103 - (ما جعل) شرع (الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام) كما كان أهل الجاهلية يفعلونه ، روى البخاري عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنح درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس ، والسائبة التي كانوا يسيبونها لآلهتهم فلا يحمل عليها شيء ، والوصيلة الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل بأنثى ثم تثني بعد بأنثى وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بأخرى ليس بينها ذكر ، والحام فحل الإبل يضرب الضراب المعدودة فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه من أن يحمل عليه شيء وسموه الحامي (ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب) في ذلك وفي نسبته إليه (وأكثرهم لا يعقلون) أن ذلك افتراء لأنهم قلدوا فيه آباءهم
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: ما بحر الله بحيرة، ولا سيب سائبة، ولا وصل وصيلة، ولا حمى حامياً، ولكنكم الذين فعلتم ذلك، أيها الكفرة، فحرمتموه افتراءً على ربكم، كالذي:
حدثني محمد بن عبد الله بن عبد الحكم قال، حدثني أبي وشعيب بن الليث، عن الليث، عن ابن الهاد، وحدثني يونس قال، حدثنا عبد الله بن يوسف قال، حدثني الليث قال، حدثني ابن الهاد، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة قال، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، وكان أول من سيب السيب.
حدثنا هناد بن السري قال، حدثنا يونس بن بكير قال، حدثنا محمد بن اسحق قال، حدثني محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون : "يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، فما رأيت رجلا أشبه برجل منك به، ولا به منك"! فقال أكثم: عسى أن يضرني شبهه يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا، إنك مؤمن وهو كافر، إنه أول من غير دين إسمعيل، وبحر البحيرة، وسيب السائبة، وسمى ا لحامي".
حدثنا هناد قال، حدثنا يونس قال، حدثني هشام بن سعد، عن زيد بن أسلم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "قد عرفت أول من بحر البحائر، رجل من مدلج كانت له ناقتان، فجدع آذانهما، وحرم ألبانهما وظهورهما، وقال: هاتان لله! ثم احتاج إليهما، فشرب ألبانهما، وركب ظهورهما". قال: فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار ريح قصبه.
حدثنا هناد قال، حدثنا عبدة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عرضت علي النار، فرأيت فيها عمر وابن فلان ابن فلان ابن خندف يجر قصبه في النار، وهو أول من غير دين إبراهيم، وسيب السائبة، وأشبه من رأيت به أكثم بن الجون"! فقال أكثم: يا رسول الله، أيضرني شبهه؟ قال: "لا، لأنك مسلم، وإنه كافر".
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال: رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار، وهو أول من سيب السوائب.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إني لأعرف أول من سيب السوائب، وأول من غير عهد إبراهيم!" قالوا : من هو يا رسول الله؟ قال: "عمرو بن لحي أخو بني كعب، لقد رأيته يجر قصبه في النار، يؤذي ريحه أهل النار، وإني لأعرف أول من بحر البحائر!" قالوا: من هو، يا رسول الله؟ قال: "رجل من بني مدلج، كانت له ناقتان، فجدع آذانهما، وحرم ألبانهما، ثم شرب ألبانهما بعد ذلك، فلقد رأيته في النار هو، وهما يعضانه بأفواههما، ويخبطانه باخفافهما".
والبحيرة الفعيلة من قول القائل: بحرت أذن هذه الناقة، إذا شقها، أبحرها بحراً، والناقة مبحورة، ثم تصرف المفعولة إلى؟(فعيلة، فيقال: هي بحيرة. وأما البحر من الإبل فهو الذي قد أصابه داء من كثرة شرب الماء، يقال منه: بحر البعير يبحر بحرا، ومنه قول الشاعر:
لأعلطنه وسماً لا يفارقة كما يحز بحمي الميسم البحر
وبنحو الذي قلنا في معنى البحيرة، جاء الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حدثنا عبد الحميد بن بيان قال، أخبرنا محمد بن يزيد، عن إسمعيل بن أبي خالد، عن أبي إسحق، عن أبي الأحوص، عن أبيه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إبلك، ألست تنتجها مسلمة آذانها، فتأخذ الموسى فتجدعها، تقول: هذه بحيرة، وتشقون آذانها، تقولون: هذه صرم؟ قال : نعم! قال: فإن ساعد الله أشد، وموسى الله أحد! كل مالك لك حلال، لا يحرم عليك منه شيء.
حدثنا محمد بن المثنى قال، حدثنا محمد بن جعفر قال ، حدثنا شعبة، عن أبي إسحق قال، سمععت أبا الأحوص، عن أبيه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هل تنتج إبل قومك صحاحا آذانها، فتعمد إلى الموسى فتقطع آذانها فتقول: هذه بحر، وتشقها أو تشق جلودها فتقول: هذه صرم، فتحرمها عليك وعلى أهلك؟ قال: نعم! قال: فإن ما اتاك الله لك حل، وساعد الله أشد، وموسى الله أحد -وربما قال: ساعد الله أشد من ساعدك، وموسى الله أحد من موساك.
وأما السائبة ، فإنها المسيبة المخلاة. وكانت الجاهلية يفعل ذلك أحدهم ببعض مواشيه، فيحرم الانتفاع به على نفسه، كما كان بعض أهل الإسلام يعتق عبده سائبة، فلا ينتفع به ولا بولائه.
وأخرجت المسيبة بلفظ السائبة، كما قيل: عيشة راضية، بمعنى: مرضية.
وأما الوصيلة، فإن الأنثى من نعمهم في الجاهلية كانت إذا أتأمت بطناً بذكر وأنثى، قيل: قد وصلت الأنثى أخاها، بدفعها عنه الذبح، فسموها وصيلة.
وأما الحامي، فإنه الفحل من النعم يحمى ظهره من الركوب والانتفاع، بسبب تتابع أولاد تحدث من فحلته.
وقد اختلف أهل التأويل في صفات المسميات بهذه الأسماء، وما السبب الذي من أجله كانت تفعل ذلك.
ذكر الرواية بما قيل في ذلك:
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا سلمة بن الفضل، عن ابن إسحق، عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: أن أبا صالح السمان حدثه: أنه سمع أبا هريرة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون الخزاعي: "يا أكثم، رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار، فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ، ولا به منك! فقال أكثم: أيضرني شبهة يا نبي الله! قال : لا، إنك مؤمن وهو كافر، وإنه كان أول من غير دين إسمعيل ، ونصب الأوثان ، وسيب السائب فيهم".
وذلك أن الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس فيهن ذكر، سيبت فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف . فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها، ثم خلي سبيلها بأمها في الإبل ، فلم يركب ظهرها، ولم يجز وبرها، ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعق بأمها، فهي البحيرة ابنة السائبة .
و الوصيلة، أن الشاة إذا نتجت عشر إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس فيهن ذكر، جعلت وصيلة، قالوا : وصلت ، فكان ما ولدت بعد ذلك للذكور منهم دون إناثهم ، إلا أن يموت منها شيء فيشتركون في أكله ، ذكورهم وإناثهم.
و الحامي أن الفحل إذا نتج له عشر إناث متتابعات ليس بينهن ذكر، حمي ظهره، ولم يركب ، ولم يجز وبره ، ويخلى في إبله يضرب فيها، لا ينتفع به بغير ذلك . يقول الله تعالى ذكره : "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، إلى قوله : "ولا يهتدون".
