105 - (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم) أي احفظوها وقوموا بصلاحها (لا يضركم من ضل إذا اهتديتم) قيل المراد لا يضركم من ضل من أهل الكتاب وقيل المراد غيرهم لحديث أبي ثعلبة الخشني: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك نفسك" رواه الحاكم وغيره (إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون) فيجازيكم به
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره : يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم فأصلحوها، واعملوا في خلاصها من عقاب الله تعالى ذكره، وانظروا لها فيما يقربها من ربها، فإنه "لا يضركم من ضل"، يقول: لا يضركم من كفر وسلك غير سبيل الحق، إذا أنتم اهتديتم وآمنتم بربكم، وأطعتموه فيما أمركم به وفيما نهاكم عنه، فحرمتم حرامه وحللتم حلاله.
ونصب قوله : "أنفسكم" بالإغراء، والعرب تغري من الصفات ب(عليك ) و (عندك )، و (دونك )، و(إليك ).
واختلف أهل التأويل في تأويل ذلك.
فقال بعضهم معناه: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم"، إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر فلم يقبل منكم.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا سوار بن عبد الله قال، حدثنا أبي قال، حدثنا أبو الأشهب، عن الحسن: أن هذه الآية قرئت على ابن مسعود: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، فقال ابن مسعود: ليس هذا بزمانها، قولوها ما قبلت منكم، فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أبو أسامة، عن أبي الأشهب، عن الحسن قال: ذكر عند ابن مسعود: "يا أيها الذين آمنوا"، ثم ذكر نحوه.
حدثنا يعقوب قال، حدثنا ابن علية، عن يونس، عن الحسن قال: قال رجل لابن مسعود: ألم يقل الله : "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"؟ قال: ليس هذا بزمانها، قولوها ما قبلت منكم، فإذا ردت عليكم فعليكم أنفسكم.
حدثنا الحسن بن عرفة قال، حدثنا شبابة بن سوار قال، حدثنا الربيع بن صبيح، عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه، فإن الله تعالى ذكره يقول: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"؟ "فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحاب ، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا فليبلغ الشاهد الغائب، فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا، إن قالوا لم يقبل منهم".
حدثنا أحمد بن المقدام قال، حدثنا المعتمر بن سليمان قال، سمعت أبي قال، حدثنا قتادة، عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة، فإذا قوم من المسلمين جلوس، فقرأ أحدهم هذه الآية: "عليكم أنفسكم"، فقال أكثرهم: لم يجىء تأويل هذه الآية اليوم.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا عمرو بن عاصم قال، حدثنا المعتمر، عن أبيه، عن قتادة، عن أبي مازن، بنحوه.
حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم قالا، حدثنا عوف، عن سوار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر، إذ أتاه رجل جليد في العين، شديد اللسان، فقال: يا أبا عبد الرحمن، نحن ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه، وكلهم مجتهد لا يألو، وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة، وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك! فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد، أكثر من أن يشهد بعضهم على بعض بالشرك! قال: فقال الرجل: إني لست إياك أسأل، أنا أسأل الشيخ! فأعاد على عبد الله الحديث، فقال عبد الله بن عمر: لعلك ترى لا أبا لك، أني سآمرك أن تذهب أن تقتلهم! عظهم وانههم، فإن عصوك فعليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن الحسن: أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، قال: إن هذا ليس بزمانها، إنها اليوم مقبولة، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا -أو قال: فلا يقبل منكم-فحينئذ: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن قتادة، عن رجل قال: كنت في خلافة عثمان بالمدينة، في حلقة فيهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا فيهم شيخ يسندون إليه، فقرأ رجل: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، فقال الشيخ: إنما تأويلها آخر ا لزمان.
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة قال، حدثنا أبو مازن، رجل من صالحي الأزد من بني الحدان، قال: انطلقت في حياة عثمان إلى المدينة، فقعدت إلى حلقة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقرأ رجل من القوم هذه الآية: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، قال فقال رجل من أسن القوم: دع هذه الآية، فإنما تأويلها في آخر الزمان.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثنا ابن فضالة، عن معاوية بن مصالح، عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإني لأصبر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"؟ فأقبلوا علي بلسان واحد وقالوا: أتنتزع آية من القرآن لا تعرفها، ولا تدري ما تأويلها!! حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت. ثم أقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حدث السن، وإنك نزعت بآية لا تدري ما هي، وعسى أن تدرك ذلك الزمان، إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك، لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
حدثنا هناد قال، حدثنا ليث بن هارون قال، حدثنا إسحق الرازي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن عبد الله بن مسعود في قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون"، قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوساً، فكان بين رجلين ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف وأنهاهما عن المنكر؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك، فإن الله تعالى يقول: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"! قال: فسمعها ابن مسعود فقال: مه، لما يجىء تأويل هذه بعد! إن القرآن أنزل حيث أنزل، ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه ما وقع تأويلهن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومنه آي وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم، ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة، ومنه أي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم واحدة، وأهواؤكم واحدة، لم تلبسوا شيعاً، ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا. فإذا اختلفت القلوب والأهواء، وألبستم شيعاً، وذاق بعضكم بأس بعض، فأمرو وانهوا، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني حجاج، عن أبي جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، عن ابن مسعود: أنه كان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس، حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه، ثم ذكر نحوه. حدثني أحمد بن المقدام قال، حدثني حرمي 000 قال: سمعت الحسن يقول: تأول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، فقال بعض أصحابه: دعوا هذه الآية، فليست لكم.
