11 - (يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا) توسعوا (في المجالس) مجلس النبي صلى الله عليه وسلم والذكر حتى يجلس من جاءكم وفي قراءة المجالس (فافسحوا يفسح الله لكم) في الجنة (وإذا قيل انشزوا) قوموا إلى الصلاة وغيرها من الخيرات (فانشزوا) وفي قراءة بضم الشين فيهما (يرفع الله الذين آمنوا منكم) بالطاعة في ذلك ويرفع (والذين أوتوا العلم درجات) في الجنة (والله بما تعملون خبير)
وأخرج أيضا عنه قال كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنوا بمجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس الآية
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل أنها نزلت يوم جمعة وقد جاء ناس من أهل بدر وفي المكان ضيق فلم يفسح لهم فقاموا على أرجلهم فأقام صلى الله عليه وسلم نفرا بعدتهم وأجلسهم مكانهم فكره أولئك النفر ذلك فنزلت
يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين صدقوا الله ورسوله " إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس " يعني بقوله تفسحوا توسعوا من قولهم مكان فسيح إذا كان واسعاً .
واختلف أهل التأويل في المجلس الذي أمر الله المؤمنين بالتفسح فيه ، فقال بعضهم : ذلك كان مجلس النبي صلى الله عليه وسلم خاصة .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله ( تفسحوا في المجلس ) قال : مجلس النبي صلى الله عليه وسلم كان يقال ذاك خاصة .
حدثنا الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس ) ، كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضنوا بمجلسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد قال : سمعت الضحاك يقول ، في قوله ( إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس ) قال : كان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن حوله خاصة يقول : استوسعوا حتى يصيب كل رجل منكم مجلساً من النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي أيضاً مقاعد للقتال .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة ، في قوله : ( تفسحوا في المجلس ) قال : كان النسا يتنافسون في مجلس النبي فقيل لهم : ( إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا ) .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله " إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم " قال : هذا مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان الرجل يأتي فيقول : افسحوا لي رحمكم الله ، فيضن كل أحد بقربه من رسول الله ، فأمرهم الله بذلك ، ورأى أنه خير لهم .
وقال آخرون : بل عني بذلك في مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب .
ذكر من قال ذلك : حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله ( يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس فافسحوا يفسح الله لكم ) قال : ذلك في مجلس القتال .
والصواب من القول في ذلك أن يقال : إن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يتفسحوا في المجلس ، ولم يخصص بذلك مجلس النبي صلى الله عليه وسلم القتال ، وكلا الموضعين يقال له مجلس ، فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجالس القتال .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الأمصار ( تفسحوا في المجلس ) على التوحيد غير الحسن البصري و عاصم ، فإنهما قرآ ذلك " في المجالس " على الجماع ، وبالتوحيد قراءة ذلك عندنا لإجماع الحجة من القراء عليه .
وقوله " فافسحوا " يقول : فوسعوا " يفسح الله لكم " يقول : يوسع الله منازلكم في الجنة " وإذا قيل انشزوا فانشزوا " يقول تعالى ذكره : وإذا قيل ارتفعوا ، وإنما يراد بذلك ، وإذا قيل لكم قوموا إلى قتال عدو ، أو صلاة ، أو عمل خير ، أو تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقوموا .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس " وإذا قيل انشزوا فانشزوا " إلى " والله بما تعملون خبير " قال : إذا قيل : انشروا فانشزوا إلى الخير والصلاة .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " فانشزوا " قال : إلى كل خير ، قتال عدو ، أو أمر بالمعروف ، أو حق ما كان .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " وإذا قيل انشزوا فانشزوا " يقول : إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا وقال الحسن : هذا كله في الغزو .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : " وإذا قيل انشزوا فانشزوا " كان إذا نودي للصلاة تثاقل رجال ، فأمرهم الله إذا نودي للصلاة أن يرتفعوا إليها ، يقوموا إليها .
وحدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله " وإذا قيل انشزوا فانشزوا " قال : انشزوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : هذا في بيته إذا قيل انشزوا ، فارتفعوا عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فإن له حوائج ، فأحب كل رجل منهم أن يكون آخر عهده برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " إذا قيل انشزوا فانشزوا " .
وإنما اخترت التأويل الذي قلت في ذلك ، لأن الله عز وجل أمر المؤمنين إذا قيل لهم انشزوا ، أن ينشزوا ، فعم بذلك الأمر جميع معاني النشوز من الخيرات ، فذلك على عمومه ، حتى يخصه ما يجب التسليم له .
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء المدينة " فانشزوا " بضم الشين ، وقرأ ذلك عامة قراء الكوفة والبصرة بكسرها .
