107 - (فإن عثر) اطلع بعد حلفهما (على أنهما استحقا إثماً) أي فعلا ما يوجبه من خيانة أو كذب في الشهادة بأن وجد عندهما مثلا ما اتهما به وادعيا أنهما ابتاعاه من الميت أو أوصى لهما به (فآخران يقومان مقامهما) في توجه اليمين عليهما (من الذين استحق عليهم) الوصية وهم الورثة ويبدل من آخران (الأوليان) بالميت أي الأقربان إليه وفي قراءة {الأوَّلين} جمع أول صفة أو بدل من الذين (فيقسمان بالله) على خيانة الشاهدين ويقولان (لشهادتنا) يميننا (أحق) أصدق (من شهادتهما) يمينهما (وما اعتدينا) تجاوزنا الحق في اليمين (إنا إذاً لمن الظالمين) المعنى ليشهد المحتضر على وصيته اثنين أو يوصي إليهما من أهل دينه أو غيرهم إن فقدهم لسفر ونحوه فإن ارتاب الورثة فيهما فادعوا أنهما خانا بأخذ شيء أو دفعه إلى شخص زعما أن الميت أوصى له به فليحلفا إلى آخره فإن اطلع على أمارة تكذيبهما فادَّعيا دافعا له حلف أقرب الورثة على كذبهما وصدق ما ادعوه والحكم ثابت في الوصيين منسوخ في الشاهدين وكذا شهادة غير أهل الملة منسوخة واعتبار صلاة العصر للتغليظ وتخصيص الحلف في الآية باثنين من أقرب الورثة لخصوص الواقعة التي نزلت لها وهي ما رواه البخاري أن رجلا من بني سهم خرج مع تميم الداري وعدي بن بداء أي وهما نصرانيان فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم فلما قدما بتركته فقدوا جاماً من فضة مَخُوصا بالذهب فرفعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزلت فأحلفهما ثم وجد الجام بمكة فقالوا ابتعناه من تميم وعدي فنزلت الآية الثانية فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا وفي رواية الترمذي فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا وكان أقرب إليه ، وفي رواية فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله فلما مات أخذا الجام ودفعا إلى أهله ما بقي
قال أبو جعفر: يعني تعالى ذكره بقوله : "فإن عثر"، فإن اطلع منهما أو ظهر.
وأصل العثر، الوقوع على الشيء والسقوط عليه، ومن ذلك قولهم: عثرت إصبع فلان بكذا، إذا صدمته وأصابته ووقعت عليه، ومنه قول الأعشى ميمون بن قيس: بذات لوث عفرناة إذا عثرت فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا
يعني بقوله: عثرت، أصاب منسم خفها حجراً أو غيره. ثم يستعمل ذلك في كل واقع على شيء كان عنه خفياً، كقولهم : عثرت على الغزل باخرة، فلم تدع بنجد قردة، بمعنى: وقعت.
وأما قوله: "على أنهما استحقا إثما"، فإنه يقول تعالى ذكره: فإن اطلع من الوصيين اللذين ذكر الله أمرهما في هذه الآية، بعد حلفهما بالله لا نشتري بأيماننا ثمناً ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله، "على أنهما استحقا إثما"، يقول: على أنهما استوجبا بأيمانهما التي حلفا بها إثماً، وذلك أن يطلع على أنهما كانا كاذبين في أيمانهما بالله ما خنا ولا بدلنا ولا غيرنا. فإن وجدا قد خانا من مال الميت شيئاً، أو غيرا وصيته، أو بدلا فأثما بذلك من حلفهما بربهما، "فآخران يقومان مقامهما"، يقول ، يقوم حينئذ مقامهما من ورثة الميت، الأوليان الموصى إليهما.
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير: "أو آخران من غيركم"، قال: إذا كان الرجل بأرض الشرك، فأوصى إلى رجلين من أهل الكتاب، فإنهما يحلفان بعد العصر. فإذا اطلع عليهما بعد حلفهما أنهما خانا شيئا، حلف أولياء الميت أنه كان كذا وكذا، ثم استحقوا.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن مغيرة، عن إبراهيم، بمثله.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في قوله: "أو آخران من غيركم"، من غير المسلمين، "تحبسونهما من بعد الصلاة"، فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد الصلاة بالله: ما اشترينا بشهادتنا ثمناً قليلاً. فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما، قام رجلان من الأولياء فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد. فذلك قوله: "فإن عثر على أنهما استحقا إثما"، يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا، "فآخران يقومان مقامهما"، يقول: من الأولياء، فحلفا بالله: إن شهادة الكافرين باطلة، وإنا لم نعتد، فترد شهادة الكافرين، وتجوز شهادة الأولياء.
حدثنا بشر قال، حدثنا يزيد قال، حدثنا سعيد، عن قتادة: "فإن عثر على أنهما استحقا إثما"، أي: اطلع منهما على خيانة أنهما كذبا أو كتما.
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي له حكم الله تعالى ذكره على الشاهدين بالأيمان فنقلها إلى الآخرين، بعد أن عثر عليهما أنهما استحقا إثماً.
فقال بعضهم: إنما ألزمهما اليمين، إذا ارتيب في شهادتهما على الميت في وصيته أنه أوصى بغير الذي يجوز في حكم الإسلام، وذلك أن يشهد أنه أوصى بماله كله، أو أوصى أن يفضل بعض ولده ببعض ماله.
ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه ، عن ابن عباس: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت "، إلى قوله: "ذوا عدل منكم"، من أهل الإسلام، "أو آخران من غيركم"، من غير أهل الإسلام، "إن أنتم ضربتم في الأرض"، إلى: "فيقسمان بالله"، يقول: فيحلفان بالله بعد الصلاة، فإن حلفا على شيء يخالف ما أنزل الله تعالى ذكره من الفريضة، يعني اللذين ليسا من أهل الإسلام، "فآخران يقومان مقامهما"، من أولياء الميت، فيحلفان بالله: ما كان صاحبنا ليوصي بهذا، أو: إنهما لكاذبان ،ولشهادتنا أحق من شهادتهما .
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قال: يوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما، يحلفان بالله: "لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الأثمين"، إن صاحبكم لبهذا أوصى، وإن هذه لتركته. فإذا شهدا، وأجاز الإمام شهادتهما على ما شهدا، قال لأولياء الرجل: اذهبوا فم اضربوا في الأرض واسألوا عنهما، فإن أنتم وجدتم عليهما خيانة، أو أحدا يطعن عليهما، رددنا شهادتهما. فينطلق الأولياء فيسألون، فإن وجدوا أحدا يطعن عليهما، أو هما غير مرضيين عندهم، أو اطلع على أنهما خانا شيئاً من المال وجدوه عندهما، أقبل الأولياء فشهدوا عند الإمام، وحلفوا بالله: لشهادتنا أنهما لخائنان متهمان في دينهما مطعون عليهما، أحق من شهادتهما بما شهدا، وما اعتدينا. فذلك قوله: "فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان".
وقال آخرون : بل إنما ألزم الشاهدان اليمين ، لأنهما ادعيا أنه أوصى لهما ببعض المال . وإنما ينقل إلى الآخرين من أجل ذلك ، إذا ارتابوا بدعواهما .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عمران بن موسى القزاز قال ، حدثنا عبد الوارث بن سعيد قال ، حدثنا إسحق بن سويد، عن يحيى بن يعمر في قوله : "تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله"، قال : زعما أنه أوصى لهما بكذا وكذا، "فإن عثر على أنهما استحقا إثما". أي : بدعواهما لأنفسهما، "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان"، أن صاحبنا لم يوص إليكما بشيء مما تقولان .
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندنا، أن الشاهدين ألزما اليمين في ذلك باتهام ورثة الميت إياهما فيما دفع إليهما الميت من ماله ، ودعواهم قبلهما خيانة مال معلوم المبلغ ، ونقلت بعد إلى الورثة عند ظهور الريية التي كانت من الورثة فيهما، وصحة التهمة عليهما بشهادة شاهد عليهما أو على أحدهما، فيحلف الوارث حينئذ مع شهادة الشاهد عليهما، أو على أحدهما، إنما صح دعواه إذ حقق حقه ، أو: الإقرار يكون من الشهود ببعض ما ادعى عليهما الوارث أو بجميعه ، ثم دعواهما في الذي أقرا به من مال الميت ما لا يقبل فيه دعواهما إلا ببينة، ثم لا يكون لهما على دعواهما تلك بتنة، فينقل حينئذ اليمين إلى أولياء الميت .
