11 - (من ذا الذي يقرض الله) بإنفاق ماله في سبيل الله (قرضا حسنا) بأن ينفقه لله (فيضاعفه) وفي قراءة فيضعفه بالتشديد (له) من عشر إلى أكثر من سبعمائة كما ذكر في البقرة (وله) مع المضاعفة (أجر كريم) مقترن به رضا وإقبال
يقول تعالى ذكره : من هذا الذي ينفق في سبيل الله في الدنيا محتسباً في نفقته مبتغياً ما عند الله وذلك هو القرض الحسن يقول : فيضاعف له ربه قرضه ذلك الذي أقرضه بإنفاقه في سبيله فيجعل له بالواحدة سبع مئة . وكان بعض نحويي البصرة يقول في قوله " من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً " فهو كقول العرب : لي عندك قرض صدق وقرض سوء إذا فعل به خيراً وأنشد في ذلك بيتاً للشنفرى :
سنجزي سلامان بن مفرج قرضها بما قدمت أيديهم فأزلت
" وله أجر كريم " يقول : وله ثواب وجزاء كريم يعني بذلك الأجر : الجنة وقد ذكرنا الرواية عن أهل التأويل في ذلك قيما مضى بما أغنى عن إعادته .
قوله تعالى : " من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " ندب إلى الإنفاق في سبيل الله . وقد مضى في البقرة القول فيه . والعرب تقول لكل من فعل فعلا حسنا : قد أقرض ، كما قال :
وإذا جوزيت قرضا فاجزه إنما يجزي ال.
فتى ليس الجمل
وسمي قرضا ، لأن القرض أخرج لاسترداد البدل .أي من ذا الذي ينفق في سبيل الله حتى يبدله الله بالأضعاف الكثيرة . قال الكلبي : قرضا أي صدقة حسنا أي محتسبا من قبله بلا من ولا أذى . " فيضاعفه له " ما بين السبع إلى سبعمائة ما شاء الله من الأضعاف . وقيل : القرض الحسن هو أن يقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ، رواه سفيان عن ابن حيان . قال زيد بن أسلم وهو النفقة على الأهل . الحسن : التطوع العبادة . وقيل : إنه عمل الخير ، والعرب تقول : لي عند فلان قرض صدق وقرض سوء . القشيري : والقرض الحسن أن يكون المتصدق صادق النية طيب النفس، يبتغي به وجه الله دون الرياء والسمعة ، وأن يكون من الحلال . ومن القرض الحسن ألا يقصد إلى الرديء فيخرجه ، لقوله تعالى : " ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون " [البقرة : 267 ] وأن يتصدق في حال يأمل الحياة ،" فإن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن أفضل الصدقة فقال : إن تعطيه وأنت صحيح شحيح تأمل العيش ولا تمهل حتى إذا بلغت التراقي قلت لفلان كذا ولفلان كذا " وأن يخفي صدقته ، لقوله تعالى : " وإن تخفوها وتؤتوها الفقراء فهو خير لكم " [البقرة : 271 ] وألا يمن ، لقوله تعالى " لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى " [البقرة : 264 ] وأن يستحقر كثير ما يعطي ، لأن الدنيا كلها قليلة ، وأن يكون من أحب أمواله ، لقوله تعالى : " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " [آل عمران : 92 ] وأ، يكون كثيرا ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " : أفضل الرقاب أغلاها ثمنا وأنفسها عند أههلها " . " فيضاعفه له " وقرأ ابن كثير وابن عامر فيضعفه بإسقاط الألف إلا ابن عامر و يعقوب نصبوا الفاء . وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة فيضاعفه بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصم نصب الفاء . ورفع الباقون عطفا على يقرض . والنصب جوابا على الاستفهام . وقد مضى في البقرة القول في هذا مستوفي : " وله أجر كريم " يعني الجنة .
أمر تبارك وتعالى بالإيمان به وبرسوله على الوجه الأكمل, والدوام والثبات على ذلك والاستمرار, وحث على الإنفاق مما جعلكم مستخلفين فيه أي مما هو معكم على سبيل العارية, فإنه قد كان في أيدي من قبلكم ثم صار إليكم, فأرشد الله تعالى إلى استعمال ما استخلفتم فيه من المال في طاعته, فإن تفعلوا وإلا حاسبكم عليه وعاقبكم لترككم الواجبات فيه, وقوله تعالى: "مما جعلكم مستخلفين فيه" فيه إشارة إلى أنه سيكون مخلفاً عنك, فلعل وارثك أن يطيع الله فيه فيكون أسعد بما أنعم الله به عليك منك, أو يعصي الله فيه فتكون قد سعيت في معاونته على الإثم والعدوان. قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة, سمعت قتادة يحدث عن مطرف يعني ابن عبد الله بن الشخير عن أبيه قال: انتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول: "ألهاكم التكاثر, يقول ابن آدم مالي مالي وهل لك من مالك إلا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدقت فأمضيت ؟" ورواه مسلم من حديث شعبة به وزاد: "وما سوى ذلك فذاهب وتاركه للناس".