والصواب من القول في ذلك إنهما قراءتان معروفتان ، ولغتان مشهورتان بمنزلة يعكفون ويعكفون ، ويعرشون ، فبأي القراءتين قرأ القارئ فمصيب .
وقوله : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " يقول تعالى ذكره : يرفع المؤمنين منكم أيها القوم بطاعتهم ربهم فيما أمرهم به من التفسح في المجلس إذا قيل لهم تفسحوا ، أو بنشوزهم إلى الخيرات إذا قيل لهم انشزوا إليها ، ويرفع الله الذين أوتوا العلم من أهل الإيمان على المؤمنين الذين لم يؤتوا العلم بفضل علمهم درجات ، إذا عملوا بما أمروا به .
كما حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " إن بالعلم لأهله فضلاً ، وإن له على أهله حقاً ، ولعمري للحق عليك أيها العالم فضل ، والله معطي كل ذي فضل فضله .
وكان مطرف بن عبد الله بن الشخير يقول : فضل العلم أحب إلي من فضل العبادة ، وخير دينكم الورع .
وكان عبد الله بن مطرف يقول : إنك لتلقى الرجلين أحدهما أكثر صوماً وصلاة وصدقة ، والآخر أفضل منه بوناً بعيداً ، قيل له : وكيف ذاك ؟ فقال : هو أشدهما ورعاً لله عن محارمه .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " في دينهم إذا فعلوا ما أمروا به .
وقوله " والله بما تعملون خبير " يقول تعالى ذكره : والله بأعمالكم أيها الناس ذو خبرة ، لا يخفى عليه المطيع منكم ربه من العاصي ، وهو مجاز جميعكم بعمله ، المحسن بإحسانه والمسيء بالذي هو أهله ، أو يعفو .
فيه سبع مسائك :
الأول : قوله تعالى : " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس " لما بين أن اليهود يحيونه بما لم يحيه به الله وذمهم على ذلك وصل به الأمر بتحسين الأدب في مجالسة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى لا يضيقوا عليه المجلس ،وأمر المسلمين بالتعطف والتآلف حتى يفسح بعضهم لبعض ،حتى يتمكنوا من الاستماع من رسول الله والنظر إليه . قال قتادة ومجاهد :كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ،فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض .وقاله الضحاك .وقال ابن عباس : المراد بذلك مجالس القتال إذا اصطفوا للحرب . قال الحسن وزيد بن حبيب : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذ قاتل المشركين تشاح اصحابه على الصف الأول فقلا يوسع بعضهم لبعض ، رغبة في القتال والشهادة فنزلت فيكون كقوله : " مقاعد للقتال " [آل عمران : 121 ] ." وقال مقاتل : كان النبي صلى الله عليه وسلم في الصفة ، وكان في المكان ضيق يوم الجمعة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار ،فجاء أناس من أهل بدر فيهم ثالبت بن قيس بن شماس وقد سبقوا في المجلس ،فقاموا حيال انبي صلى الله علية وسلم علىأرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم فلم يفسحوا لهم ، فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله من غير أهل بدر : قم يافلان وأنت يافلان بعدد القائمين من أهل بدر ، قشق ذلك على من أقيم ، وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم ، فغمز المنافقون وتكلموا بأن قالوا : ما أنصف هؤلاء وقد أحبوا القرب من نبيهم فسبقوا إلى المكان ،فأنزل الله عز وجل هذه الآية . " تفسحوا " أي توسعوا ." وفسح فلان لأخيه في مجلسه يفسح فسحا أي وسع له ، ومنه قولهم :بلد فسيح ولك في كذا فسحة ، وفسح يفسح مثل منع يمنع ، أي وسع في المجلس ،وفسح يفسح فساحة مثل كرم يكرم كرامة أي صار واسعا ، ومنه مكان فسيح .
الثانية : قرأ السلمي و زر بن حبيش وعاصم في المجالس .وقرأ قتادة وداود بن أبي هند والحسن بآختلاف عنه إذا قيل لكم تفاسحوا الباقون تفسحوا في المجالس فمن جمع فلأن قوله : " تفسحوا في المجالس " ينبئ أن لكل واحد مجلسا .وكذلك إن أريد به الحرب . وكذلك يجوز أن يراد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم وجمع لأن لكل جالس مجلسا . وكذلك يجوز إن أريد بالمجلس المفرد مجلس النبي صلى الله عليه وسلم ، ويجوز أن يراد به الجمع على مذهب الجنس ، كقولهم : كثر الدينار والدرهم .
