117 - (ما قلت لهم إلا ما أمرتني به) وهو (أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا) رقيبا أمنعهم مما يقولون (ما دمت فيهم فلما توفيتني) قبضتني بالرفع إلى السماء (كنت أنت الرقيب عليهم) الحفيظ لأعمالهم (وأنت على كل شيء) من قولي لهم وقولهم بعدي وغير ذلك (شهيد) مطلع عالم به
قال أبو جعفر: وهذا خبر من الله تعالى ذكره عن قول عيسى، يقول : ما قلت لهم إلا الذي أمرتني به من القول أن أقوله لهم ، وهو أن قلت لهم : "اعبدوا الله ربي وربكم"، "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم"، يقول : وكنت على ما يفعلونه وأنا بين أظهرهم شاهدا عليهم وعلى أفعالهم وأقوالهم ، "فلما توفيتني"، يقول : فلما قبضتني إليك ، "كنت أنت الرقيب عليهم"، يقول : كنت أنت الحفيظ عليهم دوني، لأني إنما شهدت من أعمالهم ما عملوه وأنا بين أظهرهم .
وفي هذا تبيان أن الله تعالى ذكره إنما عرفه أفعال القوم ومقالتهم بعد ما قبضه إليه وتوفاه بقوله : "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله".
"وأنت على كل شيء شهيد" يقول : وأنت تشهد على كل شيء ، لأنه لا يخفى عليك شيء . وأما أنا، فإنما شهدت بعض الأشياء، وذلك ما عاينت وأنا مقيم بين أظهر القوم ، فإنما،أنا أشهد على ذلك الذي عاينت ورأيت وشهدت .
وبنحو الذي قلنا في قوله : "كنت أنت الرقيب عليهم"، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : "كنت أنت الرقيب عليهم"، أما "الرقيب"، فهو الحفيظ .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج : "كنت أنت الرقيب عليهم" ، قال : الحفيظ .
وكانت جماعة من أهل العلم تقول : كان جواب عيسى الذي أجاب به ربه ، من الله تعالى، توفيقاً منه له فيه .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا ابن يمان ، عن سفيان ، عن معمر، عن ابن طاوس ، عن أبيه : "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق"، قال : الله وقفه .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو داود الحفري قال ، قرىء على سفيان ، عن معمر، عن ابن طاوس ، عن أبيه طاوس قال : احتج عيسى، والله وقفه: "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"، الآية .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن عطاء، عن ميسرة قال : قال الله تعالى ذكره : "يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله"؟ قال : فأرعدت مفاصله ، وخشي أن يكون قد قالها، فقال : "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب".
قوله تعالى :" ما قلت لهم إلا ما أمرتني به " يعني في الدنيا والتوحيد" أن اعبدوا الله " أن لا موضع لها من الإعراب وهي مفسرة مثل " وانطلق الملأ منهم أن امشوا " [ ص: 6] ويجوز أن تكون في موضع نصب أي ما ذكرت لهم إلا عبادة الله ويجوز أن تكون في موضع خفض أي بأن اعبدوا الله وضم النون أولى، لأنه يستثلقون كسرة بعدها ضمة والكسر جائز على أصل التقاء الساكنين .
قوله تعالى : " وكنت عليهم شهيدا" أي حفيظاً بما أمرتهم " ما دمت فيهم " ما في موضع نصب أي وقت دوامي فيهم " فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم " قيل: هذا يدل على أن الله عز وجل توفاة قبل أن يرفعه وليس بشيء لأن الأخبار تظاهرت برفعه وأنه في السماء حي وأنه ينزل ويقتل الدجال على ما يأتي بيانه وإنما المعنى فلما رفعتني إلى المساء قال الحسن: الوفاء في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أوجه : وفاة الموت وذلك قوله تعالى : " الله يتوفى الأنفس حين موتها " [ الزمر: 42] يعني وقت انقضاء أجلها، ووفاة النوم قال الله تعالى : " وهو الذي يتوفاكم بالليل "[ الأنعام: 60] يعني الذي ينيمكم ووفاة الرفع قال الله تعالى : " يا عيسى إني متوفيك " [ آل عمرن: 55] وقوله : " كنت أنت " أن هنا توكيد " الرقيب" خبر " كنت" ومعناه الحافظ عليهم والعالم بهم الشاهد على أفعالهم وأصله المراقبة أي المراعاة ومنه المراقبة لأنها في موضع الرقيب من علق المكان " وأنت على كل شيء شهيد " أي في مقالتي ومقاتلهم، وقيل: على من عصى وأطاع خرج مسلم "عن ابن عباس قال قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بموعظة فقال: يا أيها الناس إنما تحشرون إلى لله حفاة عراء غرلا
" كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا كنا فاعلين " [ الأنبياء: 104] ألا وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم - عليه السلام ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال فأقول يا رب أصحابي يقال إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك فأقول ما قال العبد الصالح " وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم " قال فيقال لي أنهم لم يزالوا مدبرين مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم ".
