111 - (وإنْ) بالتخفيف والتشديد (كلا) أي كل الخلائق (لمَا) ما زائدة واللام موطئة لقسم مقدر أو فارقة ، وفي قراءة بتشديد لمَّا بمعنى إلا فإن نافية (ليوفينهم ربك أعمالهم) أي جزاءها (إنه بما يعملون خبير) عالم ببواطنه كظواهره
قال أبو جعفر : اختلفت القرأة في قراءة ذلك .
فقرأته جماعة من قرأة أهل المدينة الكوفة : "وإن" مشددة "كلا لما" ، مشددة .
واختلف أهل العربية في معنى ذلك .
فقال بعض نحويي الكوفيين : معناه إذا قرىء كذلك : وإن كلاً لمما ليوفينهم ربك أعمالهم ، ولكن لما اجتمعت الميمات حذفت واحدة ، فبقيت ثنتان ، فأدغمت واحدة في الأخرى ، كما قال الشاعر :
وإني لمما أصدر الأمر وجهه إذا هو أعيى بالسبيل مصادره
ثم تخفف ، كما قرأ بعض القرأة : ( و البغي يعظكم ) ، تخف الياء مع الياء . وذكر أن الكسائي أنشده :
وأشمت العداة بنا فأضحوا لدي يتباشرون بما لقينا
وقال : يريد لدي يتباشرون بما لقينا ، فحذف ياء ، لحركتهن واجتماعهن . قال : ومثله :
كأن من آخرها إلقادم مخرم نجد فارع المخارم
وقال : أراد : إلى القادم ، فحذف اللام عند اللام .
وقال آخرون : معنى ذلك إذا قرىء كذلك : وإن كلاً شديداً وحقاً ، ليوفينهم ربك أعمالهم . قال : وإنما يراد إذا قرىء ذلك كذلك : وإن كلا لما ، بالتشديد والتنوين ، ولكن قارىء ذلك كذلك حذف منه التنوين ، فأخرجه على لفظ فعل لما ، كما فعل ذلك في قوله : ( ثم أرسلنا رسلنا تترى ) ، فقرأ تترى بعضهم بالتنوين ، كما قرأ من قرأ لما ، بالتنوين ، وقرأها آخرون بغير تنوين ، كما قرأ لما بغير تنوين من قرأه . وقالوا : أصله من اللم من قول الله تعالى : ( وتأكلون التراث أكلا لما ) ، يعني : أكلاً شديداً .
وقال آخرون : معنى ذلك إذا قرىء كذلك : وإن كلاً إلا ليوفينهم ، كما يقول القائل : بالله لما قمت عنا ، وبالله إلا قمت عنا .
قال أبو جعفر : ووجدت عامة أهل العلم بالعربية ينكرون هذا القول ، ويأبون أن يكون جائزاً توجيه لما إلى معنى إلا ، إلا في اليمين خاصة . وقالوا : لو جاز أن يكون ذلك بمعنى إلا ، جاز أن يقال : قام القوم لما أخاك ، يمعنى :إلا أخاك ، ودخولها في كل موضع صلح دخول إلا فيه .
قال أبو جعفر :وأنا أرى أن ذلك فاسد من وجه هو أبين مما قاله الذين حكينا قولهم من أهل العربية في فساده ، وهو أن إن إثبات للشيء وتحقيق له ، و إلا تحقيق أيضاً ، وإنما تدخل نقضاً لجحد قد تقدمها . فإذا كان ذلك معناها ، فواجب أن تكون عند متأولها التأويل الذي ذكرنا عنه ، أن تكون إن بمعنى الجحد عنده ،حتى تكون إلا ، نقضاً لها . وذلك إن قاله قائل ، قول لا يخفي جهل قائله ، اللهم إلا أن يخفف قارىء إن فيجعلها بمعنى إن التي تكون بمعنى الجحد . وإن فعل ذلك ، فسدت قراءته ذلك كذلك أيضاً من وجه آخر ، وهو أنه يصير حينئذ ناصباً لكل بقوله : "ليوفينهم" ، وليس في العربية أن ينصب ما بعد إلا من الفعل ، الاسم الذي قبلها . لا تقول العرب : ما زيداً إلا ضربت ، فيفسد ذلك إذا قرىء كذلك من هذا الوجه ، إلا أن يرفع رافع الكل ، فيخالف بقراءته ذلك كذلك قراءة القرأة وخط مصاحف المسلمين ، ولا يخرج بذلك من العيب ، لخروجه من معروف كلام العرب .
وقد قرأ ذلك بعض قرأة الكوفيين : وإن كلا ، بتخفيف إن ونصب "كلا لما" ، مشددة .
