112 - (فاستقم) على العمل بأمر ربك والدعاء إليه (كما أمرت) وليستقم (ومن تاب) آمن (معك ولا تطغوا) تجاوزوا حدود الله (إنه بما تعملون بصير) فيجازيكم
قال أبو جعفر : يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : فاستقم أنت ، يا محمد ، على أمر ربك ، والدين الذي ابتعثك به ، والدعاء إليه كما أمرك ربك ،"ومن تاب معك" ، يقول : ومن رجع معك إلى طاعة الله ، والعمل بما أمره به ربه من بعد كفره ، "ولا تطغوا" ، يقول : ولا تعدوا أمره إلى ما نهاكم عنه ، "إنه بما تعملون بصير" ، يقول : إن ربكم ، أيها الناس ، بما تعملون من الأعمال كلها ، طاعته ومعصيتها ، "بصير" ، ذو علم بها لا يخفى عليه منها شيء ، وهو لجميعها مبصر . يقول تعالى ذكره : فاتقوا الله ، أيها الناس ، أن يطلع عليكم ربكم وأنتم عاملون بخلاف أمره ، فإنه ذو علم بما تعملون ، وهو لكم بالمرصاد .
وكان ابن عيينة يقول في معنى قوله : "فاستقم كما أمرت" ، ما :
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله بن الزبير ، عن سفيان في قوله : "فاستقم كما أمرت" ، قال : استقم على القرآن .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "ولا تطغوا" ، قال : الطغيان ، خلاف الله ، وركوب معصيته . ذلك الطغيان .
قوله تعالى: " فاستقم كما أمرت " الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولغيره. وقيل: له والمراد أمته، قاله السدي . وقيل: ( استقم) اطلب الإقامة على الدين من الله واسأله ذلك. فتكون السين سين السؤال، كما تقول: أستغفر الله أطلب الغفران منه والاستقامة الاستمرار في جهة واحدة من غير أخذ في جهة اليمين والشمال، فاستقم على امتثال أمر الله. وفي صحيح مسلم عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: قلت يا رسول الله قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحداً بعدك! قال: " قل آمنت بالله ثم استقم ". وروى الدارمي أبو محمد في مسنده عن عثمان بن حاضر الأزدي قال: دخلت على ابن عباس فقلت أوصني! فقال: نعم! عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع. " ومن تاب معك " أي استقم أنت وهم، يريد أصحابه الذي تابوا من الشرك ومن بعده ممن اتبعه من امته. قال ابن عباس: ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه، ولذلك قال لأصحابه حين قالوا له: لقد أسرع إليك الشيب! فقال: " شيبتني هود وأخواتها ". وقد تقدم في أول السورة. " وروي عن أبي عبد الرحمن السلمي قال سمعت أبا علي السري يقول: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام فقلت: يا رسول الله! روي عنك أنك قلت: شيبتني هود. فقال نعم فقلت له: ماالذي شيبك منها؟ قصص الأنبياء وهلاك الأمم! فقال: لا ولكن قوله: فاستقم كما أمرت ". " ولا تطغوا " نهي عن الطغيان مجاوزة الحد، ومنه " إنا لما طغى الماء " ( الحاقة: 11). وقيل: أي لا تتجبروا على أحد.
يأمر تعالى رسوله وعباده المؤمنين بالثبات والدوام على الاستقامة وذلك من أكبر العون على النصر على الأعداء ومخالفة الأضداد ونهى عن الطغيان وهو البغي فإنه مصرعة حتى ولو كان على مشرك وأعلم تعالى أنه بصير بأعمال العباد لا يغفل عن شيء ولا يخفى عليه شيء.
وقوله: "ولا تركنوا إلى الذين ظلموا" قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: لا تداهنوا وقال العوفي عن ابن عباس: هو الركون إلى الشرك وقال أبو العالية: لا ترضوا بأعمالهم وقال ابن جرير عن ابن عباس: ولا تميلوا إلى الذين ظلموا وهذا القول حسن أي لا تستعينوا بالظلمة فتكونوا كأنكم قد رضيتم بأعمالهم "فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون" أي ليس لكم من دونه من ولي ينقذكم ولا ناصر يخلصكم من عذابه.