حدثنا ابن بشار قال ، حدثنا عبد الرحمن قال ، حدثنا سفيان ، عن الأعمش ، عن أبي الضحى، عن مسروق في هذه الآية : "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، قال أبو جعفر: سقط علي فيما أظن كلام منه ، قال : فأتيت علقمة فسألته ، فقال : ما تريد إلى شيء كان يصنعه أهل الجاهلية؟.
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي قال ، حدثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن مسلم قال : أتيت علقمة، فسألته عن قول الله تعالى : "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام"، فقال : وما تصنع بهذا؟ إنما هذا شيء من فعل الجاهلية! قال : فأتيت مسروقاً فسألته ، فقال : البحيرة ، كانت الناقة إذا ولدت بطناً خمساً أو سبعاً شقوا أذنها، وقالوا: هذه بحيرة ، قال : "ولا سائبة"، قال : كان الرجل يأخذ بعض ماله فيقول . هذه سائبة، قال . "ولا وصيلة"، قال: كانوا إذا ولدت الناقة الذكر أكله الذكور دون الإناث ، وإذا ولدت ذكراً وأنثى في بطن قالوا : وصلت أخاها ، فلا يأكلونهما . قال : فإذا مات الذكر أكله الذكور دون الإناث ، قال : "ولا حام"، قال : كان البعير إذ ولد وولد ولده ، قالوا : قد قضى هذا الذي عليه ، فلم ينتفعوا بظهره ، قالوا : هذا حمى.
حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا محمد بن عبيد، عن الأعمش ، عن مسلم بن صبيح قال : سالت علقمة عن قوله : إما جعل الله من بحيرة ولا سائبة*، قال : ما تصنع بهذا؟ هذا شيء كان يفعله أهل الجاهلية . 12835 -حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا يحيى بن يمان ، ويحيى بن ادم ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحق ، عن أبي الأحوص : إما جعل الله من بحيرة*، قال : البحيرة التي قد ولدت خمسة أبطن ثم تركت . 12836 -حدثنا ابن حميد قال : حدثنا جريربن عبد الحميد، عن مغيرة، عن الشعبي : فى ما جعل الله من بحيرة*، قال : البحيرة، المخضرمة، إولا سائبة*، والسائبة ما سيب للعدى، و الوصيلة، إذا ولدت بعد أربعة أبطن - فيما يرى جرير- ثم ولدت الخامس ذكرا وأنثى، وصلت أخاها، و الحام ، الذي قد ضرب أولاد أولاده في الإبل . 12837 -حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير، عن مغيرة، عن الشعبي ، بنحوه ، إلا أنه قال : والوصيلة التي ولدت بعد أربعة أبطن ذكرا وأنثى ، قالوا : وصلت أخاها، وسائر الحديث مثل حديث ابن حميد. 12838 -حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحق الأزرق ، عن زكريا، عن الشعبي : أنه سئل عن البحيرة، فقال : هي التي تجدع آذانها . وسئل عن السائبة، فقال : كانوا يهدون لآلهتهم الإبل والغنم فيتركونها عند آلهتهم ، فتذهب فتختلط بغنم الناس ، فلا يشرب ألبانها إلا الرجال ، فإذا مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا. 12839 -حدثني محمد بن عمرو قال ، حدثنا أبو عاصم قال ، حدثنا عيسى عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد في قول الثه تعالى ذكره : إما جعل الله من بخيرة*، وما معها: البحيرة، من الإبل يحرم أهل الجاهلية وبرها وظهرها ولحمها ولبنها إلا على الرجال ، فما ولدت من ذكر وأنثى فهو على هيئتها، وإن ماتت اشترك الرجال والنساء في أكل لحمها. فإذا ضرب الجمل من ولد البحيرة، فهو الحامي . والحامي ، اسم . والسائبة من الغنم على نحو ذلك ، إلا أنها ما ولدت من ولد بينها وبين ستة أولاد، كان على هيئتها . فإذا ولدت في السابع ذكرا أو أنثى أو ذكرين ، ذبحوه ، فاكله رجالهم دون نسائهم . وإن توأمت أنثى وذكرا فهي وصيلة، لترك ذبح الذكر بالأنثى . وإن كانتا أنثيين تركتا . 12845 -حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي عن أبيه ، عن ابن عباس : إما جعل الله من بحيرة*، فالبحيرة، الناقة، كان الرجل إذا ولدت خمسة أبطن فيعمد !لى الخامسة ما لم تكن سقبا، فيبتك آذانها، ولا يجز لها وبرا، ولا يذوى لها لبنا، فتلك البحيرة، إولا سائبة*، كان الرجل يسيب من ماله ما شاء، إولا وصيلة*، فهي الشاة إذا ولدت سبعا، عمد إلى السابع ، فإن كان ذكرا ذبح ، وإن كان أنثى تركت ، وإن كان في بطنها اثنان ذكر وأنثى فولدتهما، قالوا: وصلت أخاها، فيتركان جميعا لا يذبحان . فتلك الوصيلة، وقوله : إولا حام *، كان الرجل يكون له الفحل ، فإذا لقح عشرا لميل : حام ، فاتركوه . 12841 -حدثني المثنى قال ، حذثنا عبدالثه برت صالح قال ، حدثنا معاوية بن صالح ، عن علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله : إما جعل الله من بحيرة ولا سائبة لإ، ليسيبوها لأصنامهم ، ملاولا وصيلة*، يقول : الشاة، إولا حام *، يقول : الفحل من الإبل . 12842 -حدثنا بشربن معاذ قال ، حدثنا يزيد بن زريع قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : إما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام مه ، تشديد شدده الشيطان على أهل الجاهلية في أموالهم ، وتغليظ عليهم ، فكانت البحيرة من الإبل ، إذا نتج الرجل خمسا من إبله ، نظر البطن الخامس ، فإن كانت سقبا ذبح فاكله الرجال دون النساء، وإن كان ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم ، وإن كانت حائلا- وهي الأنثى - تركت ، فبتكت أذنها، فلم يجز لها وبر، ولم يشرب لها لبن ، ولم يركب لها ظهر، ولم يذكر لثه عليها اسم . وكانت السائبة، يسيبون ما بدا لهم من أموالهم ، فلا تماث من حوض م ن تشرع فيه ، ولا من حمى أن ترتع فيه ، وكانت الوصيلة من الشاء، من البطن السابع ، إذا كان جديا ذبح فاكله الرجال دون النساء. وإن كانت ميتة اشترك فيه ذكرهم وأنثاهم . وإن جاءت بذكر وأنثو، قيل : اوصلت أخاها فمنعته الذبح ، و الحام ، كان الفحل إذا ركب من بني بنيه عشرة، أو ولد ولده ، قيل : حام حمى ظهره ، فلم يزم ولم يخطم ولم يركب . 