وزعم بعض أهل العربية أن قارىء ذلك كذلك ، أراد إن الثقيلة فخففها ، وذكر عن أبي زيد البصري ، أنه سمع : كأن ثدييه حقان ، فنصب بـ كأن ، والنون مخففة من كأن ، ومنه قول الشاعر :
ووجه مشرق النحر كأن ثدييه حقان
وقرأ ذلك بعض المدنيين بتخفيف : إن ونصب كلا وتخفيف لما .
وقد يحتمل أن يكون قارىء ذلك كذلك ، قصد المعنى الذي حكيناه عن قارىء الكوفة من تخفيفه نون إن وهو يريد تشديدها ، ويريد بـ ما التي في لما ، التي تدخل في الكلام صلة ، وأن يكون قصد إلى تحميل الكلام معنى : وإن كلاً ليوفينهم .
ويجوز أن يكون معناه كان في قراءته ذلك كذلك : وإن كلاً ليوفينهم ، أي : ليوفين كلاً ، فيكون نيته في نصب كل كانت بقوله : "ليوفينهم" . فإذا كان ذلك أراد ، ففيه من القبح ما ذكرت ، من خلافه كلام العرب .وذلك أنها لا تنصب بفعل بعد لام اليمين ، اسماً قبلها .
وقرأ ذلك بعض أهل الحجاز والبصرة : "وإن" ، مشددة كلا لما ، مخففة ، "ليوفينهم" . ولهذه القراءة وجهان من المعنى :
أحدهما : أن يكون قارئها أراد : وإن كلا لمن ليوفينهم ربك أعمالهم ، فيوجه ما التي في لما إلى معنى من كما قال جل ثناؤه : ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء ) ، وإن كان أكثر استعمال العرب لها في غير بني آدم ، وينوي باللام التي في لما ، اللام التي تتلقى بها إن جواباً لها ، وباللام التي في قوله : "ليوفينهم" ، لام اليمين ، دخلت فيما بين ما وصلتها ، كما قال جل ثناؤه : ( وإن منكم لمن ليبطئن ) ، وكما يقال : هذا ما لغيره أفضل منه .
والوجه الآخر :أن يجعل ما التي في لما بمعنى ما التي تدخل صلة في الكلام ،واللام التي فيها هي اللام التي يجاب بها ، واللام التي في "ليوفينهم" ، هي ايضاً اللام التي يجاب بها إن ، كررت وأعيدت ، إذ كان ذلك موضعها ، وكانت الأولى مما تدخلها العرب في غير موضعها ، ثم تعيدها بعد في موضعها ، كما قال الشاعر :
فلو أن قومي لم يكونوا أعزة لبعد لقد لاقيت لا بد مصرعا
وقرأ ذلك الزهري فيما ذكر عنه : "وإن كلا" ، بتشديد إن ، و لما بتنوينها ، بمعنى : شديداً وحقاً وجميعاً .
قال أبو جعفر : وأصح هذه القراءات مخرجاً على كلام العرب المستفيض فيهم ، قراءة من قرأ :
"وإن" بتشديد نونها كلا لما بتخفيف ما "ليوفينهم ربك" ، بمعنى :وإن كل هؤلاء الذي قصصنا عليك ، يا محمد ، قصصهم في هذه السورة ، لمن ليوفينهم ربك أعمالهم ، بالصالح منها بالجزيل من الثواب ، وبالطالح منها بالتشديد من العقاب ، فتكون ما بمعنى من ، واللام التي فيها جواباً لـ إن واللام في قوله : "ليوفينهم" ، لام قسم .
وقوله : "إنه بما يعملون خبير" ، يقول تعالى ذكره : إن ربك بما يعمل هؤلاء المشركون بالله من قومك ، يا محمد ، "خبير" ، لا يخفى عليه شيء من عملهم ، بل يخبر ذلك كله ويعلمه ويحيط به ، حتى يجازيهم على جميع ذلك جزاءهم .
