108 - (ذلك) الحكم المذكور من رد اليمين على الورثة (أدنى) أقرب إلى (أن يأتوا) أي الشهود أو الأوصياء (بالشهادة على وجهها) الذي تحملوها عليه من غير تحريف ولا خيانة (أو) أقرب إلى أن (يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم) على الورثة المدعين فيحلفون على خيانتهم وكذبهم فيفتضحون ويغرمون فلا يكذبوا (واتقوا الله) بترك الخيانة والكذب (واسمعوا) ما تؤمرون به سماع قبول (والله لا يهدي القوم الفاسقين) الخارجين عن طاعته إلى سبيل الخير
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله : "ذلك"، هذا الذي قلت لكم في أمر الأوصياء، إذا ارتبتم في أمرهم ، واتهمتموهم بخيانة لمال من أوصى إليهم ، من حبسهم بعد الصلاة، واستحلافكم إياهم على ما ادعى قبلهم أولياء الميت ، "أدنى" لهم "أن يأتوا بالشهادة على وجهها"، يقول : هذا الفعل ، إذا فعلتم بهم ، أقرب لهم أن يصدقوا في أيمانهم ، ولا يكتموا، ويقروا بالحق ولا يخونوا، "أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم"، يقول : أو يخاف هؤلاء الأوصياء إن عثر عليهم أنهم استحقوا إثما في أيمانهم بالله ، أن ترد أيمانهم على أولياء الميت ، بعد أيمانهم ، التي عثر عليها أنها كذب ، فيستحقوا بها ما ادعوا قبلهم من حقوقهم ، فيصدقوا حينئذ في أيمانهم وشهادتهم ، مخافة الفضيحة على أنفسهم ، وحذرا أن يستحق عليهم ما خانوا فيه أولياء الميت وورثته.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل . وقد تقدمت الرواية بذلك عن بعضهم ، ونحن ذاكرو الرواية في ذلك عن بعض من بقي منهم.
حدثني المثنى قال ، حدثنا عبدالله بن صالح قال ، حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : "فإن عثر على أنهما استحقا إثما"، يقول : إن اطلع على أن الكافرين كذبا ، "فآخران يقومان مقامهما"، يقول : من الأولياء، فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة، وأنا لم نعتد، فترد شهادة الكافرين ، وتجوز شهادة الأولياء . يقول تعالى ذكره : ذلك أدنى أن يأتي الكافرون بالشهادة على وجهها، أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم . وليس على شهود المسلمين أقسام ، وإنما الأقسام إذا كانوا كافرين .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة" الآية، يقول : ذلك أحرى أن يصدقوا في شهادتهم ، وأن يخافوا العقب.
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" ، قال : فتبطل أيمانهم ، وتؤخذ أيمان هؤلاء .
وقال آخرون : معنى ذلك تحبسونهما من بعد الصلاة. ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها، على أنهما استحقا إثماً، فآخران يقومان مقامهما.
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي قال : يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، فيحلفان بالله : (لا نشتري به ثمنا قليلا ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين ، أن صاحبكم لبهذا أوصى ، وأن هذه لتركته) . فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: (إنكما إن كنتما كتمتما أو خنتما، فضحتكما في قومكما، ولم أجز لكما شهادة، وعاقبتكما). فإن قال لهما ذلك ، فإن ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : وخافوا الله ، أيها الناس ، وراقبوه في أيمانكم أن تحلفوا بها كاذبة، وأن تذهبوا بها مال من يحرم عليكم ماله ، وأن تخونوا من اتمنكم ، "واسمعوا"، يقول : اسمعوا ما يقال لكم وما توعظون به ، فاعملوا به ، وانتهوا إليه ، "والله لا يهدي القوم الفاسقين"، يقول : والله لا يوفق من فسق عن أمر ربه ، فخالفه وأطاع الشيطان وعصى ربه .
وكان ابن زيد يقول : (الفاسق)، في هذا الموضع ، هو الكاذب.