وإنما قلنا ذلك أولى الأقوال في ذلك بالصحة، لأنا لا نعلم من أحكام الإسلام حكما يجب فيه اليمين على الشهود، أرتيب بشهادتهما أو لم يرتب بها، فيكون الحكم في هذه الشهادة نظيرا لذلك ، ولا -إذا لم نجد ذلك كذلك - صح بخبر عن الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولا بإجماع من الأمة . لأن استحلاف الشهود في هذا الموضع من حكم الله تعالى ذكره ، فيكون أصلا مسلماً . والقول إذا خرج من أن يكون أصلا أو نظيرا لأصل فيما تنازعت فيه الأمة، كان واضحا فساده .
وإذا فسد هذا القول بما ذكرنا، فالقول بان الشاهدين استحلفا من أجا، أنهما ادعيا على الميت وصية لهما بمال من ماله ، أفسد، من أجل أن أهل العلم لا خلاف بينهم في أن من حكم الله تعالى ذكره أن مدعيا لو ادعى في مال ميت وصية، أن القول قول ورثة المدعي في ماله الوصية مع أيمانهم ، دون قول مدعي ذلك مع يمينه ، وذلك إذا لم يكن للمدعي بينة. وقد جعل الله تعالى اليمين في هذه الآية على الشهود إذا ارتيب بهما، وإنما نقل الأيمان عنهم إلى أولياء الميت ، إذا عثر على أن الشهود استحقوا إثماً في أيمانهم . فمعلوم بذلك فساد قول من قال : ألزم اليمين الشهود، لدعواهم لأنفسهم وصية أوصى بها لهم الميت من ماله .
على أن ما قلنا في ذلك عن أهل التأويل هو التأويل الذي وردت به الأخبار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به حين نزلت هذه الآية، بين الذين نزلت فيهم وبسببهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن يحيى بن أبي زائدة، عن محمد بن أبي القاسم ، عن عبد الملك بن سعيد بن جبير، عن أبيه ، عن ابن عباس قال : خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء، فمات السهمي بأرض ليس فيها مسلم . فلما قدما بتركته ، فقدوا جاماً من فضة مخوصاً بالذهب ، فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم وجد الجام بمكة، فقالوا: اشتريناه من تميم الداري وعدي بن بداء! فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا : لشهادتنا أحق من شهادتهما، وأن الجام لصاحبهم . قال : وفيهم أنزلت : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" .
حدثنا الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني قال ، حدثنا محمد بن سلمة الحراني قال ، حدثنا محمد بن إسحق ، عن أبي النضر، عن باذان مولى أم هانىء ابنة أبي طالب ، عن ابن عباس ، عن تميم الداري في هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت"، قال : برىء الناس منها غيري وغير عدي بن بداء، وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام . فأتيا الشام لتجارتهما، وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بريل بن أبي مريم بتجارة، ومعه جام فضة يريد به الملك ، وهو عظم تجارته ، فمرض ، فأوصى إليهما، وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله . قال تميم : فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم ، فقسمناه أنا وعدي بن بداء، فلما قدمنا إلى أهله ، دفعنا إليهم ما كان معنا، وفقدوا الجام ، فسألوا عنه ، فقلنا: ما ترك غير هذا، وما دفع إلينا غيره . قال تميم : فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، تأثمت من ذلك ، فأتيت أهله فأخبرتهم الخبر، وأديت إليهم خمسمئة درهم ، وأخبرتهم أن عنذ صاحبي مثلها! فوثبوا إليه ، فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة، فلم يجدوا . فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه ، فحلف ، فأنزل الله تعالى ذكره : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله : "أن ترد أيمان بعد أيمانهم"، فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم فحلفا، فنزعت الخمسمئة من عدي بن بداء.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال ، حدثنا أبو سفيان ، عن معمر، عن قتادة وابن سيرين وغيره ، قال : وحدثنا الحجاج عن ابن جريج ، عن عكرمة، دخل حديث بعضهم في بعض : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الآية ، قال : كان عدي وتميم الداري ، وهما من لخم ، نصرانيان ، يتجران إلى مكة في الجاهلية . فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم حولا متجرهما إلى المدينة، فقدم ابن أبي مارية، مولى عمرو بن العاص المدينة، وهو يريد الشام تاجرا، فخرجوا جميعاً، حتى إذا كانوا ببعض الطريق ، مرض ابن أبي مارية، فكتب وصيته بيده ثم دسها في متاعه ، ثم أوصى إليهما. فلما مات فتحا متاعه ، فأخذا ما أرادا، ثم قدما على أهله فدفعا ما أرادا، ففتح أهله متاعه ، فوجدوا كتابه وعهده وما خرج به ، وفقدوا شيئا، فسألوهما عنه ، فقالوا : هذا الذي قبضنا له ودفع إلينا. قال لهما أهله : فباع شيئا أو ابتاعه ؟ قالا: لا! قالوا: فهل استهلك من متاعه شيئا؟ قالا: لا! قالوا: فهل تجر تجارة؟ قالا: لا! قالوا: فإنا قد فقدنا بعضه ! فاتهما، فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" إلى قوله : "إنا إذا لمن الأثمين". قال : فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستحلفوهما في دبر صلاة العصر: بالله الذي لا إله إلا هو، ما قبضنا له غير هذا، ولا كتمنا. قال : فمكثا ما شاء الله أن يمكثا، ثم ظهر معهما على إناء من فضة منقوش مموه بذهب ، فقال أهله : هذا من متاعه ؟ قالا: نعم ، ولكنا اشترينا منه ، ونسينا أن نذكره حين حلفنا، فكرهنا أن نكذب أنفسنا! فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الآية الأخرى: "فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان"، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لم رجلين من أهل الميت أن يحلفا على ما كتما وغيبا ويستحقانه. ثم إن تميماً الداري أسلم وبايع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكان يقول : صدق الله ورسوله : أنا أخذت الإناء! .
حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم"، الآية كلها . قال : هذا شيء كان حين لم يكن الإسلام إلا بالمدينة، وكانت الأرض كلها كفراً، فقال الله تعالى ذكره : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم"، من المسلمين ، "أو آخران من غيركم"، من غير أهل الإسلام، "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت"، قال : كان الرجل يخرج مسافرا، والعرب أهل كفر، فعسى أن يموت في سفره ، فيسند وصيته إلى رجلين منهم ، "فيقسمان بالله إن ارتبتم"، في أمرهما . إذا قال الورثة : كان مع صاحبنا كذا وكذا، فيقسمان بالله ما كان معه إلا هذا الذي قلنا، "فإن عثر على أنهما استحقا إثما"، أنما حلفا على باطل وكذب ، "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" بالميت ، "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين"، ذكرنا أنه كان مع صاحبنا كذا وكذ!، قال هؤلاء : لم يكن معه ! قال : ثم عثر على بعض المتاع عندهما، فلما عثر على ذلك ردت القسامة على وارثه فأقسما، ثم ضمن هذان . قال الله تعالى : "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم"، فتبطل أيمانهم، "واتقوا الله واسمعوا والله لا يهدي القوم الفاسقين"، الكاذبين ، الذين يحلفون على الكذب . وقال ابن زيد: قدم تميم الداري وصاحب له ، وكانا يومئذ مشركين، ولم يكونا أسلما، فأخبرا أنهما أوصى إليهما رجل ، وجاءا بتركته . فقال أولياء الميت : كان مع صاحبنا كذا وكذا، وكان معه إبريق فضة! وقال الآخران : لم يكن معه إلا الذي جئنا به ! فحلفا خلف الصلاة، ثم عثر عليهما بعد والإبريق معهما. فلما عثر عليهما، ردت القسامة على أولياء الميت بالذي قالوا مع صاحبهم ، ثم ضمنهما الذي حلف عليه الأوليان .