قوله تعالى: " وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير " أي إن كلاً من الأمم التي عددناهم يرون جزاء أعمالهم، فكذلك قومك يا محمد. واختلف القراء في قراءة " وإن كلاً لما " فقرأ أهل الحرمين - نافع وابن كثير وأبو بكر معهم - ( وإن كلاً لما) بالتخفيف، على أنها ( إن) المخففة من الثقيلة معملة، وقد ذكر هذا الخليل و سيبويه ، قال سيبويه : حدثنا من أثق به أنه سمع العرب تقول: إن زيداً لمنطلق، وأنشد قول الشاعر:
كأن ظبيةً تعطو إلى وارق السلم
أراد كأنها ظبية فخفف نصب ما بعدها، والبصريون يجوزون تخفيف ( إن) المشددة مع إعمالهم، وأنكر ذلك الكسائي وقال: ما أدري على أي شيء قريء ( وإن كلاً)! وزعم الفراء أنه نصب ( كلا) في قراءة من خفف بقوله: ( ليوفينهم) أي وأن ليوفينهم كلا، وأنكر ذلك جميع النحويين، وقالوا: هذا من كبير الغلط، لا يجوز عند أحد زيداً لأضربنه. وشدد الباقون ( إن) ونصبوا بها ( كلا) على أصلها. وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر ( لما) بالتشديد. وخففها الباقون على معنى: وإن كلا ليفوينهم، جعلوا ( ما) صلة. وقيل: دخلت لتفصل بين اللامين اللتين تتلقيان القسم، وكلاهما مفتوح ففصل بينهما بـ ( ـما). وقال الزجاج: لام ( لما) لام ( إن) و ( ما) زائدة مؤكدة، تقول: إن زيداً لمنطلق، فإن تقتضي أن يدخل على خبرها أو اسمها لام كقولك: إن الله لغفور رحيم، وقوله: " إن في ذلك لذكرى " ( الزمر: 21). واللام في ( ليوفينهم) هي التي يتلقى بها القسم، وتدخل على الفعل ويلزمها النون المشددة أو المخففة، ولما اجتمعت اللامان فصل بينهما بـ ( ـما) و ( ما) زائدة مؤكدة، وقال الفراء: ( ما) بمعنى ( من) كقوله: " وإن منكم لمن ليبطئن " ( النساء: 72) أي وإن كلاً ليوفينهم، واللام في ( ليوفينهم) للقسم، وهذا يرجع معناه إلى قول الزجاج، غير أن ( ما) عند الزجاج زائدة وعند الفراء اسم بمعنى (من). و قيل: ليست بزائدة، بل هي اسم دخل عليها لام التأكيد، وهي خبر ( إن) و ( ليوفينهم) جواب القسم، التقدير: وإنكلاً خلق ليوفينهم ربك أعمالهم. وقيل: ( ما) بمعنى ( من) كقوله: " فانكحوا ما طاب لكم من النساء " ( النساء: 3) أي من، وهذا كله هو قول الفراء بعينه. وأما من شدد ( لما) وقرأ ( وإن كلا لما) بالتشديد فيهما - وهو حمزة ومن وافقه - فقيل: إنه لحن، حكي عن محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز، ولا يقال: إن زيداً إلا لأضربنه، ولا لما لضربته. وقال الكسائي : الله أعلم بهذه القراءة، وما أعرف لها وجهاً. وقال هو وأبو علي الفارسي: التشديد فيهما مشكل. قال النحاس وغيره: وللنحويين في ذلك أقوال: الأول: أن أصلها ( لمن ما) فقبلت النون ميماً، واجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى فصارت ( لما) و ( ما) على هذا القول بمعنى ( من) تقديره: وإن كلا لمن الذين، كقولهم:
وإني لما أصدر الأمر وجهه إذا هو أعيا بالسبيل مصادره
وزيف الزجاج هذا القول، وقال: ( من) اسم على حرفين فلا يجوز حذفه. الثاني، أن الأصل لمن ما، فحذفت الميم المكسورة لاجتماع الميمات، والتقدير: وإن كلاً لمن خلق ليوفينهم. وقيل: ( لما) مصدر ( لم) وجاءت بغير تنوين حملاً للوصل على الوقف، فهي على هذا كقوله: " وتأكلون التراث أكلا لما " ( الفجر: 19) أي جامعاً للمال المأكول، فالتقدير على هذا: وإن كلاً ليوفينهم ربك أعمالهم توفية لما، أي جامعة لأعمالهم جمعاً، فهو كقولك: قياماً لأقومن. وقد قرأ الزهري ( لما) بالتشديد والتنوين على هذا المعنى. الثالث: أن ( لما) بمعنى ( إلا) حكى أهل اللغة: سألتك بالله لما فعلت، بمعنى إلا فعلت، ومثله قوله تعالى: " إن كل نفس لما عليها حافظ " الطارق: 4) أي إلا عليها، فمعنى الآية: ما كل واحد منهم إلا ليوفينهم، قال القشيري : وزيف الزجاج هذا القول بأنه لا نفي لقوله: " وإن كلا لما " حتى تقدر ( إلا) ولا يقال: ذهب الناس لما زيد. الرابع: قال أبو عثمان المازني: الأصل وإن كلا لما بتخفيف ( لما) ثم ثقلت كقوله.