حدثني يونس قال أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد: "والله لا يهدي القوم الفاسقين" ، الكاذبين ، يحلفون على الكذب.
وليس الذي قال ابن زيد من ذلك عندي بمدفوع ، إلا أن الله تعالى ذكره عم الخبر بأنه لا يهدي جميع الفساق ، ولم يخصص منهم بعضا دون بعض بخبر ولا عقل ، فذلك على معافي (الفسق) كلها، حتى يخصص شيئا منها ما يجب التسليم له ، فيسلم له.
ثم اختلف أهل إلعلم في حكم هاتين الآيتين ، هل هو منسوخ ، أو هو محكم ثابت؟
فقال بعضهم : هو منسوخ .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا أبو كريب قال ، حدثنا ابن إدريس ، عن رجل قد سماه ، عن حماد، عن إبراهيم قال : هي منسوخة.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : هي منسوخة، يعني هذه الآية : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم"، الآية.
وقال جماعة : هي محكمة وليست بمنسوخة. وقد ذكرنا قول أكثرهم فيما مضى .
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك أن حكم الآية غير منسوخ . وذلك أن من حكم الله تعالى ذكره الذي عليه أهل الإسلام ، من لدن بعث الله تعالى ذكره نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا، أن من ادعي عليه دعوى مما يملكه بنو آدم ، أن المدعى عليه لا يبرئه مما ادعي عليه إلا اليمين ، إذا لم يكن للمدعي بينة تصحح دعواه ، وأنه إن اعترف في يد المدعى عليه سلعة له ، فادعى أنها له دون الذي في يده ، فقال الذي هي في يده : (بل هي لي ، اشتريتها من هذا المدعي )، أن القول قول من زعم الذي هي في يده أنه اشتراها منه ، دون من هي في يده مع يمينه ، إذا لم يكن للذي هي في يده بينة تحقق به دعواه الشراء منه .
فإذا كان ذلك حكم الله الذي لا خلاف فيه بين أهل العلم ، وكانت الآيتان اللتان ذكر الله تعالى ذكره فيهما أمر وصية الموصي إلى عدلين من المسلمين ، أو إلى آخرين من غيرهم ، إنما ألزم النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما ذكر عنه ، الوصيين اليمين حين ادعى عليهما الورثة ما ادعوا، ثم لم يلزم المدعى عليهما شيئا إذ حلفا، حتى اعترفت الورثة في أيديهما ما اعترفوا من الجام أو الإبريق أو غير ذلك من أموالهم ، فزعما أنهما اشترياه من ميتهم ، فحينئذ ألزم النبي صلى الله عليه وسلم ورثة الميت اليمين ، لأن الوصيين تحولا مدعيين بدعواهما ما وجدا في أيديهما من مال الميت أنه لهما، اشتريا ذلك منه ، فصارا مقرين بالمال للميت ، مدعيين منه الشراء، فاحتاجا حينئذ إلى بينة تصحح دعواهما، وصارت ورثة الميت رب السلعة، أولى باليمين منهما . فذلك قوله تعالى ذكره : "فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما"، الآية .
فإذا كان تأويل ذلك كذلك ، فلا وجه لدعوى مدع أن هذه الآية منسوخة، لأنه غير جائز أن يقضى على حكم من أحكام الله تعالى ذكره أنه منسوخ ، إلا بخبر يقطع العذر: إما من عند الله ، أو من عند رسوله صلى الله عليه وسلم ، أو بورود النقل المستفيض بذلك . فأما ولا خبر بذلك ، ولا يدفع صحته عقل ، فغير جائز أن يقضى عليه بأنه منسوخ.
