بن أرطاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الاخرة".
وقوله: "فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً" أي ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف فناموا سنين كثيرة, "ثم بعثناهم" أي من رقدتهم تلك, وخرج أحدهم بدراهم معه ليشتري لهم بها طعاماً يأكلونه كما سيأتي بيانه وتفصيله, ولهذا قال: "ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين" أي المختلفين فيهم "أحصى لما لبثوا أمداً" قيل: عدداً, وقيل: غاية, فإن الأمد الغاية, كقوله:
سبق الجواد إذا استولى على الأمد
12- "ثم بعثناهم" أي أيقظناهم من تلك النومة "لنعلم" أي ليظهر معلومنا، وقرئ بالتحتية مبنياً للفاعل على طريقة الالتفات، و "أي الحزبين" مبتدأ معلق عنه العلم لما في أي من الاستفهام، وخبره "أحصى" وهو فعل ماض، قيل والمراد بالعلم الذي جعل علة للبعث هو الاختبار مجازاً فيكون المعنى بعثناهم لنعاملهم معاملة من يختبرهم، والاولى ما ذكرناه من أن المراد به ظهور معلوم الله سبحانه لعباده، والمراد بالحزبين الفريقان من المؤمنين والكافرين من أصحاب الكهف المختلفين في مدة لبثهم. ومعنى أحصي أضبط، وكأنه وقع بينهم تنازع في مدة لبثهم في الكهف، فبعثهم الله ليتبين لهم ذلك، ويظهر من ضبط الحساب ممن لم يضبطه، وما في "لما لبثوا" مصدرية: أي أحصى للبثهم، وقيل اللام زائدة، وما بمعنى الذي، و "أمداً" تمييز، والأمد الغاية، وقيل إن أحصى أفعل تفضيل. ورد بأنه خلاف ما تقرر في علم الإعراب، وما ورد من الشاذ لا يقاس عليه كقولهم: أفلس من ابن المذلق، وأعدى من الجرب. وأجيب بأن أفعل التفضيل من المزيد قياس مطرد عنه سيبويه وابن عصفور، وقيل إن الحزبين هم أصحاب الكهف اختلفوا بعد انتباههم كم لبثوا، وقيل إن أصحاب الكهف حزب وأصحابهم حزب. وقال الفراء: إن طائفتين من المسلمين في زمان أصحاب الكهف اختلفوا في مدة لبثهم.
12 - " ثم بعثناهم " ،يعني من نومهم ، " لنعلم " أي : علم المشاهدة ، " أي الحزبين " ، أي الطائفتين ، " أحصى لما لبثوا أمداً " . وذلك أن القرية تنازعوا في مدة لبثهم في الكهف . واختلفوا في قوله " أحصى لما لبثوا " أحفظ لما مكثوا في كهفهم نياماً أمداً ، أي : غاية . وقال مجاهد : عدداً ، ونصبه على التفسير .
12."ثم بعثناهم "أيقظناهم."لنعلم"ليتعلق علمنا تعلقاً حالياً مطابقاً لتعلقه أولاً تعلقاً استقبالياً."أي الحزبين "المختلفين منهم أو من غيرهم في مدة لبثهم . "أحصى لما لبثوا أمداً"ضبط أمد الزمان لبثهم وما في أي من معنى الاستفهام علق عنه لنعلم ، فهو مبتدأ و"أحصى"خبره. وهو فعل ماض و" أمداً " مفعول له و"لما لبثوا"حال منه أو مفعول له ، وقيل إن المفعول واللام مزيدة وما موصولة و"أمداً"تمييز ، وقيل "أحصى"اسم تفضيل من الإحصاء بحذف الزوائد كقولهم: هو أحصى للمال وأفلس من ابن المذلق، و"أمداً"نصب بفعل دل عليه "أحصى"كقوله:
وأضرب منا بالسيوف القوانسا
12. And afterward We raised them up that We might know which of the two parties would best calculate the time that they had tarried.
12 - Then we roused them, in order to test which of the two parties was best at calculating the term of years they had tarried