11 - (ففتحنا) بالتخفيف والتشديد (أبواب السماء بماء منهمر) منصب انصبابا شديدا
يقول تعالى ذكره " ففتحنا " لما دعانا نوح مستغيثاً بنا على قومه " أبواب السماء بماء منهمر " وهو المندفق كما قال امرؤ القيس في صفة غيث :
راح تمريه الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر
بنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد قال : ثنا مهران عن سفيان " بماء منهمر " قال : ينصب انصباباً
" ففتحنا أبواب السماء " أي فأجبنا دعاءه وأمرناه باتخاذ السفينة وفتحنا أبواب السماء " بماء منهمر " أي كثير قاله السدي قال الشاعر :
أعيني جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر
وقيل إنه المنصب المتدفق ومنه قول امرئ القيس يصف غيثا :
راح تمريه الصبا ثم انتحى فيه شؤبوب جنوب منهمر
الهمر الصب وقد همر الماء والدمع يهمر همرا . وهمر أيضا إذا أكثر الكلام وأسرع وهمر له من ماله أي أعطاه قال ابن عباس ففتحنا السماء بماء منهمر من غير سحاب لم يقلع أربعين يوما . وقرأ ابن عامرويعقوب ففتحنا مشددة على التكثير الباقون : ففتحنا مخففا . ثم قيل : إنه فتح رتاجها وسعة مسالكها وقيل إنه المجرة وهي شرج السماء ومنها فتحت بماء منهمر . قاله علي رضي الله عنه .
يقول تعالى: "كذبت" قبل قومك يا محمد "قوم نوح فكذبوا عبدنا" أي صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون "وقالوا مجنون وازدجر" قال مجاهد: وازدجر. أي استطير جنوناً, وقيل: وازدجر أي انتهروه وزجروه وتواعدوه لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين, قاله ابن زيد وهذا متوجه حسن "فدعا ربه أني مغلوب فانتصر" أي إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم فانتصر أنت لدينك. قال الله تعالى: "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" قال السدي: وهو الكثير "وفجرنا الأرض عيوناً" أي نبعت جميع أرجاء الأرض حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيوناً, "فالتقى الماء" أي من السماء والأرض "على أمر قد قدر" أي أمر مقدر.
قال ابن جريج عن ابن عباس "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب, فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم, فالتقى الماءان على أمر قد قدر, وروى ابن أبي حاتم أن ابن الكواء سأل علياً عن المجرة فقال: هي شرج السماء, ومنها فتحت السماء بماء منهمر "وحملناه على ذات ألواح ودسر" قال ابن عباس وسعيد بن جبير والقرظي وقتادة وابن زيد: هي المسامير, واختاره ابن جرير, قال: وواحدها دسار. ويقال: دسير كما يقال حبيك وحباك والجمع حبك, وقال مجاهد: الدسر أضلاع السفينة. وقال عكرمة والحسن: هو صدرها الذي يضرب به الموج. وقال الضحاك: طرفاها وأصلها, وقال العوفي عن ابن عباس: هو كلكلها أي صدرها. وقوله: "تجري بأعيننا" أي بأمرنا بمرأى منا وتحت حفظنا وكلاءتنا "جزاء لمن كان كفر" أي جزاء لهم على كفرهم بالله وانتصاراً لنوح عليه السلام.
وقوله تعالى: "ولقد تركناها آية" قال قتادة: أبقى الله سفينة نوح حتى أدركها أول هذه الأمة, والظاهر أن المراد من ذلك جنس السفن, كقوله تعالى: " وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون " وقال تعالى: "إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية * لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية" ولهذا قال ههنا: "فهل من مدكر" أي فهل من يتذكر ويتعظ. قال الإمام أحمد: حدثنا حجاج, حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود عن ابن مسعود قال: أقرأني رسول الله صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وهكذا رواه البخاري, حدثنا يحيى, حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن الأسود بن يزيد, عن عبد الله قال: قرأت على النبي صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وقال النبي صلى الله عليه وسلم "فهل من مدكر" وروى البخاري أيضاً من حديث شعبة, عن أبي إسحاق, عن الأسود, عن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ "فهل من مدكر". وقال: حدثنا أبو نعيم, حدثنا زهير عن أبي إسحاق أنه سمع رجلاً سأل الأسود فهل من مذكر أو مدكر, قال: سمعت عبد الله يقرأ فهل من مدكر, وقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها فهل من مدكر. دالاً. وقد أخرج مسلم هذا الحديث وأهل السنن إلا ابن ماجه من حديث أبي إسحاق.
وقوله تعالى: "فكيف كان عذابي ونذر" أي كيف كان عذابي لمن كفر بي وكذب رسلي, ولم يتعظ بما جاءت به نذري, وكيف انتصرت لهم وأخذت لهم بالثأر "ولقد يسرنا القرآن للذكر" أي سهلنا لفظه ويسرنا معناه لمن أراده ليتذكر الناس, كما قال: "كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب" وقال تعالى: "فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوماً لدا" قال مجاهد: "ولقد يسرنا القرآن للذكر" يعني هونا قراءته, وقال السدي: يسرنا تلاوته على الألسن, وقال الضحاك عن ابن عباس: لولا أن الله يسره على لسان الادميين ما استطاع أحد من الخلق أن يتكلم بكلام الله عز وجل, قلت: ومن تيسيره تعالى على الناس تلاوة القرآن ما تقدم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف" وأوردنا الحديث بطرقه وألفاظه بما أغنى عن إعادته ههنا ولله الحمد والمنة, وقوله: "فهل من مدكر" أي فهل من متذكر بهذا القرآن الذي قد يسر الله حفظه ومعناه ؟ وقال محمد بن كعب القرظي: فهل من منزجر عن المعاصي ؟.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن رافع, حدثنا ضمرة عن ابن شوذب, عن مطر هو الوراق في قوله تعالى: "فهل من مدكر" هل من طالب علم فيعان عليه, وكذا علقه البخاري بصيغة الجزم عن مطر الوراق, ورواه ابن جرير, وروي عن قتادة مثله.
ثم ذكر سبحانه ما عاقبهم به فقال: 11- "ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر" أي منصب انصباباً شديداً، والهمر: الصب بكثرة، يقال: همر الماء والدمع يهر همراً وهموراً: إذا كثر، ومنه قول الشاعر:
أعيني جودا بالدموع الهوامر على خير باد من معد وحاضر
ومنه قول امرئ القيس يصف عينا:
راح تمر به الصبا ثم انتحى فيه بشؤبوب جنوب منهمر
قرأ الجمهور "فتحنا" مخففاً. وقرأ ابن عامر ويعقوب بالتشديد.
11. " ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر "، منصب انصباباً شديداً، لم ينقطع أربعين يوماً، وقال يمان: قد طبق ما بين السماء والأرض.
11-" ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر " منصب ، وهو مبالغة وتمثيل لكثرة الأمطار وشدة انصبابها ،وقرأ ابن عامر و يعقوب ففتحنا بالتشديد لكثرة الأبواب .
11. Then opened We the gates of heaven with pouring water
11 - So We opened the gates of heaven, with water pouring forth.