السادسة والعشرون - قوله تعالى :" ذلك أدنى "ابتداء وخبر " أن " في موضع نصب " يأتوا" نصب ب أن " أو يخافوا " عطف عليه" أن ترد " ي موضع نصب ب " يخافون " أيمان بعد أيمانهم قيل : الضمير في يأتوا ويخافوا راجع إلى الموصى إليهما وهو الأليق بمساق الآية وقيل المراد به الناس أي أحرى أن يحذر الناس الخيانة فيشهدوا بالحق خوف الفضيحة في رد اليمين على المدعي والله أعلم
السابعة والعشرون - قوله تعالى :" واتقوا الله واسمعوا " أمر ولذلك حذفت منه النون أي اسمعوا ما يقال لكم قابلين له متبعين أمر الله فيه "والله لا يهدي القوم الفاسقين " فسق يفسق ويفسق إذا خرج من الطاعة إلى المعصية، وقد تقدم والله أعلم .
اشتملت هذه الاية الكريمة على حكم عزيز قيل إنه منسوخ, رواه العوفي عن ابن عباس. وقال حماد بن أبي سليمان, عن إبراهيم: أنها منسوخة. وقال آخرون: وهم الأكثرون فيما قاله ابن جرير, بل هو محكم, ومن ادعى نسخه فعليه البيان, فقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان" هذا هو الخبر لقوله شهادة بينكم, فقيل: تقديره شهادة اثنين حذف المضاف, وأقيم المضاف إليه مقامه, وقيل: دل الكلام على تقدير أن يشهد اثنان. وقوله تعالى: "ذوا عدل" وصف الاثنين بأن يكونا عدلين. وقوله "منكم" أي من المسلمين. قاله الجمهور. قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله "ذوا عدل منكم" قال: من المسلمين, رواه ابن أبي حاتم, ثم قال: وروي عن عبيدة وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر والسدي وقتادة ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم نحو ذلك. قال ابن جرير: وقال آخرون: غير ذلك "ذوا عدل منكم" أي من أهل الموصي, وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدة غيرهما .
وقوله "أو آخران من غيركم" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سعيد بن عون, حدثنا عبد الواحد بن زياد, حدثنا حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس في قوله "أو آخران من غيركم" قال: من غير المسلمين, يعني أهل الكتاب, ثم قال وروي عن عبيدة وشريح وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين ويحيى بن يعمر وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وقتادة وأبي مجلز والسدي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم, نحو ذلك. وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله منكم, أن المراد من قبيلة الموصي يكون المراد ههنا "أو آخران من غيركم" أي من غير قبيلة الموصي. وروى ابن أبي حاتم مثله عن الحسن البصري والزهري رحمهما الله.
وقوله تعالى: "إن أنتم ضربتم في الأرض" أي سافرتم "فأصابتكم مصيبة الموت" وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين أن يكون ذلك في سفر, وأن يكون في وصية, كما صرح بذلك شريح القاضي. قال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي, حدثنا أبو معاوية ووكيع, قالا: حدثنا الأعمش عن إبراهيم, عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهود والنصارى إلا في سفر, ولا تجوز في سفر إلا في الوصية, ثم رواه عن أبي كريب, عن أبي بكر بن عياش, عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال شريح فذكر مثله. وقد روي نحوه عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى, وهذه المسألة من أفراده, وخالفه الثلاثة فقالوا: لا يجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين, وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضاً.
وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي, حدثنا أبو داود, حدثنا صالح بن أبي الأخضر, عن الزهري قال: مضت السنة أنه لا تجوز شهادة الكافر في حضر ولا سفر, إنما هي في المسلمين. وقال ابن زيد: نزلت هذه الاية في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام, وذلك في أول الإسلام, والأرض حرب, والناس كفار, وكان الناس يتوارثون بالوصية ثم نسخت الوصية, وفرضت الفرائض وعمل الناس بها, رواه ابن جرير, وفي هذا نظر, والله أعلم. وقال ابن جرير: اختلف في قوله "شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" هل المراد به أن يوصي إليهما أو يشهدهما ؟ على قولين (أحدهما) أن يوصي إليهما, كما قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الاية. قال: هذا رجل سافر ومعه مال, فأدركه قدره, فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته, وأشهد عليهما عدلين من المسلمين, رواه ابن أبي حاتم وفيه انقطاع. (والقول الثاني) أنهما يكونان شاهدين, وهو ظاهر سياق الاية الكريمة فإن لم يكن وصي ثالث معهما, اجتمع فيهما الوصفان: الوصاية والشهادة, كما في قصة تميم الداري وعدي بن بداء, كما سيأتي ذكرهما آنفاً إن شاء الله وبه التوفيق.