قلت الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير والأجر ،سواء كان مجلس حرب أو ذكر أو مجلس يوم الجمعة ، فإن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه "قال صلى الله عليه وسلم : من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحق به " ولكن يوسع لأخيه مالم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه . "روى البخاري ومسلم عن ابن عمر عن النبي صلى الله علييه وسلم قال :
لا يقيم الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه " ."وعن النبي صلى الله عليه أنه نهى أن يقام الرجل من مجلسه في آخر ،ولكن تفسحوا وتوسعوا ".وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه .لفظ البخاري .
الثالثة :إذا قعد واحد من الناس في موضع من المسجد لا يجوز لغيره أن يقيمه حتى يقعد مكانه ، لما" روى مسلم عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ثم يخالف إلى مقعده فيقعد فيه ولكن يقول افسحوا " .
فرع : القاعدة في المكان إذا قام حتى يقعد غيره موضعه موضعه نظر ، فإن كان الموضع الذي قام إليه مثل الأول في سماع كلام الإمام لم يكره له ذلك ، وإن كان بعد أبعد من الإمام كره له ذلك ، لأن فيه تفويت حظه .
الرابعة : إذا أمر إنسان إنسانا أن يبكر إلى الجامع فيإخذ له مكانا يقعد فيه لا يكره ، فإذا حاء الآمر يقوم من المضع ،لما روي : أن ابن سيرين كان يرسل غلاما إلى مجلس له في يوم الجمعة فيجلس له فيه ، فإذا جاء قام له منه .
فرع : وعلى هذا من أرسل بساطا أوسجاداة فتبسط له في موضع من المسجد .
الخامسة : "روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إذا قام أحدكم - وفي حديث أبي عوانه من قام من مجلسه - ثم رجع إليه فهو أحق به " قال علماؤنا : هذا يدل على صحة القول بوجوب اختصاص الجالس بموضعه إلى أن يقوم منه ، لأنه إذا كان أولى به بعد قيامه فقبله أولى به وأحرى . وقد قيل : إن ذلك عى الندب ، لأنه موضع غير متملك لأحد قبل الجلوس ولا بعده وهذا فيه نظر ، وهو أن يقال : سلمنا أنه غير متملك لكنه يختص به إلى أن يفرغ غرضه منه ، فصار كأنه يملك منفعته ، إذا قد منع غيره من يزاحمه عليه . والله أعلم .
السادسة : قوله تعالى : " يفسح الله لكم " أي في قبوركم .وقيل : في قلوبكم .وقيل : يوسع عليكم في الدنيا والآخرة ." وإذا قيل انشزوا فانشزوا " قرأ نافع وابن عامر و عاصم بضم الشين فيهما .وكسر الباقون ،وهما ، لغتان مثل " يعكفون " [الأعراف : 138 ] و"يعرشون " [الأعراف : 137] والمعنى انهضوا إلى الصلاة والجهاد وعمل الخير ، قاله أكثر المفسرين . وقال مجاهد والضحاك : إذا نودي للصلاة فقوموا إليها . وذلك أن رجالا تثاقلوا عن الصلاة فنزلت . وقال الحسن و مجاهد أيضا : أي انهضوا إلى الحرب . وقال ابن زيد : هذا في بيت النبي صلى الله عليه سلم كان كل رجل منهم يحب أن يكون آخر عهده بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال الله تعالى : " وإذا قيل انشزوا " عن النبي صلى الله عليه وسلم "فانشزوا" فإنه له حوائج فلا تمكثوا . وقال قتادة : المعنى أجيبو إذا دعيتم إلى أمر بمعروف .وهذا هو الصحيح ، لأنه يعم . والنشز الارتفاع ، مأخوذ من نشز الأرض وهو ارتفاعها ، يقال نشز ينشز وينشز إذا انتحى من موضعه، أي ارتفع منه . وامرأة ناشز منتخية عن زوجها . وأصل هذا من النشز ، والنشز هوما ارتفع من الأرض وتنحى، ذكره النحاس .
السابعة : قوله تعالى : " يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات " أي في الثواب في الآخرة وفي الكرامة في الدنيا ، فيرفع المؤمن على من ليس بمؤمن والعالم على من ليس بعالم . وقال ابن مسعود مدح الله العلماء في هذه الآية . والمعنى أنه يرفع الله الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا ولم يؤتوا العلم درجات أي درجات في دينهم إذا عفلوا ما أمروا به . وقيل : كان أهل الغنى يكرهون أن يزاحمهم من يلبس الصوف فيستبقون إلى مجلس النبين صلى الله عليه وسلم فالخطاب لهم . "ورأى عليه الصلاة والسلام رجلا من الأغنياء يقبض ثوبه تفورا من بعض الفقراء أرا د أن يجلس إليه فقال :
يا فلان حشيت أن يتعدى عناك إليه أو فقره إليك " وبين في هذه الآية أن الرفعة عند الله تعالى بالعلم والإيمان ل بالسبق إلى صدور المجالس .وقيل : أراد بالذين أوتوا العلم الذين قرؤوا القرآن . وقال يحيى بن يحيى عن مالك : " يرفع الله الذين آمنوا منكم " الصحابة " والذين أوتوا العلم درجات " يرفع الله بها العالم والطالب للحق .