وقوله تعالى: "فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير" ترغيب في الإيمان والإنفاق في الطاعة ثم قال تعالى: " وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم " أي وأي شيء يمنعكم من الإيمان والرسول بين أظهركم يدعوكم إلى ذلك ويبين لكم الحجج والبراهين على صحة ما جاءكم به, وقد روينا في الحديث من طرق في أوائل شرح كتاب الإيمان من صحيح البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوماً لأصحابه: "أي المؤمنين أعجب إليكم إيماناً ؟ قالوا: الملائكة. قال: وما لهم لا يؤمنون وهم عند ربهم ؟ قالوا: فالأنبياء. قال: ومالهم لا يؤمنون والوحي ينزل عليهم ؟ قالوا: فنحن. قال: ومالكم لا تؤمنون وأنا بين أظهركم ؟ ولكن أعجب المؤمنين إيماناً قوم يجيئون بعدكم يجدون صحفاً يؤمنون بما فيها" وقد ذكرنا طرفاً من هذه الرواية في أول سورة البقرة عند قوله تعالى: "الذين يؤمنون بالغيب".
وقوله تعالى: "وقد أخذ ميثاقكم" كما قال تعالى: "واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا" ويعني بذلك بيعة الرسول صلى الله عليه وسلم, وزعم ابن جرير أن المراد بذلك الميثاق الذي أخذ عليهم في صلب آدم وهو مذهب مجاهد فالله أعلم. وقوله تعالى: "هو الذي ينزل على عبده آيات بينات" أي حججاً واضحات ودلائل باهرات وبراهين قاطعات "ليخرجكم من الظلمات إلى النور" أي من ظلمات الجهل والكفر والاراء المتضادة إلى نور الهدى واليقين والإيمان "وإن الله بكم لرؤوف رحيم" أي في إنزاله الكتب وإرساله الرسل لهداية الناس وإزاحة العلل وإزالة الشبه, ولما أمرهم أولاً بالإيمان والإنفاق ثم حثهم على الإيمان وبين أنه قد أزال عنهم موانعه حثهم أيضاً على الإنفاق فقال: " وما لكم أن لا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السماوات والأرض " أي أنفقوا ولا تخشوا فقراً وإقلالاً فإن الذي أنفقتم في سبيله هو مالك السموات والأرض وبيده مقاليدهما وعنده خزائنهما, وهو مالك العرش بما حوى, وهو القائل "وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين".
وقال: "ما عندكم ينفد وما عند الله باق" فمن توكل على الله أنفق ولم يخش من ذي العرش إقلالاً, وعلم أن الله سيخلفه عليه, وقوله تعالى: "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل" أي لا يستوي هذا ومن لم يفعل كفعله, وذلك أن قبل فتح مكة كان الحال شديداً فلم يكن يؤمن حينئذ إلا الصديقون, وأما بعد الفتح فإنه ظهر الإسلام ظهوراً عظيماً ودخل الناس في دين الله أفواجاً. ولهذا قال تعالى: "أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى" والجمهور على أن المراد بالفتح ههنا فتح مكة, وعن الشعبي وغيره أن المراد بالفتح ههنا صلح الحديبية, وقد يستدل لهذا القول بما قال الإمام أحمد: حدثنا أحمد بن عبد الملك, حدثنا زهير, حدثنا حميد الطويل عن أنس قال: كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام, فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها, فبلغنا أن ذلك ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "دعوا لي أصحابي, فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهبا ما بلغتم أعمالهم" ومعلوم أن إسلام خالد بن الوليد المواجه بهذا الخطاب كان بين صلح الحديبية وفتح مكة, وكانت هذه المشاجرة بينهما في بني جذيمة الذين بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم خالد بن الوليد بعد الفتح, فجعلوا يقولون: صبأنا صبأنا, فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا, فأمر خالد بقتلهم وقتل من أسر منهم, فخالفه عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عمر وغيرهما, فاختصم خالد وعبد الرحمن بسبب ذلك, والذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه".