حدثنا الربيع قال حدثنا الشافعي قال ، أخبرنا أبو سعيد معاذ بن موسى الجعفري ، عن بكير بن معروف ، عن مقاتل بن حيان ، قال بكير، قال مقاتل : أخذت هذا التفسير عن مجاهد والحسن والضحاك ، في قول الله : "اثنان ذوا عدل منكم"، أن رجلين نصرانيين من أهل دارين ، أحدهما تميمي ، والآخر يماني ، صاحبهما مولى لقريش في تجارة. فركبوا البحر، ومع القرشي مال معلوم قد علمه أولياؤه ، من بين آنية وبز ورقة. فمرض القرشي ، فجعل وصيته إلى الداريين ، فمات ، وقبض الداريان المال والوصية، فدفعاه إلى أولياء الميت ، وجاءا ببعض ماله . وأنكر القوم قلة المال ، فقالوا للداريين : إن صاحبنا قد خرج معه بمال أكثر مما أتيتمونا به ، فهل باع شيئاً أو اشترى شيئاً، فوضع فيه ، وهل طال مرضه فانفق على نفسه ؟ قالا: لا! قالوا : فإنكما خنتمانا! فقبضوا المال ، ورفعوا أمرهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى آخر الآية. فلما نزل : أن يحبسا من بعد الصلاة، أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فقاما بعد الصلاة، فحلفا بالله رب السموات : ما ترك مولاكم من المال إلا ما أتيناكم به ، وإنا لا نشتري بأيماننا ثمنا قليلا من الدنيا، ولو كان ذا قربى، ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الآثمين . فلما حلفا خلى سبيلهما . ثم إنهم وجدوا بعد ذلك إناء من آنية الميت ، فاخذ الداريان ، فقالا : اشتريناه منه في حياته ! وكذبا، فكلفا البينة، فلم يقدرا عليها . فرفعوا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله تعالى ذكره : "فإن عثر"، يقول : فإن اطلع ، "على أنهما استحقا إثما"، يعني الداريين ، إن كتما حقا، "فآخران"، من أولياء الميت ، "يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان"، فيقسمان بالله : إن مال صاحبنا كان كذا وكذا، وأن الذي يطلب قبل الداريين لحق ، وما اعتدينا إنا إذا لمن الظالمين ، هذا قول الشاهدين أولياء الميت ، "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها" ، يعني : الداريين والناس ، أن يعودوا لمثل ذلك .
قال أبو جعفر: ففيما ذكرنا من هذه الأخبار التي روينا، دليل واضح على صحة ما قلنا، من أن حكم الله تعالى ذكره باليمين على الشاهدين في هذا الموضع ، إنما هو من أجل دعوى ورثته على المسند إليهما الوصية، خيانة فيما دفع الميت من ماله إليهما، أو غير ذلك مما لا يبرأ فيه المدعي ذلك قبله إلا بيمين ، وأن نقل اليمين إلى ورثة الميت بما أوجبه الله تعالى ذكره ، بعد أن عثر على الشاهدين أنهما استحقا إثما، في أيمانهما، ثم ظهر على كذبهما فيها، إن القوم ادعوا فيما صح أنه كان للميت دعوى من انتقال ملك عنه إليهما ببعض ما تزول به الأملاك ، مما يكون اليمين فيها على ورثة الميت دون المدعى، وتكون البينة فيها على المدعي ، وفساد ما خالف في هذه الآية ما قلنا من التأويل .
وفيها أيضا، البيان الواضح على أن معنى الشهادة التي ذكرها الله تعالى في أول هذه القصة إنما هي اليمين ، كما قال الله تعالى في مواضع أخر: "والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين" [النور: 6] . فالشهادة فى هذا الموضع ، معناها القسم ، من قول القائل : أشهد بالله إني لمن الصادقين ، وكذلك معنى قوله : "شهادة بينكم" إنما هو: قسم بينكم ، "إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية"، أن يقسم اثنان ذوا عدل منكم ، إن كانا اتمنا على مال فارتيب بهما، أو اتمن آخران من غير المؤمنين فاتهما . وذلك أن الله تعالى ذكره ، لما ذكر نقل اليمين من اللذين ظهر على خيانتهما إلى الآخرين ، قال : "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" . ومعلوم أن أولياء الميت المدعين قبل اللذين ظهر على خيانتهما، غير جائز أن يكونا شهداء، بمعنى الشهادة التي يؤخذ بها في الحكم حق مدعى عليه لمدع . لأنه لا يعلم لله تعالى ذكره حكم قضى فيه لأحد بدعواه ويمينه على مدعى عليه بغير بينة ولا إقرار من المدعى عليه ولا برهان .
فإذ كان معلوما أن قوله : "لشهادتنا أحق من شهادتهما"، إنما معناه : قسمنا أحق من قسمهما، وكان قسم اللذين عثر على أنهما أثما، هو الشهادة التي ذكر الله تعالى ذكره في قوله : "أحق من شهادتهما"، صح أن معنى قوله : "شهادة بينكم"، بمعنى : الشهادة في قوله : "لشهادتنا أحق من شهادتهما"، وأنها بمعنى القسم .
قال أبو جعفر: واختلفت القرأة في قراءة قوله : "من الذين استحق عليهم الأوليان".
فقرأ ذلك قرأة الحجاز والعراق والشام : من الذين استحق عليهم الأوليان ، بضم التاء .
وروي عن علي ، وأبي بن كعب ، والحسن البصري أنهم قرأوا ذلك . "من الذين استحق عليهم"، بفتح التاء.
واختلفت أيضا في قراءة قوله : "الأوليان".
فقرأته عامة قرأة أهل المدينة والشأم والبصرة : "الأوليان".
وقرأ ذلك عامة قرأة أهل الكوفة : الأويين .
وذكر عن الحسن البصري أنه كان يقرأ ذلك : من الذين استحق عليهم الأولان .
قال أبو جعفر: وأولى القراءتين بالصواب في قوله : "من الذين استحق عليهم"، قراءة من قرأ بضم التاء، لإجماع الحجة من القرأة عليه ، مع مشايعة عامة أهل التأويل على صحة تأويله ، وذلك إجماع عامتهم على أن تأويله : فآخران من أهل الميت ، الذين استحق المؤتمنان على مال الميت الإثم فيهم ، يقومان مقام المستحقي الإثم فيهما، بخيانتهما ما خانا من مال الميت .
وقد ذكرنا قائلي ذلك ، أو أكثر قائليه ، فيما مض قبل ، ونحن ذاكرو باقيهم إن شاء الله ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الله تعالى ذكره : "شهادة بينكم"، أن يموت المؤمن فيحضر موته مسلمان أو كافران ، لا يحضره غير اثنين منهم . فإن رضي ورثته ما عاجل عليه من تركته فذاك ، وحلف الشاهدان إن اتهما : إنهما لصادقان ، "فإن عثر" وجد...، حلف الاثنان الأوليان من الورثة ، فاستحقا وأبطلا أيمان الشاهدين .
وأحسب أن الذين قرأوا ذلك بفتح التاء، أرادوا أن يوجهوا تأويله إلى : "فآخران يقومان مقامهما"، مقام المؤتمنين اللذين عثر على خيانتهمما في القسم ، والاستحقاق به عليهما، دعواهما قبلهما، من "الذين استحق" على المؤتمنين على المال على خيانتهما القيام مقامهما في القسم والاستحقاق ، الأوليان بالمبيت.
وكذلك كانت قراءة من روقي هذه القراءة عنه ، فقرأ ذلك : "من الذين استحق" بفتح التاء، و"الأوليان"، على معنى: الأوليان بالميت وماله.
وذلك مذهب صحيح ، وقراءة غير مدفوعة صحتها، غير أنا نختار الأخرى، لإجماع الحجة من القرأة عليها، مع موافقتها التأويل الذي ذكرنا عن الصحابة والتابعين .
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبد الرحمن وكريب ، عن علي : أنه كان يقرأ: من الذين استحق عليهم الأوليان.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، عن حماد بن زيد، عن واصل مولى أبي عيينة، عن يحيى بن عقيل ، عن يحيى بن يعمر، عن أبي بن كعب : أنه كان يقرأ: من اتذين استحق عليهم الأوليان .