قلت : والعموم أوقتع في المسألة وأولى بمعنى الآية ، فيرفع المؤمن بإيمانه أولا ثم تعلمه ثانيا .وفي الصحيح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يقدم عبد الله بن عباس على الصحابة ، فكلموه في ذلك فدعاهم ودعاه ، وسألهم عن تفسير " إذا جاء نصر الله والفتح " [ النصر : 1 ] فسكتوا ، فقال ابن عباس : هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه الله إناه .فقال عمر :ما أعلم منها إلا ما تعلم . وفي البخاري عن عبد الله بن عباس قال : قدم عيينة بن حصن بن حذيف بن بدر فينزل على ابن أخيه الحر بن قيس بت حصن ، وكان من النفر الذين يدنيهم عمر ، وكان القراء أصحاب مجالس عمر ومشاورته كهولا كانوا أو شبابا . الحديث وقد مضى في آخر الاعراف . وفي صحيح مسلم أن نافع بن عبد الرث لقي عمر بعسفان وكان عمر يستعمله على مكة فقال : من استعملته على أهل الوادي؟ فقال :ابن أبزى . فقال : ومن ابن أبزى ؟ قال : مولى من موالينا .قال :فاستخلفت عليهم مولى ! قال : إنه قارئ لكتاب الله وإنه عالم بالفرائض . "قال عمر :
أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال : إن الله يرفع بهذا الكتاب اقواما ويضع به آخرين " وقد مضى أول الكتاب والحمد لله ."وروي عن النبي صلىالله عليه وسلم أنه قال :
بين العالم والعابد مائة درجة بين كل درجتين حضر الجواد المضمر سبعين سنة . " " وعنه صلىالله عليه وسلم :
فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر علىسائر الكواكب ." "وعنه عليه الصلاة والسلام :
يشفع يوم القيامة ثلاثة الأنبياء ثم الشهداء " فأعظم بمنزلة هي واسطة بين النبوة والشهادة بشهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم .وعن ابن عباس :خير سليمان عليه السلام بين العلم والمال والملك فاختار العلم فأعطي المال والملك معه .
يقول تعالى مؤدباً عباده المؤمنين وآمراً لهم أن يحسن بعضهم إلى بعض في المجالس "يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس" وقرىء " في المجالس " "فافسحوا يفسح الله لكم" وذلك أن الجزاء من جنس العمل كما جاء في الحديث الصحيح: "من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة" وفي الحديث الاخر: "ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والاخرة والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه" ولهذا أشباه كثيرة, ولهذا قال تعالى: "فافسحوا يفسح الله لكم" قال قتادة: نزلت هذه الاية في مجالس الذكر, وذلك أنهم كانوا إذا رأوا أحدهم مقبلاً ضنوا بمجالسهم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمرهم الله تعالى أن يفسح بعضهم لبعض .
وقال مقاتل بن حيان: أنزلت هذه الاية يوم الجمعة, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ في الصفة وفي المكان ضيق, وكان يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار فجاء ناس من أهل بدر وقد سبقوه إلى المجالس, فقاموا حيال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته, فرد النبي صلى الله عليه وسلم عليهم, ثم سلموا على القوم بعد ذلك فردوا عليهم, فقاموا على أرجلهم ينتظرون أن يوسع لهم, فعرف النبي صلى الله عليه وسلم ما يحملهم على القيام فلم يفسح لهم, فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فقال لمن حوله من المهاجرين والأنصار من غير أهل بدر : "قم يا فلان وأنت يا فلان" فلم يزل يقيمهم بعدة النفر الذين هم قيام بين يديه من المهاجرين والأنصار أهل بدر, فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهة في وجوههم, فقال المنافقون ألستم تزعمون أن صاحبكم هذا يعدل بين الناس ؟ والله ما رأيناه قد عدل على هؤلاء إن قوماً أخذوا مجالسهم وأحبوا القرب من نبيهم فأقامهم وأجلس من أبطأ عنه, فبلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "رحم الله رجلاً يفسح لأخيه" فجعلوا يقومون بعد ذلك سراعاً فيفسح القوم لإخوانهم ونزلت هذه الاية يوم الجمعة. رواه ابن أبي حاتم.