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث ابن وهب, أخبرنا هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الحديبية, حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم" فقلنا من هم يارسول الله أقريش ؟ قال: "لا ولكن أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوباً" فقلنا: أهم خير منا يارسول الله ؟ قال: "لو كان لأحدهم جبل من ذهب فأنفقه ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير" " وهذا الحديث غريب بهذا السياق والذي في الصحيحين من رواية جماعة عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد ذكر الخوارج: "تحقرون صلاتكم مع صلاتهم وصيامكم مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية". الحديث, ولكن روى ابن جرير هذا الحديث من وجه آخر فقال: حدثني ابن البرقي حدثني ابن أبي مريم, أخبرنا محمد بن جعفر, أخبرني زيد بن أسلم عن أبي سعيد التمار عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك أن يأتي قوم تحقرون أعمالكم مع أعمالهم" قلنا: من هم يا رسول الله ؟ قريش ؟ قال: "لا ولكن أهل اليمن لأنهم أرق أفئدة وألين قلوباً" وأشار بيده إلى اليمن فقال: "هم أهل اليمن ألا إن الإيمان يمان والحكمة يمانية" فقلنا: يارسول الله هم خير منا ؟ قال: "والذي نفسي بيده لو كان لأحدهم جبل من ذهب ينفقه ما أدى مد أحدكم ولانصيفه" ثم جمع أصابعه ومد خنصره وقال: "ألا إن هذا فضل ما بيننا وبين الناس "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلاً وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير"". فهذا السياق ليس فيه ذكر الحديبية, فإن كان ذلك محفوظاً كما تقدم فيحتمل أنه أنزل قبل الفتح إخباراً عما بعده كما في قوله تعالى في سورة المزمل وهي مكية من أوائل ما نزل "وآخرون يقاتلون في سبيل الله" الاية. فهي بشارة بما يستقبل وهكذا هذه والله أعلم.
وقوله تعالى: "وكلاً وعد الله الحسنى" يعني المنفقين قبل الفتح وبعده, كلهم لهم ثواب على ما عملوا, وإن كان بينهم تفاوت في تفاضل الجزاء كما قال تعالى: "لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلاً وعد الله الحسنى وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً" وهكذا الحديث الذي في الصحيح "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف, وفي كل خير" وإنما نبه بهذا لئلا يهدر جانب الاخر بمدح الأول دون الاخر, فيتوهم متوهم ذمه, فلهذا عطف بمدح الاخر والثناء عليه مع تفضيل الأول عليه, ولهذا قال تعالى: "والله بما تعملون خبير" أي فلخبرته فاوت بين ثواب من أنفق من قبل الفتح وقاتل ومن فعل ذلك بعد ذلك وما ذاك إلا لعلمه بقصد الأول وإخلاصه التام وإنفاقه في حال الجهد والقلة والضيق, وفي الحديث "سبق درهم مائة ألف" ولا شك عند أهل الإيمان أن الصديق أبا بكر رضي الله عنه له الحظ الأوفر من هذه الاية, فإنه سيد من عمل بها من سائر أمم الأنبياء, فإنه أنفق ماله كله ابتغاء وجه الله عز وجل, ولم يكن لأحد عنده نعمة يجزيه بها.
وقد قال أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي عند تفسير هذه الاية: أخبرنا أحمد بن إبراهيم الشريحي, أخبرنا أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي, أخبرنا عبد الله بن حامد بن محمد, أخبرنا أحمد بن إسحاق بن أيوب, أخبرنا محمد بن يونس, حدثنا العلاء بن عمرو الشيباني, حدثنا أبو إسحاق الفزاري, حدثنا سفيان بن سعيد عن آدم بن علي عن ابن عمرو قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر الصديق وعليه عباءة قد خلها في صدره بخلال, فنزل جبريل فقال: مالي أرى أبا بكر عليه عباءة قد خلها في صدره بخلال ؟ فقال: "أنفق ماله علي قبل الفتح" قال: فإن الله يقول: اقرأ عليه السلام وقل له أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا أبا بكر إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك: أراض أنت عني في فقرك هذا أم ساخط ؟" فقال أبو بكر رضي الله عنه: أسخط على ربي عز وجل ؟ إني عن ربي راض. هذا الحديث ضعيف الإسناد من هذا الوجه والله أعلم. وقوله تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" قال عمر بن الخطاب: هو الإنفاق في سبيل الله, وقيل: هو النفقة على العيال, والصحيح أنه أعم من ذلك, فكل من أنفق في سبيل الله بنية خالصة, وعزيمة صادقة دخل في عموم هذه الاية, ولهذا قال تعالى: "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" كما قال في الاية الأخرى: " أضعافا كثيرة " " وله أجر كريم " أي جزاء جميل ورزق باهر, وهو الجنة يوم القيامة.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا خلف بن خليفة عن حميد الأعرج عن عبد الله بن الحارث عن عبد الله بن مسعود قال: لما نزلت هذه الاية "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له" قال أبو الدحداح الأنصاري: يا رسول الله, وإن الله ليريد منا القرض ؟ قال: "نعم يا أبا الدحداح" قال: أرني يدك يا رسول الله. قال: فناوله يده. قال: فإني قد أقرضت ربي حائطي, وله حائط فيه ستمائة نخلة, وأم الدحداح فيه وعيالها. قال: فجاء أبو الدحداح فناداها يا أم الدحداح. قالت: لبيك, قال: اخرجي فقد أقرضته ربي عز وجل, وفي رواية أنها قالت له: ربح بيعك يا أبا الدحداح. ونقلت منه متاعها وصبيانها وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كم من عذق رداح في الجنة لأبي الدحداح" وفي لفظ "رب نخلة مدلاة عروقها در وياقوت لأبي الدحداح في الجنة".