حدثني إسماعيل بن إسرإئيل اللال الرملي قال، حدثنا أيوب بن سويد قال، حدثنا عتبة بن أبي حكيم، عن عمرو بن جارية اللخمي، عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني عن هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم"، فقال:" لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبا ثعلبة، ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، فإذا رأيت دنيا مؤثرة، وشحاً مطاعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك نفسك! إن من بعدكم أيام الصبر، للمتمسك يومئذ بمثل الذي أنتم عليه كأجر خمسين عاملاً! قالوا: يا رسول الله، كأجر خمسين عاملاً منهم ؟ قال: لا، كأجر خمسين عاملاً منكم".
حدثنا علي بن سهل قال، أخبرنا الوليد بن مسلم، عن ابن المبارك وغيره، عن عتبة بن أبي حكيم، عن عمرو بن جارية اللخمي، عن أبي أمية الشعباني قال: سألت أبا ثعلبة الخشني: كيف نصنع بهذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"؟ فقال أبو ثعلبة: "سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر، حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً، وهوى متبعاً، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بخويصة نفسك، وذر عوامهم، فإن وراءكم أياماً أجر العامل فيها كأجر خمسين منكم".
وقال آخرون: معنى ذلك أن العبد إذا عمل بطاعة الله لم يضره من ضل بعده وهلك. ذكر من قال ذلك:
حدثني محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل"، يقول: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته من الحلال والحرام، فلا يضره من ضل بعد، إذا عمل بما أمرته به.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، يقول: أطيعوا أمري، واحفظوا وصيتي.
حدثنا هناد قال، حدثنا ليث بن هارون قال، حدثنا إسحق الرازي، عن أبي جعفر الرازي، عن صفوان بن الجون قال: دخل عليه شاب من أصحاب الأهواء، فذكر شيئاً من أمره، فقال صفوان: ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أولياءه؟: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل"، الآية.
حدثنا عبد الكريم بن أبي عمير قال، حدثنا أبو المطرف المخزومي قال، حدثنا جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، ما لم يكن سيف أو سوط.
حدثنا علي بن سهل قال، حدثنا ضمرة بن ربيعة قال، تلا الحسن هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، فقال الحسن: الحمد لله بها، والحمد لله عليها، ما كان مؤمن فيما مضى، ولا مؤمن فيما بقي، إلا وإلى جانبه منافق يكره عمله.
وقال آخرون: بل معنى ذلك: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم"، فاعملوا بطاعة الله، "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، فأمرتم بالمعروف، ونهيتم عن المنكر.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا حكام بن سلم، عن عنبسة، عن سعد البقال، عن سعيد بن المسيب: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، قال: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر، لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يحيى بن يمان، عن سفيان، عن أبي العميس، عن أبي البختري، عن حذيفة: "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، قال: إذا أمرتم ونهيتم.
حدثنا هناد قال، حدثنا وكيع، وحدثنا ابن وكيع قال، حدثنا أب ، عن ابن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم قال، قال أبو بكر: تقرأون هذه الآية: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، وإن الناس إذا رأوا الظالم - قال ابن وكيع - فلم يأخذوا على يديه، أوشك أن يعمهم الله بعقابه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير وابن فضيل، عن بيان، عن قيس قال ، قال أبو بكر: إنكم تقرأون هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، وإن القوم إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، يعمهم الله بعقابه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا جرير، عن إسماعيل، عن قيس، عن أبي بكر، عن النبي صلى الله عليه وسلم، فذكر نحوه.
حدثنا محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، يقول: مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر، قال أبو بكر بن أبي قحافة: يا أيها الناس لا تغتروا بقول الله : "عليكم أنفسكم"، فيقول أحدكم: علي نفسي، والله لتأمرن بالمعروف وتنهون عن المنكر، أو ليستعملن عليكم شراركم، فليسومنكم سوء العذاب، ثم ليدع الله خياركم، فلا يستجيب لهم.
حدثنا أبو هشام الرفاعي قال، حدثنا ابن فضيل قال، حدثنا بيان، عن قيس بن أبي حازم قال، قال أبو بكر وهو على المنبر: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية على غير موضعها: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، وإن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه، عمهم الله بعقابه.
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثني عيسى بن المسيب البجلي، حدثنا قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر الصديق رضي الله عنه يقرأ هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، فقال:" سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إذا رأى الناس المنكر فلم يغيروه، والظالم فلم يأخذوا على يديه، فيوشك أن يعمهم الله منه بعقاب".