وقد قال الإمام أحمد والشافعي حدثنا سفيان عن أيوب عن نافع عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه فيجلس فيه ولكن تفسحوا وتوسعوا" وأخرجاه في الصحيحين من حديث نافع به. وقال الشافعي: أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة ولكن ليقل افسحوا" على شرط السنن ولم يخرجوه وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الملك بن عمرو, حدثنا فليح عن أيوب عن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن يعقوب بن أبي يعقوب عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه ولكن افسحوا يفسح الله لكم" ورواه أيضاً عن سريج بن يونس ويونس بن محمد المؤدب عن فليح به ولفظه: "لا يقوم الرجل للرجل من مجلسه ولكن افسحوا يفسح الله لكم" تفرد به أحمد .
وقد اختلف الفقهاء في جواز القيام للوارد إذا جاء على أقوال: فمنهم من رخص في ذلك محتجاً بحديث "قوموا إلى سيدكم" ومنهم من منع من ذلك محتجاً بحديث "من أحب أن يتمثل له الرجال قياماً فليتبوأ مقعده من النار" ومنهم من فصل فقال يجوز عند القدوم من سفر وللحاكم في محل ولايته, كما دل عليه قصة سعد بن معاذ, فإنه لما استقدمه النبي حاكماً في بني قريظة فرآه مقبلاً قال للمسلمين "قوموا إلى سيدكم" وما ذاك إلا ليكون أنفذ لحكمه والله أعلم. فأما اتخاذه ديدناً فإنه من شعار العجم, وقد جاء في السنن أنه لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان إذا جاء لا يقومون له لما يعلمون من كراهته لذلك .
وفي الحديث المروي في السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يجلس حيث انتهى به المجلس, ولكن حيث يجلس يكون صدر ذلك المجلس فكان الصحابة رضي الله عنهم يجلسون منه على مراتبهم, فالصديق رضي الله عنه يجلسه عن يمينه وعمر عن يساره, وبين يديه غالباً عثمان وعلي لأنهما كانا ممن يكتب الوحي, وكان يأمرهما بذلك كما رواه مسلم من حديث الأعمش عن عمارة بن عمير عن أبي معمر عن أبي مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم, ثم الذي يلونهم" وما ذاك إلا ليعقلوا عنه ما يقوله صلوات الله وسلامه عليه, ولهذا أمر أولئك النفر بالقيام ليجلس الذين وردوا من أهل بدر, إما لتقصير أولئك في حق البدريين أو ليأخذ البدريون من العلم نصيبهم, كما أخذ أولئك قبلهم أو تعليماً بتقديم الأفاضل إلى الأمام. وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع عن الأعمش عن عمارة بن عمير التيمي عن أبي معمر عن أبي مسعود قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم, ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم, ثم الذين يلونهم" قال أبو مسعود: فأنتم اليوم أشد اختلافاً, وكذا رواه مسلم وأهل السنن إلا الترمذي من طرق عن الأعمش به, وإذا كان هذا أمره لهم في الصلاة أن يليه العقلاء منهم والعلماء فبطريق الأولى أن يكون ذلك في غير الصلاة.
وروى أبو داود من حديث معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن كثير بن مرة عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أقيموا الصفوف وحاذوا بين المناكب وسدوا الخلل ولينوا بأيدي إخوانكم ولا تذروا فرجات للشياطين ومن وصل صفاً وصله الله, ومن قطع صفاً قطعه الله" ولهذا كان أبي بن كعب سيد القراء إذا انتهى إلى الصف الأول انتزع منه رجلاً يكون من أفناد الناس, ويدخل هو في الصف المتقدم ويحتج بهذا الحديث: "ليليني منكم أولو الأحلام والنهى" وأما عبد الله بن عمر فكان لا يجلس في المكان الذي يقوم له صاحبه عنه عملاً بمقتضى ما تقدم من روايته الحديث الذي أوردناه, ولنقتصر على هذا المقدار من الأنموذج المتعلق بهذه الاية, وإلا فبسطه يحتاج إلى غير هذا الموضع. وفي الحديث الصحيح: بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس إذ أقبل ثلاثة نفر, فأما أحدهم فوجد فرجة في الحلقة فدخل فيها, وأما الاخر فجلس وراء الناس, وأدبر الثالث ذاهباً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أنبئكم بخبر الثلاثة, أما الأول فآوى إلى الله فآواه الله, وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه, وأما الثالث فأعرض فأعرض الله عنه".