قال أبو جعفر: وأما أولى القراءات بالصواب في قوله : "الأوليان" عندي ، فقراءة من قرأ "الأوليان" لصحة معناها. وذلك لأن معنى : فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان: فآخران يقومان مقامهما من الذي استحق فيهم الإثم ، ثم حذف الإثم ، وأقيم مقامه "الأوليان"، لأنهما هما اللذان ظلما وأثما فيهما، بما كان من خيانة اللذين استحقا الإثم ، وعثر عليهما بالخيانة منهما فيما كان اتمنهما عليه الميت ، كما قد بينا فيما مضى من فعل العرب مثل ذلك ، من حذفهم الفعل اجتزاءً بالاسم ، وحذفهم الاسم اجتزاءً بالفعل . ومن ذلك ما قد ذكرنا في تأويل هذه القصة، وهو قوله : "شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان"، ومعناه : أن يشهد اثنان ، وكما قال : "فيقسمان بالله إن ارتبتم لا نشتري به ثمنا"، فقال : "به"، فعاد بالهاء على اسم الله ، وإنما المعنى : لا نشتري بقسمنا بالله ، فاجتزىء بالعود على اسم الله بالذكر، والمراد به : لا نشتري بالقسم بالله ، استغناءً بفهم السامع بمعناه عن ذكر اسم القسم . وكذلك اجتزىء، بذكر الأوليين من ذكر الإثم الذي استحقه الخائنان لخيانتهما إياهما، إذ كان قد جرى ذكر ذلك بما أغنى السامع عند سماعه إياه عن إعادته ، وذلك قوله : "فإن عثر على أنهما استحقا إثما".
وأما الذين قرأوا ذلك الأولين ، فإنهم قصدوا في معناه إلى الترجمة به عن الذين ، فأخرجوا ذلك على وجه الجمع ، إذ كان الذين جميعا، وخفضا، إذ كان "الذين" مخفوضا، وذلك وجه من التأويل ، غير أنه إنما يقال للشيء أول ، إذا كان له آخر هو له أول . وليس للذين استحق عليهم الإثم ، آخر هم له أول . بل كانت أيمان اللذين عثر على أنهما استحقا إثماً قبل أيمانهم ، فهم إلى أن يكونوا -إذ كانت أيمانهم آخراً - أولى أن يكونوا آخرين ، من أن يكونوا أولين ، وأيمانهم آخرة لأولى قبلها.
وأما القراءة التي حكيت عن الحسن ، فقراءة عن قراءة الحجة من القرأة شاذة، وكفى بشذوذها عن قراءتهم دليلا على بعدها من الصواب.
واختلف أهل العربية في الرافع لقوله : "الأوليان"، إذا قرىء كذلك .
فكان بعض نحويي البصرة يزعم أنه وفع ذلك ، بدلا من : "آخران" في قوله : "فآخران يقومان مقامهما". وقال : إنما جاز أن يبدل "الأوليان"، وهو معرفة ، من "آخران" وهو نكرة ، لأنه حين قال : يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم، كان كأنه قد حدهما حتى صارا كالمعرفة في المعنى، فقال : "الأوليان"، فأجرى المعرفة عليهما بدلاً. قال : ومثل هذا -مما يجري على المعنى - كثير، واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الراجز:
علي يوم يملك الأمورا صوم شهور وجبت نذورا
وبادنا مقلداً منحورا
قال : فجعله : علي واجب ، لأنه في المعنى قد أوجب .
وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك ويقول : لا يجوز أن يكون "الأوليان" بدلاً من : آخران، من أجل أنه قد نسق "فيقسمان" على "يقومان" في قوله : "فآخران يقومان"، فلم يتم الخبر بعد (من) . قال : ولا يجوز الإبدال قبل إتمام الخبر. وقال : غير جائز: (مررت برجل قام زيد وقعد)، و (زيد) بدل من (رجل).
قال أبو جعفر: والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال : "الأوليان" موفوعان بما لم يسم فاعله ، وهو قوله : استحق عليهم وأنهما وضعا موضع الخبر عنهما، فعمل فيهما ما كان عاملا في الخبر عنهما. وذلك أن معنى الكلام : (فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الإثم بالخيانة)، فوضع "الأوليان" موضع (الإثم )، كما قال تعالى ذكره في موضع، آخر: "أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر" [التوبة:99]، ومعناه : أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كإيمان من آمن بالله واليوم الآخر، وكما قال : "وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم" [البقرة : 93] ، وكما قال بعض الهذلييهن :
يمشي بيننا حانوت خمر من الخرس الصراصرة القطاط
وهو يعني : صاحب حانوت خمر، فأقام (الحانوت ) مقامه ، لأنه معتوبم أن (الحانوت )، لا يممشي ! ولكن لما كان معلوما عنده أنه لا يخفى على سامعه ما قصد إليه من معناه، حذف (الصاحب)، واجتزأ بذكر (الحانوت) منه . فكذلك قوله : من الذين استحق عليهم الأوليان ، إنما هو من الذين استحق فيهم خيانتهما، فحذفت (الخيانة) وأقيم (المختانان )، سقامهما . فعمل فيهما ما كان يعمل في المحذوف لو ظهر.
وأما قوله : "عليهم" في هذا الموضع ، فإن معناها: فيهم ، كما قال تعالى: "واتبعوا ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان" [البقرة:102]، يعني : في ملك سليمان ، وكما قال : "ولأصلبنكم في جذوع النخل" [طه : 71] .ف (في) توضع موضع (على)، و (على) في موضع (في)، كل واحدة منهما تعاقب صاحبتها في الكلام ، ومنه قول الشاعر:
متى ما تنكروها تعرفوها على أقطارها علق نفيث
وقد تأولت جماعة من أهل التأيل قول الله تعالى ذكره : "فإن عثر على أنهما استحقا إثما فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان"، أنهما رجلان آخران من المسلمين ، أو رجلان أعدل من المقسمين الأولين .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا عبد الأعلى قال ، حدثنا داود بن أبي هند، عن عامر، عن شريح في هذه الآية : "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم"، قال : إذا كان الرجل بأرض غربة ولم يجد مسلما يشهده على وصيته ، فأشهد يهودياً، أو نصرانياً، أو مجوسياً، فشهادتهم جائزة . فإن جاء رجلان مسلمان فشهدا بخلاف شهادتهم ، أجيزت شهادة المسلمين ، وأبطلت شهادة الآخرين .
حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد لمال ، حدثنا سعيد، عن قتادة : "فإن عثر"، أي : اطلع منهما على خيانة، على أنهما كذبا أو كتما، فشهد رجلان هما أعدل منهما بخلاف ما قالا، أجيزت شهادة الآخرين ، وأبطلت شهادة الأولين.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن عبد الملك ، عن عطاء قال : كان ابن عباس يقرأ : من الذين استحق عليهم الأولين وقال : كيف يكون (الأوليان)، أرأيت لو كان الأوليان صغيرين ؟
حدثنا هناد وابن وكيع قالا، حدثنا عبدة، عن عبد الملك ، عن عطاء، عن ابن عباس قال: كان يقرأ : من الذين استحق عليهم الأولين قال ، وقال : أرأيت لو كان الأوليان صغيرين ، كيف يقومان مقامهما؟
قال أبو جعفر: فذهب ابن عباس ، فيما أرى، إلى نحو القول الذي حكيت عن شريح وقتادة، من أن ذلك رجلان آخران من المسلمين ، يقومان مقام النصرانيين ، أو عدلان من المسلمين هما أعدل وأجوز شهادة من الشاهدين الأولين أو المقسمين .
وفي إجماع جميع أهل العلم على أن لا حكم لله تعالى ذكره يجب فيه على شاهد يمين فيما قام به من الشهادة، دليل واضح على أن غير هذا التأويل - الذي قاله الحسن ومن قال بقوله في قول الله تعالى ذكره : "فآخران يقومان مقامهما"- أولى به .
وأما قوله : "الأوليان"، فإن معناه عندنا: الأولى بالميت من المقسمين الأولين فالأولى . وقد يحتمل أن يكون معناه : الأولى باليمين منهما فالأولى، ثم حذف (منهما)، والعرب تفعل ذلك فتقول : (فلان أفضل)، وهي تريد : (أفضل منك)، وذلك إذا وضع (أفعل) موضع الخبر. وإن وقع موقع الاسم وأدخلت فيه (الألف واللام )، فعلوا ذلك أيضا، إذا كان جواباً لكلام قد مضى ، فقالوا : (هذا الأفضل ، وهذا الأشرف)، يريدون : هو الأشرف منك.
وقال ابن زيد : معنى ذلك : الأوليان بالميت.
حدثني يونس ، عن ابن وهب ، عنه .
