108 - (أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون) عما يراد بهم
قوله تعالى : "أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم وأولئك هم الغافلون" .
قوله تعالى " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم " أي عن فهم المواعظ " وسمعهم " عن كلام الله تعالى " وأبصارهم " عن النظر في الآيات " وأولئك هم الغافلون " عما يراد بهم .
أخبر تعالى عمن كفر به بعد الإيمان والتبصر, وشرح صدره بالكفر واطمأن به, أنه قد غضب عليه لعلمهم بالإيمان ثم عدولهم عنه, وأن لهم عذابا عظيماً في الدار الاخرة, لأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الاخرة, فأقدموا على ما أقدموا عليه من الردة لأجل الدنيا, ولم يهد الله قلوبهم ويثبتهم على الدين الحق, فطبع على قلوبهم, فهم لا يعقلون بها شيئاً ينفعهم, وختم على سمعهم وأبصارهم فلا ينتفعون بها, ولا أغنت عنهم شيئاً فهم غافلون عما يراد بهم, "لا جرم" أي لا بد ولا عجب أن من هذه صفته " أنهم في الآخرة هم الخاسرون " أي الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ـ وأما قوله: "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" فهو استثناء ممن كفر بلسانه ووافق المشركين بلفظه مكرهاً لما ناله من ضرب وأذى, وقلبه يأبى ما يقول, وهو مطمئن بالإيمان بالله ورسوله.
وقد روى العوفي عن ابن عباس أن هذه الاية نزلت في عمار بن ياسر حين عذبه المشركون حتى يكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم, فوافقهم على ذلك مكرهاً, وجاء معتذراً إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فأنزل الله هذه الاية. وهكذا قال الشعبي وقتادة وأبو مالك, وقال ابن جرير: حدثنا ابن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن ثور عن معمر عن عبد الكريم الجزري, عن أبي عبيدة محمد بن عمار بن ياسر قال: أخذ المشركون عمار بن ياسر فعذبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كيف تجد قلبك ؟ " قال: مطمئناً بالإيمان. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إن عادوا فعد" ورواه البيهقي بأبسط من ذلك, وفيه أنه سب النبي صلى الله عليه وسلم, وذكر آلهتهم بخير, فشكا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يارسول الله ما تركت حتى سببتك وذكرت آلهتهم بخير, قال: "كيف تجد قلبك ؟" قال: مطمئناً بالإيمان, فقال "إن عادوا فعد", وفي ذلك أنزل الله "إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان" ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي إبقاء لمهجته, ويجوز له أن يأبى كما كان بلال رضي الله عنه يأبى عليهم ذلك وهم يفعلون به الأفاعيل, حتى إنهم ليضعوا الصخرة العظيمة على صدره في شدة الحر, ويأمرونه بالشرك بالله فيأبى عليهم, وهو يقول: أحد, أحد. ويقول: والله لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم منها لقلتها, رضي الله عنه وأرضاه. وكذلك حبيب بن زيد الأنصاري لما قال له مسيلمة الكذاب: أتشهد أن محمداً رسول الله ؟ فيقول: نعم. فيقول: أتشهد أني رسول الله ؟ فيقول: لا أسمع. فلم يزل يقطعه إرباً إرباً وهو ثابت على ذلك. وقال الإمام أحمد: حدثنا إسماعيل, حدثنا أيوب عن عكرمة أن علياً رضي الله عنه حرق ناساً ارتدوا عن الأسلام, فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لم أكن لأحرقهم بالنار, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تعذبوا بعذاب الله" وكنت أقاتلهم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" فبلغ ذلك علياً فقال: ويح أم ابن عباس, رواه البخاري.
وقال الإمام أحمد أيضا: حدثنا عبد الرزاق, أنبأنا معمر عن أيوب عن حميد بن هلال العدوي, عن أبي بردة قال: قدم على أبي موسى معاذ بن جبل باليمن, فإذا رجل عنده, قال: ما هذا ؟ قال: رجل كان يهودياً فأسلم, ثم تهود ونحن نريده على الإسلام منذ قال أحسبه شهرين, فقال: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه, فضربت عنقه, فقال: قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فاقتلوه أو قال: "من بدل دينه فاقتلوه" وهذه القصة في الصحيحين بلفظ آخر. والأفضل والأولى أن يثبت المسلم على دينه ولو أفضى إلى قتله, كما ذكر الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الله بن حذافة السهمي أحد الصحابة أنه أسرته الروم, فجاءوا به إلى ملكهم فقال له: تنصر وأنا أشركك في ملكي وأزوجك ابنتي, فقال له: لو أعطيتني جميع ما تملك وجميع ما تملكه العرب على أن أرجع عن دين محمد صلى الله عليه وسلم طرفة عين ما فعلت, فقال: إذاً أقتلك, فقال: أنت وذاك, قال: فأمر به فصلب, وأمر الرماة فرموه قريباً من يديه ورجليه وهو يعرض عليه دين النصرانية فيأبى, ثم أمر به فأنزل, ثم أمر بقدر, وفي رواية ببقرة من نحاس فأحميت, وجاء بأسير من المسلمين فألقاه وهو ينظر, فإذا هو عظام تلوح, وعرض عليه فأبى, فأمر به أن يلقى فيها, فرفع في البكرة ليلقى فيها, فبكى فطمع فيه ودعاه, فقال: إنما بكيت لأن نفسي إنما هي نفس واحدة تلقى في هذه القدر الساعة في الله, فأحببت أن يكون لي بعدد كل شعرة في جسدي نفس تعذب هذا العذاب في الله. وفي بعض الروايات أنه سجنه ومنع منه الطعام والشراب أياماً, ثم أرسل إليه بخمر ولحم خنزير فلم يقربه, ثم استدعاه فقال: ما منعك أن تأكل ؟ فقال: أما إنه قد حل لي, ولكن لم أكن لأشمتك بي, فقال له الملك: فقبل رأسي وأنا أطلقك, فقال: وتطلق معي جميع أسارى المسلمين ؟ قال: نعم, فقبل رأسه فأطلقه وأطلق معه جميع أسارى المسلمين عنده, فلما رجع قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: حق على كل مسلم أن يقبل رأس عبد الله بن حذافة, وأنا أبدأ, فقام فقبل رأسه رضي الله عنهما.
ثم وصفهم بقوله: 108- "أولئك" أي الموصوفون بما ذكر من الأوصاف القبيحة "الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم" فلم يفهموا المواعظ ولا سمعوها، ولا أبصروا الآيات التي يستدل بها على الحق، وقد سبق تحقيق الطبع في أول البقرة، ثم أثبت لهم صفة نقص غير الصفة المتقدمة فقال: "وأولئك هم الغافلون" عما يراد بهم، وضمير الفصل يفيد أنهم متناهون في الغفلة، إذ لا غفلة أعظم من غفلتهم هذه.
108 - " أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم ، وأولئك هم الغافلون " ، عما يراد بهم .
108."أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصارهم"فأبت عن إدراك الحق والتأمل فيه . "وأولئك هم الغافلون"الكاملون في الغفلة إذ أغفلتهم الحالة الراهنة عن تدبر العواقب.
108. Such are they whose hearts and ears and eyes Allah hath sealed. And such are the heedless.
108 - Those are they whose hearts. ears, and eyes God has sealed up, and they take no heed.