وقال الإمام أحمد: حدثنا عتاب بن زياد أخبرنا عبد الله, أخبرنا أسامة بن زيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا يحل لرجل أن يفرق بين اثنين إلا بإذنهما" ورواه أبو داود والترمذي من حديث أسامة بن زيد الليثي به وحسنه الترمذي وقد روي عن ابن عباس والحسن البصري وغيرهما أنهم قالوا في قوله تعالى: "إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم" يعني في مجالس الحرب قالوا: ومعنى قوله: "وإذا قيل انشزوا فانشزوا" أي انهضوا للقتال. وقال قتادة "وإذا قيل انشزوا فانشزوا"أي إذا دعيتم إلى خير فأجيبوا وقال مقاتل إذا دعيتم إلى الصلاة فارتفعوا إليها. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم كانوا إذا كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم في بيته فأرادوا الانصراف, أحب كل منهم أن يكون هو آخرهم خروجاً من عنده, فربما يشق ذلك عليه, عليه السلام وقد تكون له الحاجة فأمروا أنهم إذا أمروا بالانصراف أن ينصرفوا كقوله تعالى: "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا".
وقوله تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير" أي لا تعتقدوا أنه إذا أفسح أحد منكم لأخيه إذا أقبل أو إذا أمر بالخروج فخرج, أن يكون ذلك نقصاً في حقه بل هو رفعة ورتبة عند الله, والله تعالى لا يضيع ذلك له, بل يجزيه بها في الدنيا والاخرة فإن من تواضع لأمر الله رفع الله قدره ونشر ذكره, ولهذا قال تعالى: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير" أي خبير بمن يستحق ذلك وبمن لا يستحقه.
وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو كامل حدثنا إبراهيم حدثنا ابن شهاب عن أبي الطفيل عامر بن واثلة أن نافع بن عبد الحارث لقي عمر بن الخطاب بعسفان, وكان عمر استعمله على مكة, فقال له عمر: من استخلفت على أهل الوادي ؟ قال: استخلفت عليهم ابن أبزى رجل من موالينا, فقال عمر: استخلفت عليهم مولى ؟ فقال: يا أمير المؤمنين إنه قارىء لكتاب الله عالم بالفرائض قاض, فقال عمر رضي الله عنه: أما إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قد قال: "إن الله يرفع بهذا الكتاب قوماً ويضع به آخرين" وهكذا رواه مسلم من غير وجه عن الزهري به, وروي من غير وجه عن عمر بنحوه, وقد ذكرت فضل العلم وأهله وما ورد في ذلك من الأحاديث مستقصاة في شرح كتاب العلم من صحيح البخاري, ولله الحمد والمنة .
قوله: 11- " يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس " يقال فسح له يفسح فسحاً: أي وسع له، ومنه قولهم بلد فسيح. أمر الله سبحانه بحسن الأدب مع بعضهم بعضاً بالتوسعة في المجلس وعدم التضايق فيه. قال قتادة ومجاهد والضحاك: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم فأمروا أن يفسح بعضهم لبعض، وقال الحسن ويزيد بن أبي حبيب: هو مجلس القتال إذا اصطفوا للحرب كانوا يتشاحون على الصف الأول، فلا يوسع بعضهم لبعض رغبة في القتال لتحصيل الشهادة "فافسحوا يفسح الله لكم" أي فوسعوا يوسع الله لكم في الجنة، أو في كل ما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق وغيرهما. قرأ الجمهور " تفسحوا في المجالس " وقرأ السلمي وزر بن حبيش وعاصم "في المجالس" على الجمع، لأن لكل واحد منهم مجلساً، وقرأ قتادة والحسن وداود بن أبي هند وعيسى بن عمر تفاسحوا قال الواحدي: والوجه التوحيد في المجلس، لأنه يعني به مجلس النبي صلى الله عليه وسلم. وقال القرطبي: الصحيح في الآية أنها عامة في كل مجلس اجتمع فيه المسلمون للخير والأجر، سواء كان مجلس حرب، أو ذكر، أو يوم الجمعة، وأن كل واحد أحق بمكانه الذي سبق إليه، ولكن يوسع لأخيه ما لم يتأذ بذلك فيخرجه الضيق عن موضعه، ويؤيد هذا حديث ابن عمر عند البخاري ومسلم وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا يقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يجلس فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا" "وإذا قيل انشزوا فانشزوا" قرأ الجمهو بكسر الشين فيها، وقرأ نافع وابن عامر وعاصم بضمها فيهما، وهما لغتان بمعنى واحد، يقال نشز: أي ارتفع ينشز وينشز كعكف يعكف ويعكف، والمعنى: إذا قيل لكم انهضوا فانهضوا. قال جمهور المفسرين: أي انهضوا إلى الصلاة والجهاد وعمل الخير. وقال مجاهد والضحاك وعكرمة: كان رجال يتثاقلون عن الصلاة، فقيل لهم إذا نودي للصلاة فانهضوا. وقال الحسن: انهضوا إلى الحرب. وقال ابن زيد: هذا في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، كان رجل منهم يحب أن يكون آخر عهده بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقال الله تعالى: "وإذا قيل انشزوا" عن النبي صلى الله عليه وسلم "فانشزوا" فإن له حوائج فلا تمكثوا. وقال قتادة: المعنى أجيبوا إذا دعيتم إلى أمر بمعروف، والظاهر حمل الآية على العموم، والمعنى: إذا قيل لكم انهضوا إلى أمر من الأمور الدينية فانهضوا ولا تتثاقلوا ولا يمنع من حملها على العموم كون السبب خاصاً، فإن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما هو الحق، ويندرج ما هو سبب النزول فيها اندراجاً أولياً، وهكذا يندرج ما فيه السياق وهو التفسيح في المجلس اندراجاً أولياً، وقد قدمنا أن معنى نشز ارتفع، وهكذا يقال نشز ينشز: إذا تنحى عن موضعه، ومنه امرأة ناشز: أي متنحية عن زوجها، وأصله مأخوذ من النشز، وهو ما ارتفع من الأرض وتنحى، ذكر معناه النحاس "يرفع الله الذين آمنوا منكم" في الدنيا والآخرة بتوفير نصيبهم فيهما "والذين أوتوا العلم درجات" أي ويرفع الذين أوتوا العلم منكم درجات عالية في الكرامة في الدنيا والثواب في الآخرة، ومعنى الآية أنه يرفع الذين آمنوا على من لم يؤمن درجات ويرفع الذين أوتوا العلم على الذين آمنوا درجات، فمن جمع بين الإيمان والعلم رفعه الله بإيمانه درجات ثم رفعه بعلمه درجات، وقيل المراد بالذين آمنوا من الصحابة وكذلك الذين أوتوا العلم، وقيل المراد بالذين أوتوا العلم الذين قرأوا القرآن، والأولى حمل الآية على العموم في كل مؤمن وكل صاحب علم من علوم الدين من جميع أهل هذه الملة، ولا دليل يدل على تخصيص الآية بالبعض دون البعض، وفي هذه الآية فضيلة عظيمة للعلم وأهله، وقد دل على فضله وفضلهم آيات قرآنية وأحاديث نبوية "والله بما تعملون خبير" لا يخفى عليه شيء من أعمالكم من خير وشر، فهو مجازيكم بالخير خيراً وبالشر شراً.
قوله عز وجل 11- "يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا"، الآية، قال مقاتل بن حيان: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرم أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فجاء ناس منهم يوماً وقد سبقوا إلى المجلس فقاموا حيال النبي صلى الله عليه وسلم وسلموا عليه، فلم يفسحوا لهم فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لمن حوله: قم يا فلان وأنت يا فلان، فأقام من المجلس بقدر النفر الذين قاموا بين يديه من أهل بدر، فشق ذلك على من أقيم من مجلسه وعرف النبي صلى الله عليه وسلم الكراهية في وجوههم فأنزل الله هذه الآية.
وقال الكلبي: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وقد ذكرنا في سورة الحجرات قصته.
وقال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس النبي صلى الله عليه وسلم وكانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلاً ضنوا بمجلسهم فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض.
وقيل: كان ذلك يوم الجمعة، فأنزل الله عز وجل:
"يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا"، أي توسعوا في المجلس، قرأ الحسن، وعاصم: في المجالس لأن الكل جالس مجلساً، معناه: ليتفسح كل رجل في مجلسه. وقرأ الآخرون: في المجلس على التوحيد، لأن المراد منه مجلس النبي صلى الله عليه وسلم، "فافسحوا": أوسعوا، يقال: فسح يفسح فسحاً: إذا وسع في المجلس، "يفسح الله لكم"، يوسع الله لكم الجنة، والمجالس فيها.
أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، حدثنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي، أخبرنا سفيان بن عيينة عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يقيمن أحدكم الرجل من مجلسه ثم يخلفه فيه، ولكن تفسحوا وتوسعوا".
أخبرنا عبد الوهاب بن الخطيب، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال، أخبرنا أبو العباس الأصم، أخبرنا الربيع، أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد المجيد عن ابن جريج قال: قال سليمان بن موسى عن جابر بن عبد الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يقيمن أحدكم أخاه يوم الجمعة/ ولكن ليقل افسحوا".
وقال أبو العالية، والقرظي، والحسن: هذا في مجالس الحرب ومقاعد القتال، كان الرجل يأتي القوم في الصف فيقول توسعوا فيأبون عليه لحرصهم على القتال ورغبتهم في الشهادة "وإذا قيل انشزوا فانشزوا"، قرأ أهل المدينة والشام وعاصم بضم الشين، وقرأ الآخرون بكسرهما، وهما لغتان أي ارتفعوا، قيل: ارتفعوا عن مواضعكم حتى توسعوا لإخوانكم. وقال عكرمة والضحاك: كان رجال يتثاقلون عن الصلاة إذا نودي لها فأنزل الله تعالى هذه الآية، معناه: إذا نودي للصلاة فانهضوا لها.
