دأبهم (كدأب) كعادة (آل فرعون والذين من قبلهم) من الأمم كعاد وثمود (كذبوا بآياتنا فأخذهم الله) أهلكهم (بذنوبهم) والجملة مفسرة لما قبلها (والله شديد العقاب) ونزل لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم اليهود بالإسلام بعد مرجعه من بدر فقالوا له لا يغرنك أنك قتلت نفرا من قريش أغمارا لا يعرفون القتال:
قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه : إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً عند حلول عقوبتنا لهم ، كسنة آل فرعون وعادتهم، "والذين من قبلهم" من الأمم الذين كذبوا بآياتنا ، فأخذناهم بذنوبهم ، فأهلكناهم حين كذبوا بآياتنا ، فلم تغن عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً حين جاءهم بأسنا ، كالذين عوجلوا بالعقوبة على تكذيبهم ربهم من قبل ال فرعون : من قوم نوح وقوم هود وقوم لوط وأمثالهم.
واختلف أهل التأويل في تأويل قوله: "كدأب آل فرعون".
فقال بعضهم : معناه : كسنتهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثني المثنى قال ، حدثنا إسحق بن الحجاج قال ، حدثنا عبد الله بن أبي جعفر، عن أبيه ، عن الربيع في قوله : "كدأب آل فرعون"، يقول : كسنتهم.
وقال بعضهم : معناه : كعملهم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال ، حدثنا مؤمل قال ، حدثنا سفيان ، وحدثني المثنى قال ، حدثنا أبو نعيم قال ، حدثنا سفيان ، جميعاً، عن جويبر، عن الضحاك: "كدأب آل فرعون"، قال : كعمل آل فرعون.
حدثنا يحيى بن أبي طالب قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا جويبر، عن الضحاك في قوله : "كدأب آل فرعون"، قال : كعمل آل فرعون.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "كدأب آل فرعون"، قال: كفعلهم ، كتكذيبهم حين كذبوا الرسل ، وقرأ قول الله : "مثل دأب قوم نوح" [غافر: 31]، أن يصيبكم مثل الذي أصابهم عليه من عذاب الله. قال : الدأب العمل.
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو تميلة يحيى بن واضح ، عن أبي حمزة، عن جابر، عن عكرمة ومجاهد في قوله : "كدأب آل فرعون"، قال : كفعل ال فرعون ، كشأن ال فرعون.
حدثت عن المنجاب قال ، حدثنا بشر بن عمارة ، عن أبي روق ، عن الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : "كدأب آل فرعون"، قال : كصنع آل فرعون.
وقال آخرون : معنى ذلك : كتكذيب آل فرعون . ذكر من قال ذلك:
حدثني موسى بن هرون قال ، حدثنا عمرو بن حماد قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي: "كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم"، ذكر الذين كفروا وأفعال تكذيبهم ، كمثل تكذيب الذين من قبلهم في الجحود والتكذيب.
قال أبو جعفر: وأصل الدأب من : دأبت في الأمر دأباً ، إذا أدمنت العمل والتعب فيه. ثم إن العرب نقلت معناه إلى: الشأن ، والأمر، والعادة ، كما قال امرؤ القيس بن حجر:
وإن شفائي عبرة مهراقة فهل عند رسم دارس من معول
كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل
يعني بقوله : كدأبك كشأنك وأمرك وفعلك . يقال منه : هذا دأبي ودأبك أبداً . يعني به : فعلي وفعلك ، وأمري وأمرك ، وشأني وشأنك . يقال منه : دأبت دؤوباً ودأباً . وحكي عن العرب سماعاً : دأبت دأباً ، مثقلة محركة الهمزة ، كما قيل : هذا شعر، ونهر ، فتحرك ثانيه لأنه حرف من الخروف الستة ، فالحق الدأب إذ كان ثانيه من الحروف الستة ، كما قال الشاعر:
له نعل لا تطبي الكلب ريحها وإن وضعت نجين المجالس شمت
وأما قوله : "والله شديد العقاب"، فإنه يعني به: والله شديد عقابه لمن كفر به وكذب رسله بعد قيام الحجة عليه.