ثم أمر سبحانه رسوله صلى الله عليه وسلم بكلمة جامعة لأنواع الطاعة له سبحانه فقال: 112- "فاستقم كما أمرت" أي كما أمرك الله، فيدخل في ذلك جميع ما أمره به وجميع ما نهاه عنه، لأنه قد أمره بتجنب ما نهاه عنه، كما أمره بفعل ما تعبده بفعله، وأمته أسوته في ذلك، ولهذا قال: "ومن تاب معك" أي رجع من الكفر إلى الإسلام وشاركك في الإيمان، وهو معطوف على الضمير في فاستقم، لأن الفصل بين المعطوف والضمير المرفوع المعطوف عليه يقوم مقام التأكيد: أي وليستقم من تاب معك وما أعظم موقع هذه الآية وأشد أمرها، فإن الاستنقامة كما أمر الله لا تقوم بها إلا الأنفس المطهرة والذوات المقدسة، ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: "شيبتني هود" كما تقدم "ولا تطغوا" الطغيان مجاوزة الحد، لما أمر الله سبحانه بالاستقامة المذكورة بين أن الغلو في العبادة والإفراط في الطاعة على وجه تخرج به عن الحد الذي حده والمقدار الذي قدره ممنوع منه منهي عنه، وذلك كمن يصوم ولا يفطر ويقوم الليل ولا ينام ويترك الحلال الذي أذن الله به ورغب فيه، ولهذا يقول الصادق المصدوق فيما صح: "أما أنا فأصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأنكح النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني" والخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته تغليباً لحالهم على حاله، أو النهي عن الطغيان خاص بالأمة "إنه بما تعملون بصير" يجازيكم على حسب ما تستحقون، والجملة تعليل لما قبلها.
112- قوله عز وجل. "فاستقم كما أمرت"، أي: استقم على دين ربك، والعمل به، والدعاء إليه كما أمرت، "ومن تاب معك"، أي: ومن آمن معك فليستقيموا، قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: الاستقامة أن تستقيم على الأمر والنهي، ولا تروغ روغان الثعلب.
أخبرناالإمام الحسين بن محمد القاضي، أخبرنا أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان، أخبرنا والدي إملاء، حدثنا أبو بكر محمد بن إسحاق، حدثنا محمد بن العلاء بن كريب، حدثنا أبو أسامة، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن سفيان بن عبد الله الثقفي قال: " قلت، يا رسول الله قل لي في الإسلام قولا لا أسأل عنه أحدا بعدك، قال قل آمنت بالله ثم استقم".
"ولا تطغوا" لا تجاوزوا أمري ولا تعصوني، وقيل: معناه ولا تغلوا فتزيدوا على ما أمرت ونهيت.
"إنه بما تعملون بصير"، لا يخفى عليه من أعمالكم شيء. قال ابن عباس رضي الله عنهما: ما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم آية هي أشد عليه من هذه الآية، ولذلك قال: "شيبتني هود وأخواتها".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد ابن إسماعيل، حدثنا عبد السلام بن مطهر ثنا عمر بن علي، عن معن بن محمد الغفاري، عن سعيد بن أبي سعيد المقبري، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا، وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة".
112."فاستقم كما أمرت "لما بين أمر المختلفين في التوحيد والنبوة ، وأطنب في شرح الوعد والوعيد أمر رسوله صلى الله عليه وسلم بالاستقامة مثل ما أمر بها وهي شاملة للاستقامة في العقائد كالتوسط بين التشبيه والتعطيل بحيث يبقى العقل مصوناً من الطرفين ،والأعمال من تبليغ الوحي وبيان الشرائع ما أنزل ، والقيام بوظائف العبادات من غير تفريط وإفراط مفوت للحقوق ونحوها وهي في غاية العسر ولذلك قال عليه الصلاة والسلام "شيبتني هود""ومن تاب معك "أي تاب من الشرك والكفر وآمن معك ،وهو عطف على المستكن في استقم وإن لم يؤكد بمنفصل لقيام الفاصل مقامه ." ولا تطغوا"ولا تخرجوا عما حد لكم ."إنه بما تعملون بصير"فهو مجازيكم عليه ، وهو في معنى التعليل الأمر والنهي .وفي الآبه دليل على وجوب اتباع النصوص من غير تصرف وانحراف بنحو قياس واستحسان .
112. So tread thou the straight path as thou art commanded, and those who turn (unto Allah) with thee, and transgress not. Lo! He is Seer of what ye do.
112 - Therefore stand firm (in the straight path) as thou art commended, thou and those who with thee turn (unto God); and transgress not (from the path): for he seeth well all that ye do