107 - (أفأمنوا أن تأتيهم غاشية) نقمة تغشاهم (من عذاب الله أو تأتيهم الساعة بغتة) فجأة (وهم لا يشعرون) بوقت إتيانها
قال أبو جعفر : يقول جل ثناؤه : أفأمن هؤلاء الذين لا يقرون بأن الله ربهم إلا وهم مشركون في عبادتهم إياه غيره ، "أن تأتيهم غاشية من عذاب الله" ، تغشاهم من عقوبة الله وعذابه على شركهم بالله ، أو تأتيهم القيامة فجأةً وهم مقيمون على شركهم وكفرهم بربهم ، فيخلدهم الله عز وجل في ناره ، وهم لا يدرون بمجيئها وقيامها .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ،عن مجاهد : "أن تأتيهم غاشية من عذاب الله" ، قال : تغشاهم .
حدثنا الحسن بن محمد قال ، حدثنا شبابة قال ، حدثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد قوله : "غاشية من عذاب الله" ، قال : تغشاهم .
حدثني المثنى قال ، حدثنا أبو حذيفة قال ، حدثنا شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
قال ، حدثنا إسحاق قال ، حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، عن ابن ابي نجيح ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا القاسم قال ، حدثنا الحسين قال ، حدثني حجاج ،عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قوله: "أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله" ، أي : عقوبة من عذاب الله .
حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : "غاشية من عذاب الله" ، قال "غاشية" ، وقيعة تغشاهم من عذاب الله .
قوله تعالى: " أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله " قال ابن عباس: مجللة. وقال مجاهد: عذاب يغشاهم، نظيره. " يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم " ( العنكبوت: 55). وقال قتادة: وقيعة تقع لهم. وقال الضحاك : يعني الصواعق والقوارع. " أو تأتيهم الساعة " يعني القيامة. " بغتة " نصب على الحال، وأصله المصدر. وقال المبرد: جاء عن العرب حال بعد نكرة، وهو قولهم: وقع أمر بغتة وفجأة، قال النحاس : ومعنى: ( بغتة) إصابة من حيث لم يتوقع. " وهم لا يشعرون " وهو توكيد. وقوله: ( بغتة) قال ابن عباس: تصيح الصيحة بالناس وهم في أسواقهم ومواضعهم، كما قال: " تأخذهم وهم يخصمون " ( يس~: 49) على ما يأتي.
يخبر تعالى عن غفلة أكثر الناس عن التفكر في آيات الله ودلائل توحيده بما خلقه الله في السموات والأرض من كواكب زاهرات ثوابت, وسيارات وأفلاك دائرات, والجميع مسخرات, وكم في الأرض من قطع متجاورات, وحدائق وجنات, وجبال راسيات, وبحار زاخرات, وأمواج متلاطمات, وقفار شاسعات, وكم من أحياء وأموات, وحيوان ونبات, وثمرات متشابهة ومختلفات في الطعوم والروائح والألوان والصفات, فسبحان الواحد الأحد, خالق أنواع المخلوقات, المتفرد بالدوام والبقاء والصمدية للأسماء والصفات, وغير ذلك.
وقوله: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" قال ابن عباس: من إيمانهم أنهم إذا قيل لهم: من خلق السموات, ومن خلق الأرض, ومن خلق الجبال ؟ قالوا: الله, وهم مشركون به. وكذا قال مجاهد وعطاء وعكرمة والشعبي وقتادة والضحاك وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم, وفي الصحيحين: أن المشركين كانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك, تملكه وما ملك. وفي صحيح مسلم أنهم كانوا إذا قالوا: لبيك لا شريك لك, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قد قد" أي حسب حسب, لا تزيدوا على هذا. وقال الله تعالى: "إن الشرك لظلم عظيم" وهذا هو الشرك الأعظم يعبد مع الله غيره, كما في الصحيحين عن ابن مسعود قلت: يا رسول الله, أي الذنب أعظم ؟ قال: "أن تجعل لله نداً وهو خلقك".
