11 - (يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ همَّ قوم) هم قريش (أن يبسطوا) يمدوا (إليكم أيديهم) ليفتكوا بكم (فكف أيديهم عنكم) وعصمكم مما أرادوا بكم (واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون)
قوله تعالى يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا الآية أخرج ابن جرير عن عكرمة قال إن نبي الله صلى الله عليه وسلم أتاه اليهود يسألونه عن الرجم فقال أيكم أعلم فأشاروا إلى ابن صوريا فناشده بالذي أنزل التوارة على موسى والذي رفع الطور والمواثيق التي أخذت عليهم حتى أخذه أفكل فقال إنه لما كثر فينا جلدنا مائة وحلقنا الرؤوس فحكم عليهم بالرجم فأنزل الله يا أهل الكتاب إلى قوله صراط مستقيم
قال أبو جعفر: يعني بقوله جل ثناؤه: "يا أيها الذين آمنوا"، يا أيها الذين أقروا بتوحيد الله ورسالة رسوله صلى الله عليه وسلم وما جاءهم به من عند ربهم، "اذكروا نعمة الله عليكم"، اذكروا النعمة التي أنعم الله بها عليكم ، فاشكروه عليها بالوفاء له بميثاقه الذي واثقكم به ، والعقود التي عاقدتم نبيكم صلى الله عليه وسلم عليها. ثم وصف نعمةه التي أمرهم جل ثناؤه بالشكر عليها مع سائر نعمه ، فقال: هي كفه عنكم أيدي القوم الذين هموا بالبطش بكم ، فصرفهم عنكم ، وحال بينهم وبين ما أرادوه بكم.
ثم اختلف أهل التأويل في صفة هذه النعمة التي ذكر الله جل ثناؤه أصحاب نبيه صلى الله عليه وسلم، وأمرهم بالشكر له عليها.
فقال بعضهم: هو استنقاذ الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم وأصحابه مما كانت اليهود من بني النضير هموا به يوم أتوهم يستحملونهم دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال ، حدثنا سلمة، عن محمد بن إسحق ، عن عاصم بن عمر بن قتادة وعبد الله بن أبي بكر قالا: "خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني النضير ليستعينهم على دية العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري. فلما جاءهم، خلا بعضهم ببعض فقالوا: إنكم لن تجدوا محمداً أقرب منه الآن! فمن رجل يظهر على هذا البيت ، فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال عمرو بن جحاش بن كعب: أنا. فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم الخبر وانصرف عنهم، فأنزل الله عز ذكره فيهم وفيما أراد هو وقومه: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم""، الآية.
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قول الله: "إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم"، قال : اليهود، دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لهم وأصحابه من وراء جداره ، فاستعانهم في مغرم دية غرمها، ثم قام من عندهم ، فائتمروا بينهم بقتله. فخرج يمشي القهقرى ينظر إليهم ، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتى تتاموا إليه.
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: "اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم"، يهود، حين دخل النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً لهم ، وأصحابه من وراء جدار لهم ، فاستعانهم في مغرم ، في الدية التي غرمها، ثم قام من عندهم فائتمروا بينهم بقتله ، فخرج يمشي معترضاً ينظر إليهم خيفتهم . ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتى تتاموا إليه ، قال الله جل وعز: "فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون".
حدثنا هناد بن السري قال ، حدثنا يونس بن بكير قال ، حدثني أبو معشر، عن يزيد بن أبي زياد قال: "جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بني النضير يستعينهم في عقل أصابه ، ومعه أبو بكر وعمر وعلي، فقال : أعينوني في عقل أصابني. فقالوا : نعم ، يا أبا القاسم ، قد آن لك أن تأتينا وتسألنا حاجة! اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي تسألنا! فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ينتظرونه، وجاء حيي بن أخطب ، وهو رأس القوم ، وهو الذي قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال، فقال حيي لأصحابه: لا ترونه أقرب منه الآن، اطرحوا عليه حجارة فاقتلوه، ولا ترون شراً أبداً! فجاؤوا إلى رحىً لهم عظيمة ليطرحوها عليه ، فأمسك الله عنها أيديهم، حتى جاءه جبريل صلى الله عليه وسلم فأقامه من ثم، فأنزل الله جل وعز: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون" فأخبر الله عز ذكره نبيه صلى الله عليه وسلم ما أرادوا به".