حدثنا الربيع قال، حدثنا أسد بن موسى قال، حدثنا سعيد بن سالم قال، حدثنا منصور بن دينار، عن عبد الملك بن ميسرة، عن قيس بن أبي حازم قال: صعد أبو بكر المنبر منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس، إنكم لتتلون آية من كتاب الله وتعدونها رخصة، والله ما أنزل الله في كتابه أشد منها: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر، أو ليعمنكم الله منه بعقاب. حدثنا محمد بن بشار قال، حدثنا إسحق بن إدريس قال، حدثنا سعيد بن زيد قال، حدثنا مجالد بن سعيد، عن قيس بن أبي حازم قال: سمعت أبا بكر يقول وهو يخطب الناس: يا أيها الناس، إنكم تقرأون هذه الآية ولا تدرون ما هي: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، "وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا منكرا فلم يغيروه، عمهم الله بعقاب".
وقال آخرون: بل معنى هذه الآية: لا يضركم من حاد عن قصد السبيل وكفر بالله من أهل ا لكتاب.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يعقوب قال، حدثنا هشيم ، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في قوله: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، قال: يعني من ضل من أهل الكتاب.
حدثنا ابن بشار قال، حدثنا محمد بن جعفر قال، حدثنا شعبة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبير في هذه الآية: "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، قال: أنزلت في أهل الكتاب.
وقال آخرون: عني بذلك كل من ضل عن دين الله الحق.
ذكر من قال ذلك:
حدثني يونس بن عبد الأعلى قال، أخبرنا ابن وهب قال، قال ابن زيد في قوله: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، قال: كان الرجل إذا أسلم قالوا له: سفهت آباءك وضللتهم، وفعلت وفعلت، وجعلت آباءك كذا وكذا! كان ينبغي لك أن تنصرهم، وتفعل! فقال الله تعال : "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم".
قال أبو جعفر: وأولى هذه الأقوال وأصح التأويلات عندنا بتأويل هذه الآية، ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه فيها، وهو: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم"، الزموا العمل بطاعة الله وبما أمركم به، وانتهوا عما نهاكم الله عنه، "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم"، يقول: فإنه لا يضركم ضلال من ضل إذا أنتم لزمتم العمل بطاعة الله، وأديتم فيمن ضل من الناس ما ألزمكم الله به فيه، من فرض الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي يركبه أو يحاول ركوبه، والأخذ على يديه إذا رام ظلماً لمسلم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك، ولا ضير عليكم في تماديه في غيه وضلاله، إذا أنتم اهتديتم وأديتم حق الله تعالى ذكره فيه.
وإنما قلنا ذلك أولى التأويلات في ذلك بالصواب، لأن الله تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يقوموا بالقسط، ويتعاونوا على البر والتقوى. ومن القيام بالقسط، الأخذ على يدي الظالم. ومن التعاون على البر والتقوى، الأمر بالمعروف. وهذا مع ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. ولو كان للناس ترك ذلك، لم يكن للأمر به معنى، إلا في الحال التي رخص فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك، وهي حال العجز عن القيام به بالجوارح الظاهرة، فيكون مرخصاً له تركه، إذا قام حينئذ بأداء فرض الله عليه في ذلك بقلبه. وإذا كان ما وصفنا من التأويل بالآية أولى، فبين أنه قد دخل في معنى قوله: "إذا اهتديتم"، ما قاله حذيفة وسعيد بن المسيب من أن ذلك: إذا أمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الخشني عن رسول الثل صلى الله عليه وسلم.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للمؤمنين به من عباده: اعملوا، أيها المؤمنون، بما أمرتكم به، وانتهوا عما نهيتكم عنه، ومروا أهل الزيغ والضلال ومن حاد عن سبيلي بالمعروف، وانهوهم عن المنكر. فإن قبلوا، فلهم ولكم، وإن تمادوا في غيهم وضلالهم، فإن إلي مرجع جميعكم ومصيركم في الآخرة ومصيرهم، وأنا العالم بما يعمل جميعكم من خير وشر، فأخبر هناك كل فريق منكم بما كان يعمله في الدنيا، ثم أجازيه على عمله الذي قدم به علي جزاءه حسب استحقاقه، فإنه لا يخفى علي عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى.
فيه أربع مسائل:
الأولى- قال علماؤنا: وجه اتصال هذه الآية بما قبلها التحذير ما يجب أن يحذر منه وهو حال من تقدمت صفته ممن ركن في دينه إلى تقليد آبائه وأسلافه، وظاهر هذه الآية يدل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس القيام به بواجب إذا استقام الإنسان وأنه لا يؤاخذ أحد بذنب غيره لولا ما ورد من تفسيرها في السنة وأقاويل الصحابة والتابعين على ما نذكره بحول الله تعالى .