وقال مجاهد وأكثر المفسرين: معناه: إذا قيل لكم انهضوا إلى الصلاة وإلى الجهاد وإلى مجالس كل خير وحق فقوموا لها ولا تقصروا.
"يرفع الله الذين آمنوا منكم"، بطاعتهم لرسوله صلى الله عليه وسلم وقيامهم من مجالسهم وتوسعتهم لإخوانهم، "والذين أوتوا العلم"، من المؤمنين بفضل علمهم وسابقتهم، "درجات"، فأخبر الله عز وجل أن رسوله صلى الله عليه وسلم مصيب فيما أمر وأن أولئك المؤمنين مثابون فيما ائتمروا، وأن النفر من أهل بدر مستحقون لما عوملوا من الإكرام.
"والله بما تعملون خبير"، قال الحسن: قرأ ابن مسعود هذه الآية وقال: أيها الناس افهموا هذه الآية ولنرغبنكم في العلم، فإن الله تعالى يقول: "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" المؤمن العالم فوق الذي لا يعلم درجات.
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي، حدثنا الإمام أبو الطيب سهل بن محمد بن سليمان حدثنا أبو علي حامد بن محمد بن عبد الله الهروي، أخبرنا محمد بن يونس القرشي، أخبرنا عبيد الله بن داود، حدثنا عاصم بن رجاء بن حيوة، حدثني داود بن جميل بن كثير بن قيس قال: كنت جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فجاء رجل فقال: يا أبا الدرداء إني جئتك من مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم لحديث بلغني أنك تحدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ما كانت لك حاجة غيره؟ قال: لا، قال: ولا جئت لتجارة؟ قال: لا، قال: ولا جئت إلا رغبة فيه؟ قال: نعم، قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضىً لطالب العلم، وإن السموات والأرض والحوت في الماء لتدعو له، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء وإن الأنبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً، وإنما ورثوا العلم فمن أخذه فقد أخذ بحظ وافر".
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو علي الحسين بن أحمد بن إبراهيم السراج، أخبرنا الحسن بن يعقوب العدل، حدثنا محمد بن عبد الوهاب الفراء، حدثنا جعفر بن عون، أخبرنا عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن رافع، عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم" مر بمجلسين في مسجده، أحد المجلسين يدعون الله ويرغبون إليه، والآخر يتعلمون الفقه ويعلمونه، قال:كلا المجلسين على خير، وأحدهما أفضل من صاحبه، أما هؤلاء فيدعون الله ويرغبون إليه وأما هؤلاء فيتعلمون الفقه ويعلمون الجاهل، فهؤلاء أفضل وإنما بعثت معلماً، ثم جلس فيهم".
11-" يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس " توسعوا فيه وليفسح بعضكم عن بعض من قولهم : افسح عني أي تنح ، وقرئ تفاسحوا والمراد بالمجلس الجنس ويدل عليه قراءة عاصم بالجمع ،أو مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنهم كانوا يتضامون به تنافساً على القرب منه وحرصاً على استماع كلامه . " فافسحوا يفسح الله لكم " فيما تريدون التفسح فيه من المكان والرزق والصدر وغيرها . " وإذا قيل انشزوا " انهضوا للتوسعة أو لما أمرتم به كصلاة أو جهاد ، أو ارتفعوا عن المجلس . " فانشزوا " وقرأ نافع و ابن عامر و عاصم بضم الشين فيهما . " يرفع الله الذين آمنوا منكم " بالنصر وحسن الذكر في الدنيا ، وإيوائهم غرف الجنان في الآخرة . " و الذين أوتوا العلم درجات " ويرفع العلماء منهم خاصة درجات بما جمعوا من العلم والعمل ، فإن العلم مع علو درجته يقتضي العمل المقرون به مزيد رفعة ، ولذلك يقتدي بالعالم في أفعاله ولا يقتدي بغيره . وفي الحديث " فضل العالم على العابدكفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب " . " والله بما تعملون خبير " تهديد لمن لم يتمثل الأمر أو استكرهه .
11. O ye who believe! When it is said, Make room! in assemblies, then make room; Allah will make way for you (hereafter). And when it is said, Come up higher! go up higher; Allah will exalt those who believe among you, and those who have knowledge, to high ranks. Allah is informed of what ye do.
11 - O ye who believe! When ye are told to make room in the assemblies, (Spread out and) make room: (ample) room will God provide for you. And when ye are told to rise up, rise up: God will raise up, to (suitable) ranks (and degrees), those of you who believe and who have been granted (mystic) knowledge. And God is well acquainted with all ye do.