حدثني القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج، عن عبد الله ابن كثير: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم"، الآية، قال: يهود دخل عليهم النبي صلى الله عليه وسلم حائطاً فاستعانهم في مغرم غرمه، فائتمروا بينهم بقتله ، فقام من عندهم فخرج معترضاً ينظر إليهم خيفتهم، ثم دعا أصحابه رجلاً رجلاً حتى تتاموا إليه.
حدثنا القاسم ، قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ، عن ابن جريج، عن عكرمة قال: "بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الأنصاري -أحد بني النجار، وهو أحد النقباء ليلة العقبة- فبعثه في ثلاثين راكباً من المهاجرين والأنصار، فخرجوا فلقوا عامر بن الطفيل بن مالك بن جعفر على بئر معونة، وهى من مياه بني عامر، فاقتتلوا. فقتل المنذر وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم ، فلم يرعهم إلا والطير تحوم في السماء، يسقط من بين خراطيمها علق الدم. فقال أحد النفر: قتل أصحابنا والرحمن! ثم تولى يشتد حتى لقي رجلاً، فاختلفا ضربتين، فلما خالطته الضربة رفع رأسه إلى السماء ففتح عينيه ثم قال: الله أكبر، الجنة ورب العالمين!! فكان يدعى أعنق ليموت ورجع صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم، وبين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة، فانتسبا لهما إلى بني عامر، فقتلاهما. وقدم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية، فخرج ومعه أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن ابن عوف، حتى دخلوا على كعب بن الأشرف ويهود النضير، فاستعانهم في عقلهما. قال: فاجتمعت اليهود لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، واعتلوا بصنيعة الطعام. فأتاه جبريل صلى الله عليه وسلم بالذي أجمعت عليه يهود من الغدر، فخرج ، ثم دعا علياً فقال: لا تبرح مقامك ، فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عني فقل: وجه إلى المدينة فأدركوه. قال : فجعلوا يمرون على علي فيأمرهم بالذي أمره ، حتى أتى عليه آخرهم، ثم تبعهم ، فذلك قوله : "ولا تزال تطلع على خائنة منهم"" [المائدة: 13].
حدثني الحارث قال ، حدثنا عبد العزيز قال ، حدثنا إسرائيل، عن السدي، عن أبي مالك في قوله: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم"، قال: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه ، حين أرادوا أن يغدروا برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقال آخرون: بل النعمة التي ذكرها الله في هذه الآية، فأمر المؤمنين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشكر له عليها: أن اليهود كانت همت بقتل النبي صلى الله عليه وسلم في طعام دعوه إليه، فأعلم الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم ما هموا به، فانتهى هو وأصحابه عن إجابتهم إليه.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم" إلى قوله: "فكف أيديهم عنكم"، وذلك أن قوماً من اليهود صنعوا لرسول الله وأصحابه طعاماً، ليقتلوه إذا أتى الطعام ، فأوحى الله إليه بشأنهم فلم يأت الطعام، وأمر أصحابه فلم يأتوه.
وقال آخرون: عنى الله جل ثناؤه بذلك : النعمة التي أنعمها على المؤمنين بإطلاع نبيه صلى الله عليه وسلم على ما هم به عدوه وعدوهم من المشركين يوم بطن نخل، من اغترارهم إياهم والإيقاع بهم ، إذا هم اشتغلوا عنهم بصلاتهم فسجدوا فيها، وتعريفه نبيه صلى الله عليه وسلم الحذار من عدوه في صلاته، بتعليمه إياه صلاة الخوف.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" الآية، ذكر لنا أنها نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ببطن نخل في الغزوة السابعة، فأراد بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به ، فأطلعه الله على ذلك. ذكر لنا أن رجلاً انتدب لقتله، فأتى نبي الله صلى الله عليه وسلم وسيفه موضوع، فقال: آخذه ، يا نبي الله؟ قال: خذه! قال: أستله؟ قال: نعم! فسله ، فقال : من يمنعك مني؟ قال: الله يمنعني منك! فهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأغلظوا له القول، فشام السيف، وأمر نبي الله صلى الله عليه وسلم أصحابه بالرحيل، فأنزلت عليه صلاة الخوف عند ذلك.
حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الزهري، ذكره عن أبي سلمة، عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً، وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة، فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخذه فسله، ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله! فشام الأعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم خبر الأعرابي ، وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه. قال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا، وذكر أن قوماً من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا هذا الأعرابي، وتأول: "اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم"، الآية.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصحة في تأويل ذلك، قول من قال: عنى الله بالنعمة التي ذكر في هذه الآية، نعمته على المؤمنين به وبرسوله التي أنعم بها عليهم، في استنقاذه نبيهم محمداً صلى الله عليه وسلم مما كانت يهود بني النضير همت به من قتله وقتل من معه، يوم سار إليهم نبي الله صلى الله عليه وسلم في الدية التي كان تحملها عن قتيلي عمرو بن أمية.
