11 - (فضربنا على آذانهم) أي أنمناهم (في الكهف سنين عددا) معدودة
يعني جل ثناؤه بقوله " فضربنا على آذانهم في الكهف " : فضربنا على آذانهم بالنوم في الكهف ؟ أي ألقينا عليهم النوم ، كما يقول القائل لآخر: ضربك اللهه بالفالج ، بمعنى ابتلاه الله به ، وأرسله عليه . وقوله " سنين عددا" يعني سنين معدودة، ونصب العدد بقوله " فضربنا" . وقوله " ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى" يقول : ثم بعثنا هؤلاء الفتية الذين أووا إلى اللههف بعد ما ضربنا على آذانهم فيه سنين عددا من رقدتهم ، لينظر عبادي فيعلموا بالبحث ، أي الطائفتين اللهتين اختلفتا في قدر مبلغ مكث الفتية في كهفهم رقودا " أحصى لما لبثوا أمدا" يقول : أصوب لقدر لبثهم فيه أمدا، ويعني بالأمد : الغاية، كما قال النابغة :
إلأ لمثلك أو من أنت سابقه سبق الجواد إذا استولى على الأمد
وذكر أن الذين اختلفوا في ذلك من أمورهم ، قوم من قوم الفتية، فقال بعضهم : كان الحزبان جميعا كافرين . وقال بعضهم : بل كان أحدهما مسلما ، والآخر كافرا.
ذكر من قال :
كان الحزبان من قوم الفتية .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبوعاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " أي الحزبين " من قوم الفتية .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، بنحوه .
حدثني القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
قوله تعالى : " فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عددا " عبارة عن إلقاء الله تعالى النوم عليهم . وهذه من فصيحات القرآن التي أقرت العرب بالقصور عن الإتيان بمثله . وقال الزجاج : أي منعناهم عن أن يسمعوا ، لأن النائم إذا سمع انتبه . وقال ابن عباس : ضربنا على آذانهم بالنوم ، أي سددنا آذانهم عن نفوذ الأصوات إليها . وقيل : المعنى ( فضربنا على آذانهم ) أي فاستجبنا دعاءهم ، وضرفنا عنهم شر قوهم ، وأنمناهم ، والمعنى كله متقارب . وقال قطرب : هذا كقوله العرب ضرب الأمير على يد الرعية إذا منعهم الفساد ، وضرب السيد على يد عبده المأذون له في التجارة إذا منعه من التصرف . قال الأسود بن يعفر وكان ضريراً :
ومن الحوادث لا أبالك أنني ضربت علي الأرض بالأسداد
وأما تخصيص ألآذان بالذكر فلانها الجارحة التي منها عظم فساد النوم ، وقلما ينقطع نوم نائم إلا من جهة أذنه ، ولا يستحكم نوم من تعطل السمع . ومن ذكر الأذن فيث النوم قوله صلى الله عليه وسلم : " ذاك رجل بال الشيطان في أذنه " خرجه الصحيح . أشار عليه السلام إلى رجل طويل النوم ، لا يقوم الليل ، و(عدداً )نعت للسنين ، أي معدودة ، والقصد به العبارة عن التكثير ، لأن القليل لا يحتاج إلى عدد لأنه قد عرف . والعد المصدر ، والعدد أسم المعدود كالنقض ولاخبط . وقال أبو عبيدة : ( عدداً ) نصب على المصدر . ثم قال قوم : بين الله تعالى عدد تلك السنينمن بعد فقال : " ولبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعا " [ الكهف : 25] .
هذا إخبار من الله تعالى عن قصة أصحاب الكهف على سبيل الإجمال والاختصار, ثم بسطها بعد ذلك فقال: "أم حسبت" يعني يا محمد "أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" أي ليس أمرهم عجيباً في قدرتنا وسلطاننا فإن خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار وتسخير الشمس والقمر والكواكب وغير ذلك من الايات العظيمة الدالة على قدرة الله تعالى, وأنه على ما يشاء قادر ولا يعجزه شيء أعجب من أخبار أصحاب الكهف, كما قال ابن جريج عن مجاهد "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" يقول: قد كان من آياتنا ما هو أعجب من ذلك.
وقال العوفي عن ابن عباس "أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً" يقول: الذي آتيتك من العلم والسنة والكتاب أفضل من شأن أصحاب الكهف والرقيم, وقال محمد بن إسحاق : ما أظهرت من حججي على العباد أعجب من شأن أصحاب الكهف والرقيم, وأما الكهف فهو الغار في الجبل, وهو الذي لجأ إليه هؤلاء الفتية المذكورون, وأما الرقيم فقال العوفي عن ابن عباس : هو واد قريب من أيلة, وكذا قال عطية العوفي وقتادة . وقال الضحاك : أما الكهف فهو غار في الوادي, والرقيم اسم الوادي, وقال مجاهد : الرقيم كان بنيانهم, ويقول بعضهم: هو الوادي الذي فيه كهفهم.