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : فيقسم الآخران اللذان يقومان مقام اللذين عثر على أنهما استحقا إثماً بخيانتهما مال الميت ، الأوليان باليمين والميت من الخائنين : "لشهادتنا أحق من شهادتهما"، يقول : لأيماننا أحق من أيمان المقسمين المستحقين الإثم ، وأيمانهما الكاذبة، في أنهما قد خانا في كذا وكذا من مال ميتنا، وكذا في أيمانهما التي حلفا بها، "وما اعتدينا"، يقول : وما تجاوزنا الحق في أيماننا.
وقد بينا أن معنى (الاعتداء)، المجاوزة في الشيء حده .
"إنا إذا لمن الظالمين"، يقول : إنا إن كنا اعتدينا في أيماننا، فحلفنا مبطلين فيها كاذبين، معه "لمن الظالمين"، يقول : لمن عداد من يأخذ ما ليس له أخذه ، ويقتطع بأيمانه الفاجرة أموال الناس .
الثانية والعشرون -قوله تعالى :" فإن عثر على أنهما استحقا إثما " قال عمر: هذه الآية أعضل ما في هذه السورة من الأحكام وقال الزجاج: أصعب ما في القرآن من الإعراب قوله : " من الذين استحق عليهم الأوليان " عثر على كذا أي اطلع عليه يقال: عثرت منه على خيانة أي اطلعت واعثرت غيري عليه ومنه قوله تعالى : " وكذلك أعثرنا عليهم " [ الكهف : 21] لأنهم كانوا يطلبونهم وقد خفي عليهم موضعهم وأصل العثور الوقوع والسقوط على الشيء منه قولهم: عثر الرجل يعثر عثوراً إذا وقعت إصبعه بشيء صدمته وعثرت إصبغ فلان بكذا إذا صدمته فأصابته ووقعت عليه وعثر الفرس عثاراً قال الأعمش:
بذات لوث عفرناة إذا عثرت فالتعس أدنى لها من أن أقول لعا
والعثير الغبار الساطع لأنه يقع على الوجه والعثير الأثر الخفي لأنه يوقع عليه من خفاء والضمير في أنهما يعود على الوصيين اللذين ذكرا في قوله عز وجل : اثنان عن سعيد بن جبير وقيل: على الشاهدين عن ابن عباس واستحقا أي استوجبا إثماً يعني بالخيانة وأخذهما ما ليس لهما أو باليمين الكاذبة أو بالشهادة الباطلة وقال أبو علي: الإثم هنا اسم الشيء المؤخوذ لأن آخذه بأخذه آثم، فسمى إثماً كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة وقال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك فكذلك سمي هذا المأخوذ اسم المصدر وهو الجام .
الثالثة والعشرون -قوله تعالى: " فآخران يقومان مقامهما " يعني في الأيمان أو في الشهادة وقال آخران بحسب أن الورثة كانا اثنين وارتفع آخران بفعل مضمر يقومان في موضع نعت مقامها مصدر وتقديره مقاماً مثل مقامها ثم أقيم النعت مقام المنعوت والمضاف مقام المضاف إليه .
الرابعة والعشرون - قوله تعالى :" من الذين استحق عليهم الأوليان " قال ابن السري: المعنى استحق عليهم الإيصار، قال النحاس: وهذا من أحسن ما قيل فيه لأنه لا يجعل حرف بدلاً من حرف واختاره ابن العربي: وأيضاً فإن التفسير عليه لأن المعنى عند أهل التفسير : من الذين استحقت عليهم الوصية والأوليان بدل من قوله : فآخران قاله ابن السري: واختاره النحاس وهو بدل المعرفة من النكرة وإبدال المعرفة من النكرة جائز وقيل: النكرة إذا تقدم ذكرها ثم أعيد ذكرها صارت معرفة، كقوله تعالى : " كمشكاة فيها مصباح " [ النور: 35] ثم قال " زجاجة الزجاجة كأنها " [ النور: 35] ثم قال : " الزجاجة" وقيل: هو بدل من الضمير في يقومان كأنه قال : فيقوم الأوليان أو خبر ابتداء محذوف التقدير: فآخران يقومان مقامهما هما الأوليان، وقال ابن عيسى: الأوليان مفعول استحق على حذف المضاف أي استحق على حذف المضاف أي استحق فيهم وبسببهم إثم الأوليين فعليهم بمعنى فيهم مثل " على ملك سليمان " [ البقرة: 102] أي من ملك سليمان وقال الشاعر:
متى ما تنكروها تعرفوها على أقطارها على نفيث
أي في أقطارها وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة الأولين جمع أول على أنه بدل من اللذين من الهاء والميم في عليهم وقرأ حفص استحق بفتح التاء والحاء وروي عن أبي كعب : وفاعله الأوليان والمفعول محذوف والتقدير: من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها. وقيل: استحق عليهم الأوليان رد الأيمان وروي عن الحسن الأولان وعن ابن سيرين الأولين قال النحاس: والقراءتان لحن لا يقال في منثى : مثنان وغير أنه قد روي عن الحسن الأولان .
الخامسة والعشرون - قوله تعالى :" فيقسمان بالله " أي يحلف الآخران اللذان يقومان مقام الشاهدين أن الذي قال صاحبنا في وصيته حق وأن المال الذي وصى به إليكما كان أكثر مما أتيتمانا به وأن هذا الإناء لمن متاع صاحبنا الذي خرج به معه وكبته في وصيته وأنكما خنتما فذلك قوله : " لشهادتنا أحق من شهادتهما " أي يميننا أحق من يمينهما فصح أن الشهادة قد تكون بمعنى اليمين ومنه قوله تعالى : " فشهادة أحدهم أربع شهادات "[ النور: 6] وقد روى معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة قال: قوم رجلان من أولياء التي فحلفا " لشهادتنا أحق " ابتداء وخبر وقوله : " وما اعتدينا " أي تجاوزنا الحق في قسمنا " إنا إذا لمن الظالمين " أي إن كنا حلفنا على باطل وأخذنا ما ليس لنا .
اشتملت هذه الاية الكريمة على حكم عزيز قيل إنه منسوخ, رواه العوفي عن ابن عباس. وقال حماد بن أبي سليمان, عن إبراهيم: أنها منسوخة. وقال آخرون: وهم الأكثرون فيما قاله ابن جرير, بل هو محكم, ومن ادعى نسخه فعليه البيان, فقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان" هذا هو الخبر لقوله شهادة بينكم, فقيل: تقديره شهادة اثنين حذف المضاف, وأقيم المضاف إليه مقامه, وقيل: دل الكلام على تقدير أن يشهد اثنان. وقوله تعالى: "ذوا عدل" وصف الاثنين بأن يكونا عدلين. وقوله "منكم" أي من المسلمين. قاله الجمهور. قال علي بن أبي طلحة, عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله "ذوا عدل منكم" قال: من المسلمين, رواه ابن أبي حاتم, ثم قال: وروي عن عبيدة وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد ويحيى بن يعمر والسدي وقتادة ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم نحو ذلك. قال ابن جرير: وقال آخرون: غير ذلك "ذوا عدل منكم" أي من أهل الموصي, وذلك قول روي عن عكرمة وعبيدة وعدة غيرهما .
وقوله "أو آخران من غيركم" قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا سعيد بن عون, حدثنا عبد الواحد بن زياد, حدثنا حبيب بن أبي عمرة عن سعيد بن جبير قال: قال ابن عباس في قوله "أو آخران من غيركم" قال: من غير المسلمين, يعني أهل الكتاب, ثم قال وروي عن عبيدة وشريح وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين ويحيى بن يعمر وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وإبراهيم النخعي وقتادة وأبي مجلز والسدي ومقاتل بن حيان وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم وغيرهم, نحو ذلك. وعلى ما حكاه ابن جرير عن عكرمة وعبيدة في قوله منكم, أن المراد من قبيلة الموصي يكون المراد ههنا "أو آخران من غيركم" أي من غير قبيلة الموصي. وروى ابن أبي حاتم مثله عن الحسن البصري والزهري رحمهما الله.
وقوله تعالى: "إن أنتم ضربتم في الأرض" أي سافرتم "فأصابتكم مصيبة الموت" وهذان شرطان لجواز استشهاد الذميين عند فقد المؤمنين أن يكون ذلك في سفر, وأن يكون في وصية, كما صرح بذلك شريح القاضي. قال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي, حدثنا أبو معاوية ووكيع, قالا: حدثنا الأعمش عن إبراهيم, عن شريح قال: لا تجوز شهادة اليهود والنصارى إلا في سفر, ولا تجوز في سفر إلا في الوصية, ثم رواه عن أبي كريب, عن أبي بكر بن عياش, عن أبي إسحاق السبيعي قال: قال شريح فذكر مثله. وقد روي نحوه عن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى, وهذه المسألة من أفراده, وخالفه الثلاثة فقالوا: لا يجوز شهادة أهل الذمة على المسلمين, وأجازها أبو حنيفة فيما بين بعضهم بعضاً.