لقد خشيت أن أرى جدبا في عامنا ذا بعد ما أخصبا
وقال أبو إسحاق الزجاج: هذا خطأ! إنما يخفف المثقل، ولا يثقل المخفف. الخامس: قال أبو عبيد القاسم بن سلام: يجوز أن يكون التشديد من قولهم: لممت الشيء ألمه لما إذا جمعته، ثم بنى منه فعلى، كما قريء " ثم أرسلنا رسلنا تترا " ( المؤمنون: 44) بغير تنوين وبتنوين. فالألف على هذا للتأنيث، وتمال على هذا القول لأصحاب الإمالة، قال أبو إسحاق: القول الذي لا يجوز غيره عندي أن تكون مخففة من الثقيلة، وتكون بمعنى ( ما) مثل: " إن كل نفس لما عليها حافظ " ( الطارق: 4) وكذا أيضاً تشدد على أصلها، وتكون بمعنى ( ما) و ( لما) بمعنى ( إلا) حكى ذلك الخليل و سيبويه وجميع البصريين، وأن ( لما) يستعمل بمعنى ( إلا) قلت: هذا القول الذي ارتضاه الزجاج حكاه عنه النحاس وغيره، وقد تقدم مثله وتضعيف الزجاج له، إلا أن ذلك القول صوابه ( إن) فيه نافية، وهنا مخففة من الثقيلة فافترقا وبقيت قراءتان، قال أبو حاتم: وفي حرف أبي: ( وإن كل إلا ليوفينهم) وروي عن الأعمش ( وإن كل لما) بتخفيف ( إن) ورفع ( كل) وبتشديد ( لما). قال النحاس : وهذه القراءات المخالفة للسواد تكون فيها ( إن) بمعنى ( ما) لا غير، وتكون على التفسير، لأنه لا يجوز أن يقرأ بما خالف السواد إلا على هذه الجهة. " إنه بما يعملون خبير " تهديد ووعيد.
يقول تعالى: "فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء" المشركون إنه باطل وجهل وضلال فإنهم إنما يعبدون ما يعبد آباؤهم من قبل أي ليس لهم مستند فيما هم فيه إلا إتباع الاباء في الجهالات وسيجزيهم الله على ذلك أتم الجزاء فيعذب كافرهم عذاباً لا يعذبه أحداً وإن كان لهم حسنات فقد وفاهم الله إياها في الدنيا قبل الاخرة. قال سفيان الثوري عن جابر الجعفي عن مجاهد عن ابن عباس "وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص" قال ما وعدوا من خير أو شر. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لموفوهم من العذاب نصيبهم غير منقوص ثم ذكر تعالى أنه آتى موسى الكتاب فاختلف الناس فيه فمن مؤمن به ومن كافر به فلك بمن سلف من الأنبياء قبلك يا محمد أسوة فلا يغيظنك تكذيبهم لك ولا يهمنك ذلك "ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم" قال ابن جرير لولا ما تقدم من تأجيله العذاب إلى أجل معلوم لقضى الله بينهم ويحتمل أن يكون المراد بالكلمة أنه لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه كما قال: "وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً" فإنه قد قال في الاية الأخرى: "ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاماً وأجل مسمى * فاصبر على ما يقولون" ثم أخبر تعالى أنه سيجمع الأولين والاخرين من الأمم ويجزيهم بأعمالهم إن خيراً فخير وإن شراً فشر فقال: "وإن كلاً لما ليوفينهم ربك أعمالهم إنه بما يعملون خبير" أي عليم بأعمالهم جميعها جليلها وحقيرها صغيرها وكبيرها وفي هذه الاية قراءات كثيرة يرجع معناها إلى هذا الذي ذكرناه كما في قوله تعالى: "وإن كل لما جميع لدينا محضرون".