12843 -حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا م حمد بن مفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدى : إسا جعك الله من بحيرة رلا سائبة ولا وصيلة ولا حام *، فالبحيرة من الإبل ، كانت الناقة إذا أنتجت خمسة أبطن ، إن كان الخامس سقبا ذبحوه فأهدوه إلى الهتهم ، وكانت أمه من عرض الإبل . وإن كانت ؤبعة استحيوها، وشقوا أذن أمها، وجزوا وبرها، وخلوها في البطحاء فلم لجز لهم في دية، ولم يحلبوا لها لبنا، ولم يجزوا لها وبرا، ولم يحملوا على ظهرها، وهي من الأنعام التي حرمت ظهورها، وأما السائبة، فهو الرجل يسيب من ماله ما شاء على وجه الشكر إن كثر ماله أو برأ من وجع ، أو ركب ناقة فانجح ، فإنه يسمى السائبة، يرسلها فلا يعرض لها أحد من العرب إلا أصابته عقوبة في الدنيا، وأما الوصيلة، فمن الغنم ، هي الشاة إذا ولدت ثلاثة أبطن أو خمسة، فكان آخر ذلك جديا، ذبحوه وأهدوه لبيت الالهة، وإن كانت عناقا استحيوها، وإن كانت جديا وعناقا استحيوا الجدي من أجل العناق ، فإنها وصيلة وصلت أخاها، وأما الحام ، فالفحل يضرب في الإبل عشر سنين ، ويقال : إذا ضرب ولد ولده ، قيل : قد حمى ظهره ، فيتركونه لا يمس ولا ينحر أبدا، ولا يمنع من كلأ يريده ، وهو من الأنعام التي حرمت ظهورها . 12844 -حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبرنا معمر، عن الز-هري ، عن ابن المسيب في قوله : إما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام *، قال : البحيرة من الإبل ، التي يمنح درها للطواغيت ، و السائبة من الإبل ، كانوا يسيبونها لطواغيتهم ، والوصيلة ، من الإبل ، كانت الناقة تبتكر بانثى ، ثم تثني بانثى ، فيسمونها الوصيلة ، يقولون : وصلت م نثيين ليس بينهما ذكر ، فكانوا يجدعونها لطواغيتهم -م و: يذبحونها ، الشك من أبي جعفر-والحام ، الفحل من الإبل ، كان يضرب الضراب إلمعدود؟ ، فإذا بلغ ذلك قالوا : هذا حام ، قد حمى ظهره ، فترك ، فسموه الحام الم . قال معمر قال قتادأ: إذا ضرب عشرة . 12845 -حدثنا الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا عبد الرزاق قال ، أخبونا معمر، عن قتادة قال : البحيرة من الإبل ، كانت الناقة إذا نعجت خمسة أبطن ، فإن كانت الخامسة ذكرا، كأن للرجال دون النساء، وإن كانت أنثى ، بتكوا اذانها ثم أرسلوها، فلم ينحروا لها ولدا، ولم يشربوا لها لبنا، ولم يركبوا لها ظهرا، وأما السائبه فإنهم كاتوا يسيبون بعض إبلهم ، فلا تمنع حوضا أن تشرع فيه ، ولا مرعى أن ترتع فيه ، والوصيلة ، الشاة كانط إذ! ولدت سبعة أبطن ، فإن كان السابع ذكرا ، ذبح وأكله الرجال دون النساء، وإن كانت أنثى تركت . 12846 -حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ الفضل بن خالد قال ، حدثنا عبيد بن سليمان ، عن الضحاك : إما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام *، أما البحيرة فكانت الناقة إذا نتجوها خمسة أبطن نحروا الخامس إن كان سقبا، وإن كان ربعة شقوا أذنها واستحيوها، وهي بحيرة، وأما السقب فلا ياكل نساؤهم منه ، وهو خالص لرجالهم ، فإن ماتت الناقة أ؟ نتجوها ميتا، فرجالهم ونساؤهم فيه سواء، ياكلون منه ، وأما السائبة، فكان يسيب الرجل من ماله من الأنعام ، فيهمل في الحمى، فلا ينتفع بظهره ولا بولده ولا بلبنه ؟لا بشعره ولا بصوفه ، وأما الوصيلة، فكانت الشاة إذا ؟لدت سبعة أبطن ذبحوا السابع إذا كان جديا، وإن كا! عناقا استحيوه ، وإن كان جديا وعناقا استحيوهما كليهما، وقالوا : إن الجدي وصلته أخته فحرمته علينا، وأما الحامي ، فالفحل إذا ركبوا أولاد ولده قالوا : قد حمى هذا ظهره ، وأحرزه أولاد ولده ، فلا يركبونه ، ولا يمنعونه من حمى شجر، ولا حوض ما شرع فيه ، وإن لم يكن الحوض لصاحبه . وكانت من إبلهم طائفة لا يذكرون اسم الله عليها في شيء من شانهم : لا إن ركبوا، ولا إن حملوا، ولا إن حلبوا، ولا إن نتجوا، ولا إن باعوا. ففي ذلك أنزل الثه تعالى ذكره : معه ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة*، إلى قوله : إوأكثرهم لا يعقلون *. 12847 -حدثني يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، قال ابن زيد في قوله : إما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حمام *، قال : هذا شيء كان يعمك به أهل الجاهلية، وقد ذهب . قال : البحيرة، كان الرجل يجدع أذني ناقته ، ثم يعتقها كما يعتق جاريته وغلامه ، لا تحلب ولا تركب ، واالسائبة، يسيبها بغيرتجديع ، و الحام إذا نتج له سبع إناث متواليات ، قد حمى ظهره ، ولا يركب ، ولا يعمل عليه ، و الوصيلة، من الغنم إذأ ولدت سبع إناث متواليات ، حمت لحمها أن يؤكل . 12848 -حدثنا يونس قال ، أخبرنا ابن وهب قال ، حدثنا عبدالثه بن يوسف قال ، حدثنا الليث بن سعد قال ، حدثني ابن الهاد، عن ابن شهاب قال ، قال سعيد بن المسيب : السائبة التي كانت تسيب فلا يحمل عليها شيء ، و البحيرة، التي يمنح دؤها للطواغيت فلا يحلبها أحد، و الوصيلة، الناقة البكر تبتكر أول نتاج الإبل بأنثى، ثم تثني بعد بانثى، وكانوا يسمونها للطواغيت ، يدعونها الوصيلة، أن وصلت أخواتها إحداهما بالأخرى، والحامي ، فحل الإبل ، يضرب العشر من الإبل . فإذا نفض ضرابه يدعونه للطواغيت ، وأعفوه من الحمل فلم يحملوا عليه شيئا، وسموه الحامي . قا اط أبو جعفر: وهذه أمور كانت في الجاهلية فابطلها الإسلام ، فلا نعرف قوما يعملون بها اليومء فإذ كان ذلك كذلك ، وكان ما كانت الجاهلية تعمل به لا يوصل إلى علمه ، إذ لم يكن له في الإسلام اليوم أثر، ولا في الشرك ، نعرفه ، إلا بخبر، وكانت الأخبار عما كانوا يفعلون من ذلك مختلفة الاختلاف الذي ذكرنا، فالصواب من القول في ذلك أن يقال : أما معاني هذه الأسماء فما بينا في ابتداء القول في تأويل هذه إلآية، وأما كيفية عمل القوم في ذلك ، فما لا علم لنا به . وقد وردت الأخبار بوصف عملهم ذلك على ما قد حكينا، وغير ضائر الجهل بذلك إذا كان المراد من علمه المحتاج إليه ، موصولا !لى حقيقته ، وهو أن القوم كانوا يحرمون من أنعامهم على أنفسهم ما لم يحرمه الثه ، اتباعا منهم خطوات الشيطان ، فوتجخهم الد تعالى ذكره بذلك ، وأخبرهم أن كل ذلك حلال . فالحرام سن كل شيء عندنا ما حرم الله تعالى ذكره وزسوله !ز بنص أو دليل ، والحلال منه ما حلله الثه ورسوله كنه لك . ط صء القول في تأويل قوله : معه ولبهن ا لديركفروايفترون طما ألمله اتكذب وأكنرئتم لايغقلؤن ! * . قال أبو جعفر: اختلف أهل التاويل في المعني ب إالذين كفروا؟ في هذا الموضع ، والمرإد بقوله : لمه وأممثرهم لا يعقلون *. فقال بعضهم : المعني ب معه الذين كفروا* اليهود، وفي الذين لا يعقلون ، أهل الأوثان . ذكر من قال ذلك : 12849 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا أبو أسامة، عن سفيان ، عن داود بن أبي هند، عن محمد بن أبي موسى : معرولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب *، لال : أهل الكتاب ، إوأممثرهم لا يعقلون مهه ، قال : أهل الآوثان . وقال آخرون : بل هم أهل متة واحدة، ولكن المفترين ، المتبوعون والذين لا يعقلون ، ا لماتباع . ذكر من قال ذلك : 12855 - حدثت عن الحسين بن الفرج قال ، سمعت أبا معاذ قال ، حدثنا خارجة، عن داود بن أبي هند، عن الشعبي في قوله : معه ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأممثرهم لا يعقلون *، هم الأتباع ، وأما الذين افتروا ، فعقلوا أنهم افتروا . قال أبو جعفر: وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب أن يقال : إن المعنيين بقوله : إولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب مهه ، الذين بحروا البحائر، وسيبوا السوائب ، ووصلوا الوصائل ، وحموا الحوامي ، مثل عمرو بن لحي وأشكاله ممن سن لأهل الشرك السنن الرديئة، وغير دين الله دين الحق ، وأضافوا إلى الله تعالى ذكره : أنه هو الذي حرم ما حرموا، وأحل ما أحلوا، افتراء على الله الكذب وهم يعلمون ، واختلاقا عليه الإفك وهم يفهمون ، فكذبهم الثه تعالى ذكره في قيلهم ذلك ، لي اضافتهم إليه ما أضافوا من تحليل ما أحلوا وتحريم ما حرموا، فقال تعالى ذكره : ما جعلت من بحيرة ولا سائبة، ولكن الكفار هم الذين يفعلون ذلك ، وبنترون على الله الكذب . وأن يقال ، إن المعنيين بقوله : إوأممثرهم لا يعقلون *، هم أتباع من سن لهم هذه السنن من جهلة المشركين ، فهم لا شك أنهم أكثر من الذين سنوا ذلك لهم ، فوصفهم الثه تعالى بأنهم لا يعقلون ، لأنهم لم يكونوا يعقلون أن الذين ومشوا لهم تلك السنن وأخبروهم أنها من عند الثه ، كذبة في أخبارهم أفكة، بل ظنوا أنهم فيما يقولون محقون ، وفي أخبارهم صادقون . وإنما معنى الكلام : وأكثرهم لا يعقلون أن ذلك التحريم الذي حرمه هؤلاء المشركون وأضافوه إلى الثه تعالى ذكره كذب وباطل . وهذا القول الذي قلنا في ذلك ، نظير قول الشعبي الذى ذكرنا قبل . ولا معنى لقول من قال : (عني بالذين كفروا أهل الكتاب )، وذلك أن النكير في ابتداء الآلة من الثه تعالى ذكره على مشركي العرب ، فالختم بهم أولى من غيرهم ، إذ لم يكن عرض في الكلام ما يصرف من أجله عنهم إلى غيرهم. وبنحو ذلك كان يقول قتادة : 12851 - حدثنا بشر بن سعاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد، عن قتادة قوله : إوأكثرهم لا يعقلون *، يقول : تحريئم المشيطان الذي حرم عليهم ، إنما كان من الشيطان ، ولا يعقلون .
فيه سبع مسائل:
الأولى - قوله تعالى :" ما جعل الله" جعل هنا بمعنى سمى كما قال تعالى" إنا جعلناه قرآنا عربيا" [الزخرف:3] أي سميناه والمعنى في هذه الآية ما سمى الله ولا سن ذلك حكماً ولا تعبد به شرعاً بيد أنه قضى به علماً وأوجده بقدرته وإرادته خلقاً فإن الله خالق كل شيء نخير وشر ونفع وضر وطاعة ومعصية.
الثانية -قوله تعالى:" من بحيرة ولا سائبة " من زائدة والبحيرة فعليه بمعنى مفعولة ، وهي على وزن النطيحة والذبيحة وفي الصحيح عن سعد بن المسيب: البحيرة هي التي يمنع درها للطواغيت ، فلا يحتلبها أحد من الناس وأما السائبة فهي التي كانوا يسيبونها لآلهتهم وقيل: البحيرة لغة هي الناقة المشقوقة الأذن يقال: بحرت أذن الناقة أي شققتها شقاً واسعاً والناقة بحيرة ومبحورة، وكان البحر علامة التخلية، قال ابن سيده، يقال البحيرة هي التي خليت بلا راع ويقال للناقة الغزيرة بحيرة، قال ابن إسحاق: البحيرة هي ابنة السائبة والسائبة هي الناقة إذا تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر لم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف فما نتجت بعد ذلك من أنثى شقت أذنها وخلي سبيلها مع أمها فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف كما فعل بأمها فهي البحيرة ابنة السائبة وقال الشافعي: إذا نتجت الناقة خمسة أبطن إناثاً بحرت أذنها فحرمت قال :
محرمة لا يطعم الناس لحمها ولا نحن في شيء كذاك البحائر
وقال ابن عزيز: البحيرة الناقة إذا نتجت خمسة أبطن فإذا كان الخامس ذكراً نحروه فأكله الرجال والنساء وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها،- أي شقوه- وكانت حراماً على النساء لحمها ولبنها - وقاله عكرمة - فإذا ماتت حلت للنساء والسائبة البعير يسيب بنذر يكون على الرجل إن سلمة الله من مرض أو بلغه منزلة أن يفعل ذلك فلا تحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد، وقال أبو عبيد: قال الشاعر:
وسائبة لله تنمي تشكراً إن الله عافي عامراً أو مجاشعاً
وقد يسيبون غير الناقة وكانوا إذا سيبوا العبد لم يكن عليه ولاء وقيل: السائبة هي المخلاة لا قيد عليها، ولا راعي لها فاعل بمعنى مفعول نحو " عيشة راضية " [الحاقة: 21] أي مرضية من سابت الحية وانسابت قال الشاعر:
عقرتم ناقة كانت لربي وسائبة فقوموا للعقاب
وأما الوصيلة والحام فقال ابن وهب قال مالك : كان أهل الجاهلية يعتقون الإبل والغنم يسيبونها فأما الحام فمن الإبل، كان الفحل إذا انقضى ضرابه جعلوا عليه من ريش الطواويس وسيبوه، وأما الوصيلة فمن الغنم ولدت أنثى بعد أنثى سيبوها وقال ابن عزيز: الوصيلة في الغنم قال : كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا فإذا كان السابع ذكراً ذبح وأكل منه الرجال والنساء، وإن كان أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكراً وأنثى قالوا وصلت أخاه فلم تذبح لمكانها وكان لحمها حراماً على النساء ولبن الأنثى حراماً على النساء إلا أن يموت منهما شيء فيأكله الرجال والنساء والحامي الفحل إذا ركب ولده قال :
حماها أبو قابوس في عز ملكه كما قد حمى أولاد أولاده الفحل
ويقال: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن قالوا: قد حمى ظهره فلا يركب ولا يمنع من كلاء ولا ماء وقال ابن إسحاق: الوصيلة الشاة إذا أتأمت عشرة إناث متتابعات في خمسة أبطن ليس بينهن ذكر قالوا : وصلت فكان ما ولدت بعد ذكر للذكور منهم دون الإناث، إلا أن يموت شيء منها فيشترك في أكله ذكورهم وإناثهم .