وقال الحسن البصري في قوله: "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" قال: ذلك المنافق يعمل إذا عمل رياء الناس, وهو مشرك بعمله ذلك يعني قوله تعالى: " إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " وثم شرك آخر خفي لا يشعر به غالباً فاعله, كما روى حماد بن سلمة عن عاصم بن أبي النجود عن عروة قال: دخل حذيفة على مريض فرأى في عضده سيراً فقطعه ـ أو انتزعه ـ ثم قال "وما يؤمن أكثرهم بالله إلا وهم مشركون" وفي الحديث "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه الترمذي وحسنه من رواية ابن عمر, وفي الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وغيره عن ابن سعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك", وفي لفظ لهما "الطيرة شرك وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل" ورواه الإمام أحمد بأبسط من هذا فقال: حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة, عن يحيى الجزار عن ابن أخي زينب, عن زينب امرأة عبد الله بن مسعود قالت: كان عبد الله إذا جاء من حاجة فانتهى إلى الباب تنحنح وبزق كراهة أن يهجم منا على أمر يكرهه, قالت: وإنه جاء ذات يوم فتنحنح وعندي عجوز ترقيني من الحمرة فأدخلتها تحت السرير, قالت: فدخل فجلس إلى جانبي, فرأى في عنقي خيطاً فقال: ما هذا الخيط ؟ قالت: قلت: خيط رقي لي فيه, فأخذه فقطعه ثم قال: إن آل عبد الله لأغنياء عن الشرك, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الرقى والتمائم والتولة شرك" قالت: قلت له: لم تقول هذا وقد كانت عيني تقذف, فكنت أختلف إلى فلان اليهودي يرقيها, فكان إذا رقاها سكنت, فقال إنما ذاك من الشيطان كان ينخسها بيده, فإذا رقاها كف عنها, إنما كان يكفيك أن تقولي كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أذهب الباس, رب الناس, اشف وأنت الشافي, لا شفاء إلا شفاؤك شفاء لا يغادر سقماً".
وفي حديث آخر رواه الإمام أحمد عن وكيع, عن ابن أبي ليلى, عن عيسى بن عبد الرحمن قال: دخلت على عبد الله بن عكيم وهو مريض نعوده, فقيل له, لو تعلقت شيئاً, فقال: أتعلق شيئاً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تعلق شيئاً وكل إليه" ورواه النسائي عن أبي هريرة, وفي مسند الإمام أحمد من حديث عقبة بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من علق تميمة فقد أشرك", وفي رواية "من تعلق تميمة فلا أتم الله له, ومن تعلق ودعة فلا ودع الله له", وعن العلاء عن أبيه, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "قال الله: أنا أغنى الشركاء عن الشرك, من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه" رواه مسلم.
وعن أبي سعيد بن أبي فضالة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا جمع الله الأولين والاخرين ليوم لا ريب فيه ينادي مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله, فليطلب ثوابه من عند غير الله, فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك" رواه الإمام أحمد وقال أحمد: حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد يعني ابن الهادي, عن عمرو, عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر" قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله ؟ قال: "الرياء, يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا الى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً ؟" وقد رواه إسماعيل بن جعفر عن عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب, عن عاصم بن عمر بن قتادة عن محمود بن لبيد به. وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن, أنبأنا ابن لهيعة, أنبأنا ابن هبيرة عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك" قالوا: يا رسول الله, ما كفارة ذلك ؟ قال: "أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك, ولا طير إلا طيرك, ولا إله غيرك".
وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الله بن نمير, حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان العرزمي عن أبي علي ـ رجل من بني كاهل ـ قال: خطبنا أبو موسى الأشعري فقال: يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك, فإنه أخفى من دبيب النمل. فقام عبد الله بن حزن وقيس بن المضارب فقالا: والله لتخرجن مما قلت, أو لنأتين عمر مأذونا لنا أو غير مأوذن. قال: بل أخرج مما قلت, خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم فقال: "يا أيها الناس اتقوا هذا الشرك, فإنه أخفى من دبيب النمل" فقال له من شاء الله أن يقول: فكيف نتقيه وهو أخفى من دبيب النمل يا رسول الله ؟ قال: "قولوا: اللهم إنا نعوذ بك من أن نشرك بك شيئاً نعلمه, ونستغفرك لما لا نعلمه". وقد روي من وجه آخر, وفيه أن السائل في ذلك هو الصديق, كما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي من حديث عبد العزيز بن مسلم, عن ليث بن أبي سليم, عن أبي محمد, عن معقل بن يسار, قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: حدثني أبو بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "الشرك أخفى فيكم من دبيب النمل", فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من دعا مع الله إلهاً آخر ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل" ثم قال: "ألا أدلك على ما يذهب عنك صغير ذلك وكبيره ؟ قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم, وأستغفرك مما لا أعلم".