ثم جمع الأولين والآخرين في حكم توفية العذاب لهم، أو هو والثواب فقال: 111- "وإن كلاً لما ليوفينهم ربك أعمالهم" قرأ نافع وابن كثير وأبو بكر وإن بالتخفيف على أنها إن المخففة من الثقيلة وعملت في كلا النصب، وقد جوز عملها الخليل وسيبويه، وقد جوز البصريون تخفيف إن مع إعمالها، وأنكر ذلك الكسائي وقال: ما أدري على أي شيء قرئ وإن كلا؟ وزعم الفراء أن انتصاب كلاً بقوله ليوفينهم، والتقدير وإن ليوفينهم كلاً، وأنكر ذلك عليه جميع النحويين. وقرأ الباقون بتشديد إن ونصبوا بها كلاً. وعلى كلا القراءتين فالتنوين في كلا عوض عن المضاف إليه: أي وإن كل المختلفين. وقرأ عاصم وحمزة وابن عامر "لما" بالتشديد، وخففها الباقون. قال الزجاج: لام لما لام إن، وما زائدة مؤكدة، وقال الفراء: ما بمعنى من كقوله: "وإن منكم لمن ليبطئن" أي وإن كلاً لمن ليوفينهم، وقيل: ليست بزائدة بل هي اسم دخلت عليها لام التوكيد، والتقدير: وإن كلا لمن خلق. قيل وهي مركبة، وأصلها لمن ما، فقلبت النون ميماً واجتمعت ثلاث ميمات فحذفت الوسطى حكى ذلك النحاس عن النحويين. وزيف الزجاج هذا وقال: من اسم على حرفين فلا يجوز حذف النون. وذهب بعض النحويين إلى أ، لما هذه بمعنى إلا، ومنه قوله تعالى: "إن كل نفس لما عليها حافظ" وقال المازني: الأصل لما المخففة ثم ثقلت. قال الزجاج: وهذا خطأ، إنما يخفف المثقل ولا يثقل المخفف. وقال أبو عبيد القاسم بن سلام: يجوز أن يكون التشديد من قولهم لممت الشيء ألمه: إذا جمعته، ثم بنى منه فعلى كما قرئ: " ثم أرسلنا رسلنا تترا " وأحسن هذه الأقوال أنها بمعنى إلا الاستثنائية. وقد روى ذلك عن الخليل وسيبويه وجميع البصريين ورجحه الزجاج ويؤيده أن في حرف ابي وإن كلاً إلا ليوفينهم كما حكاه أبو حاتم عنه. وقرئ بالتنوين: أي جميعاً. وقرأ الأعمش وإن كل لما بتخفيف إن ورفع كل وتشديد لما، وتكون إن على هذه القراءة نافية "إنه بما يعملون" أيها المختلفون "خبير" لا يخفى عليه منه شيء، والجملة تعليل فلما قبلها.
111- "وإن كلا"، قرأ ابن كثير و نافع وأبو بكر: وإن كلا ساكنة النون على تخفيف إن الثقيلة، والباقون بتشديدها، "لما" شددها هنا وفى يس والطارق: ابن عامر وعاصم وحمزة، وافق أبو جعفر هاهنا، وفى الطارق وفى الزخرف، بالتشديد عاصم وحمزة والباقون بالتخفيف، فمن شدد قال الأصل فيه: "وإن كلا" لمن ما، فوصلت من الجارة بما، فانقلبت النون ميما للإدغام، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت إحداهن، فبقيت لما بالتشديد، وما هاهنا بمعنى: من، هو اسم لجماعة من الناس، كما قال تعالى: "فانكحوا ما طاب لكم" (النساء-3)، أي: من طاب لكم، والمعنى وإن كلا لمن جماعة ليوفينهم.
ومن قرأ بالتخفيف قال: ما صلة زيدت بين اللامين ليفصل بينهما كراهة اجتماعهما، والمعنى: وإن كلا ليوفينهم.
وقيل: ما بمعنى من، تقدير: لمن ليوفينهم، واللام فيلما لام التأكيد التي تدخل على خبر إن، وفي ليوفينهم لام القسم، والقسم مضمر تقديره والله، "ليوفينهم ربك أعمالهم"، أي: جزاء أعمالهم، "إنه بما يعملون خبير".
111."وإن كلاً"وإن كل المختلفين المؤمنين منهم والكافرين ، والتنوين بدل من المضاف إليه، وقرأابن كثير و نافع وأبو بكر بالتخفيف مع الإعمال اعتبار اً للأصل ."لما ليوفينهم ربك أعمالهم"اللام الأولى موطئة للقسم والثانية للتأكيد أو بالعكس وما مزيدة بينهما للفصل . وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة "لما" بالتشديد على أن أصله لمن ما فقلبت النون ميماً للإدغام ، فاجتمعت ثلاث ميمات فحذفت أولاهن ، والمعنى لمن الذين يوفينهم ربك جزاء أعملها، وقرئ لما بالتنوين أي جميعاً كقوله:"أكلاً لماً" "وإن كل لما"على أن "إن"نافية و"لما"بمعنى إلا وقد قرئ به ، "إنه بما يعملون خبير"فلا يفوته شيء منه وإن خفي .
111. And lo! unto each thy Lord will verily repay his works in full. Lo! He is Informed of what they do.
111 - And, of a surety, to all will your Lord pay back (in full the recompense) of their deeds: for he knoweth well all that they do