الثالثة -روى مسلم عن أبي هريرة قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار وكان أول من سيب السوائب " وفي رواية عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف أخا بني كعب هؤلاء يجر قصبة في النار و"روى أبو هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن لاجون
رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به ولا به منك فقال أكثم: أخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله قال : لا إنك مؤمن وهو كافر إنه أول من غير دين إسماعيل وبحر البحيرة وسيب السائيبة وحمى الحامي " وفي رواية "رأيته رجلاً قصيراً أشعر له وفرة يرج قصبة في النار " وفي رواية ابن القاسم وغيره عن مالك عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار "عن النبي صلى الله عليه وسلم :
إنه يؤذي أهل النار بريحه " مرسل ذكره ابن العربي: وقيل إن أول من ابتدع ذلك جنادة بن عوف والله أعلم وفي الصحيح كفاية وروى ابن إسحاق : أن سبب نصب الأوثان وتغيير دين إبراهيم -عليه السلام - عمرو بن لحي خرج من مكة إلى الشام فلما قدم مآب من أرض البلقاء وبها يومئذ العماليق أولاد عمليق- ويقال عملاق- بن لاوذ بن سام بن نوح رآهم يعبدون الأصنام فقال لهم: ما هذه الأصنام التي أراكم تعبدون ؟ قالوا: هذه أصنام نستمطر بها فنمطر، ونستنصر بها فننصر، فقال لهم: أفلا تعطوني منها صنماً أسير به إلى أرض العرب فيعبدونه ؟ فأعطوه صنماً يقال له هبل فقدم به مكة فنصبه وأخذ الناس بعبادته وتعظيمه فلما بعث الله محمداً أنزل الله عليه " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " " ولكن الذين كفروا " يعني من قريش وخزاعة ومشركي العرب " يفترون على الله الكذب" بقولهم: إن الله أمر بتحريمها ويزعمون أنهم يفعلونه ذلك لرضا ربهم في طاعة الله إنما تعلم من قوله ولم يكن عندهم من الله بذلك قوله فكان ذلك ما يفترونه على الله وقالوا: " ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا " [ الأنعام : 139] يعني من الولد والألبان " ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة " يعني إن وضعته ميتاً اشترك فيه الرجل والنساء فذلك قوله عز وجل:" فهم فيه شركاء سيجزيهم وصفهم " أي بكذبهم العذاب في الآخرة " إنه حكيم عليم " [ الأنعام : 139] أي بالتحريم والتحليل وأنزل عليه : " قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون " [يونس: 59] وأنزل عليه " ثمانية أزواج " [ الأنعام: 143] الآية وأنزل عليه " وأنعام لا يذكرون اسم الله عليها افتراء عليه" [ الأنعام: 143]
الرابعة - تعلق أبو حنيفة رضي الله عنه في منعه الأحباس ورده الأوقاف بأن الله تعالى عاب على العرب ما كانت تفعل من تسييب البهائم وحماتيها وحبس أنفاسها عنها وقاس على البحيرة والسائبة والفرق بين ولو عمد رجل إلى ضيعة له فقال : هذه تكون حبساً لا يجتني ثمرها ولا تزرع أرضها، ولا ينتفع منها بنفع، لجاز أن يشبه هذا بالبحيرة والسائبة، وقد قال علقمة لمن سأله عن هذه الأشياء: ما تريد إلى شيء كان من عمل أهل الجاهلية وقد ذهب وقال نحوه ابن زيد وجمهور العلماء على القول بجواز الأحباس والأوقاف ما عدا أبا حنيفة وأبا يوسف وزفر، وهو قول شريح إلا أن أبا يوسف رجع عن قول أبي حنيفة في ذلك لما حدثه ابن عليه عن ابن عون عن نافع "عن ابن عمر أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في أن يتصدق بسهمه بخيبر فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم :
احبس الأصل وسبل الثمرة " وبه يحتج كل من أجاز الأحباس وهو حديث صحيح قاله أبو عمر، وأيضاً فإن المسئلة إجماع من الصحابة وذلك أن أبا بكر وعمرو وعثمان وعلياً وعائشة وفاطمة وعمرو بن العاص وابن الزبير وجابراً كلهم وقفوا الأوقاف ، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة، وروى أن أبا يوسف قال لمالك بحضرة الرشيد: إن الحبس لا يجوز فقال له مالك: هذه الأحباس أحباس رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر وفدك وأحباس أصحابه وأما ما احتج به أبو حنيفة من الآية فلا حجة فيه لأن الله سبحانه إنما عاب عليهم أن تصرفوا بعقولهم بغير شرع توجه إليهم، أو تكليف فرض عليهم فيقطع طريق الانتفاع وإذهاب نعمة الله تعالى، وإزالة المصلحة التي للعباد في تلك الإبل وبهذا فارقت هذه الأمور الأحباس والأوقاف ومما احتج به أبو حنيفة وزفر ما رواه عطاء بن المسيب قال : سألت شريحاً عن رجل جعل داره حبساً على الآخر من ولده فقال: لا حبس عن فرائض الله قالوا: فهذا شريح قاضي عمر وعثمان وعلي الخلفاء الراشدين حكم بذلك واحتج أيضا بما رواه ابن لهيعة عن أخيه عيسى عن عكرمة وابن عباس قال :
سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول بعدما أنزلت سورة النساء وأنزل الله فيها الفرائض :ينهى عن الحبس قال الطبري: الصدقة التي يمضيها المتصدق في حياته على ما أذن الله به على لسان نبيه وعمل به الأئمة الراشدون رضي الله عنهم ليس من الحبس عن فرائض الله ولا حجة في قول شريح ولا في قول أحد يخالف السنة وعمل الصحابة الذين هم الحجة على جميع الخلق ، وأما حديث ابن عباس فرواه ابن لهيعة وهو رجل اختلط عقله في آخر عمره وأخوه غير معروف فلا حجة فيه قاله ابن القصار .
فإن قيل: كيف أن تخرج الأرض بالوقف عن ملك أربابها لا إلى ملك مالك قال الطحاوي يقال لهم: وما ينكر من هذا وقد اتفقت أنت وخصمك على الأرض يجعلها صاحبها مسجداً للمسلمين ويخلي بينهم وبينها، وقد خرجت بذلك من ملك إلى غير مالك وقد خرجت بذلك من ملك إلى غير مالك، ولكن إلى الله تعالى،وكذلك السقايات والجسور والقناطر فما ألزمت مخالفك في حجتك عليه يلزمك في هذا كله والله أعلم .
الخامسة - اختلف المجيزون للحبس فيما للمحبس من التصرف فقال الشافعي: ويحرم على الموقف ملكه كما يحرم عليه ملك رقبة العبد، إلا أنه جائز له أن يتولى صدقته وتكون بيده ليفرقها ويسبلها فيما أخرجها هي لأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لم يزل يلي صدقته- فيما بلغنا- حتى قبضه الله عز وجل قال: وكذلك علي وفاطمة رضي الله عنهما كان يليان صدقاتهما وبه قال أبو يوسف وقال مالك: من حبس أرضاً أو نخلاً أو داراً على المساكين وكانت بيده يقوم بها ويكريها ويقسمها في المساكين حتى مات والحبس في يديه أنه ليس بحبس ما لم يجزه غيره وهو ميراث والربع عنده والحوائط والأرض لا ينفذ حبسها ولا يتم حوزها، حتى يتولاه غيره من حبسه بخلاف الخليل والسلاح هذا محصل مذهبه عند جماعة أصحابه وبه قال ابن أبي ليلى .