وقد استشكل ابن جرير كونهما شاهدين قال: لأنا لا نعلم حكماً يحلف فيه الشاهد, وهذا لايمنع الحكم الذي تضمنته هذه الاية الكريمة, وهو حكم مستقل بنفسه لا يلزم أن يكون جارياً على قياس جميع الأحكام, على أن هذا حكم خاص, بشهادة خاصة, في محل خاص, وقد اغتفر فيه من الأمور مالم يغتفر في غيره, فإذا قامت قرينة الريبة, حلف هذا الشاهد بمقتضى ما دلت عليه هذه الاية الكريمة. وقوله تعالى "تحبسونهما من بعد الصلاة" قال العوفي, قال ابن عباس, يعني صلاة العصر, وكذا قال سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وعكرمة ومحمد بن سيرين. وقال الزهري: يعني صلاة المسلمين. وقال السدي, عن ابن عباس: يعني صلاة أهل دينهما. وروي عن عبد الرزاق, عن أيوب, عن ابن سيرين, عن عبيدة. وكذا قال إبراهيم وقتادة وغير واحد. والمقصود أن يقام هذان الشاهدان بعد صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم "فيقسمان بالله" أي فيحلفان بالله "إن ارتبتم" أي إن ظهرت لكم منهما ريبة أنهما خانا أو غلا, فيحلفان حينئذ بالله "لا نشتري به" أي بأيماننا, قاله مقاتل بن حيان "ثمناً" أي لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة "ولو كان ذا قربى" أي ولو كان المشهود عليه قريباً لنا لا نحابيه "ولا نكتم شهادة الله" أضافها إلى الله تشريفاً لها وتعظيماً لأمرها, وقرأ بعضهم "ولا نكتم شهادة الله" مجروراً على القسم رواها ابن جرير, عن عامر الشعبي, وحكي عن بعضهم أنه قرأها "ولا نكتم شهادة الله" والقراءة الأولى هي المشهورة " إنا إذا لمن الأثمين " أي إن فعلنا شيئاً من ذلك من تحريف الشهادة أو تبديلها أو تغييرها أو كتمها بالكلية.
ثم قال تعالى: "فإن عثر على أنهما استحقا إثماً" أي فإن اشتهر وظهر وتحقق من الشاهدين الوصيين أنهما خانا أو غلا شيئاً من المال الموصى به إليهما, وظهر عليهما بذلك "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" هذه قراءة الجمهور "استحق عليهم الأوليان" وروي عن علي وأبي الحسن البصري أنهم قرؤوها "استحق عليهم الأوليان" وروى الحاكم في المستدرك من طريق إسحاق بن محمد الفروي عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن عبيد الله بن أبي رافع, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ "من الذين استحق عليهم الأوليان", ثم قال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه. وقرأ بعضهم ومنهم ابن عباس " من الذين استحق عليهم الأوليان ". وقرأ الحسن " من الذين استحق عليهم الأوليان " حكاه ابن جرير, فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى بذلك أي متى تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما, فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة, وليكونا من أولى من يرث ذلك المال "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" أي لقولنا أنهما خانا, أحق وأصح وأثبت من شهادتهما المتقدمة "وما اعتدينا" أي فيما قلنا فيهما من الخيانة, "إنا إذاً لمن الظالمين" أي إن كنا قد كذبنا عليهما, وهذا التحليف للورثة والرجوع إلى قولهما والحالة هذه, كما يحلف أولياء المقتول إذا ظهر لوث في جانب القاتل, فيقسم المستحقون على القاتل فيدفع برمته إليهم كما هو مقرر في باب القسامة من الأحكام, وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الاية الكريمة, فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الحسين بن زياد, حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق, عن أبي النضر, عن باذان يعني أبا صالح مولى أم هانىء بنت أبي طالب, عن ابن عباس, عن تميم الداري في هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" قال: برىء الناس منها غيري وغير عدي بن بداء, وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام, فأتيا الشام لتجارتهما, وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة, معه جام من فضة يريد به الملك, وهو أعظم تجارته, فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم, واقتسمناه أنا