107 - (وما أرسلناك) يامحمد (إلا رحمة) أي للرحمة (للعالمين) الإنس والجن بك
القول في تأويل قوله تعالى : " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " .
قوله تعالى: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع الناس فمن آمن به وصدق به سعد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق. وقال ابن زيد: أراد بالعالمين المؤمنين خاصة.
يقول تعالى مخبراً عما حتمه وقضاه لعباده الصالحين من السعادة في الدنيا والاخرة ووراثة الأرض في الدنيا والاخرة, كقوله تعالى: "إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين" وقال: "إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد" وقال: "وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم" وأخبر تعالى أن هذا مسطور في الكتب الشرعية والقدرية وهو كائن لامحالة, ولهذا قال تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر". قال الأعمش: سألت سعيد بن جبير عن قوله تعالى: "ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر" فقال الزبور : التوراة والإنجيل, والقرآن وقال مجاهد : الزبور الكتاب, وقال ابن عباس والشعبي والحسن وقتادة وغير واحد: الزبور الذي أنزل على داود, والذكر التوراة. وعن ابن عباس : الذكر القرآن, وقال سعيد بن جبير : الذكر الذي في السماء. وقال مجاهد : الزبور الكتب بعد الذكر والذكر أم الكتاب عند الله, واختار ذلك ابن جرير رحمه الله, وكذا قال زيد بن أسلم : هو الكتاب الأول, وقال الثوري : هو اللوح المحفوظ. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الزبور الكتب التي أنزلت على الأنبياء, والذكر أم الكتاب الذي يكتب فيه الأشياء قبل ذلك, وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أخبر الله سبحانه وتعالى في التوراة والزبور وسابق علمه قبل أن تكون السموات والأرض أن يورث أمة محمد صلى الله عليه وسلم الأرض, ويدخلهم الجنة وهم الصالحون. وقال مجاهد عن ابن عباس "أن الأرض يرثها عبادي الصالحون" قال: أرض الجنة, وكذا قال أبو العالية ومجاهد وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والسدي وأبو صالح والربيع بن أنس والثوري , وقال أبو الدرداء نحن الصالحون. وقال السدي : هم المؤمنون, وقوله: "إن في هذا لبلاغاً لقوم عابدين" أي إن في هذا القرآن الذي أنزلناه على عبدنا محمد صلى الله عليه وسلم لبلاغاً: لمنفعة وكفايةً لقوم عابدين, وهم الذين عبدوا الله بما شرعه وأحبه ورضيه, وآثروا طاعة الله على طاعة الشيطان, وشهوات أنفسهم.
وقوله: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" يخبر تعالى أن الله جعل محمداً صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين أي أرسله رحمة لهم كلهم فمن قبل هذه الرحمة وشكر هذه النعمة سعد في الدنيا والاخرة ومن ردها وجحدها خسر في الدنيا والاخرة كما قال تعالى: " ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار " وقال تعالى في صفة القرآن: " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " وقال مسلم في صحيحه حدثنا ابن أبي عمر , حدثنا مروان الفزاري عن يزيد بن كيسان عن ابن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قيل يارسول الله ادع على المشركين. قال "إني لم أبعث لعاناً, وإنما بعثت رحمة" انفرد بإخراجه مسلم . وفي الحديث الاخر "إنما أنا رحمة مهداة" رواه عبد الله بن أبي عوانة وغيره عن وكيع عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً. قال إبراهيم الحربي . وقد رواه غيره عن وكيع فلم يذكر أبا هريرة . وكذا قال البخاري وقد سئل عن هذا الحديث, فقال: كان عند حفص بن غياث مرسلاً.
قال الحافظ ابن عساكر : وقد رواه مالك بن سعيد الخمس عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعاً, ثم ساقه من طريق أبي بكر بن المقرىء وأبي أحمد الحاكم , كلاهما عن بكر بن محمد بن إبراهيم الصوفي , حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري عن أبي أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا رحمة مهداة" ثم أورده من طريق الصلت بن مسعود عن سفيان بن عيينة عن مسعر عن سعيد بن خالد , عن رجل عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله بعثني رحمة مهداة بعثت برفع قوم وخفض آخرين".