ثم رغب سبحانه في الصدقة فقال: 11- "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً" أي من ذا الذي ينفق ماله في سبيل الل، فإنه كمن يقرضه، والعرب تقول لكل من فعل فعلاً حسناً قد أقرض، ومنه قول الشاعر:
إذا جوزيت قرضاً فأجزه إنما يجزي الفتى ليس الجمل
قال الكلبي "قرضاً" أي صدقة "حسناً" أي محتسباً من قلبه بلا من ولا أذى. قال مقاتل: حسناً طيبة به نفسه، وقد تقدم تفسير الآية في سورة البقرة "فيضاعفه له" قرأ ابن عامر وابن كثير فيضعفه بإسقاط الألف إلا أن ابن عامر ويعقوب نصبوا الفاء. وقرأ نافع وأهل الكوفة والبصرة فيضاعفه بالألف وتخفيف العين إلا أن عاصماً نصب الفاء ورفع الباقون. قال ابن عطية: الرفع على العطف على يقرض، أو الاستئناف والنصب لكون الفاء في جواب الاستفهام. وضعف النصب أبو علي الفارسي قال لأن السؤال لم يقع عن القرض، وإنما وقع عن فاعل القرض، وإنما تنصب الفاء فعلاً مردوداً على فعل مستفهم عنه، لكن هذه الفرقة حملت ذلك على المعنى، كأن قوله: "من ذا الذي يقرض الله" بمنزلة قوله أيقرض الله أحد "وله أجر كريم" وهو الجنة، والمضاعفة هنا هي كون الحسنة بعشرة أمثالها إلى سبعمائة ضعف على اختلاف الأحوال والأشخاص والأوقات.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبو نعيم في الدلائل من طريق زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال "خرجنا مع رسول الله عام الحديبية حتى إذا كنا بعسفان قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك أن يأتي قوم [تحرقون] أعمالكم مع أعمالهم، قلنا من هم يا رسول الله؟ أقريش؟ قال: لا، ولكنهم أهل اليمن هم أرق أفئدة وألين قلوبا فقلنا: أهم خير منا يا رسول الله؟ قال: لو كان لأحدهم جبل من ذهب ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه، إلا أن هذا فصل ما بيننا وبين الناس "لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل" الآية" وهذا الحديث قال ابن كثير: هو غريب بهذا الإسناد، وقد رواه ابن جرير ولم يذكر فيه الحديبية. وأخرج أحمد عن أنس قال: "كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف كلام، فقال خالد لعبد الرحمن: تستطيلون علينا بأيام سبقتمونا بها؟ فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دعوا لي أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أنفقتم مثل أحد أو مثل الجبال ذهباً ما بلغتم أعمالهم" والذي في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظ: "لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك أحدهم ولا نصيفه" لفظ "ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" وأخرج هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهما عن حديث أبي سعيد الخدري. وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن عمر قال: لا تسبوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فلمقام أحدهم ساعة خير من عمل أحدكم عمره.
11- "من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً فيضاعفه له وله أجر كريم".
11-" من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا " أي من الذي ينفق ماله في سبيله رجاء أن يعوضه ، فإنه كمن يقرضه وحسن الإنفاق بالإخلاص فيه وتحري أكرم المال وأفضل الجهات له . " فيضاعفه له " أي يعطي أجره أضعافاً . " وله أجر كريم " أي وذلك الأجر المضموم إليه الأضعاف كريم في نفسه ينبغي أن يتوخى و إن لم يضاعف ، فكيف وقد يضاعف أضعافاً . وقرأ عاصم فيضاعفه بالنصب على جواب الاستفهام باعتبار المعنى فكأنه قال : أيقرض الله أحد فيضاعفه له . وقرأ ابن كثير فيضعفه مرفوعاً وقرأ ابن عامر و يعقوب فيضعفه منصوباً .
11. Who is he that will lend unto Allah a goodly loan, that He may double it for him and his may be a rich reward?
11 - Who is he that will loan to God a beautiful loan? For (God) will increase it manifold to his credit, and he will have (besides) a liberal reward.