الدأب العادة والشأن . ودأب الرجل في عمله يدأب دأبا ودؤوبا إذا جد واجتهد وأدأبته أنا . وأدأب بعيره إذا جهده في السير . والدائبان الليل والنهار . قال أبو حاتم : وسمعت يعقوب يذكر كدأب بفتح الهمزة ، وقال لي وأنا غليم : على أي شئ يجوز كدأب فقلت له : أظنه من دئب يدأب دأبا . فقبل ذلك مني وتعجب من جودة تقدير على صغري ، ولا أدري أيقال أم لا . قال النحاس : وهذا القول خطأ ، لا يقال البتة في دئب ، وإنما يقال دأب يدأب دءوبا ودأبا ، هكذا حكى النحويون ، منهم الفراء حكاه في كتاب المصادر ، كما قال امرؤ القيس :
كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل
فأما الدأب فإنه يجوز ، كما يقال : شعر وشعر ونهر ونهر ، لأن فيه حرفا من حروف الحلق . اختلفوا في الكاف ، فقيل : هي في موضع رفع تقديره دأبهم كدأب آل فرعون ، أي صنيع الكفار معك كصنيع آل فرعون مع موسى . وزعم الفراء أن المعنى : كفرت العرب ككفر آل فرعون . قال النحاس : لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا ، لأن كفروا داخلة في الصلة . وقيل : هي متعلقة ب" أخذهم الله " ، أي أخذهم أخذا كما أخذ آل فرعون . وقيل : هي متعلقة بقوله " لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم " أي لم تغني عنهم غناء كما لم تغني الأموال والأولاد عن آل فرعون . وهذا جواب لمن تخلف عن الجهاد وقال : شغلتنا أموالنا وأهلونا . ويصح أن يعمل فيه فعل مقدر من لفظ الوقود ، ويكون التشبيه في نفس الاحتراق . ويؤيد هذا المعنى " وحاق بآل فرعون سوء العذاب * النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب " والقول الأول أرجح ، واختاره غير واحد من العلماء . قال ابن عرفة : " كدأب آل فرعون " أي كعادة آل فرعون . يقول : اعتاد هؤلاء الكفرة الإلحاد والإعنات للنبي صلى الله عليه وسلم كما اعتاد آل فرعون من إعنات الأنبياء ، وقال معناه الأزهري . فأما قوله في سورة الأنفال " كدأب آل فرعون " فالمعنى جوزي هؤلاء بالقتل والأسر كما جوزي آل فرعون بالغرق والهلاك .
قوله تعالى : " بآياتنا " يحتمل أن يريد الآيات المتلوة ، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الواحدانية . " فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب " .
يخبر تعالى عن الكفار بأنهم وقود النار "يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار" وليس ما أوتوه في الدنيا من الأموال والأولاد بنافع لهم عند الله, ولا بمنجيهم من عذابه وأليم عقابه, كما قال تعالى: " فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون " وقال تعالى: " لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد * متاع قليل ثم مأواهم جهنم وبئس المهاد ", وقال ههنا "إن الذين كفروا" أي بآيات الله, وكذبوا رسله, وخالفوا كتابه, ولم ينتفعوا بوحيه إلى أنبيائه "لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئاً وأولئك هم وقود النار" أي حطبها الذي تسجر به, وتوقد به, كقوله: "إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم" الاية. وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا ابن أبي مريم , حدثنا ابن لهيعة , أخبرني ابن الهاد عن هند بنت الحارث , عن أم الفضل أم عبد الله بن عباس , قالت: بينما نحن بمكة, قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فنادى "هل بلغت اللهم, هل بلغت" ثلاثاً, فقام عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: نعم, ثم أصبح فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ليظهرن الإسلام حتى يرد الكفر إلى مواطنه, ولتخوضن البحار بالإسلام, وليأتين على الناس زمان يتعلمون القرآن ويقرؤونه, ثم يقولون: قد قرأنا وعلمنا, فمن هذا الذي هو خير منا, فهل في أولئك من خير ؟ قالوا: يا رسول الله, فمن أولئك ؟ قال :أولئك منكم, وأولئك هم وقود النار" وكذا رأيته بهذا اللفظ وقد رواه ابن مردويه من حديث يزيد بن عبد الله بن الهاد , عن هند بنت الحارث امرأة عبد الله بن شداد , عن أم الفضل , أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام ليلة بمكة, فقال "هل بلغت" يقولها ثلاثاً ، فقام عمر بن الخطاب وكان أواها, فقال : اللهم نعم, وحرصت, وجهدت, ونصحت, فاصبر، فقال النبي صلى الله عليه وسلم "ليظهرن الإيمان حتى يرد الكفر إلى مواطنه, وليخوضن رجال البحار بالإسلام,وليأتين على الناس زمان يقرؤون القرآن, فيقرؤونه ويعلمونه, فيقولون: قد قرأنا وقد علمنا فمن هذا الذي هو خير منا ؟ فما في أولئك من خير ، قالوا: يا رسول الله, فمن أولئك ؟ قال أولئك منكم, وأولئك هم وقود النار" ثم رواه من طريق موسى بن عبيد , عن محمد بن إبراهيم عن بنت الهاد عن العباس بن عبد المطلب بنحوه.
