11 - (وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون) آمنت بموسى واسمها آسية فعذبها فرعون بأن أوتد يديها ورجليها وألقى على صدرها رحى عظيمة واستقبل بها الشمس فكانت إذا تفرق عنها من وكل بها ظللتها الملائكة (إذ قالت) في حال التعذيب (رب ابن لي عندك بيتا في الجنة) فكشف لها فرأته فسهل عليها التعذيب (ونجني من فرعون وعمله) وتعذيبه (ونجني من القوم الظالمين) أهل دينه فقبض الله روحها وقال ابن كيسان رفعت إلى الجنة حية فهي تأكل وتشرب
يقول تعالى ذكره : وضرب الله مثلاً للذين صدقوا الله ووحدوه ، امرأة فرعون التي آمنت بالله ووحدته ، وصدقت رسوله موسى ، وهي تحت عدو من أعداء الله كافر ، فلم يضرها كفر زوجها ، إذ كانت مؤمنة بالله ، وكان من قضاء الله في خلقه أن لا تزر وازرة وزر أخرى ، وأن لكل نفس ما كسبت ، إذ قالت : " رب ابن لي عندك بيتا في الجنة " ، فاستجاب الله لها فبنى لها بيتاً في الجنة .
كما حدثني إسماعيل بن حفص الأيلي ، قال : ثنا محمد بن جعفر ، عن سليمان التيمي عن أبي عثمان ، عن سلمان ، قال : كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس ، فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها وكانت ترى بيتها في الجنة .
حدثنا محمد بن عبيد المحاربي ، قال : ثنا أسباط بن محمد ، عن سليمان التيمي ، عن أبي عثمان ، قال : قال سلمان : كانت امرأة فرعون ، فذكر نحوه .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال : ثنا ابن علية ، عن هشام الدستوائي ، قال : ثنا القاسم بن أبي بزة ، قال : كانت امرأة فرعون تسأل من غلب ؟ فيقال : غلب موسى وهارون ، فتقول : آمنت برب موسى وهارون ، فأرسل إليها فرعون ، فقال : انظروا أعظم صخرة تجدونها ، فإن مصت على قولها فألقوها عليها ، وإن رجعت عن قولها فهي امرأته ، فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء ، فأبصرت بيتها في السماء ، فمضت على قولها ، فانتزع الله روحها ، وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون " وكان أعتى أهل الأرض على الله ، وأبعده من الله ، فوالله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها ، لتعلموا أن الله حكم عدل ، لا يؤاخذ عبده إلا بذنبه .
وقوله : " ونجني من فرعون " وتقول : وأنقذني من عذاب فرعون ، ومن أن أعمل عمله ، وذلك كفره بالله .
وقوله " ونجني من القوم الظالمين " تقول : وأخلصني وأنقذني من عمل القوم الكافرين بك ، ومن عذابهم .
قوله تعالى: "وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون" واسمها آسية بنت مزاحم. قال يحيى بن سلام: قوله "ضرب الله مثلا للذين كفروا" مثل ضربه الله يحذر به عائشة وحفصة في المخالفة حين تظاهرتا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ضرب لهاما مثلاً بامرأة فرعون ومريم ابنة عمران، ترغيباً في التمسك بالطاعة والثبات على الدين. وقيل: هذا حث للمؤمنين على الصبر في الشدة، أي لا تكونوا في الصبر عند الشدة اضعف من امرأة فرعون حين صبرت على أذى فرعون. وكانت آسيا آمنت بموسى وقيل: هي عمة موسى آمنت به. قال أبو العالية: اطلع فرعون على إيمان امرأته فخرج على الملأ فقال لهم: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها. فقال لهم: إنها تعبد رباً غيري. فقالوا له: اقتلها. فأوتد لها أوتاداً وشد يديها ورجليها فقالت: "رب ابن لي عندك بيتا في الجنة" ووافق ذلك حضور فرعون، فضحكت حين رأت بيتها في الجنة. فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها ! إنا نعذبها وهي تضحك، فقبض روحها. وقال سلمان الفارسي فيما روى عنه أبو عثمان النهدي: كانت تعذب بالشمس، فإذا أذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها. وقيل: سمر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحي، فأطلعها الله حتى رأت مكانها في الجنة. وقيل: لما قالت: "رب ابن لي عندك بيتا في الجنة" أريت بيتها في الجنة يبنى. وقيل: إنه من درة، عن الحسن. ولما قالت: "ونجني" نجاها الله أكرم نجاة، فرفعها إلى الجنة، فهي تأكل وتشرب وتتنعم. ومعنى "من فرعون وعمله" تعني بالعمل الكفر. وقيل: من علمه من عذابه وظلمه وشماتته. وقال ابن عباس: الجماع. "ونجني من القوم الظالمين" قال الكلبي: أهل مصر. مقاتل: القبط. قالالحسن وابن كيسان: نجاها الله أكرم نجاة، ورفعها إلى الجنة ، فهي فيها تأكل وتشرب.