الثانية - قوله تعالى :" عليكم أنفسكم " معناه احفظوا أنفسكم من المعاصي تقول عليك زيداً بمعنى الزم زيداً، ولا يجوز عليه زياداً بل إنما يجزي هذا من المخاطبة في ثلاثة ألفاظ، عليك زيداً أي خذ زيداً وعندك عمراً أي حضرك ودونك زيداً أي قرب منك وأنشد
يا أيها المائح دلوي دونكا
وأما قوله : عليه رجلاً ليسني، فشاذ
الثالثة -روى أبو داود والترمذي وغيرهما عن قيس قال : خطبنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقال : إنكم تقرؤون هذه الآية وتتأولونها على غير تأويلها يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا أهتديتم وإني "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعذاب عن عند " قال أبو عيسى : هذا حديث حسن صحيح قال إسحاق بن إبراهيم: سمعت عمرو بن علي يقول سمعت وكيعاً يقول: لا يصح عن أبي بكر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا حديث واحد ، قلت: ولا إسماعيل عن قيس: قال : إن إسماعيل روى عن قيس موقوفاً قال النقاش: وهذا إفراط من وكيع رواه شعبة عن سفيان وإسحاق عن إسماعيل مرفوعاً روى أبو داود والترمذي وغرهم "عن أبي أمية الشعباني قال:
أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع بهذه الآية ؟ فقال: أية آية ؟ قلت قوله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " قال أما الله لقد سألت عنها خيبراً سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العامة فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم " وفي رواية "قيل: يا رسول الله أجر خمسين منا أو منهم ؟ قال : ببلل أجر خمسين منكم" قال عيسى: هذا حديث حسن غريب قال ابن عبد البر قوله: بل منكم هذه اللفظة قد سكت عنها بعض الرواة فلم يذكروها وقد تقدم وروى الترمذي "عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
إنكم في زمان من ترك منكم عشر ما أمر به هلك ثم يأتي زمان من عمل منهم بعشر ما أمر به نجا " قال : هذا حديث غريب وروى عن ابن مسعود أنه قال: لي هذا بزمان هذه الآية : قولوا الحق ما قبل منكم فإذا رد عليكم فعليكم أنسكم وقيل لابن عمر في بعض أوقات الفتن :
لو تركت القول في هذه الأيام فلم تأمر ولم تنه ؟ فقال "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لنا: ليبلغ الشاهد الغائب" ونحن شهدنا فيلزمنا أن نبلغكم وسيأتي زمان إذا قيل فيه الحق لم يقبل في رواية عن ابن عمر بعد قوله :" ليبلغ الشاهد الغائب" فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب، ولكن هذه الآية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا، لم يقبل منهم وقال ابن المبارك قوله تعالى : " عليكم أنفسكم " خطاب لجميع المؤمنين ، أي عليكم أهل دينكم كقوله تعالى " ولا تقتلوا أنفسكم " فكأنه قال: ليأمر بعضكم بعضاً ولينه بعضكم بعضاً فهو دليل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا يضركم ضلال المشركين والمنافقين وأهل الكتاب، وهذا لأن الأمر بالمعروف يجري مع المسلمين من أهل العصيان كما تقدم، وروي معنى هذا عن سعيد بن جبير وقال سعيد بن المسيب: معنى الآية لا يضرركم من ضل إذا اهتديتم بعد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال ابن خويز منداد:تضمنت الآية اشتغال الإنسان بخاصة نفسه وتركه التعرض لمعائب الناس والبحث عن أحوالهم فإنهم لا يسألون عن حالة فلا يسأل عن حالهم وهذا كقوله تعالى :" كل نفس بما كسبت رهينة"[ المدثر : 38] " ولا تزر وازرة وزر أخرى " [ الأنعام : 164 وفاطر : 18] و"قول النبي صلى الله عليه وسلم :
كن حليس بيتك وعليك بخاصة نفسك" ويجوز أن يكون أريد به الزمان الذي يتعذر فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فينكر بقلبه ويشتغل بإصلاح نفسه .
قلت: قد جاء الحديث غريب رواه ابن لهيعة : قال حدثنا بكر بن سوادة الجذامي عن عقبة بن عامر "قال رسول صلى الله عليه وسلم :
إذا كان رأس مائتين فلا تأمر بمعروف ولا تنهي عن منكر وعليك بخاصة نفسكم " قال علماؤنا: إنما قال عليه السلام ذلك لتغير الزمان وفساد الأحوال وقله المعينين وقال جابر بن زيد : معنى الآية يا أيها الذين آمنوا من أبناء أولئك الذين بحروا البحيرة وسيبوا السوائب عليكم أنفسكم في الاستقامة على الذين لا يضركم ضلال الأسلام إذا اهتديتم قال : وكان الرجل إذا أسلم قال له الكفار: سفهت آباءك وضللتهم وفعلت وفعلت: فأنزل اله ال]ة بسبب ذلك وقيل: الآية في أهل الأهواء الذين لا ينفعه الوعظ فإذا علمت من قوم أنهم لا يقبلون بل يستخفون ويظهرون فاسكت عنهم وقيل: نزلت في الأسارى الذين عذبهم المشركون حتى ارتد بعضهم فقيل لمن بقي على الإسلام : عليكم أنفسكم لا يضركم ارتداد أصحابكم وقال : سعيد بن جبير: هي في أهل الكتاب وقال مجاهد: في اليهود والنصارى ومن كان مثلهم يذهبان إلى أن المعنى لا يضركم كفر أهل الكتاب إذا أدوا الجزية، وقيل: هي منسوخة بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قاله المهدوي: قال ابن عطية: هذا ضعيف ولا يعلم قائله .