وإنما قلنا ذلك أولى بالصحة في تأويل ذلك لأن الله جل ثناؤه عقب ذكر ذلك برمي اليهود بصنائعها وقبيح أفعالها، وخيانتها ربها وأنبياءها، ثم أمر نبيه صلى الله عليه وسلم بالعفو عنهم، والصفح عن عظيم جهلهم. فكان معلوماً بذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يؤمر بالعفو عنهم والصفح عقيب قوله: "إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم"، وغيرهم كان يبسط الأيدي إليهم. لأنه لو كان الذين هموا ببسط الأيدي إليهم غيرهم ، لكان حرياً أن يكون الأمر بالعفو والصفح عنهم، لا عمن لم يجر لهم بذلك ذكر، ولكان الوصف بالخيانة في وصفهم في هذا الموضع ، لا في وصف من لم يجر لخيانته ذكر، ففي ذلك ما ينبئ عن صحة ما قضينا له بالصحة من التأويلات في ذلك، دون ما خالفه.
قال أبو جعفر: يعني جل ثناؤه: واحذروا الله، أيها المؤمنون، أن تخالفوه فيما أمركم ونهاكم ، وأن تنقضوا الميثاق الذي واثقكم به ، فتستوجبوا منه العقاب الذي لا قبل لكم به ، "وعلى الله فليتوكل المؤمنون"، يقول : وإلى الله فليلق أزمة أمورهم ، ويستسلم لقضائه ، ويثق بنصرته وعونه ، المقرون بوحدانية الله ورسالة رسوله ، العاملون بأمره ونهيه ، فإن ذلك من كمال دينهم وتمام إيمانهم ، وأنهم إذا فعلوا ذلك كلأهم ورعاهم ، وحفظهم ممن أرادهم بسوء، كما حفظكم ودافع عنكم ، أيها المؤمنون ، اليهود الذين هموا بما هموا به من بسط أيديهم إليكم ، كلاءةً منه لكم ، إذ كنتم من أهل الإيمان به وبرسوله ، دون غيره ، فإن غيره لا يطيق دفع سوء أراد بكم ربكم ، ولا اجتلاب نفع لكم لم يقضه لكم.
قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم " قال جماعة: نزلت بسبب فعل الأعرابي في غزوة ذات الرقاع حين اخترط سيف النبي صلى الله عليه وسلم وقال : من يعصمك مني يا محمد؟ كما تقدم في النساء وفي البخاري : أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا الناس فاجتمعوا وهو جالس عند النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعاقبه وذكر الواقدي وابن أبي حاتم أنه أسلم وذكر قوم أنه ضرب برأسه في ساق شجرة حتى مات وفي البخاري في غزوة ذات الرقاع أن اسم الرجل غورث بن الحارث (بالغين منقوطة مفتوحة وسكون الواو بعدها راء وثاء مثلثة ) وقد ضم بعضهم الغين، والأول أصح وذكر أبو حاتم محمد بن إدريس الرازي وأبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي أن اسمه دعثور بن الحاث وذكر أنه أسلم كما تقدم وذكر محمد بن إسحاق أن اسمه عمرو بن جحاش وهو أخو بني النضير وذكر بعضهم أن قصة عمرو بن حجاش في غير هذه القصة والله أعلم وقال قتادة ومجاهد وغيرهما : نزلت في قوم من اليهود جاءهم النبي صلى الله عليه وسلم يستعينهم في دية فهموا بقتله صلى الله عله وسلم فمنعه الله منه قال القشيري: وقد تنزل الآية في قصة ثم ينزل ذكرها مرة أخرى لادكار ما سبق " أن يبسطوا إليكم أيديهم " أي بالسوء " فكف أيديهم عنكم " أي منعهم .
يقول تعالى مذكراً عباده المؤمنين نعمته عليهم في شرعه لهم هذا الدين العظيم . وإرساله إليهم هذا الرسول الكريم وما أخذ عليهم من العهد والميثاق في مبايعته على متابعته ومناصرته ومؤازرته, والقيام بدينه وإبلاغه عنه, وقبوله منه, فقال تعالى: "واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا" وهذه هي البيعة التي كانوا يبايعون عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند إسلامهم كما قالوا: بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وأثرة علينا, وأن لا ننازع الأمر أهله, وقال الله تعالى: " وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين ", وقيل: هذا تذكار لليهود بما أخذ عليهم من المواثيق والعهود في متابعة محمد صلى الله عليه وسلم والانقياد لشرعه, رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس .
وقيل: هو تذكار بما أخذ تعالى من العهد على ذرية آدم حين استخرجهم من صلبه وأشهدهم على أنفسهم "ألست بربكم قالوا بلى شهدنا" قاله مجاهد ومقاتل بن حيان, والقول الأول أظهر, وهو المحكي عن ابن عباس والسدي واختاره ابن جرير .
ثم قال تعالى: "واتقوا الله" تأكيد وتحريض على مواظبة التقوى في كل حال, ثم أعلمهم أنه يعلم ما يختلج في الضمائر من الأسرار والخواطر, فقال "إن الله عليم بذات الصدور", وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله" أي كونوا قوامين بالحق لله عز وجل, لا لأجل الناس والسمعة, وكونوا "شهداء بالقسط" أي بالعدل لا بالجور, وقد ثبت في الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال: نحلني أبي نحلاً فقالت أمي عمرة بنت رواحة: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم , فجاءه ليشهده على صدقتي, فقال "أكل ولدك, نحلت مثله ؟" قال: لا , فقال "اتقوا الله واعدلوا في أولادكم". وقال "إني لا أشهد على جور" قال: فرجع أبي فرد تلك الصدقة .
وقوله تعالى: " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا " أي لا يحملنكم بغض قوم على ترك العدل فيهم, بل استعملوا العدل في كل أحد صديقاً كان أو عدواً, ولهذا قال "اعدلوا هو أقرب للتقوى" أي عدلكم أقرب إلى التقوى من تركه, ودل الفعل على المصدر الذي عاد الضمير عليه, كما في نظائره من القرآن وغيره, كما في قوله "وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم" .
وقوله: هو أقرب للتقوى من باب استعمال أفعل التفضيل في المحل الذي ليس في الجانب الآخر منه شيء, كما في قوله تعالى: "أصحاب الجنة يومئذ خير مستقراً وأحسن مقيلا" وكقول بعض الصحابيات لعمر: أنت أفظ وأغلظ من رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال تعالى: "واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" أي وسيجزيكم على ما علم من أفعالكم التي عملتموها, إن خيراً فخير, وإن شراً فشر, ولهذا قال بعده "وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة" أي لذنوبهم "وأجر عظيم" وهوالجنة التي هي من رحمته على عباده, لا ينالونها بأعمالهم بل برحمة منه وفضل, وإن كان سبب وصول الرحمة إليهم أعمالهم, وهو تعالى الذي جعلها أسباباً إلى نيل رحمته وفضله وعفوه ورضوانه فالكل منه وله, فله الحمد والمنة .
ثم قال: "والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم" وهذا من عدله تعالى, وحكمته وحكمه الذي لا يجور فيه, بل هو الحكم العدل الحكيم القدير. وقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم". قال عبد الرزاق: أخبرنا معمر عن الزهري, ذكره عن أبي سلمة, عن جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً, وتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها, وعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة, فجاء أعرابي إلى سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخذه فسله, ثم أقبل على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني ؟ قال: "الله عز وجل". قال الأعرابي, مرتين أو ثلاثاً: من يمنعك مني ؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول "الله". قال: فشام الأعرابي السيف, فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه, فأخبرهم خبر الأعرابي, وهو جالس إلى جنبه, ولم يعاقبه, وقال معمر: كان قتادة يذكر نحو هذا, ويذكر أن قوماً من العرب أرادوا أن يفتكوا برسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي, وتأول "اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" الآية, وقصة هذا الأعرابي وهو غورث بن الحارث ثابتة في الصحيح .