هذا أيضاً مما يخاطب الله به عبده ورسوله عيسى ابن مريم عليه السلام قائلاً له يوم القيامة بحضرة من اتخذه وأمه إلهين من دون الله "يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" وهذا تهديد للنصارى وتوبيخ وتقريع على رؤوس الأشهاد, هكذا قاله قتادة وغيره, واستدل قتادة على ذلك بقوله تعالى: "هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم" وقال السدي: هذا الخطاب والجواب في الدنيا, وصوبه ابن جرير قال: وكان ذلك حين رفعه إلى سماء الدنيا واحتج ابن جرير على ذلك بمعنيين (أحدهما) أن الكلام بلفظ المضي. (والثاني) قوله: "إن تعذبهم" و "وإن تغفر لهم" وهذان الدليلان فيهما نظر, لأن كثيراً من أمور يوم القيامة ذكر بلفظ المضي ليدل على الوقوع والثبوت. ومعنى قوله "إن تعذبهم فإنهم عبادك" الاية, التبري منهم, ورد المشيئة فيهم إلى الله, وتعليق ذلك على الشرط لا يقتضي وقوعه كما في نظائر ذلك من الايات, والذي قاله قتادة وغيره هو الأظهر, والله أعلم, أن ذلك كائن يوم القيامة ليدل على تهديد النصارى وتقريعهم وتوبيخهم على رؤوس الأشهاد يوم القيامة .
وقد روي بذلك حديث مرفوع, رواه الحافظ ابن عساكر في ترجمة أبي عبد الله مولى عمر بن عبد العزيز, وكان ثقة, قال: سمعت أبا بردة يحدث عمر بن عبد العزيز عن أبيه أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان يوم القيامة, دعي بالأنبياء وأممهم, ثم يدعى بعيسى فيذكره الله نعمته عليه فيقر بها, فيقول "يا عيسى ابن مريم اذكر نعمتي عليك وعلى والدتك" الاية, ثم يقول "أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" فينكر أن يكون قال ذلك, فيؤتى بالنصارى فيسألون فيقولون: نعم هو أمرنا بذلك. قال: فيطول شعر عيسى عليه السلام فيأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده, فيجاثيهم بين يدي الله عز وجل مقدار ألف عام حتى ترفع عليهم الحجة, ويرفع لهم الصليب, وينطلق بهم إلى النار" وهذا حديث غريب عزيز.
وقوله " سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق " هذا توفيق للتأدب في الجواب الكامل, كما قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا ابن أبي عمر, حدثنا سفيان عن عمرو, عن طاوس, عن أبي هريرة قال: يلقى عيسى حجته, ولقاه الله تعالى في قوله "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله" قال أبو هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم: فلقاه الله "سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق" إلى آخر الاية, وقد رواه الثوري عن معمر, عن ابن طاوس, عن طاوس بنحوه.
وقوله "إن كنت قلته فقد علمته" أي إن كان صدر مني هذا فقد علمته يا رب, فإنه لا يخفى عليك شيء, فما قلته ولا أردته في نفسي ولا أضمرته, ولهذا قال "تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب * ما قلت لهم إلا ما أمرتني به" بإبلاغه "أن اعبدوا الله ربي وربكم" أي ما دعوتهم إلا إلى الذي أرسلتني به وأمرتني بإبلاغه "أن اعبدوا الله ربي وربكم" أي هذا هو الذي قلت لهم. وقوله "وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم" أي كنت أشهد على أعمالهم حين كنت بين أظهرهم "فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد" قال أبو داود الطيالسي: حدثنا شعبة قال: انطلقت أنا وسفيان الثوري إلى المغيرة بن النعمان, فأملى على سفيان وأنا معه, فلما قام انتسخت من سفيان فحدثنا قال: سمعت سعيد بن جبير يحدث عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال "يا أيها الناس إنكم محشورون إلى الله عز وجل حفاة, عراة, غرلاً "كما بدأنا أول خلق نعيده" وإن أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم, ألا وإنه يجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال, فأقول: أصحابي, فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك, فأقول كما قال العبد الصالح "وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد * إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فيقال: إن هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم" ورواه البخاري عند هذه الاية عن أبي الوليد, عن شعبة, وعن محمد بن كثير, عن سفيان الثوري, كلاهما عن المغيرة بن النعمان به.