السادسة -لا يجوز للواقف أن ينتفع بوقفه، لأنه أخرجه لله وقطعه عن ملكه فانتفاع بشيء منه رجوع في صدقته وإنما يجوز له الانتفاع إن شرط ذلك في الوقف أو أن يفتقر المحبس أو ورثته فيجوز لهم الأكل منه وذكر ابن حبيب عن مالك قال: من حبس أصلاً تجري غلته على المساكين فإن ولده يعطون منه إذا افتقروا - كانوا يوم حبس أغنياء أو فقراء - غير أنهم لا يعطون جميع الغلة مخافة أو يندرس الحبس، ولكن يبقى منه سهم للمساكين ليبقى عليه امس الحبس ويكتب على الولد كتاب أنهم إنما يعطون نمه ما أعطوا على سبيل المسكنة وليس على حق لهم دون المساكين .
السابعة -عتق السائبة جائز، وهو أن يقول السيد لعبده أتن حر وينو العتق أو يول: أعتقتك سائبة فالمشهور من مذهب مالك عند جماعة أصحابه أن ولاءه لجماعة المسلمين وعتقه نافذ هكذا روى عنه ابن القاسم وابن عبد الحكم وأشبه وغيرهم وبه قال ابن وهب وروى ابن وهب عن مالك قال: لا يعتق أحد سائبة، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وعن هبته قال ابن عبد البر: وهذا عند كل من ذهب مذهبه إنما هن محمول على كراهة عنق السائبة لا غير، فإن وقع نفذ وكان الحكم فيه ما ذكرناه وروى ابن وهب أيضاً وابن القاسم عن مالك أنه قال: أنا أكره عتق السائبة وأنهى عنه فإنه وقع نفذ وكان ميراثاً لجماعة المسلمين وعقله عليهم، وقال أصبغ: لا بأس بعتق السائبة ابتداء ذهب إلى المشهور من مذهب مالك وله احتج إسماعيل القاضي ابن إسحاق وإياه تقلد، ومن حجته في أن عتق السابة مستفيض بالمدينة لا ينكره عالم وأن عبد الله بن عمر وغيره من السلف أعتقوا سائبة وروي عن ابن شهاب وربيعة وأبي الزناد وهو قول عمر بن عبد العزيز وأبي العالية وعطاء وعمرو بن دينار وغيرهم.
قلت : أبو العالية الرياحي البصري التميمي -رضي الله عنه - ممن أعتق سائبة أعتقه مولاة له من بني رياح لوجه الله تعالى ، وطافت به على حلق المسجد واسمه رفيع بن مهران وقال ابن نافع: لا سائبة اليوم ي الإسلام، ومن أعقت سائبة كان ولاؤه له وبه قال الشافعي وأبو حنيفة وابن الماجشون مال إليه ابن العربي واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم:
"من أعتق سائبة فولاؤه له " وبقوله :
"إنما الولاء لمن اعتق " فنفى أن يكون الولاء لغير معتق واحتجوا بقوله تعالى : " ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام " وبالحديث :
"لا سائبة في الإسلام " وبما رواه أبو قيس عن هزيل بن شرحبيل قال قال رجل لعبد الله إني أعتقت غلاما لي سائبة فماذا ترى فيه ؟ فقال عبد الله: إن أهل الإسلام لا يسيبون إنما كانت تسيب الجاهلية أنت وارثه وولي نعمته
قال البخاري: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان, عن ابن شهاب, عن سعيد بن المسيب, قال: البحيرة التي يمنع درها للطواغيت, فلا يحلبها أحد من الناس, والسائبة كانوا يسيبونها لالهتهم لا يحمل عليها شيء. قال: وقال أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار, كان أول من سيب السوائب" والوصيلة: الناقة البكر تبكر في أول نتاج إبل, بل تثني بعد بأنثى, وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينها ذكر, والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود, فإذا قضى ضرابه ودعوه للطواغيت وأعفوه عن الحمل, فلم يحمل عليه شيء, وسموه الحامي, وكذا رواه مسلم والنسائي من حديث إبراهيم بن سعد به, ثم قال البخاري: قال لي أبو اليمان, أخبرنا شعيب عن الزهري, قال: سمعت سعيداً يخبر بهذا. قال: وقال أبو هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه. ورواه ابن الهاد عن ابن شهاب, عن سعيد, عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال الحاكم: أراد البخاري أن يزيد بن عبد الله بن الهاد رواه عن عبد الوهاب بن بخت, عن الزهري, كذا حكاه شيخنا أبو الحجاج المزي في الأطراف, وسكت ولم ينبه عليه, وفيما قاله الحاكم نظر, فإن الإمام أحمد وأبو جعفر بن جرير روياه من حديث الليث بن سعد, عن ابن الهاد, عن الزهري نفسه, والله أعلم.
ثم قال البخاري: حدثنا محمد بن أبي يعقوب أبو عبد الله الكرماني, حدثنا حسان بن إبراهيم, حدثنا يونس عن الزهري, عن عروة أن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "رأيت جهنم يحطم بعضها بعضاً, ورأيت عمروًا يجر قصبه وهو أول من سيب السوائب" تفرد به البخاري. وقال ابن جرير: حدثنا هناد, حدثنا يونس بن بكير, حدثنا محمد بن إسحاق, حدثنا محمد بن إبراهيم بن الحارث عن أبي صالح, عن أبي هريرة, قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لأكثم بن الجون: "يا أكثم, رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه في النار, فما رأيت رجلاً أشبه برجل منك به, ولا به منك". فقال أكثم: تخشى أن يضرني شبهه يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا, إنك مؤمن وهو كافر, إنه أول من غير دين إبراهيم, وبحر البحيرة, وسيب السائبة, وحمى الحامي", ثم رواه عن هناد, عن عبدة, عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة, عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحوه أو مثله, ليس هذان الطريقان في الكتب .
وقال الإمام أحمد: حدثنا عمرو بن مجمع, حدثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص عن عبد الله بن مسعود, عن النبي صلى الله عليه وسلم, قال "إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر, وإني رأيته يجر أمعاءه في النار", تفرد به أحمد من هذا الوجه. وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن زيد بن أسلم, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إني لأعرف أول من سيب السوائب, وأول من غير دين إبراهيم عليه السلام" قالوا: من هو يا رسول الله ؟ قال "عمرو بن لحي أخو بني كعب, لقد رأيته يجر قصبه في النار, تؤذي رائحته أهل النار, وإني لأعرف أول من بحر البحائر" قالوا: ومن هو يا رسول الله ؟ قال "رجل من بني مدلج, كانت له ناقتان, فجدع آذانهما, وحرم ألبانهما, ثم شرب ألبانهما بعد ذلك, فلقد رأيته في النار وهما يعضانه بأفواههما, ويطآنه بأخفافهما". عمرو هذا هو ابن لحي بن قمعة, أحد رؤساء خزاعة الذين ولوا البيت بعد جرهم وكان أول من غير دين إبراهيم الخليل, فأدخل الأصنام إلى الحجاز, ودعا الرعاع من الناس إلى عبادتها والتقرب بها, وشرع لهم هذه الشرائع الجاهلية في الأنعام وغيرها, كما ذكره الله تعالى في سورة الأنعام عند قوله تعالى: " وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا " إلى آخر الايات في ذلك .