وعدي, فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا, وفقدوا الجام, فسألونا عنه, قلنا: ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره. قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, تأثمت من ذلك, فأتيت أهله, فأخبرتهم الخبر, ودفعت إليهم خمسمائة درهم, وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها, فوثبوا عليه, فأمرهم النبي أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه, فحلف, فنزلت "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم, فحلفا, فنزعت الخمسمائة من عدي بن بداء, وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي وابن جرير, كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني, عن محمد بن سلمة, عن محمد بن إسحاق به, فذكره, وعنده: فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة, فلم يجدوا, فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه, فحلف, فأنزل الله هذه الاية إلى قوله "أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا, فنزعت الخمسمائة من عدي بن بداء, ثم قال: هذا حديث غريب, وليس إسناده بصحيح, وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث, هو عندي محمد بن السائب الكلبي, يكنى أبا النضر, وقد تركه أهل العلم بالحديث, وهو صاحب التفسير, سمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا النضر, ثم قال: ولا نعرف لأبي النضر رواية عن أبي صالح مولى أم هانىء.
وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه, حدثنا سفيان بن وكيع, حدثنا يحيى بن آدم عن ابن أبي زائدة, عن محمد بن أبي القاسم, عن عبد الملك بن سعيد بن جبير, عن أبيه, عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء, فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم, فلما قدما بتركته, فقدوا جاماً من فضة مخوصاً بالذهب, فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووجد الجام بمكة, فقيل: اشتريناه من تميم وعدي, فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما, وأن الجام لصاحبهم, وفيهم نزلت "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الاية, وكذا رواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يحيى بن آدم به, ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب, وهو حديث ابن أبي زائدة, وأحمد بن أبي القاسم الكوفي, قيل: إنه صالح الحديث.
وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من التابعين منهم عكرمة ومحمد بن سيرين وقتادة, وذكروا أن التحليف كان بعد صلاة العصر, رواه ابن جرير, وكذا ذكرها مرسلة مجاهد والحسن والضحاك, وهذا يدل على اشتهارها في السلف وصحتها, ومن الشواهد لصحة هذه القصة أيضاً ما رواه أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب, حدثنا هشيم قال: أخبرنا زكريا عن الشعبي أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا هذه, قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحداً من المسلمين يشهده على وصيته, فأشهد رجلين من أهل الكتاب, قال: فقدما الكوفة, فأتيا الأشعري يعني أبا موسى الأشعري رضي الله عنه, فأخبراه, وقدما الكوفة بتركته ووصيته, فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا, ولا كذبا, ولا بدلا, ولا كتما, ولا غيرا, وأنها لوصية الرجل وتركته. قال: فأمضى شهادتها, ثم رواه عن عمرو بن علي الفلاس, عن أبي داود الطيالسي, عن شعبة, عن مغيرة الأزرق, عن الشعبي أن أبا موسى قضى بدقوقا, وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي, عن أبي موسى الأشعري, فقوله: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهر ـ والله أعلم ـ أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعدي بن بداء, وقد ذكروا أن إسلام تميم بن أوس الداري رضي الله عنه, كان سنة تسع من الهجرة, فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخراً يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام, والله أعلم.