وقال عبد الرزاق : أخبرنا الثوري عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس في قوله الرقيم: كان يزعم كعب أنها القرية, وقال ابن جريج عن ابن عباس : الرقيم الجبل الذي فيه الكهف, وقال ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: اسم ذلك الجبل بنجلوس, وقال ابن جريج : أخبرني وهب بن سليمان عن شعيب الجبائي أن اسم جبل الكهف بنجلوس, واسم الكهف حيزم, والكلب حمران. وقال عبد الرزاق : أنبأنا إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال: القرآن أعلمه إلا حناناً والأواه والرقيم. وقال ابن جريج : أخبرني عمرو بن دينار أنه سمع عكرمة يقول: قال ابن عباس : ما أدري ما الرقيم ؟ كتاب أم بنيان. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : الرقيم الكتاب. وقال سعيد بن جبير : الرقيم لوح من حجارة كتبوا فيه قصص أصحاب الكهف, ثم وضعوه على باب الكهف.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الرقيم الكتاب, ثم قرأ: كتاب مرقوم. وهذا هو الظاهر من الاية, وهو اختيار ابن جرير , قال: الرقيم فعيل بمعنى مرقوم, كما يقال للمقتول قتيل, وللمجروح جريح, والله أعلم. وقوله: " إذ أوى الفتية إلى الكهف فقالوا ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا " يخبر تعالى عن أولئك الفتية الذين فروا بدينهم من قومهم لئلا يفتنوهم عنه فهربوا منهم فلجأوا إلى غار في جبل ليختفوا عن قومهم, فقالوا حين دخلوا سائلين من الله تعالى رحمته ولطفه بهم "ربنا آتنا من لدنك رحمة" أي هب لنا من عندك رحمة ترحمنا بها وتسترنا عن قومنا " وهيئ لنا من أمرنا رشدا " أي وقدر لنا من أمرنا هذا رشداً أي اجعل عاقبتنا رشداً, كما جاء في الحديث "وما قضيت لنا من قضاء فاجعل عاقبته رشداً" وفي المسند من حديث بسر بن أرطاة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو "اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها, وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الاخرة".
وقوله: "فضربنا على آذانهم في الكهف سنين عدداً" أي ألقينا عليهم النوم حين دخلوا إلى الكهف فناموا سنين كثيرة, "ثم بعثناهم" أي من رقدتهم تلك, وخرج أحدهم بدراهم معه ليشتري لهم بها طعاماً يأكلونه كما سيأتي بيانه وتفصيله, ولهذا قال: "ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين" أي المختلفين فيهم "أحصى لما لبثوا أمداً" قيل: عدداً, وقيل: غاية, فإن الأمد الغاية, كقوله:
سبق الجواد إذا استولى على الأمد
11- "فضربنا على آذانهم" قال المفسرون: أنمناهم. والمعنى: سددنا آذانهم بالنوم الغالب على سماع الأصوات، والمفعول محذوف: أي ضربنا على آذانهم الحجاب تشبيهاً للإنامة الثقيلة المانعة من وصول الأصوات إلى الآذان بضرب الحجاب عليها، و "في الكهف" ظرف لضربنا، وانتصاب "سنين" على الظرفية، و "عدداً" صفة لسنين: أي ذوات عدد على أنه مصدر أو بمعنى معدودة على أنه لمعنى المفعول، ويستفاد من وصف السنين بالعدد الكثرة. قال الزجاج: إن الشيء إذا قل فهم مقدار عدده فلم يحتج إلى العدد، وإن كثر احتاج إلى أن يعد وقيل يستفاد منه التقليل لأن الكثير قليل عند الله "وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون".
11 - " فضربنا على آذانهم " ، أي : أنمناهم وألقينا عليهم النوم . وقيل : معناه منعنا نفوذ الأصوات إلى مسامعهم ، فإن النائم إذا سمع الصوت ينتبه ، " في الكهف سنين عدداً " ، أي : أنمناهم سنين معدودة وذكر العدد على سبيل التأكيد . وقيل : ذكره يدل على الكثرة فإن القليل لا يعد في العادة .
11."فضربنا على آذانهم"أي ضربنا عليهم حجاباً يمنع السماع بمعنى أنمناهم إنامة لا تنبههم فيها الأصوات، فحذف المفعول كما حذف في قولهم : بنى على امرأته:"في الكهف سنين"ظرفان لضربنا . "عدداً"أي ذوات عدد، ووصف السنين به يحتمل التكثير والتقليل ، فإن مدة لبثهم كبعض يوم عنده.
11. Then We sealed up their hearing in the Cave for a number of years.
11 - Then we draw (a veil) over their ears, for a number of years, in the cave, (so that they heard not):