فأما البحيرة, فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي الله عنهما: هي الناقة إذا نتجت خمسة أبطن, نظروا إلى الخامس, فإن كان ذكراً ذبحوه, فأكله الرجال دون النساء, وإن كان أنثى جدعوا آذانها, فقالوا: هذه بحيرة. وذكر السدي وغيره قريباً من هذا, وأما السائبة فقال مجاهد هي من الغنم نحو ما فسر من البحيرة إلا أنها ما ولدت من ولد كان بينها وبينه ستة أولاد, كانت على هيئتها, فإذا ولدت السابع ذكراً أو ذكرين ذبحوه, فأكله رجالهم دون نسائهم وقال محمد بن إسحاق. السائبة هي الناقة إذا ولدت عشر إناث من الولد ليس بينهن ذكر, سيبت فلم تركب ولم يجز وبرها ولم يحلب لبنها إلا لضيف. وقال أبو روق: السائبة كان الرجل إذا خرج فقضيت حاجته, سيب من ماله ناقة أو غيرها, فجعلها للطواغيت, فما ولدت من شيء كان لها. وقال السدي: كان الرجل منهم إذا قضيت حاجته, أو عوفي من مرض, أو كثر ماله, سيب شيئاً من ماله للأوثان, فمن عرض له من الناس عوقب بعقوبة في الدنيا .
وأما الوصيلة, فقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: هي الشاة إذا نتجت سبعة أبطن, نظروا إلى السابع, فإن كان ذكراً أو أنثى وهو ميت اشترك فيه الرجال دون النساء, وإن كان أنثى استحيوها, وإن كان ذكراً وأنثى في بطن واحد استحيوهما وقالوا: وصلته أخته فحرمته علينا, رواه ابن أبي حاتم. وقال عبد الرزاق: أنبأنا معمر عن الزهري, عن سعيد بن المسيب "ولا وصيلة", قال: فالوصيلة من الإبل كانت الناقة تبتكر بالأنثى, ثم ثنت بأنثى فسموها الوصيلة, ويقولون: وصلت أنثيين ليس بينهما ذكر, فكانوا يجدعونها لطواغيتهم, وكذا روي عن الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى. وقال محمد بن إسحاق: الوصيلة من الغنم إذا ولدت عشر إناث في خمسة أبطن, توأمين توأمين في كل بطن سميت الوصيلة وتركت, فما ولدت بعد ذلك من ذكر أو أنثى جعلت للذكور دون الإناث, وإن كانت ميتة اشتركوا فيها.
وأما الحامي: فقال العوفي عن ابن عباس, قال: كان الرجل إذا لقح فحله عشراً قيل: حام فاتركوه, وكذا قال أبو روق وقتادة. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: وأما الحام فالفحل من الإبل إذا ولد لولده قالوا: حمى هذا ظهره, فلا يحملون عليه شيئاً ولا يجزون له وبراً, ولا يمنعونه من حمى رعي, ومن حوض يشرب منه, وإن كان الحوض لغير صاحبه. وقال ابن وهب: سمعت مالكاً يقول: أما الحام فمن الإبل, كان يضرب في الإبل فإذا انقضى ضرابه جعلوا عليه ريش الطواويس وسيبوه, وقد قيل غير ذلك في تفسير هذه الاية.
وقد ورد في ذلك حديث رواه ابن أبي حاتم من طريق أبي إسحاق السبيعي, عن أبي الأحوص الجشمي, عن أبيه مالك بن نضلة, قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم في خلقان من الثياب, فقال لي "هل لك من مال ؟" فقلت: نعم. قال "من أي المال ؟" قال: فقلت: من كل المال: من الإبل, والغنم, والخيل, والرقيق, قال "فإذا آتاك الله مالاً فكثر عليك", ثم قال "تنتج إبلك وافية آذانها ؟" قال: قلت: نعم, وهل تنتج الإبل إلا كذلك ؟ قال "فلعلك تأخذ الموسى فتقطع آذان طائفة منها وتقول: هذه بحيرة, تشق آذان طائفة منها وتقول: هذه حرم" قلت: نعم. قال "فلا تفعل إن كل ما آتاك الله لك حل", ثم قال "ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام". أما البحيرة, فهي التي يجدعون آذانها فلا تنتفع امرأته ولابناته ولا أحد من أهل بيته بصوفها ولا أوبارها ولا أشعارها ولا ألبانها, فإذا ماتت اشتركوا فيها.
وأما السائبة, فهي التي يسيبون لالهتهم ويذهبون إلى آلهتهم فيسيبونها, وأما الوصيلة, فالشاة تلد ستة أبطن, فإذا ولدت السابع جدعت وقطع قرنها, فيقولون: قد وصلت فلا يذبحونها, ولا تضرب ولا تمنع مهما وردت على حوض, هكذايذكر تفسير ذلك مدرجاً في الحديث.
وقد روي وجه آخر عن أبي إسحاق, عن أبي الأحوص عوف بن مالك, من قوله, وهو أشبه, وقد روى هذا الحديث الإمام أحمد عن سفيان بن عيينة, عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو, عن عمه أبي الأحوص عوف بن مالك بن نضلة, عن أبيه به, وليس فيه تفسير هذه, والله أعلم.
وقوله تعالى: "ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب وأكثرهم لا يعقلون", أي ما شرع الله هذه الأشياء ولا هي عنده قربة, ولكن المشركين افتروا ذلك وجعلوه شرعاً لهم, وقربة يتقربون بها إليه, وليس ذلك بحاصل لهم بل هو وبال عليهم "وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا" أي إذا دعوا إلى دين الله وشرعه وما أوجبه, وترك ما حرمه, قالوا: يكفينا ما وجدنا عليه الاباء والأجداد من الطرائق والمسالك. قال الله تعالى: " أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئا " أي لا يفهمون حقاً ولا يعرفونه ولا يهتدون إليه, فكيف يتبعونهم والحالة هذه, لا يتبعهم إلا من هو أجهل منهم وأضل سبيلاً .