وقال أسباط عن السدي في الاية "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" قال: هذا في الوصية عند الموت, يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ماله وما عليه, قال: هذا في الحضر "أو آخران من غيركم" في السفر "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" هذا الرجل يدركه الموت في سفره, وليس بحضرته أحد من المسلمين, فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس, فيوصي إليهما ويدفع إليهما ميراثه, فيقبلان به, فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا ما لصاحبهم, تركوهما, وإن ارتابوا, رفعوهما إلى السلطان, فذلك قوله تعالى: "تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم" قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: كأني أنظر إلى العلجين حتى انتهى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره, ففتح الصحيفة, فأنكر أهل الميت وخوفوهما, فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر, فقلت: إنهما لا يباليان صلاة العصر, ولكن أستحلفهما بعد صلاتهما في دينهما, فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما فيحلفان بالله لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى, ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الاثمين, أن صاحبهم بهذا أوصى, وأن هذه لتركته, فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: إنكما إن كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما, ولم تجز لكما شهادة وعاقبتكما, فإذا قال لهما ذلك " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها " رواه ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا هشيم, أخبرنا مغيرة عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الاية, قالا: إذا حضر الرجل الوفاة في سفر فليشهد رجلين من المسلمين, فإن لم يجد رجلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب, فإذا قدما بتركته فإن صدقهما الورثة قبل قولهما, وإن اتهموهما حلفا بعد صلاة العصر, بالله ما كتمنا ولا كذبنا ولا خنا ولا غيرنا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية: فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد العصر: بالله ما اشترينا بشهادتنا ثمناً قليلاً, فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا: بالله أن شهادة الكافرين باطلة وأنا لم نعتد, فذلك قوله تعالى: "فإن عثر على أنهما استحقا إثماً" يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا "فآخران يقومان مقامهما" يقول: من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة, وأنا لم نعتد, فترد شهادة الكافرين وتجوز شهادة الأولياء, وهكذا روى العوفي عن ابن عباس, رواهما ابن جرير, وهكذاقرر هذا الحكم على مقتضى هذه الاية غير واحد من أئمة التابعين والسلف رضي الله عنهم, وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقوله "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها" أي شرعية هذا الحكم على هذا الوجه المرضي من تحليف الشاهدين الذميين, واستريب بهما أقرب إلى إقامتهما الشهادة على الوجه المرضي. وقوله " أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم " أي يكون الحامل لهم على الإتيان بها على وجهها هو تعظيم الحلف بالله ومراعاة جانبه وإجلاله, والخوف من الفضيحة بين الناس إن ردت اليمين على الورثة, فيحلفون ويستحقون ما يدعون, ولهذا قال " أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ", ثم قال "واتقوا الله" أي في جميع أموركم, "واسمعوا" أي وأطيعوا, "والله لا يهدي القوم الفاسقين" أي الخارجين عن طاعته ومتابعة شريعته.
قوله: 108- "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها" أي ذلك البيان الذي قدمه الله سبحانه في هذه القصة وعرفنا كيف يصنع من أراد الوصية في السفر؟ ولم يكن عنده أحد من أهله وعشيرته وعنده كفار "أدنى" أي أقرب إلى أن يؤدي الشهود المتحملون للشهادة على الوصية بالشهادة على وجهها فلا يحرفوا ولا يبدلوا ولا يخونوا وهذا كلام مبتدأ يتضمن ذكر المنفعة والفائدة في هذا الحكم الذي شرعه الله في هذا الموضع من كتابه، فالضمير في "يأتوا" عائد إلى شهود الوصية من الكفار، وقيل إنه راجع إلى المسلمين المخاطبين بهذا الحكم. والمراد تحذيرهم من الخيانة، وأمرهم بأن يشهدوا الحق. قوله: "أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" أي ترد على الورثة فيحلفون على خلاف ما شهد به شهود الوصية فيفتضح حينئذ شهود الوصية، وهو معطوف على قوله: "أن يأتوا" فتكون الفائدة في شرع الله سبحانه لهذا الحكم هي أحد الأمرين: إما احتراز شهود الوصية عن الكذب والخيانة فيأتون بالشهادة على وجهها. أو يخافوا الافتضاح إذا ردت الأيمان على قرابة الميت فحلفوا بما يتضمن كذبهم أو خيانتهم فيكون ذلك سبباً لتأدية شهادة شهود الوصية على وجهها من غير كذب ولا خيانة، وقيل إن "يخافوا" معطوف على مقدر بعد الجملة الأولى، والتقدير: ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها ويخافوا عذاب الآخرة بسبب الكذب والخيانة أو يخافوا الافتضاح برد اليمين، فأي الخوفين وقع حصل المقصود "واتقوا الله" في مخالفة أحكامه "والله لا يهدي القوم الفاسقين" الخارجين عن طاعته بأي ذنب، ومنه الكذب في اليمين أو الشهادة.