قال أبو القاسم الطبراني : حدثنا أحمد بن محمد بن نافع الطحان , حدثنا أحمد بن صالح قال: وجدت كتاباً بالمدينة عن عبد العزيز الدراوردي وإبراهيم بن محمد بن عبد العزيز بن عمر بن عبد الرحمن بن عوف , عن محمد بن صالح التمار عن ابن شهاب , عن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: قال أبو جهل حين قدم مكة منصرفه عن حمزة : يا معشر قريش إن محمداً نزل يثرب وأرسل طلائعه, وإنما يريد أن يصيب منكم شيئاً, فاحذورا أن تمروا طريقه أو تقاربوه, فإنه كالأسد الضاري, إنه حنق عليكم لأنكم نفيتموه نفي القردان عن المناسم, والله إن له لسحرة ما رأيته قط ولا أحداً من أصحابه إلا رأيت معهم الشياطين, وإنكم قد عرفتم عداوة ابني قيلة يعني الأوس والخزرج, فهو عدو استعان بعدو, فقال له مطعم بن عدي: يا أبا الحكم والله ما رأيت أحداً أصدق لساناً, ولا أصدق موعداً من أخيكم الذي طردتم, وإذ فعلتم الذي فعلتم, فكونوا أكف الناس عنه, قال أبو سفيان بن الحارث: كونوا أشد ما كنتم عليه إن ابني قيلة إن ظفروا بكم لم يرقبوا فيكم إلاً ولا ذمة, وإن أطعتموني ألجأتموهم حير كنانة أو تخرجوا محمداً من بين ظهرانيهم, فيكون وحيداً مطروداً, وأما ابنا قيلة فوالله ما هما وأهل دهلك في المذلة إلا سواء وسأكفيكم حدهم, وقال:
سأمنح جانباً مني غليظاً على ما كان من قرب وبعد
رجال الخزرجية أهل ذل إذا ما كان هزل بعد جد.
فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "والذي نفسي بيده, لأقتلنهم ولأصلبنهم ولأهدينهم وهم كارهون, إني رحمة بعثني الله ولا يتوفاني حتى يظهر الله دينه, لي خمسة أسماء أنا محمد وأحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر, وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي, وأنا العاقب" وقال أحمد بن صالح : أرجو أن يكون الحديث صحيحاً. وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو , حدثنا زائدة , حدثني عمرو بن قيس عن عمرو بن أبي قرة الكندي قال: كان حذيفة بالمدائن فكان يذكر أشياء قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء حذيفة إلى سلمان , فقال سلمان : يا حذيفة إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فقال: "أيما رجل من أمتي سببته في غضبي أو لعنته لعنة, فإنما أنا رجل من ولد آدم أغضب كما تغضبون, إنما بعثني الله رحمة للعالمين فأجعلها صلاة عليه يوم القيامة".
ورواه أبو داود عن أحمد بن يونس عن زائدة , فإن قيل: فأي رحمة حصلت لمن كفر به ؟ فالجواب ما رواه أبو جعفر بن جرير : حدثنا إسحاق بن شاهين , حدثنا إسحاق الأزرق عن المسعودي عن رجل يقال له سعيد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله: " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " قال: من آمن بالله واليوم الاخر كتب له الرحمة في الدنيا والاخرة, ومن لم يؤمن بالله ورسوله عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف, وهكذا رواه ابن أبي حاتم من حديث المسعودي عن أبي سعد وهو سعيد بن المرزبان البقال عن سعيد بن جبير عن ابن عباس فذكره بنحوه, والله أعلم, وقد رواه أبو القاسم الطبراني عن عبدان بن أحمد عن عيسى بن يونس الرملي عن أيوب بن سويد عن المسعودي عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " قال: من تبعه كان له رحمة في الدينا والاخرة, ومن لم يتبعه عوفي مما كان يبتلى به سائر الأمم من الخسف والمسخ والقذف.
107- "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين" أي وما أرسلناك يا محمد بالشرائع والأحكام إلا رحمة لجميع الناس، والاستثناء مفرغ من أعم الأحوال والعلل: أي ما أرسلناك لعلة من العلل إلا لرحمتنا الواسعة، فإن ما بعثت به سبب لسعادة الدارين. قيل ومعنى كونه رحمة للكفار: أنهم أمنوا به من الخسف والمسخ والاستئصال: وقيل المراد بالعالمين المؤمنون خاصة، والأول أولى بدليل قوله سبحانه: "وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم".
107. " وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين "، قال ابن زيد : يعني رحمة للمؤمنين خاصة فهو رحمة لهم. [وقال ابن عباس: هو عام في حق من آمن ومن لم يؤمن فمن آمن فهو رحمة له] في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن فهو رحمة له في الدنيا بتأخير العذاب عنهم ورفع المسخ والخسف والاستئصال عنهم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما أنا رحمة مهداة ".
107ـ " وما أرسلناك إلا رحمة ً للعالمين " لأن ما بعثت به سبب لإسعادهم وموجب لصلاح معاشهم ومعادهم ، وقيل كونه رحمة للكفار أمنهم به من الخسف والمسخ وعذاب الاستئصال .
107. We sent thee not save as a mercy for the peoples.
107 - We sent thee not, but as a Mercy for all creatures.