وقد رواه الحافظ أبو القاسم البغوي عن شيبان بن فروخ, عن يحيى بن كثير, عن الثوري, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن قيس بن أبي حازم, عن أبي بكر الصديق, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الشرك أخفى في أمتي من دبيب النمل على الصفا" قال: فقال أبو بكر: يا رسول الله, فكيف النجاة والمخرج من ذلك ؟ فقال: "ألا أخبرك بشيء إذا قلته برئت من قليله وكثيره وصغيره وكبيره ؟" قال: بلى يا رسول الله. قال: "قل: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم, وأستغفرك لما لا أعلم". قال الدارقطني: يحيى بن كثير هذا, يقال له أبو النضر, متروك الحديث, وقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وصححه والنسائي من حديث يعلى بن عطاء, سمعت عمرو بن عاصم, سمعت أبا هريرة قال: قال أبو بكر الصديق رضي الله عنه: يا رسول الله, علمني شيئاً أقوله إذا أصبحت وإذا أمسيت, وإذا أخذت مضجعي, قال: "قل: اللهم فاطر السموات والأرض, عالم الغيب والشهادة, رب كل شيء ومليكه, أشهد أن لا إله إلا أنت, أعوذ بك من شر نفسي ومن شر الشيطان وشركه", رواه أبو داود والنسائي وصححه, وزاد الإمام أحمد في رواية له: من حديث ليث بن أبي سليم عن مجاهد, عن أبي بكر الصديق, قال: أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقول ـ فذكر هذا الدعاء وزاد في آخره ـ "وأن أقترف على نفسي سوءاً أو أجره إلى مسلم".
وقوله: "أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله" الاية, أي أفأمن هؤلاء المشركون بالله أن يأتيهم أمر يغشاهم من حيث لا يشعرون, كما قال تعالى: "أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون * أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين * أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرؤوف رحيم". وقوله: "أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتاً وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون".
107- "أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله" الأستفهام للإنكار، والغاشية ما يغشاهم ويغمرهم من العذاب كقوله تعالى: "يوم يغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم"، وقيل هي الساعة، وقيل الصواعق والقوارع، ولا مانع من الحمل على العموم " أو تأتيهم الساعة بغتة" أي فجأة، وانتصاب بغتة على الحال. قال المبرد: جاء عن العرب حال بعد نكرة، وهو قولهم وقع أمر بغتة، يقال بغتهم الأمر بغتاً وبغتة: إذا فاجأهم "وهم لا يشعرون" بإتيانه، ويجوز انتصاب بغتة على أنها صفة مصدر محذوف.
107-"أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله"، أي: عقوبة مجللة. قال مجاهد: عذاب يغشاهم، نظيره قوله تعالى: "يوم يغشاهم العذاب من فوقهم" الآية (العنكبوت-55). قال قتادة: وقيعة. وقال الضحاك: يعني الصواعق والقوارع. "أو تأتيهم الساعة بغتةً"، فجأة، "وهم لا يشعرون"، بقيامها.
قال ابن عباس: تهيج الصيحة بالناس وهم في أسواقهم.
107."أفأمنوا أن تأتيهم غاشية من عذاب الله"عقوبة تغشاهم وتشملهم ."أو تأتيهم الساعة بغتةً"فجأة من غير سابقة علامة."وهم لا يشعرون"بإتيانها غير مستعدين لها.
107. Deem they themselves secure from the coming on them of a pall of Allah's punishment, or the coming of the Hour suddenly while they are unaware?
107 - Do they then feel secure from the coming against them of the covering veil of the wrath of God, or of the coming against them of the (final) hour all of a sudden while they perceive not?