وقال ابن جرير: حدثنا عمرو بن علي, حدثنا أبو داود, حدثنا صالح بن أبي الأخضر, عن الزهري قال: مضت السنة أنه لا تجوز شهادة الكافر في حضر ولا سفر, إنما هي في المسلمين. وقال ابن زيد: نزلت هذه الاية في رجل توفي وليس عنده أحد من أهل الإسلام, وذلك في أول الإسلام, والأرض حرب, والناس كفار, وكان الناس يتوارثون بالوصية ثم نسخت الوصية, وفرضت الفرائض وعمل الناس بها, رواه ابن جرير, وفي هذا نظر, والله أعلم. وقال ابن جرير: اختلف في قوله "شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم" هل المراد به أن يوصي إليهما أو يشهدهما ؟ على قولين (أحدهما) أن يوصي إليهما, كما قال محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط قال: سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن هذه الاية. قال: هذا رجل سافر ومعه مال, فأدركه قدره, فإن وجد رجلين من المسلمين دفع إليهما تركته, وأشهد عليهما عدلين من المسلمين, رواه ابن أبي حاتم وفيه انقطاع. (والقول الثاني) أنهما يكونان شاهدين, وهو ظاهر سياق الاية الكريمة فإن لم يكن وصي ثالث معهما, اجتمع فيهما الوصفان: الوصاية والشهادة, كما في قصة تميم الداري وعدي بن بداء, كما سيأتي ذكرهما آنفاً إن شاء الله وبه التوفيق.
وقد استشكل ابن جرير كونهما شاهدين قال: لأنا لا نعلم حكماً يحلف فيه الشاهد, وهذا لايمنع الحكم الذي تضمنته هذه الاية الكريمة, وهو حكم مستقل بنفسه لا يلزم أن يكون جارياً على قياس جميع الأحكام, على أن هذا حكم خاص, بشهادة خاصة, في محل خاص, وقد اغتفر فيه من الأمور مالم يغتفر في غيره, فإذا قامت قرينة الريبة, حلف هذا الشاهد بمقتضى ما دلت عليه هذه الاية الكريمة. وقوله تعالى "تحبسونهما من بعد الصلاة" قال العوفي, قال ابن عباس, يعني صلاة العصر, وكذا قال سعيد بن جبير وإبراهيم النخعي وقتادة وعكرمة ومحمد بن سيرين. وقال الزهري: يعني صلاة المسلمين. وقال السدي, عن ابن عباس: يعني صلاة أهل دينهما. وروي عن عبد الرزاق, عن أيوب, عن ابن سيرين, عن عبيدة. وكذا قال إبراهيم وقتادة وغير واحد. والمقصود أن يقام هذان الشاهدان بعد صلاة اجتمع الناس فيها بحضرتهم "فيقسمان بالله" أي فيحلفان بالله "إن ارتبتم" أي إن ظهرت لكم منهما ريبة أنهما خانا أو غلا, فيحلفان حينئذ بالله "لا نشتري به" أي بأيماننا, قاله مقاتل بن حيان "ثمناً" أي لا نعتاض عنه بعوض قليل من الدنيا الفانية الزائلة "ولو كان ذا قربى" أي ولو كان المشهود عليه قريباً لنا لا نحابيه "ولا نكتم شهادة الله" أضافها إلى الله تشريفاً لها وتعظيماً لأمرها, وقرأ بعضهم "ولا نكتم شهادة الله" مجروراً على القسم رواها ابن جرير, عن عامر الشعبي, وحكي عن بعضهم أنه قرأها "ولا نكتم شهادة الله" والقراءة الأولى هي المشهورة " إنا إذا لمن الأثمين " أي إن فعلنا شيئاً من ذلك من تحريف الشهادة أو تبديلها أو تغييرها أو كتمها بالكلية.
ثم قال تعالى: "فإن عثر على أنهما استحقا إثماً" أي فإن اشتهر وظهر وتحقق من الشاهدين الوصيين أنهما خانا أو غلا شيئاً من المال الموصى به إليهما, وظهر عليهما بذلك "فآخران يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم الأوليان" هذه قراءة الجمهور "استحق عليهم الأوليان" وروي عن علي وأبي الحسن البصري أنهم قرؤوها "استحق عليهم الأوليان" وروى الحاكم في المستدرك من طريق إسحاق بن محمد الفروي عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن عبيد الله بن أبي رافع, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ "من الذين استحق عليهم الأوليان", ثم قال: صحيح على شرط مسلم, ولم يخرجاه. وقرأ بعضهم ومنهم ابن عباس " من الذين استحق عليهم الأوليان ". وقرأ الحسن " من الذين استحق عليهم الأوليان " حكاه ابن جرير, فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى بذلك أي متى تحقق ذلك بالخبر الصحيح على خيانتهما, فليقم اثنان من الورثة المستحقين للتركة, وليكونا من أولى من يرث ذلك المال "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" أي لقولنا أنهما خانا, أحق وأصح وأثبت من شهادتهما المتقدمة "وما اعتدينا" أي فيما قلنا فيهما من الخيانة, "إنا إذاً لمن الظالمين" أي إن كنا قد كذبنا عليهما, وهذا التحليف للورثة والرجوع إلى قولهما والحالة هذه, كما يحلف أولياء المقتول إذا ظهر لوث في جانب القاتل, فيقسم المستحقون على القاتل فيدفع برمته إليهم كما هو مقرر في باب القسامة من الأحكام, وقد وردت السنة بمثل ما دلت عليه هذه الاية الكريمة, فقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا الحسين بن زياد, حدثنا محمد بن سلمة عن محمد بن إسحاق, عن أبي النضر, عن باذان يعني أبا صالح مولى أم هانىء بنت أبي طالب, عن ابن عباس, عن تميم الداري في هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت" قال: برىء الناس منها غيري وغير عدي بن بداء, وكانا نصرانيين يختلفان إلى الشام قبل الإسلام, فأتيا الشام لتجارتهما, وقدم عليهما مولى لبني سهم يقال له بديل بن أبي مريم بتجارة, معه جام من فضة يريد به الملك, وهو أعظم تجارته, فمرض فأوصى إليهما وأمرهما أن يبلغا ما ترك أهله. قال تميم: فلما مات أخذنا ذلك الجام فبعناه بألف درهم, واقتسمناه أنا وعدي, فلما قدمنا إلى أهله دفعنا إليهم ما كان معنا, وفقدوا الجام, فسألونا عنه, قلنا: ما ترك غير هذا وما دفع إلينا غيره. قال تميم: فلما أسلمت بعد قدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, تأثمت من ذلك, فأتيت أهله, فأخبرتهم الخبر, ودفعت إليهم خمسمائة درهم, وأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها, فوثبوا عليه, فأمرهم النبي أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه, فحلف, فنزلت "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" إلى قوله "فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما" فقام عمرو بن العاص ورجل آخر منهم, فحلفا, فنزعت الخمسمائة من عدي بن بداء, وهكذا رواه أبو عيسى الترمذي وابن جرير, كلاهما عن الحسن بن أحمد بن أبي شعيب الحراني, عن محمد بن سلمة, عن محمد بن إسحاق به, فذكره, وعنده: فأتوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم البينة, فلم يجدوا, فأمرهم أن يستحلفوه بما يعظم به على أهل دينه, فحلف, فأنزل الله هذه الاية إلى قوله "أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم" فقام عمرو بن العاص ورجل آخر فحلفا, فنزعت الخمسمائة من عدي بن بداء, ثم قال: هذا حديث غريب, وليس إسناده بصحيح, وأبو النضر الذي روى عنه محمد بن إسحاق هذا الحديث, هو عندي محمد بن السائب الكلبي, يكنى أبا النضر, وقد تركه أهل العلم بالحديث, وهو صاحب التفسير, سمعت محمد بن إسماعيل يقول: محمد بن السائب الكلبي يكنى أبا النضر, ثم قال: ولا نعرف لأبي النضر رواية عن أبي صالح مولى أم هانىء.