وحاصل ما تضمنه هذا المقام من الكتاب العزيز أن من حضرته علامات الموت أشهد على وصيته عدلين من عدول المسلمين، فإن لم يجد شهوداً مسلمين، وكان في سفر، ووجد كفاراً جاز له أن يشهد رجلين منهم على وصيته، فإن ارتاب بهما ورثة الموصي حلفا بالله على أنهما شهدا بالحق وما كتما من الشهادة شيئاً ولا خانا مما تركه الميت شيئاً، فإن تبين بعد ذلك خلاف ما أقسما عليه من خلل في الشهادة أو ظهور شيء من تركة الميت زعما أنه قد صار في ملكهما بوجه من الوجوه حلف رجلان من الورثة وعمل بذلك.
وقد أخرج الترمذي وضعفه، وابن جرير وابن أبي حاتم والنحاس في تاريخه، وأبو الشيخ وابن مردويه وأبو نعيم في المعرفة من طريق أبي النضر وهو الكلبي، عن باذان مولى أم هانئ عن ابن عباس، عن تميم الداري في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" قال: برئ الناس منها غيري وغير عدي بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام، فأتيا الشام لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جام من فضة يريد به الملك وهو عظم تجارته، فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله، قال تميم: فلما أخذنا ذلك الجامع فبعناه بألف درهم ثم اقتسمناه أنا وعدي بن بداء، فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام فسألونا عنه، فقلنا: ما ترك غير هذا، أو ما دفع إلينا غيره، قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة تأثمت من ذلك فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر وأديت إليهم خمسمائة درهم وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسألهم البينة فلم يجدوا، فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه، فحلف فأنزل الله: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله: "أن ترد أيمان بعد أيمانهم" فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا، فنزعت الخمسمائة درهم من عدي بن بداء. وفي إسناده أبو النضر، وهو محمد بن السائب الكلبي صاحب التفسير، قال الترمذي: تركه أهل العلم بالحديث. وأخرج البخاري في تاريخه والترمذي وحسنه وابن جرير وابن المنذر والنحاس والطبراني وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم، فأوصى إليهما، فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مخرصاً بالذهب، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بالله ما كتمتماها ولا أطلعتما، ثم وجدوا الجام بمكة فقيل: اشتريناه من تميم وعدي، فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وإن الجام لصاحبهم، وأخذوا الجام، قال: وفيهم نزلت "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية، وفي إسناده محمد بن أبي القاسم الكوفي، قال الترمذي: قيل إنه صالح الحديث، وقد روى ذلك أبو داود من طريقه. وقد روى جماعة من التابعين أن هذه القصة هي السبب في نزول الآية، وذكرها المفسرون في تفاسيرهم. وقال القرطبي: إنه أجمع أهل التفسير على أن هذه القصة هي سبب نزول الآية. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والنحاس من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية. قال: هذا لمن مات وعنده المسلمون أمره الله أن يشهد على وصيته عدلين مسلمين، ثم قال: "أو آخران من غيركم إن أنتم ضربتم في الأرض" فهذا لمن مات وليس عنده أحد من المسلمين أمر الله بشهادة رجلين من غير المسلمين، فإن ارتيب بشهادتهما استحلفا بالله بعد الصلاة ما اشتريا بشهادتهما ثمناً قليلاً، فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما، وثم رجلان من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة، فذلك قوله: "فإن عثر على أنهما استحقا إثماً" يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا "ذلك أدنى أن" يأتي الكفاران "بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" فتترك شهادة الكافرين ويحكم بشهادة الأولياء، فليس على شهود المسلمين أقسام: إنما الأقسام إذا كانا كافرين. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود أنه سئل عن هذه الآية فقال: هذا رجل خرج مسافراً ومعه مال فأدركه قدره، فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته وأشهد عليهما عدلين من المسلمين، فإن لم يجد عدلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب، فإن أدى فسبيل ما أدى، وإن جحد استحلف بالله الذي لا إله إلا هو دبر صلاة إن هذا الذي دفع إلي وما غيبت منه شيئاً، فإذا حلف بريء، فإذا أتى بعد ذلك صاحبا الكتاب فشهدا عليه، ثم ادعى القوم عليه من تسميتهم ما لهم جعلت أيمان الورثة مع شهادتهم ثم اقتطعوا حقه، فذلك الذي يقول الله: "اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم". وأخرج ابن أبي حاتموأبو الشيخ وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: "أو آخران من غيركم" قال: من غير المسلمين من أهل الكتاب. وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: هذه الآية منسوخة. وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم في الآية قال: كان ذلك في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام، وذلك في أول الإسلام والأرض حرب والناس كفار إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه بالمدينة، وكان الناس يتوارثون بالوصية، ثم نسخت الوصية وفرضت الفرائض وعمل المسلمون بها. وأخرج ابن جرير أيضاً عن الزهري قال: مضت السنة أن لا تجوز شهادة كافر في حضر ولا سفر، إنما هي في المسلمين. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن أبي حاتم عن عبيدة في قوله: "تحبسونهما من بعد الصلاة" قال: صلاة العصر. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: "لا نشتري به ثمناً" قال: لا نأخذ به رشوة "ولا نكتم شهادة الله" وإن كان صاحبها بعيداً. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: "فإن عثر على أنهما استحقا إثماً" أي اطلع منهما على خيانة على أنهما كذبا أو كتما. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: "الأوليان" قال: بالميت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قول: "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها" يقول: ذلك أحرى أن يصدقوا في شهادتهم "أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" يقول: وأن يخافوا العتب. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد في قوله: "أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" قال: فتبطل أيمانهم وتؤخذ أيمان هؤلاء.
108- فذلك قوله تعالى " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها "، أي: ذلك الذي حكمنا به من رد اليمين أجدر وأحرى أن يأتي الوصيان بالشهادة على وجهها وسائر الناس أمثالهم، أي أقرب إلى الإتيان بالشهادة على ما كانت، " أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم "، أي: أقرب إلى أن يخافوا رد اليمين بعد يمينهم على [المدعي] فيحلفوا على خيانتهم وكذبهم فيفتضحوا ويغرموا فلا يحلفون كاذبين إذا خافوا هذا الحكم، " واتقوا الله "، أن تحلفوا أيمانا كاذبة أو تخونوا أمانة، " واسمعوا"، الموعظة،" والله لا يهدي القوم الفاسقين " .
108"ذلك" أي الحكم الذي تقدم أو تحليف الشاهد. " أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها " على نحو ما حملوها من غير تحريف وخيانة فيها " أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم " أن ترد اليمين على المدعين. بعد أيمانهم فيفتضحوا بظهور الخيانة واليمين الكاذبة وإنما جمع الضمير لأنه حكم يعم الشهود كلهم. " واتقوا الله واسمعوا " ما توصون به سمع إجابة. "والله لا يهدي القوم الفاسقين" أي فإن لم تتقوا ولم تسمعوا كنتم قوماً فاسقين "والله لا يهدي القوم الفاسقين" أي لا يهديهم إلى حجة أو إلى طريق الجنة. فقوله تعالى:
108. Thus it is more likely that they will hear true witness or fear that after their oath the oath (of others) will be taken. So be mindful of your duty (to Allah) and hearken. Allah guideth not the froward folk.
108 - That is most suitable: that they may give the evidence in its true nature and shape, or else they would fear that other oaths would be taken after their oaths. but fear God, and listen (to his counsel): for God guideth not a rebellious people