قوله: 103- "ما جعل الله من بحيرة" هذا كلام مبتدأ يتضمن الرد على أهل الجاهلية فيما ابتدعوه، وجعل ههنا بمعنى سمى كما قال "إنا جعلناه قرآناً عربياً". والبحيرة: فعيلة بمعنى مفعولة كالنطيحة والذبيحة، وهي مأخوذة من البحر، وهو شق الأذن. قال ابن سيده: البحيرة هي التي خليت بلا راع، قيل هي التي يجعل درها للطواغيت فلا يحتلبها أحد من الناس، وجعل شق أذنها علامة لذلك. وقال الشافعي: كانوا إذا نتجت الناقة خمسة أبطن إناثاً بحرت أذنها فحرمت، وقيل إن الناقة إذا نتجت خمسة أبطن، فإن كان الخامس ذكراً بحروا أذنه فأكله الرجال والنساء، وإن كان الخامس أنثى بحروا أذنها وكانت حراماً على النساء لحمها ولبنها، وقيل إذا نتجت الناقة خمسة أبطن من غير تقييد بالإناث شقوا أذنها وحرموا ركوبها ودرها. والسائبة: الناقة تسيب، أو البعير يسيب نذر على الرجل إن سلمه الله من مرض أو بلغه منزله، فلا يحبس عن رعي ولا ماء، ولا يركبه أحد قاله أبو عبيد. قال الشاعر:
وسائبة لله تنمي تشكــرا إن الله عافى عامراً ومجاشعا
وقيل هي التي تسيب لله فلا قيد عليها ولا راعي لها، ومنه قول الشاعر:
عقرتم ناقة كانت لـــربي مسيبة فقومــوا للعقــــاب
وقيل هي التي تابعت بين عشر إناث ليس بينهن ذكر، فعند ذلك لا يركب ظهرها. ولا يجز وبرها ولا يشرب لبنها إلا ضيف، وقيل كانوا يسيبون العبد فيذهب حيث يشاء لا يد عليه لأحد. والوصيلة: قيل هي الناقة إذا ولدت أنثى بعد أنثى، وقيل هي الشاة كانت إذا ولدت أنثى فهي لهم، وإن ولدت ذكراً فهو لآلهتهم، وإن ولدت ذكراً وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبحوا الذكر لآلهتهم، وقيل كانوا إذا ولدت الشاة سبعة أبطن نظروا، فإن كان السابع ذكراً ذبح فأكل منه الرجال والنساء، وإن كانت أنثى تركت في الغنم، وإن كان ذكراً وأنثى قالوا وصلت أخاها فلم يذبح لمكانها، وكان لحمها حراماً على النساء، إلا أن يموت فيأكلها الرجال والنساء. والحام: الفحل الحامي ظهره عن أن يركب، وكانوا إذا ركب ولد الفحل قالوا حمى ظهره فلا يركب، قال الشاعر:
حماها أبو قابوس في عز ملكه كما قد حمى أولاده الفحل
103- قوله عز وجل :" ما جعل الله من بحيرة "أي: ما أنزل الله ولا أمر به، " ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام "، قال ابن عباس في بيان هذه [الأوضاع]: البحيرة هي الناقة كانت إذا ولدت خمسة أبطن بحروا أذنها، أي: شقوها وتركوا الحمل عليها وركوبها، ولم يجزوا وبرها ولم يمنعوها الماء والكلأ، ثم نظروا إلى خامس ولدها فإن كان ذكراً نحروه وأكله الرجال والنساء، وإن كان أنثى بحروا أذنها، أي: شقوها وتركوها وحرم على النساء لبنها ومنافعها، وكانت منافعها خاصة للرجال، فإذا ماتت حلت للرجال والنساء .
وقيل: كانت الناقة إذا تابعت اثنتي عشرة سنة إناثاً سيبت فلم يركب ظهرها ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف، فما نتجت بعد ذلك من أنثى شق أذنها ثم خلي سبيلها مع أمها في الإبل، فلم تركب ولم يجز وبرها ولم يشرب لبنها إلا ضيف، كما فعل بأمها ، فهي البحيرة بنت السائبة .
وقال أبو عبيد : السائبة البعير الذي يسيب، وذلك أن الرجل من أهل الجاهلية كان إذا مرض وغاب له قريب نذر فقال إن شفاني الله تعالى أو شفي مريض أو رد غائبي فناقتي هذه سائبة، ثم يسيبها فلا تحبس عن رعي ولا ماء ولا يركبها أحد فكانت بمنزلة البحيرة .
وقال علقمه : هو العبد يسيب على أن لا ولاء عليه ولا عقل ولا ميراث.وقال صلى الله عليه وسلم: " إنما الولاء لمن أعتق" .
والسائبة فاعلة بمعنى المفعولة، وهي المسيبة، كقوله تعالى " ماء دافق " أي: مدفوق " عيشة راضية " .
وأما الوصيلة: فمن الغنم كانت الشاة إذا ولدت سبعة أبطن نظروا فإن كان السابع ذكرأ ذبحوه فأكل منه الرجال والنساء، وإن كانت انثى تركوها في الغنم وإن كان ذكراً وأنثى استحيوا الذكر من أجل الأنثى، وقالوا: وصلت أخاها فلم يذبحوه، وكان لبن الأنثى حراماً على النساء، فإن مات منها شيء أكله الرجال والنساء جميعا .
وأما الحام: فهو الفحل إذا ركب ولده، ويقال: إذا نتج من صلبه عشرة أبطن ، قالوا حمي ظهره فلا يركب ولا يحمل عليه ولا يمنع من كلأ ولا ماء، فإذا مات أكله الرجال والنساء .
أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسانعن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب قال: البحيرة التي يمنح درها للطواغيت فلا يحلبها أحد من الناس، والسائبة كانوا يسيبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء .
قال أبو هريرة: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " رأيت عمر بن عامر الخزاعي يجر قصبة في النار ، وكان أول من سيب السوائب " .
روى محمد بن إسحاق عن محمد بن إبراهيم التيميعن أبي صالح السمان عن أبي هريرة]:قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لاكثم بن جون الخزاعي: "يا أكثم رأيت عمرو بن لحي بن قمعة [بن خندق] يجر قصبه في النار فما رأيت من رجل أشبه برجل منك به ولا به منك وذلك أنه أول من غير دين إسماعيل ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة، ووصل الوصيلة وحمى الحام، فلقد رأيته في النار يؤذي أهل النار بريح قصبه ، فقال أكثم: أيضرني شبهه يا رسول الله ؟ فقال : لا إنك مؤمن وهو كافر" .
قوله عز وجل: " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب "، في قولهم الله أمرنا بها " وأكثرهم لا يعقلون " .
103"ما جعل الله من بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام" رد وإنكار لما ابتدعه أهل الجاهلية وهو أنهم إذا نتجت الناقة خمسة أبطن آخرها ذكر بحروا أذنها أي شقوها وخلوا سبيلها، فلا تركب ولا تحلب، وكان الرجل منهم يقول:إن شفيت فناقتي سائبة ويجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها، وإذا ولدت الشاة أنثى فهي لهم وإن ولدت ذكراً فهو لألهتهم وإن ولدتهما قالت وصلت الأنثى أخاها فلا يذبح لها الذكر، وإذا نتجت من صلب الفحل عشرة أبطن حرموا ظهره ولم يمنعوه من ماء ولا مرعى وقالوا: قد حمي ظهره، ومعنى ما جعل ما شرع ووضع، ولذلك تعدى إلى مفعول واحد وهو البحيرة ومن مزيدة. " ولكن الذين كفروا يفترون على الله الكذب " بتحريم ذلك ونسبته إلى الله سبحانه وتعالى. "وأكثرهم لا يعقلون" أي الحلال من الحرام والمبيح من المحرم، أو الأمر من الناهي ولكنهم يقلدون كبارهم وفيه أن منهم من يعرف بطلان ذلك ولكن يمنعهم حب الرياسة وتقليد الآباء أن يعترفوا به.
103. Allah hath not appointed anything in the nature of a Bahirah or a Saibah or a Wasilah or a Hami, but those who disbelieve invent a lie against Allah. Most of them have no sense.
103 - It was not God who instituted (superstitions like those of) a slit ear she camel, or a she camel let loose for free pasture, or idol sacrifice for free pasture, or idol sacrifice for twin births in animals, or stallion camels freed from work it is blasphemers who invent a lie against God; but most of them lack wisdom.