وقد روي عن ابن عباس شيء من هذا على الاختصار من غير هذا الوجه, حدثنا سفيان بن وكيع, حدثنا يحيى بن آدم عن ابن أبي زائدة, عن محمد بن أبي القاسم, عن عبد الملك بن سعيد بن جبير, عن أبيه, عن ابن عباس قال: خرج رجل من بني سهم مع تميم الداري وعدي بن بداء, فمات السهمي بأرض ليس بها مسلم, فلما قدما بتركته, فقدوا جاماً من فضة مخوصاً بالذهب, فأحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم, ووجد الجام بمكة, فقيل: اشتريناه من تميم وعدي, فقام رجلان من أولياء السهمي فحلفا بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما, وأن الجام لصاحبهم, وفيهم نزلت "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الاية, وكذا رواه أبو داود عن الحسن بن علي عن يحيى بن آدم به, ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب, وهو حديث ابن أبي زائدة, وأحمد بن أبي القاسم الكوفي, قيل: إنه صالح الحديث.
وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من التابعين منهم عكرمة ومحمد بن سيرين وقتادة, وذكروا أن التحليف كان بعد صلاة العصر, رواه ابن جرير, وكذا ذكرها مرسلة مجاهد والحسن والضحاك, وهذا يدل على اشتهارها في السلف وصحتها, ومن الشواهد لصحة هذه القصة أيضاً ما رواه أبو جعفر بن جرير: حدثني يعقوب, حدثنا هشيم قال: أخبرنا زكريا عن الشعبي أن رجلاً من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقا هذه, قال: فحضرته الوفاة ولم يجد أحداً من المسلمين يشهده على وصيته, فأشهد رجلين من أهل الكتاب, قال: فقدما الكوفة, فأتيا الأشعري يعني أبا موسى الأشعري رضي الله عنه, فأخبراه, وقدما الكوفة بتركته ووصيته, فقال الأشعري: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فأحلفهما بعد العصر بالله ما خانا, ولا كذبا, ولا بدلا, ولا كتما, ولا غيرا, وأنها لوصية الرجل وتركته. قال: فأمضى شهادتها, ثم رواه عن عمرو بن علي الفلاس, عن أبي داود الطيالسي, عن شعبة, عن مغيرة الأزرق, عن الشعبي أن أبا موسى قضى بدقوقا, وهذان إسنادان صحيحان إلى الشعبي, عن أبي موسى الأشعري, فقوله: هذا أمر لم يكن بعد الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم الظاهر ـ والله أعلم ـ أنه إنما أراد بذلك قصة تميم وعدي بن بداء, وقد ذكروا أن إسلام تميم بن أوس الداري رضي الله عنه, كان سنة تسع من الهجرة, فعلى هذا يكون هذا الحكم متأخراً يحتاج مدعي نسخه إلى دليل فاصل في هذا المقام, والله أعلم.
وقال أسباط عن السدي في الاية "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم" قال: هذا في الوصية عند الموت, يوصي ويشهد رجلين من المسلمين على ماله وما عليه, قال: هذا في الحضر "أو آخران من غيركم" في السفر "إن أنتم ضربتم في الأرض فأصابتكم مصيبة الموت" هذا الرجل يدركه الموت في سفره, وليس بحضرته أحد من المسلمين, فيدعو رجلين من اليهود والنصارى والمجوس, فيوصي إليهما ويدفع إليهما ميراثه, فيقبلان به, فإن رضي أهل الميت الوصية وعرفوا ما لصاحبهم, تركوهما, وإن ارتابوا, رفعوهما إلى السلطان, فذلك قوله تعالى: "تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله إن ارتبتم" قال عبد الله بن عباس رضي الله عنه: كأني أنظر إلى العلجين حتى انتهى بهما إلى أبي موسى الأشعري في داره, ففتح الصحيفة, فأنكر أهل الميت وخوفوهما, فأراد أبو موسى أن يستحلفهما بعد العصر, فقلت: إنهما لا يباليان صلاة العصر, ولكن أستحلفهما بعد صلاتهما في دينهما, فيوقف الرجلان بعد صلاتهما في دينهما فيحلفان بالله لا نشتري به ثمناً ولو كان ذا قربى, ولا نكتم شهادة الله إنا إذا لمن الاثمين, أن صاحبهم بهذا أوصى, وأن هذه لتركته, فيقول لهما الإمام قبل أن يحلفا: إنكما إن كتمتما أو خنتما فضحتكما في قومكما, ولم تجز لكما شهادة وعاقبتكما, فإذا قال لهما ذلك " ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها " رواه ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا هشيم, أخبرنا مغيرة عن إبراهيم وسعيد بن جبير أنهما قالا في هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم" الاية, قالا: إذا حضر الرجل الوفاة في سفر فليشهد رجلين من المسلمين, فإن لم يجد رجلين من المسلمين فرجلين من أهل الكتاب, فإذا قدما بتركته فإن صدقهما الورثة قبل قولهما, وإن اتهموهما حلفا بعد صلاة العصر, بالله ما كتمنا ولا كذبنا ولا خنا ولا غيرنا, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في تفسير هذه الاية: فإن ارتيب في شهادتهما استحلفا بعد العصر: بالله ما اشترينا بشهادتنا ثمناً قليلاً, فإن اطلع الأولياء على أن الكافرين كذبا في شهادتهما قام رجلان من الأولياء فحلفا: بالله أن شهادة الكافرين باطلة وأنا لم نعتد, فذلك قوله تعالى: "فإن عثر على أنهما استحقا إثماً" يقول: إن اطلع على أن الكافرين كذبا "فآخران يقومان مقامهما" يقول: من الأولياء فحلفا بالله أن شهادة الكافرين باطلة, وأنا لم نعتد, فترد شهادة الكافرين وتجوز شهادة الأولياء, وهكذا روى العوفي عن ابن عباس, رواهما ابن جرير, وهكذاقرر هذا الحكم على مقتضى هذه الاية غير واحد من أئمة التابعين والسلف رضي الله عنهم, وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقوله "ذلك أدنى أن يأتوا بالشهادة على وجهها" أي شرعية هذا الحكم على هذا الوجه المرضي من تحليف الشاهدين الذميين, واستريب بهما أقرب إلى إقامتهما الشهادة على الوجه المرضي. وقوله " أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم " أي يكون الحامل لهم على الإتيان بها على وجهها هو تعظيم الحلف بالله ومراعاة جانبه وإجلاله, والخوف من الفضيحة بين الناس إن ردت اليمين على الورثة, فيحلفون ويستحقون ما يدعون, ولهذا قال " أو يخافوا أن ترد أيمان بعد أيمانهم ", ثم قال "واتقوا الله" أي في جميع أموركم, "واسمعوا" أي وأطيعوا, "والله لا يهدي القوم الفاسقين" أي الخارجين عن طاعته ومتابعة شريعته.