وهذا مثل ضربه الله للمؤمنين أنهم لا تضرهم مخالطة الكافرين إذا كانوا محتاجين إليهم كما قال تعالى: "لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة" قال قتادة: كان فرعون أعتى أهل الأرض وأكفرهم فو الله ما ضر امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربها, ليعلموا أن الله تعالى حكم عدل لا يؤاخذ أحداً إلا بذنبه. وقال ابن جرير: حدثنا إسماعيل بن حفص الأبلي, حدثنا محمد بن جعفر عن سليمان التيمي عن أبي عثمان النهدي عن سليمان قال: كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس, فإذا انصرف عنها أظلتها الملائكة بأجنحتها, وكانت ترى بيتها في الجنة, ثم رواه عن محمد بن عبيد المحاربي عن أسباط بن محمد عن سليمان التيمي به.
ثم قال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم, حدثنا ابن علية عن هشام الدستوائي, حدثنا القاسم بن أبي بزة قال: كانت امرأة فرعون تسأل من غلب ؟ فيقال: غلب موسى وهارون, فتقول: آمنت برب موسى وهارون, فأرسل إليها فرعون فقال: انظروا أعظم صخرة تجدونها, فإن مضت على قولها فألقوها عليها, وإن رجعت عن قولها فهي امرأتي, فلما أتوها رفعت بصرها إلى السماء فأبصرت بيتها في الجنة, فمضت على قولها وانتزعت روحها وألقيت الصخرة على جسد ليس فيه روح, فقولها "رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة" قالت العلماء: اختارت الجار قبل الدار, وقد ورد شيء من ذلك في حديث مرفوع "ونجني من فرعون وعمله" أي خلصني منه فإني أبرأ إليك من عمله "ونجني من القوم الظالمين" وهذه المرأة هي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها.
وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية قال: كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون, وذلك أنها جلست تمشط ابنة فرعون فوقع المشط من يدها فقالت: تعس من كفر بالله! فقالت لها بنت فرعون: ولك رب غير أبي ؟ قالت: ربي ورب أبيك ورب كل شيء الله, فلطمتها بنت فرعون وضربتها وأخبرت أباها, فأرسل فرعون إليها فقال: تعبدين رباً غيري ؟ قالت: نعم ربي وربك ورب كل شيء الله وإياه أعبد, فعذبها فرعون وأوتد لها أوتاداً فشد يديها ورجليها وأرسل عليها الحيات, فكانت كذلك, فأتى عليها يوماً فقال لها: ما أنت منتهية ؟ فقالت له: ربي وربك ورب كل شيء الله. فقال لها: إني ذابح ابنك في فيك إن لم تفعلي فقالت له: اقض ما أنت قاض, فذبح ابنها في فيها, وإن روح ابنها بشرها فقال لها: أبشري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا, فصبرت ثم أتى عليها فرعون يوماً آخر فقال لها مثل ذلك, فقالت له مثل ذلك, فذبح ابنها الاخر في فيها, فبشرها روحه أيضاً وقال لها: اصبري يا أمه فإن لك عند الله من الثواب كذا وكذا, قال: وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر ثم الأصغر, فآمنت امرأة فرعون وقبض الله روح امرأة خازن فرعون, وكشف الغطاء عن ثوابها ومنزلتها وكرامتها في الجنة لامرأة فرعون حتى رأت, فازدادت إيماناً ويقيناً وتصديقاً فأطلع الله فرعون على إيمانها فقال للملأ: ما تعلمون من آسية بنت مزاحم ؟ فأثنوا عليها فقال لهم: إنها تعبد غيري, فقالوا له: اقتلها, فأوتد لها أوتاداً فشد يديها ورجليها فدعت آسية ربها فقالت "رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة" فوافق ذلك أن حضرها فرعون, فضحكت حين رأت بيتها في الجنة, فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها إنا نعذبها وهي تضحك, فقبض الله روحها في الجنة رضي الله عنها.