قلت: قد جاء عن بن أبي عبيد القاسم بن سلام أنه قال : ليس في كتاب الله تعالى آية جمعت الناسخ والمنسوخ غيره هذه الآية قال غيره: الناسخ منها قوله : " إذا اهتديتم " والهدى هنا هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والله أعلم .
الرابعة -الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر متعي متى رجى القبول أو رجي رد الظالم إما الظالم ولو بعنف، ما لم يخف الآمر ضرراً يلقه في خاصته، أو فتنه يدخلها على المسلمين إما بشق عصا وإما بضرر يلحق طائفة من الناس، فإذا خيف هذا ف "عليكم أنفسكم " محكم واجب أن يوقف عنده ولا يشترط في الناهي أن يكون عدلا كما تقدم وعلى هذا جماعة أهل العلم فاعلمه
يقول تعالى آمراً عباده المؤمنين أن يصلحوا أنفسهم, ويفعلوا الخير بجهدهم وطاقتهم, ومخبراً لهم أنه من أصلح أمره لا يضره فساد من فسد من الناس, سواء كان قريباً منه أو بعيداً. قال العوفي عن ابن عباس في تفسير هذه الاية يقول تعالى: إذا ما العبد أطاعني فيما أمرته به من الحلال, ونهيته عنه من الحرام, فلا يضره من ضل بعده إذا عمل بما أمرته به, كذا روى الوالبي عنه, وهكذا قال مقاتل بن حيان, فقوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" نصب على الإغراء, "لا يضركم من ضل إذا اهتديتم إلى الله مرجعكم جميعاً فينبئكم بما كنتم تعملون" أي فيجازي كل عامل بعمله إن خيراً فخير وإن شراً فشر, وليس فيها دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, إذا كان فعل ذلك ممكناً.
وقد قال الإمام أحمد رحمه الله: حدثنا هاشم بن القاسم, حدثنا زهير يعني ابن معاوية, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, حدثنا قيس قال: قام أبو بكر الصديق رضي الله عنه, فحمد الله وأثنى عليه, ثم قال: أيها الناس إنكم تقرءون هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وإنكم تضعونها على غير موضعها, وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولا يغيرونه, يوشك الله عز وجل أن يعمهم بعقابه". قال: سمعت أبا بكر يقول: يا أيها الناس إياكم والكذب, فإن الكذب مجانب للإيمان, وقد روى هذا الحديث أصحاب السنن الأربعة, وابن حبان في صحيحه, وغيرهم من طرق كثيرة عن جماعة كثيرة, عن إسماعيل بن أبي خالد به, متصلاً مرفوعاً, ومنهم من رواه عنه به موقوفاً على الصديق, وقد رجح رفعه الدارقطني وغيره, وذكرنا طرقه والكلام عليه مطولاً في مسند الصديق رضي الله عنه.
وقال أبو عيسى الترمذي: حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني, حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا عتبة بن أبي حكيم, حدثنا عمرو بن جارية اللخمي عن أبي أمية الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الاية ؟ قال: أية آية ؟ قلت: قول الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً, سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر, حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً, وهوى متبعاً, ودنيا مؤثرة, وإعجاب كل ذي رأي برأيه, فعليك بخاصة نفسك, ودع العوام, فإن من ورائكم أياماً, الصابر فيهن مثل القابض على الجمر, للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلاً يعملون كعملكم" قال عبد الله بن المبارك: وزاد غير عتبة, قيل: يا رسول الله, أجر خمسين رجلاً منا أو منهم ؟ قال "بل أجر خمسين منكم", ثم قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب صحيح, وكذا رواه أبو داود من طريق ابن المبارك, ورواه ابن ماجة وابن جرير وابن أبي حاتم عن عتبة بن أبي حكيم .
وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الحسن أن ابن مسعود رضي الله عنه, سأله رجل عن قول الله "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم", فقال: إن هذا ليس بزمانها, إنها اليوم مقبولة, ولكنه قد أوشك أن يأتي زمانها, تأمرون فيصنع بكم كذا وكذا, أو قال: فلا يقبل منكم, فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل. ورواه أبو جعفر الرازي عن الربيع, عن أبي العالية, عن ابن مسعود في قوله "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل" الاية, قال: كانوا عند عبد الله بن مسعود جلوساً, فكان بين رجلين بعض ما يكون بين الناس, حتى قام كل واحد منهما إلى صاحبه, فقال رجل من جلساء عبد الله: ألا أقوم فآمرهما بالمعروف, وأنهاهما عن المنكر ؟ فقال آخر إلى جنبه: عليك بنفسك, فإن الله يقول "عليكم أنفسكم" الاية. قال: فسمعها ابن مسعود, فقال: مه لم يجىء تأويل هذه بعد, إن القرآن أنزل حيث أنزل, ومنه آي قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن, ومنه آي قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومنه آي قد وقع تأويلهن بعد النبي صلى الله عليه وسلم بيسير, ومنه آي يقع تأويلهن بعد اليوم, ومنه آي يقع تأويلهن عند الساعة على ما ذكر من الساعة, ومنه آي يقع تأويلهن يوم الحساب على ما ذكر من الحساب والجنة والنار, فما دامت قلوبكم واحدة, وأهواؤكم واحدة, ولم تلبسوا شيعاً, ولم يذق بعضكم بأس بعض, فأمروا وانهوا, وإذا اختلفت القلوب والأهواء, وألبستم شيعاً, وذاق بعضكم بأس بعض, فامرؤ ونفسه, وعند ذلك جاءنا تأويل هذه الاية, ورواه ابن جرير.
وقال ابن جرير: حدثنا الحسن بن عرفة, حدثنا شبابة بن سوار, حدثنا الربيع بن صبيح, عن سفيان بن عقال قال: قيل لابن عمر: لو جلست في هذه الأيام, فلم تأمر ولم تنه, فإن الله قال "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" فقال ابن عمر: إنها ليست لي ولا لأصحابي, لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "ألا فليبلغ الشاهد الغائب" فكنا نحن الشهود وأنتم الغيب, ولكن هذه الاية لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم. وقال أيضاً: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا محمد بن جعفر وأبو عاصم, قالا: حدثنا عوف عن سوار بن شبيب قال: كنت عند ابن عمر إذ أتاه رجل جليد العين شديد اللسان, فقال: يا أبا عبد الرحمن, نفر ستة كلهم قد قرأ القرآن فأسرع فيه, وكلهم مجتهد لا يألو, وكلهم بغيض إليه أن يأتي دناءة, وهم في ذلك يشهد بعضهم على بعض بالشرك, فقال رجل من القوم: وأي دناءة تريد أكثر من أن يشهد بعضهم بالشرك ؟ فقال رجل: إني لست إياك أسأل, إنما أسأل الشيخ, فأعاد على عبد الله الحديث فقال عبد الله: لعلك ترى ـ لا أبا لك ـ إني سآمرك أن تذهب فتقتلهم, عظهم وانههم, وإن عصوك فعليك بنفسك, فإن الله عز وجل يقول "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم" الاية.
وقال أيضاً: حدثني أحمد بن المقدام, حدثنا المعتمر بن سليمان, سمعت أبي, حدثنا قتادة عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة, فإذا قوم من المسلمين جلوس, فقرأ أحدهم هذه الاية "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل" فقال أكثرهم: لم يجىء تأويل هذه الاية اليوم. وقال: حدثنا القاسم, حدثنا الحسين, حدثنا ابن فضالة عن معاوية بن صالح, عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإني لأصغر القوم, فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, فقلت أنا: أليس الله يقول في كتابه "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" ؟ فأقبلوا علي بلسان واحد, وقالوا: تنزع آية من القرآن لا تعرفها ولا تدري ما تأويلها ؟ فتمنيت أني لم أكن تكلمت, وأقبلوا يتحدثون فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حدث السن, وإنك نزعت آية ولا تدري ماهي, وعسى أن تدرك ذلك الزمان, إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه, فعليك بنفسك, لا يضرك من ضل إذا اهتديت.
وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سهل, حدثنا ضمرة بن ربيعة قال: تلا الحسن هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" فقال الحسن: الحمد لله بها, والحمد لله عليها, ما كان مؤمن فيما مضى ولا مؤمن فيما بقي إلا وإلى جنبه منافق يكره عمله. وقال سعيد بن المسيب: إذا أمرت بالمعروف ونهيت عن المنكر, فلا يضرك من ضل إذا اهتديت, رواه ابن جرير. وكذا روي من طريق سفيان الثوري, عن أبي العميس, عن أبي البختري, عن حذيفة مثله. وكذا قال غير واحد من السلف. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي, حدثنا هشام بن خالد الدمشقي, حدثنا الوليد, حدثنا ابن لهيعة عن يزيد بن أبي حبيب, عن كعب في قوله "عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال: إذا هدمت كنيسة دمشق فجعلت مسجداً, وظهر لبس العصب, فحينئذ تأويل هذه الاية.