قوله: 107- "فإن عثر على أنهما استحقا إثماً" عثر على كذا: اطلع عليه، يقال عثرت منه على خيانة: أي اطلعت وأعثرت غيري عليه، ومنه قوله تعالى: "وكذلك أعثرنا عليهم" وأصل العثور الوقوع والسقوط على الشيء، ومنه قول الأعشى:
بذات لوث عصرنا إذ عثرت فالتعس أولى لها من أن أقول لعا
والمعنى: أنه إذا اطلع بعد التحليف على أن الشاهدين أو الوصيين استحقا إثماً: أي استوجبا إثماً إما بكذب في الشهادة أو اليمين أو بظهور خيانة. قال أبو علي الفارسي: الإثم هنا اسم الشيء المأخوذ، لأن آخذه يأثم بأخذه، فسمي إثماً كما سمي ما يؤخذ بغير حق مظلمة. وقال سيبويه: المظلمة اسم ما أخذ منك فكذلك سمي هذا المأخوذ باسم المصدر. قوله: "فآخران يقومان مقامهما" أي فشاهدان آخران أو فحالفان آخران يقومان مقام اللذين عثر على أنهما استحقا إثماً فيشهدان أو يحلفان على ما هو الحق، وليس المراد أنهما يقومان مقامهما في أداء الشهادة التي شهدها المستحقان للإثم. قوله: "من الذين استحق عليهم الأوليان" استحق مبني للمفعول، في قراءة الجمهور: وقرأ علي وأبي وابن عباس وحفص على البناء للفاعل، و "الأوليان" على القراءة الأولى مرتفع على أنه خبر مبتدأ محذوف: أي هما الأوليان، كأنه قيل من هما؟ فقيل هما الأوليان، وقيل هو بدل من الضمير في يقومان أو من آخران. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وحمزة "الأولين". جمع أول على أنه بدل من الذين، أو من الهاء والميم في عليهم. وقرأ الحسن " الأوليان ". والمعنى على بناء الفعل للمفعول: من الذين استحق عليهم الإثم: أي جنى عليهم، وهم أهل الميت وعشيرته فإنهم أحق بالشهادة أو اليمين من غيرهم، فالأوليان تثنية أولى. والمعنى على قراءة البناء للفاعل: من الذين استحق عليهم الأوليان من بينهم بالشهادة أن يجردوهما للقيام بالشهادة ويظهروا بهما كذب الكاذبين لكونهما الأقربين إلى الميت، فالأوليان فاعل استحق ومفعوله أن يجردوهما للقيام بالشهادة، وقيل المفعول محذوف، والتقدير: من الذين استحق عليهم الأوليان بالميت وصيته التي أوصى بها. قوله: "فيقسمان بالله" عطف على "يقومان": أي فيحلفان بالله لشهادتنا: أي يميننا، فالمراد بالشهادة هنا اليمين، كما في قوله تعالى: "فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله" أي يحلفان لشهادتنا على أنهما كاذبان خائنان أحق من شهادتهما: أي من يمينهما على أنهما صادقان أمينان "وما اعتدينا" أي تجاوزنا الحق في يميننا "إنا إذاً لمن الظالمين" إن كنا حلفنا على باطل.
107- فأنزل الله عز وجل " فإن عثر "، أي: اطلع على خيانتهما، وأصل العثور: الوقوع على الشيء ، "على أنهما "، يعني: الوصيين " استحقا "، استوجبا " إثما "، بخيانتهما وبإيمانهما الكاذبة، " فآخران " من أولياء الميت، "يقومان مقامهما "، يعني: مقام الوصيين،" من الذين استحق "، بضم التاء على المجهول، هذه قراءة العامة، يعني: الذين استحق " عليهم " ، أي فيهم ولأجلهم الإثم وهم ورثة الميت استحق الحالفان بسببهم الإثم و (على) بمعنى في، كما قال الله "على ملك سليمان" (البقرة -102) أي: في ملك سليمان، وقرأ حفص (أستحق) بفتح التاء والحاء، وهي قراءة علي والحسن، أي: حق ووجب عليهم الإثم، يقال: حق واستحق بمعنى واحد، " الأوليان "، نعت للآخران ، أي: فآخران الأوليان، وإنما جاز ذلك و" الأوليان " معرفة والآخران نكرة لأنه لما وصف ال آخران فقال " من الذين " صار كالمعرفة و" الأوليان " تثنية الأولى، ولأولى هو الأقرب، وقرأ حمزة وأبوبكر مع عاصم و يعقوب " الأولين " بالجمع فيكون بدلا من الذين، والمراد منهم أيضا أولياء الميت .
ومعنى الآية: إذا ظهرت خيانة الحالفين يقوم اثنان آخران من أقارب الميت،" فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما "، يعني: يميننا أحق من يمينهما، نظيرة قوله تعالى في اللعان: " فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله ".(النور-6).والمراد بها الأيمان، فهو كقول القائل: أشهد بالله، أي: أقسم بالله، " وما اعتدينا "، في أيماننا، وقولنا أن شهادتنا أحق من شهادتهما، " إنا إذا لمن الظالمين " .
فلما نزلت هذه الآية قام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان، فحلفا بالله بعد العصر فدفعا الإناء إليهما وإلى أولياء الميت، وكان تميم الداري بعدما أسلم يقول صدق الله ورسوله أنا أخذت الإناء، فأتوب إلى الله وأستغفره، وإنما انتقل اليمين إلى الأولياء لأن الوصيين ادعيا أنهما ابتاعاه .
والوصي إذا أخذ شيئا من مال الميت وقال: إنه أوصى لي به حلف الوارث، إذا أنكر ذلك، وكذلك لو ادعى رجل سلعة في يد رجل فاعترف ثم ادعى أنه اشتراها من المدعي، حلف المدعي أنه لم يبعها منه .
ويروى عن ابن عباس رضي الله عنهما عن تميم الداري قال:كنا بعنا الإناء بألف درهم فقسمتها أنا وعدي، فلما أسلمت تأثمت فأتيت موالي الميت فأخبرتهم أن عند صاحبي مثلها فأتوا به إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، وحلف عمرو والمطلب فنزعت الخمسمائة من عدي، ورددت أنا الخمسمائة .
107"فإن عثر" فإن طلع. " على أنهما استحقا إثما " أي فعلا ما أوجب إثماً كتحريف. "فآخران" فشاهدان آخران. " يقومان مقامهما من الذين استحق عليهم " من الذين جنى عليهم وهم الورثة. وقرأ حفص "استحق" على البناء للفاعل وهو الأوليان. "الأوليان" الأحقان بالشهادة لقرابتهما ومعرفتهما وهو خبر محذوف أي: هما الأوليان أو خبر "آخران" أو مبتدأ خبره آخران، أو بدل منهما أو من الضمير في يقومان. وقرأ حمزة و يعقوب و أبو بكر عن عاصم "الأولين" على أنه صفة للذين، أو بدل منه أي من الأولين الذين استحق عليهم. وقرئ "الأولين" على التثنية وعلى انتصابه على المدح والأولان وإعرابه إعراب الأوليان. " فيقسمان بالله لشهادتنا أحق من شهادتهما " أصدق منها وأولى بأن تقبل. "وما اعتدينا" وما تجاوزنا فيها الحق. " إنا إذا لمن الظالمين " الواضعين الباطل موضع الحق، أو الظالمين أنفسهم إن اعتدينا. ومعنى الآيتين أن المحتضر إذا أراد الوصية ينبغي أن يشهد عدلين من ذوي نسبه أو دينه على وصيته، أو يوصي إليهما احتياطاً فإن لم يجدهما بأن كان في سفر فآخرين من غيرهم، ثم إن وقع نزاع وارتياب أقسما على صدق ما يقولان بالتغليظ في الوقت، فإن اطلع على أنهما كذبا بأمارة أو مظنة حلف آخران من أولياء الميت، والحكم منسوخ إن كان الاثنان شاهدين فإنه لا يخلف الشاهد ولا يعارض يمينه بيمين الوارث وثابت إن كانا وصيين ورد اليمين إلى الورثة إما لظهور خيانة الوصيين فإن تصديق الوصي باليمين لأمانته أو لتغيير الدعوى. إذ روي أن تميماً الداري وعدي بن زيد خرجا إلى الشام للتجارة وكانا حينئذ نصرانيين ومعهما بديل مولى عمرو بن العاص وكان مسلماً، فلما قدموا الشام مرض بديل فدون ما معه في صحيفة وطرحها في متاعه ولم يخبرهما به، وأوصى إليهما بأن يدفعا متاعه إلى أهله ومات، ففتشاه وأخذا منه إناء من فضة فيه ثلثمائة مثقال منقوشاً بالذهب فغيباه، فأصاب أهله الصحيفة فطالبوهما بالإناء فجحدا فترافعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت: " يا أيها الذين آمنوا " الآية، فحلفهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة العصر عند المنبر وخلى سبيلهما، ثم وجد الإناء في أيديهما فأتاهما بنو سهم في ذلك فقالا: قد اشتريناه منه ولكن لم يكن لنا عليه بينة فكرهنا أن نقربه فرفعوهما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت "فإن عثر" فقام عمرو بن العاص والمطلب بن أبي وداعة السهميان فحلفا واستحقاه. ولعل تخصيص العدد فيهما لخصوص الواقعة.
107. But then, if it is afterwards ascertained that both of them merit (the suspicion of) sin, let two others take their place of those nearly concerned, and let them swear by Allah, (saying): Verily our testimony is truer than their testimony and we have not transgressed(the bounds of duty), for then indeed we should be of the evildoers.
107 - But if it gets known that these two were guilty of the sin (of perjury), let two others stand forth in their places, nearest in kin from among those who claim a lawful right: let them swear by God: we affirm that our witness is truer than that of those two, and that we have not trespassed (beyond the truth): if we did, behold the wrong be upon us