وقوله تعالى: "كدأب آل فرعون" قال الضحاك عن ابن عباس : كصنيع آل فرعون, وكذا روي عن عكرمة ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد, ومنهم من يقول: كسنة آل فرعون, وكفعل آل فرعون, وكشبه آل فرعون, والألفاظ متقاربة, والدأب بالتسكين والتحريك كنهر ونهر, هو الصنيع والحال والشأن والأمر والعادة, كما يقال لا يزال هذا دأبي ودأبك, وقال امرؤ القيس :
وقوفاً بها صحبي علي مطيهم يقولون لا تأسف أسى وتجمل
كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل
والمعنى كعادتك في أم الحويرث حين أهلكت نفسك في حبها وبكيت دارها ورسمها, والمعنى في الاية أن الكافرين لا تغني عنهم الأموال ولا الأولاد, بل يهلكون ويعذبون كما جرى لال فرعون ومن قبلهم من المكذبين للرسل فيما جاؤوا به من آيات الله وحججه, "والله شديد العقاب" أي شديد الأخذ أليم العذاب لا يمتنع منه أحد ولا يفوته شيء, بل هوالفعال لما يريد الذي قد غلب كل شيء وذل له كل شي, لا إله غيره ولا رب سواه.
قوله: 11- "كدأب آل فرعون" الدأب: الاجتهاد، يقال: دأب الرجل في عمله يدأب دأباً ودؤوباً: إذا جد واجتهد، والدائبان الليل والنهار، والدأب: العادة والشأن، ومنه قول امرئ القيس:
كدأبك من أم الحويرث قبلها وجارتها أم الرباب بمأسل
والمراد هنا كعادة آل فرعون وحالهم، واختلفوا في الكاف، فقيل: هي في موضع رفع تقديره دأبهم آل فرعون مع موسى. وقال الفراء: إن المعنى كفرت العرب ككفر آل فرعون. قال النحاس: لا يجوز أن تكون الكاف متعلقة بكفروا، لأن كفروا داخلة في الصلة، وقيل: هي متعلقة بأخذهم الله: أي أخذهم أخذة كما أخذ آل فرعون، وقيل: هي متعلقة ب"لن تغني" أي لم تغن عنهم غناء، كما لم تغن عن آل فرعون، وقيل: إن العامل فعل مقدر من لفظ الوقود، ويكون التشبيه في نفس الإحراق. قالوا: ويؤيده قوله تعالى: "النار يعرضون عليها غدواً وعشياً ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب"، والقول الأول هو الذي قاله جمهور المحققين، ومنهم الأزهري. قوله: "والذين من قبلهم" أي من قبل آل فرعون من الأمم الكافرة: أي وكدأب الذين من قبلهم. قوله: "كذبوا بآياتنا فأخذهم الله" يحتمل أن يريد الآيات المتلوة، ويحتمل أن يريد الآيات المتلوة، ويحتمل أن يريد الآيات المنصوبة للدلالة على الوحدانية، ويصح إرادة الجميع. والجملة بيان وتفسير لدأبهم، ويجوز أن تكون في محل نصب على الحال من آل فرعون والذين من قبلهم على إضمار قد: أي دأب هؤلاء كدأب أولئك قد كذبوا إلخ. وقوله: "بذنوبهم" أي بسائر ذنوبهم التي من جملتها تكذيبهم.
11-"كدأب آل فرعون" قال ابن عباس رضي الله عنهما و عكرمه ومجاهد : كفعل آل فرعون وصنيعهم في الكفر والتكذيب ، وقال عطاء والكسائي وأبو عبيدة : كسنة آل فرعون ، وقالالاخفش: كامر آل فرعون وشانهم ، وقال النضر بن شميل : كادة لآل فرعون ، يريد عادة هؤلاء الكفار في تكذيب الرسول وجحود الحق كعادة آل فرعون،"والذين من قبلهم" كفار الأمم الماضية ، مثل عادو ثمود وغيرهم"كذبوا بآياتنا فأخذهم الله" فعاقبهم الله "بذنوبهم" وقيل نظم الآية :"إن الذين كفروا لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم" عند حلول النقمة والعقوبة مثل ىل فرعون وكفار الأمم الخالية أخذناهم فلن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم "والله شديد العقاب".
11 " كدأب آل فرعون " متصل بما قبله أي لن تغني عن أولئك، أو توقد بهم كما توقد بأولئك، أو إستئناف مرفوع المحل تقديره دأب هؤلاء كدأبهم في الكفر والعذاب وهو مصدر دأب في العمل إذا كدح فيه فنقل إلى معنى الشأن. " والذين من قبلهم " عطف على " آل فرعون " . وقيل إستئناف . " كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم " حال بإضمار قد ، أو إستئناف بتفسير حالهم، أو خبر إن إبتدأت بالذين من قبلهم. " والله شديد العقاب " تهويل للمؤاخذة وزيادة تخويف الكفرة .
11. Like Pharaoh's folk and those who were before them, they disbelieved Our revelations and so Allah seized them for their sins. And Allah is severe in punishment.
11 - (their plight will be) no better than that of the people of pharaoh, and their predecessors: they denied our signs, and God called them to account for their sins. for God is strict in punishment.