أي الزموا أنفسكم أو احفظوها كما تقول عليك زيداً: أي الزمه، قرئ 105- "لا يضركم" بالجزم على أنه جواب الأمر الذي يدل عليه اسم الفعل. وقرأ نافع وغيره بالرفع على أنه مستأنف، كقول الشاعر:
فقال رائدهم أرسوا نزاولها
أو على أن ضم الراء للاتباع، وقرئ "لا يضركم" بكسر الضاد، وقرئ لا يضيركم والمعنى: لا يضركم ضلال من ضل من الناس إذا اهتديتم للحق أنتم في أنفسكم، وليس في الآية ما يدل على سقوط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن من تركه مع كونه من أعظم الفروض الدينية فليس بمهتد. وقد قال الله سبحانه "إذا اهتديتم" وقد دلت الآيات القرآنية، والأحاديث المتكاثرة على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وجوباً مضيقاً متحتماً، فتحمل هذه الآية على من لا يقدر على القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو لا يظن التأثير بحال من الأحوال، أو يخشى على نفسه أن يحل به ما يضره ضرراً يسوغ له معه الترك "إلى الله مرجعكم" يوم القيامة "فينبئكم بما كنتم تعملون" في الدنيا فيجازي المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وأحمد وعبد بن حميد وأبو داود والترمذي وصححه، والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن حبان والدارقطني والضياء في المختارة وغيرهم، عن قيس بن أبي حازم قال: قام أبو بكر فحمد الله وأثنى عليه وقال: يا أيها الناس إنكم تقرأون هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" وإنكم تضعونها على غير مواضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس إذا رأوا المنكر ولم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقاب". وفي لفظ لابن جرير عنه: "والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليعمنكم الله منه بعقاب". وأخرج الترمذي وصححه، وابن ماجة وابن جرير والبغوي في معجمه، وابن أبي حاتم والطبراني وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن أبي أمية الشعثاني قال: "أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت له: كيف تصنع في هذه الآية؟ قال: أية آية؟ قلت: قوله "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:بل ائتمروا بالمعروف
وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك ودع عنك أمر العوام، فإن من ورائكم أياماً الصبر فيهن مثل القبض على الجمر، للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعملون مثل عملكم". وفي لفظ "قيل: يا رسول الله أجر خمسين رجلاً منا أو منهم؟ قال:بل أجر خمسين منكم". وأخرج أحمد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه "عن عامر الأشعري أنه كان فيهم أعمى، فاحتبس على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أتاه فقال: ما حبسك؟ قال: يا رسول الله قرأت هذه الآية "يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم" قال: فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:أين ذهبتم؟ إنما هي لا يضركم من ضل إذا اهتديتم". وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر والطبراني وأبو الشيخ عن الحسن: أن ابن مسعود سأله رجل عن قوله: "عليكم أنفسكم" فقال: يا أيها الناس إنه ليس بزمانها إنها اليوم مقبولة، ولكنه قد أوشك أن يأتي زمان تأمرون بالمعروف فيصنع بكم كذا وكذا، أو قال: فلا يقبل منكم، فحينئذ عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم. وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن
حيد عنه في الآية قال: "مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما لم يكن من دون ذلك السوط والسيف، فإذا كان كذلك فعليكم أنفسكم". وأخرج ابن جرير وابن مردويه عن ابن عمر أنه قال في هذه الآية: إنها لأقوام يجيئون من بعدنا إن قالوا لم يقبل منهم. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن رجل قال: كنت في خلافة عمر بن الخطاب بالمدينة في حلقة فيهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا فيهم شيخ حسبت أنه قال أبي بن كعب، فقرأ "عليكم أنفسكم" فقال: إنما تأويلها في آخر الزمان. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن أبي مازن قال: انطلقت على عهد عثمان إلى المدينة فإذا قوم جلوس فقرأ أحدهم "عليكم أنفسكم" فقال أكثرهم: لم يجئ تأويل هذه الآية اليوم. وأخرج ابن جرير عن جبير بن نفير قال: كنت في حلقة فيها أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وإني لأصغر القوم، فتذاكروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقلت: أليس الله يقول: "عليكم أنفسكم"؟ فأقبلوا علي بلسان واحد فقالوا: تنزع آية من القرآن لا نعرفها ولا ندري ما تأويلها؟ حتى تمنيت أني لم أكن تكلمت، ثم أقبلوا يتحدثون، فلما حضر قيامهم قالوا: إنك غلام حدث السن، وإنك نزعت آية لا ندري ما هي؟ وعسى أن تدرك ذلك الزمان: إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوى متبعاً وإعجاب كل ذي رأي برأيه، فعليك بنفسك لا يضرك من ضل إذا اهتديت. وأخرج ابن مردويه عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديث أبي ثعلبة الخشني المتقدم، وفي آخره: "كأجر خمسين رجلاً منكم". وأخرج ابن مردويه عن أبي سعيد الخدري قال: ذكرت هذه الآية عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم يجئ تأويلها، لا يجيء تأويلها حتى يهبط عيسى ابن مريم عليه السلام". والروايات في هذا الباب كثيرة، وفيما ذكرناه كفاية، ففيه ما يرشد إلى ما قدمناه من الجمع بين هذه الآية وبين الآيات والأحاديث الواردة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
105- قوله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "روينا عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، وتضعونها في غير موضعها ولا تدرون ما هي، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن الناس إذا رأوا منكر فلم يغيروه يوشك أن يعمهم الله تعالى بعقابه ".