وقال العوفي, عن ابن عباس في هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم" وذلك أن قوماً من اليهود صنعوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأصحابه طعاماً ليقتلوهم, فأوحى الله إليه بشأنهم, فلم يأت الطعام وأمر أصحابه فأتوه, رواه ابن أبي حاتم. وقال أبو مالك: نزلت في كعب بن الأشرف وأصحابه حين أرادوا أن يغدروا بمحمد وأصحابه في دار كعب بن الأشرف, رواه ابن أبي حاتم. وذكر محمد بن إسحاق بن يسار ومجاهد وعكرمة وغير واحد, أنها نزلت في شأن بني النضير حين أرادوا أن يلقوا على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم الرحى, لما جاءهم يستعينهم في دية العامريين, ووكلوا عمرو بن جحاش ابن كعب بذلك, وأمروه إن جلس النبي صلى الله عليه وسلم تحت الجدار واجتمعوا عنده أن يلقي تلك الرحى من فوقه, فأطلع الله النبي صلى الله عليه وسلم على ما تمالؤوا عليه, فرجع إلى المدينة وتبعه أصحابه, فأنزل الله في ذلك هذه الآية. وقوله تعالى: "وعلى الله فليتوكل المؤمنون" يعني من توكل على الله كفاه الله ما أهمه, وحفظه من شر الناس وعصمه, ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يغدو إليهم, فحاصرهم حتى أنزلهم فأجلاهم .
قوله: 11- "إذ هم قوم" ظرف لقوله: "اذكروا" أو للنعمة أو لمحذوف وقع حالاً منها: "أن يبسطوا" أي بأن يبسطوا. وقوله: "فكف" معطوف على قوله: "هم" وسيأتي بيان سبب نزول هذه الآية، وبه يتضح المعنى.
وقد أخرج ابن جرير والطبراني في الكبير عن ابن عباس في قوله: "إذ قلتم سمعنا وأطعنا" يعني حيث بعث الله النبي صلى الله عليه وسلم وأنزل عليه الكتاب قالوا: آمنا بالنبي والكتاب وأقررنا بما في التوراة، فذكرهم الله ميثاقه الذي أقروا به على أنفسهم وأمرهم بالوفاء به. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد قال: النعم الآلاء، " وميثاقه الذي واثقكم به " قال الذي واثق به بني آدم في ظهر آدم عليه السلام. وأخرج ابن جرير عن عبد الله بن كثير في قوله: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط" الآية. قال: نزلت في يهود خيبر، ذهب إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يستفتيهم في دية فهموا أن يقتلوه، فذلك قوله: " ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا " الآية. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والبيهقي في الدلائل عن جابر بن عبد الله "أن النبي صلى الله عليه وسلم نزل منزلاً فتفرق الناس في العضاه يستظلون تحتها، فعلق النبي صلى الله عليه وسلم سلاحه بشجرة، فجاء أعرابي إلى سيفه فأخذه فسله، ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: من يمنعك مني؟ قال: الله، قال الأعرابي، مرتين أو ثلاثاً
من يمنعك مني؟ والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: الله، فشام الأعرابي السيف، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه فأخبرهم بصنيع الأعرابي وهو جالس إلى جنبه لم يعاقبه". قال معمر: وكان قتادة يذكر نحو هذا. ويذكر أن قوماً من العرب أرادوا أن يفتكوا بالنبي صلى الله عليه وسلم فأرسلوا هذا الأعرابي، ويتأول "اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم" الآية، وأخرج الحاكم وصححه عنه بنحوه، وذكر أن اسم الرجل غورث بن الحارث، وأنه" لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: الله سقط السيف من يده، فأخذه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك مني؟، قال: كن خير آخذ، قال: فشهد أن لا إله إلا الله". وأخرجه أيضاً ابن إسحاق وأبو نعيم في الدلائل عنه. وأخرج ابن نعيم في الدلائل عن ابن عباس: أن بني النضير هموا أن يطرحوا حجراً على النبي صلى الله عليه وسلم ومن معه، فجاء جبريل فأخبره بما هموا، فقام ومن معه، فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم إذ هم قوم " الآية، وروي نحو هذا من طرق عن غيره، وقصة الأعرابي وهو غورث المذكور ثابتة في الصحيح.
11- قوله عز وجل : " يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم " ، بالدفع عنكم ، " إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم " بالقتل .
قال قتادة : نزلت هذه الآية ورسول الله صلى الله عليه وسلم ببطن نخل فأرادوا بنو ثعلبة وبنو محارب أن يفتكوا به وبأصحابه إذا اشتغلوا بالصلاة فأطلع الله تبارك وتعالى نبيه على ذلك ، وأنزل الله صلاة الخوف .