وقوله تعالى: "ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها" أي حفظته وصانته, والإحصان هو العفاف والحرية "فنفخنا فيه من روحنا" أي بواسطة الملك وهو جبريل فإن الله بعثه إليها فتمثل لها في صورة بشر سوي, وأمره الله تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها, فنزلت النفخة فولجت في فرجها فكان منه الحمل بعيسى عليه السلام, ولهذا قال تعالى: "فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه" أي بقدره وشرعه "وكانت من القانتين" قال الإمام أحمد: حدثنا يونس, حدثنا داود بن أبي الفرات عن علباء عن عكرمة عن ابن عباس قال: خط رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض أربعة خطوط وقال: "أتدرون ما هذا ؟" قالوا: الله ورسوله أعلم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد وفاطمة بنت محمد ومريم ابنة عمران وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون". وقد ثبت في الصحيحين من حديث شعبة عن عمرو بن مرة عن مرة الهمداني عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا آسية امرأة فرعون ومريم ابنة عمران وخديجة بنت خويلد, وإن فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام". وقد ذكرنا طرق هذه الأحاديث وألفاظها والكلام عليها في قصة عيسى ابن مريم عليهما السلام في كتابنا (البداية والنهاية) ولله الحمد والمنة, وذكرنا ما ورد من الحديث من أنها تكون هي وآسية بنت مزاحم من أزواجه عليه السلام في الجنة عند قوله تعالى "ثيبات وأبكاراً" آخر تفسير سورة التحريم, ولله الحمد والمنة.
11- " وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون " الكلام في هذا كالكلام في المثل الذي قبله: أي جعل الله حال امرأة فرعون مثلا لحال المؤمنين ترغيباً لهم في الثبات على الطاعة والتمسك بالدين والصبر في الشدة، وأن صولة الكفر لا تضرهم كما لم تضر امرأة فرعون، وقد كانت تحت أكفر الكافرين وصارت بإيمانهم بالله في جنات النعيم "إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة" الظرف متعلق بضرب أو بمثلا: أي ابن لي بيتاً قريباً من رحمتك، أو في أعلى درجات المقربين منك، أو في مكان لا يتصرف فيه إلا بإذنك وهو الجنة "ونجني من فرعون وعمله" أي من ذاته وما يصدر عنه من أعمال الشر "ونجني من القوم الظالمين" قال الكلبي: هم أهل مصر. وقال مقاتل: هم القبط. قال الحسن وابن كيسان: نجاها الله أكرم نجاة ورفعها إلى الجنة فهي تأكل وتشرب.
ثم أخبر أن معصية غيره لا تضره إذا كان مطيعاً فقال: 11- " وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون "، وهي آسية بنت مزاحم.
قال المفسرون: لما غلب موسى السحرة آمنت امرأة فرعون، ولما تبين لفرعون إسلامها أوتد يديها ورجليها بأربعة أوتاد وألقاها في الشمس.
قال سلمان: كانت امرأة فرعون تعذب بالشمس فإذا انصرفوا عنها أظلتها الملائكة.
"إذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة"، فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته.
وفي القصة: أن فرعون أمر بصخرة عظيمة لتلقى عليها، فلما أتوها بالصخرة قالت: رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة، فأبصرت بيتها في الجنة من درة بيضاء، وانتزع روحها فألقيت الصخرة على جسد لا روح فيه، ولم تجد ألماً.
وقال الحسن وابن كيسان: رفع الله امرأة فرعون إلى الجنة فهي فيها تأكل وتشرب.
"ونجني من فرعون وعمله"، قال مقاتل: وعمله يعني الشرك. وقال أبو صالح عن ابن عباس "وعمله"، قال: جماعه. "ونجني من القوم الظالمين"، الكافرين.
11-" وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون " شبه حالهم في أن وصلة الكافرين لا تضرهم بحال آسية رضي الله عنها ومنزلتها عند الله مع أنها كانت تحت أعدى أعداء الله . " إذ قالت " ظرف للمثل المحذوف . " رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة " قريباً من رحمتك أو في أعلى درجات المقربين . " ونجني من فرعون وعمله " من نفسه الخبيثة وعمله السيء . " ونجني من القوم الظالمين " من القبط التابعين له في الظلم .
11. And Allah citeth an example for those who believe: the wife of Pharaoh when she said: My Lord! Build for me a home with thee in the Garden, and deliver me from Pharaoh and his work, and deliver me from evil doing folk;
11 - And God sets forth, as an example to those who believe the wife of Pharaoh: behold she said: O my Lord! build for me, in nearness to Thee, a mansion in the Garden, and save me from Pharaoh and his doings, and save me from those that do wrong;