وفي رواية " لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليستعملن الله سبحانه وتعالى عليكم شراركم فليسومونكم سوء العذاب، ثم ليدعون الله عز وجل خياركم فلا يستجاب [لكم]".
قال أبو عبيد: خاف الصديق أن يتأول الناس الآية على غير متأولها فيدعوهم إلى ترك الأمر بالمعروف[والنهي عن المنكر]، فأعلمهم أنها ليست كذلك وأن الذي أذن في الإمساك عن تغييره من المنكر، هو الشرك الذي ينطق به المعاهدون من أجل أنهم يتدينون به، وقد صولحوا عليه ، فأما الفسوق والعصيان والريب من أهل الإسلام فلا يدخل فيه .
وقال مجاهد و سعيد بن جبير : الآية في اليهود والنصارى، يعني: عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل من أهل الكتاب فخذوا منهم الجزية واتركوهم .
وعن ابن مسعود قال في هذه الآية : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر ما قبل منكم فإن رد عليكم فعليكم أنفسكم،ثم قال: إن القرآن قد نزل منه آي :قد مضى تأويلهن قبل أن ينزلن، ومنه آي: قد وقع تأويلهن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنه آي يقع بأولهن بعد رسول الله بيسير، ومنه آي يقع تأويلهن في آخر الزمان، ومنه آي: يقع تأويلهن يوم القيامة، ما ذكر من الحساب والجنة والنار، فما دامت قلوبكم وأهواؤكم واحدة ولم تلبسوا شيعا ولم يذق بعضكم بأس بعض، فأمروا وانهوا، وإذا اختلفت القلوب والأهواء وألبستم شيعا، وذاق بعضكم بأس بعض، فأمرؤ ونفسه، فعند ذلك جاء تأويل هذه الآية .
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا أبو جعفر أحمد بن محمد العنزي أخبرنا عيسى بن نصر أنا عبد الله بن المبارك أنا عتبة بن أبي حكيم حدثني عمر بن جاريه اللخمي أنا أبو أمنه الشعباني قال: أتيت أبا ثعلبة الخشني فقلت:" يا أبا ثعلبة كيف تصنع في هذه الآية ؟ قال: أية آية؟ قلت: قول الله عز وجل " عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم "، فقال: أما والله لقد سألت عنها خبيراً، سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال :بل ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحا مطاعا وهوى متبعا ودنيا مؤثرة، وإعجاب كل ذي رأي برأيه، ورأيت أمرا لا بد لك منه فعليك نفسك ودع أمر العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر، فمن صبر فيهن قبض على الجمر، للعامل فيهن مثل أجر خمسين رجلا يعملون مثل عمله " قال ابن المبارك : وزادني غيره "قالوا: يا رسول الله أجر خمسين منهم ؟ قال: أجر خمسين منكم " .
وقيل: نزلت في أهل الأهواء، قال أبو جعفر الرازي : دخل على صفوان بن محرز شاب من أهل الأهواء فذكر شيئا من أمره، فقال صفوان ألا أدلك على خاصة الله التي خص بها أولياءه: " يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " .
قولة عز وجل: " إلى الله مرجعكم جميعا "، الضال والمهتدي، " فينبئكم بما كنتم تعملون ".
105" يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم " أي احفظوها والزموا إصلاحها، والجار مع المجرور جعل اسماً لإلزموا ولذلك نصب أنفسكم. وقرئ بالرفع على الإبتداء. " لا يضركم من ضل إذا اهتديتم " لا يضركم الضلال إذا كنتم مهتدين، ومن الاهتداء أن ينكر المنكر حسب طاقته كم قال عليه الصلاة والسلام "من رأى منكم منكراً واستطاع أن يغيره بيده فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه". والآية نزلت لما كان المؤمنون يتحسرون على الكفرة ويتمنون إيمانهم، وقيل كان الرجل إذا أسلم قالوا له سفهت آباءك فنزلت. و"لا يضركم" يحتمل الرفع على أنه مستأنف ويؤيده أن قرئ " لا يضركم " والجزم على الجواب أو النهي لكنه ضمت الراء إتباعاً لضمة الضاد المنقولة إليها من الراء المدغمة وتنصره قراءة من قرأ "لا يضركم" بالفتح، و"لا يضركم" بكسر الضاد وضمها من ضاره يضيره ويضوره. " إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم تعملون " وعد ووعيد للفريقين وتنبيه على أن أحداً لا يؤاخذ بذنب غيره.
105. O ye who believe! Ye have charge of your own souls. He who erreth cannot injure you if ye are rightly guided. Unto Allah ye will all return; and then He will inform you of what ye used to do.
105 - O ye who believe guard your own souls: if ye follow (right) guidance, no hurt can come to you from those who stray. the goal of you all is to God: it is he that will show you the truth of all that ye do.