وقوله "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" هذا الكلام يتضمن رد المشيئة إلى الله عز وجل, فإنه الفعال لما يشاء, الذي لا يسأل عما يفعل, وهم يسألون, ويتضمن التبري من النصارى الذين كذبوا على الله وعلى رسوله, وجعلوا لله نداً وصاحبة وولداً, تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً, وهذه الاية لها شأن عظيم, ونبأ عجيب, وقد ورد في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بها ليلة حتى الصباح يرددها.
قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن فضيل, حدثني فليت العامري, عن جسرة العامرية, عن أبي ذر رضي الله عنه, قال: صلى النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة, فقرأ بآية حتى أصبح, يركع بها ويسجد بها "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فلما أصبح, قلت: يا رسول الله ما زلت تقرأ هذه الاية, حتى أصبحت تركع بها وتسجد بها ؟ قال "إني سألت ربي عز وجل الشفاعة لأمتي فأعطانيها, وهي نائلة إن شاء الله لمن لا يشرك بالله شيئاً".
[طريق أخرى وسياق آخر[ ـ قال الإمام أحمد: حدثنا يحيى, حدثنا قدامة بن عبد الله, حدثتني جسرة بنت دجاجة أنها انطلقت معتمرة, فانتهت إلى الربذة, فسمعت أبا ذر يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة من الليالي في صلاة العشاء, فصلى بالقوم, ثم تخلف أصحاب له يصلون, فلما رأى قيامهم وتخلفهم, انصرف إلى رحله, فلما رأى القوم قد أخلوا المكان, رجع إلى مكانه يصلي, فجئت فقمت خلفه, فأومأ إلي بيمينه, فقمت عن يمينه, ثم جاء ابن مسعود فقام خلفي وخلفه, فأومأ إليه بشماله فقام عن شماله, فقمنا ثلاثتنا. يصلي كل واحد منا بنفسه, ونتلو من القرآن ما شاء الله أن نتلو, وقام بآية من القرآن يرددها حتى صلى الغداة, فلما أصبحنا أومأت إلى عبد الله بن مسعود, أن سله ما أراد إلى ما صنع البارحة, فقال ابن مسعود بيده: لا أسأله عن شيء, حتى يحدث إلي, فقلت: بأبي وأمي, قمت بآية من القرآن ومع القرآن, لو فعل هذا بعضنا لوجدنا عليه, قال "دعوت لأمتي", قلت: فماذا أجبت أو ماذا رد عليك ؟ قال "أجبت بالذي لو اطلع عليه كثير منهم طلعة تركوا الصلاة" قلت: أفلا أبشر الناس ؟ قال "بلى" فانطلقت معنقاً, قريباً من قذفة بحجر, فقال عمر: يا رسول الله إنك إن تبعث إلى الناس بهذا نكلوا عن العبادات, فناداه أن "ارجع" فرجع, وتلك الاية "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يونس بن عبد الأعلى, حدثنا ابن وهب, أخبرني عمرو بن الحارث, أن بكر بن سوادة حدثه, عن عبد الرحمن بن جبير, عن عبد الله بن عمرو بن العاص, أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول عيسى "إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم" فرفع يديه, فقال "اللهم أمتي" وبكى, فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد ـ وربك أعلم ـ فاسأله ما يبكيه, فأتاه جبريل فسأله, فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم, فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك .
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسين قال: حدثنا ابن لهيعة, حدثنا ابن هبيرة, أنه سمع أبا تميم الجيشاني يقول: حدثني سعيد بن المسيب, سمعت حذيفة بن اليمان يقول: غاب عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فلم يخرج حتى ظننا أن لن يخرج, فلما خرج سجد سجدة ظننا أن نفسه قد قبضت فيها, فلما رفع رأسه قال "إن ربي عز وجل استشارني في أمتي ماذا أفعل بهم ؟ فقلت: ما شئت أي رب, هم خلقك وعبادك, فاستشارني الثانية فقلت له كذلك, فقال لي: لا أخزيك في أمتك يا محمد, وبشرني أن أول من يدخل الجنة من أمتي معي سبعون ألفاً, مع كل ألف سبعون ألفاً ليس عليهم حساب. ثم أرسل إلي فقال: ادع تجب وسل تعط, فقلت لرسوله: أومعطي ربي سؤلي ؟ فقال: ما أرسلني إليك إلا ليعطيك., ولقد أعطاني ربي ولا فخر, وغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر, وأنا أمشي حياً صحيحاً, وأعطاني أن لا تجوع أمتي ولا تغلب, وأعطاني الكوثر, وهو نهر في الجنة يسيل في حوضي, وأعطاني العز والنصر والرعب يسعى بين يدي أمتي شهراً, وأعطاني أني أول الأنبياء يدخل الجنة, وطيب لي ولأمتي الغنيمة, وأحل لنا كثيراً مما شدد على من قبلنا, ولم يجعل علينا في الدين من حرج" .
قوله: 117- "ما قلت لهم إلا ما أمرتني به" هذه جملة مقررة لمضمون ما تقدم: أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني "أن اعبدوا الله ربي وربكم" هذا تفسير لمعنى "ما قلت لهم" أي ما أمرتهم، وقيل عطف بيان للمضمر في "به" وقيل بدل منه "وكنت عليهم شهيداً" أي حفيظاً ورقيباً أرعى أحوالهم وأمنعهم عن مخالفة أمرك "ما دمت فيهم" أي مدة دوامي فيهم "فلما توفيتني" قيل هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه، وليس بشيء لأن الأخبار قد تظافرت بأنه لم يمت، وأنه باق في السماء على الحياة التي كان عليها في الدنيا حتى ينزل إلى الأرض آخر الزمان، ومنه قوله تعالى: "الله يتوفى الأنفس حين موتها" وبمعنى النوم، ومنه قوله تعالى: "وهو الذي يتوفاكم بالليل" أي ينيمكم، وبمعنى الرفع، ومنه "فلما توفيتني" " إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك " "كنت أنت الرقيب عليهم" أصل المراقبة: المراعاة، أي كنت الحافظ لهم والعالم بهم والشاهد عليهم.
117- " ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم "، [وحدوه]ولا تشركوا به شيئاً، " وكنت عليهم شهيداً ما دمت "، أقمت " فيهم فلما توفيتني "، قبضتني ورفعتني إليك، " كنت أنت الرقيب عليهم " والحفيظ عليهم، تحفظ أعمالهم،" وأنت على كل شيء شهيد " .
117" ما قلت لهم إلا ما أمرتني به " تصريح بنفي المستفهم عنه بعد تقديم ما يدل عليه. " أن اعبدوا الله ربي وربكم " عطف بيان للضمير في به، أو بدل منه وليس من شرط البدل جواز طرح المبدل منه مطلقاً ليلزم بقاء الموصول بلا راجع، أو خبر مضمر أو مفعوله مثل هو أو أعني، ولا يجوز إبداله من ما أمرتني به فإن المصدر لا يكون مفعول القول ولا أن تكون أن مفسرة لأن الأمر مسند إلى الله سبحانه وتعالى، وهو لا يقول اعبدوا الله ربي وربكم والقول لا يفسر بل الجملة تحكي بعده إلا أن يؤول القول بالأمر فكأن قيل: ما أمرتهم إلا بما أمرتني به أن "اعبدوا الله". "وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم" أي رقيباً عليهم أمنعهم أن يقولوا ذلك ويعتقدوه، أو مشاهداً لأحوالهم من وإيمان. " فلما توفيتني " بالرفع إلى السماء لقوله: "إني متوفيك ورافعك" والتوفي أخذ الشيء وافياً، والموت نوع منه قال الله تعالى: "الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها". " كنت أنت الرقيب عليهم " المراقب لأحوالهم تمنع من أردت عصمته من القول به بالإرشاد إلى الدلائل والتنبيه عليها بإرسال الرسل وإنزال الآيات. " وأنت على كل شيء شهيد " مطلع عليه مراقب له.
117. I spake unto them only that which Thou commandedst me, (saying) : Worship Allah, my Lord and your Lord. I was a witness of them while I dwelt among them, and when Thou tookest me Thou wast the Watcher over them. Thou art Witness over all things.
117 - Never said I to them aught except what thou didst command me to say, to wit, worship God, my lord and your lord; and I was a witness over them whilst I dwelt amongst them; when thou didst take me up thou wast the watcher over them, and thou art a witness to all things.