وقال الحسن : كان النبي صلى الله عليه وسلم محاصراً غطفان بنخل ، فقال رجل من المشركين : هل لكم في أن أقتل محمداً ؟ قالوا : وكيف تقتله ؟ قال : وددنا أنك قد فعلت ذلك ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم والنبي صلى الله عليه وسلم متقلداً سيفه ، فقال : يا محمد أرني سيفك فأعطاه إياه فجعل الرجل يهز السيف وينظر مرة إلى السيف ومرة إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال من يمنعك مني يا محمد ؟ قال : الله ، فتهدده أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فشام السيف ومضى ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
وقال مجاهد و عكرمة و الكلبي و ابن يسار عن رجاله : بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم المنذر بن عمرو الساعدي، وهو أحد النقباء ليلة العقبة، في ثلاثين راكباً من المهاجرين والأنصار إلى بني عامر بن صعصعة، فخرجوا فلقوا عامر بن الطفيل على بئر معونة، وهي من مناه بني عامر، فألقوا، فقتل المنذر بن عمرو وأصحابه إلا ثلاثة نفر كانوا في طلب ضالة لهم، أحدهم عمرو بن أمية الضمري، فلم يرعهم ألا الطير تحوم في السماء، يسقط من بين خراطيمها علق الدم، فقال أحد النفر: فقتل أصحابنا، ثم تولى يشتد حتى لقي رجلاً فاختلفا ضربتين فلما خالطته الضربة رفع [رأسه] إلى السماء وفتح عينيه وقال: الله أكبر الجنة ورب العالمين، فرجع صاحباه فلقيا رجلين من بني سليم وكان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قومهما موادعة، فانتسبا لهما إلى بني عامر فقتلاهما وقدم قومهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم يطلبون الدية، فخرج ومعه أبو بكر وعمر و عثمان وعلي وطلحة وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم، حتى دخلوا على كعب بن الأشرف و بني النضير يستعينهم في عقلهما، وكانوا قد عاهدوا النبي صلى الله عليه وسلم على ترك القتال وعلى أن يعينوه في الديات، قالوا : نعم يا أبا القاسم قد آن لك أن تأتينا وتسأل حاجة اجلس حتى نطعمك ونعطيك الذي سألته/، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فخلا بعضهم ببعض وقالوا: إنكم لن تجدوا محمداً أقرب منه الآن فمن يظهر على هذا البيت فيطرح عليه صخرة فيريحنا منه؟ فقال عمر بن جحاش: أنا ، فجاء إلى رحى عظيمة ليطرحها عليه فأمسك الله تعالى يده وجاء جبريل وأخبره، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم راجعاً إلى المدينة ثم دعا علياً فقال: لا تبرح مقامك، فمن خرج عليك من أصحابي فسألك عني فقل: توجه إلى المدينة، ففعل ذلك علي رضي الله عنه حتى تناهوا إليه ثم تبعوه، فأنزل الله تعالى هذه الآية وقال: " فكف أيديهم عنكم واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .
11" يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمة الله عليكم " روي (أن المشركين رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعسفان، قاموا إلى الظهر معاً فلما صلوا ندموا ألا كانوا أكبوا عليهم وهموا أن يوقعوا بهم إذا قاموا إلى العصر، فرد الله عليهم كيدهم بأن أنزل عليهم صلاة الخوف). والآية إشارة إلى ذلك وقيل إشارة إلى ما روي "أنه عليه الصلاة والسلام أتى قريظة ومعه الخلفاء الأربعة يستقرضهم لدية مسلمين قتلهما عمرو بن أمية الضمري يحسبهما مشركين، فقالوا: نعم يا أبا القاسم اجلس حتى نطعمك ونقرضك فأجلسوه وهموا بقتله، فعمد عمرو بن جحاش إلى رحى عظيمة يطرحها عليه، فأمسك الله يده فنزل جبريل فأخبره فخرج". وقيل "نزل رسول الله صلى الله عليه وسلم منزلاً وعلق سلاحه بشجرة وتفرق الناس عنه، فجاء أعرابي فسل سيفه وقال: من يمنعك مني فقال: الله! فأسقطه جبريل من يده، فأخذه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: من يمنعك مني؟ فقال: لا أحد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول اللهفنزلت" " إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم " بالقتل والإهلاك، يقال بسط إليه يده إذا بطش به وبسط إليه لسانه إذا شتمه. " فكف أيديهم عنكم " منعها أن تمد إليكم ورد مضرتها عنكم. " واتقوا الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون " فإنه الكافي لإيصال الخير ودفع الشر.
11. O ye who believe! Remember Allah's favor unto you, how a people were minded to stretch out their hands against you but He withheld their hands from you; and keep your duty to Allah. In Allah let believers put their trust.
11 - O ye who believe call in remembrance the favour of God unto you when certain men formed the design to stretch out their hands against you, but (God) held back there hands from you: so fear God. and no God let believers put (all) their trust.