101 - ونزل لما أكثروا سؤاله صلى الله عليه وسلم (يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد) تظهر (لكم تسؤكم) لما فيها من المشقة (وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن) في زمن النبي صلى الله عليه وسلم (تبد لكم) المعنى إذا سألتم عن أشياء في زمنه ينزل القرآن بإبدائها ومتى أبداها ساءتكم فلا تسألوا عنها قد (عفا الله عنها) عن مسألتكم فلا تعودوا (والله غفور حليم)
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا الآية ك روى البخاري عن انس بن مالك خطب النبي صلى الله عليه وسلم خطبة فقال رجل من أبي قال فلان فنزلت هذه الآية لا تسألوا عن أشياء الآية وروى أيضا عن ابن عباس قال كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء فيقول الرجل من أبى ويقول الرجل تضل ناقته أين ناقتي فأنزل الله فيهم هذه الآية يا ايها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء حتى فرغ من الآية كلها
وأخرج ابن جرير مثله من حديث أبي هريرة وروى احمد والترمذي والحاكم عن علي قال لما نزلت ولله على الناس حج البيت قالوا يا رسول الله في كل عام فسكت قالوا يا رسول الله في كل عام قال لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل الله لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم
وأخرج ابن جرير مثله من حديث أبي هريرة وأبي أمامة وابن عباس قال الحافظ ابن حجر لا مانع أن تكون نزلت في الأمرين وحديث ابن عباس في ذلك أصح اسنادا
قال أبو جعفر: ذكر أن هذه الآية أنزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب مسائل كان يسألها إياه أقوام، امتحاناً له أحياناً، واستهزاءً أحياناً . فيقول له بعضهم: من أبي؟ ويقول له بعضهم إذا ضلت ناقته: أين ناقتي؟ فقال لهم تعالى ذكره: لا تسألوا عن أشياء من ذلك، كمسألة عبد الله بن حذافة إياه من أبوه، "إن تبد لكم تسؤكم"، يقول: إن أبدينا لكم حقيقة ما تسألون عنه، ساءكم إبدأؤها وإظهارها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك تظاهرت الأخبار عن أصحاب وسول الله صلى الله عليه وسلم.
ذكر الرواية بذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا حفص بن بغيل قال، حدثنا زهير بن معاوية قال، حدثنا أبو الجويرية قال، قال ابن عباس لأعرابي من بني سليم: هل تدري فيما أنزلت هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"؟ حتى فرغ من الآية، فقال: كان قوم يسألون رسولصلى الله عليه وسلم استهزاء، فيقول الرجل من أبي؟، والرجل تضل ناقته فيقول: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية.
حدثني محمد بن المثنى قال، حدثنا أبو عامر وأبو داود قالا، حدثنا هشام، عن قتادة، عن أنس قال: سأل الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة، فصعد المنبر ذات يوم فقال: "لا تسألوني عن شيء إلا بينت لكم"! قال أنس: فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فأرى كل إنسان لافاً ثوبه يبكي، فانشأ رجل كان إذا لاحى يدعى إلى غير أبيه، فقال: يا رسول الله، من أبي؟ فقال: أبوك حذافة! قال: فأنشأ عمر فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، وأعوذ بالله من سوء الفتن! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم له: لم أر الشر والخير كاليوم قط! إنه صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط. وكان قتادة يذكر هذا الحديث عند هذه الاية: "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".
حدثني محمد بن معمر البحراني قال، حدثنا روح بن عبادة قال، حدثنا شعبة قال، أخبرني موسى بن أنس قال، سمعت أنساً يقول، قال رجل: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك فلان! قال: فنزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".
حدثنا بشر بن معاذ قال، حدثنا يزيد بن زريع قال، حدثنا سعيد، عن قتادة في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، قال: فحدثنا أن أنس بن مالك حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة، فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر فقال: "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم"! فاشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يديه أمر قد حضر، فجعلت لا ألتفت يميناً ولا شمالاً إلا وجدت كلاً لافاً رأسه في ثوبه يبكي. فانشأ رجل كان يلاحى فيدعى إلى غير أبيه، فقال: يا نبي الله، من أبي؟ قال: أبوك حذافة! قال: ثم قام عمر-أو قال: فأنشأ عمر-فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، عائذاً بالله -أو قال: أعوذ بالله -من سوء الفتن! قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم أر في الخير والشر كاليوم قط، صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط.
حدثنا أحمد بن هشام وسفيان بن وكيع قالا، حدثنا معاذ بن معاذ قال، حدثنا ابن عون، قال: سألت عكرمة مولى ابن عباس عن قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، قال: ذاك يوم قام فيهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم به"! قال: فقام رجل، فكره المسلمون مقامه يومئذ، فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك حذافة، قال: فنزلت هذه الآية.
حدثنا الحسن بن يحيى قال، أخبرنا عبد الرزاق قال، أخبرنا معمر، عن ابن طاوس، عن أبيه قال: نزلت: "لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، في رجل قال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك فلان.
حدثنا القاسم قال، حدثنا الحسين قال، حدثني سفيان، عن معمر، عن قتادة قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم حتى أكثروا عليه، فقام مغضباً خطيباً فقال: "سلوني، فوالله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي إلا حدثتكم "! فقام رجل فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة. واشتد غضبه وقال: سلوني! فلما رأى الناس ذلك كثر بكاؤهم، فجثا عمر على ركبتيه فقال: رضينا بالله رباً- قال معمر، قال الزهري، قال أنس مثل ذلك: فجثا عمر على ركبتيه- فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمدصلى الله عليه وسلم رسولاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما والذي نفسي بيده، لقد صورت لي الجنة والنار آنفا في عرض هذا الحائط، فلم أر كاليوم في الخير والشر". قال الزهري، فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولداً أعق منك قط! أتأمن أن تكون أمك قارفت ما قارف أهل الجاهلية فتفضحها على رؤوس الناس!! فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما من الأيام، فقام خطيباً فقال: "سلوني، فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنباتكم به"! فقام إليه رجل من قريش، من بني سهم، يقال له عبد الله بن حذافة، وكان يطعن فيه، قال: فقال: يا رسول الله، من أبي؟ قال: أبوك فلان! فدعاه لأبيه. فقام إليه عمر فقبل رجله وقال: يا رسول الله، رضينا بالله رباً، وبك نبياً، وبالإسلام ديناً، وبالقرآن إماماً، فاعف عنا عفا الله عنك! فلم يزل به حتى رضي فيومئذ قال: "الولد للفراش وللعاهر الحجر".
حدثني الحارث قال، حدثنا عبد العزيز قال، حدثنا قيس ، عن أبي حصين، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان محمار وجهه، حتى جلس على المنبر، فقام إليه رجل فقال: أين أبي؟ قال: في النار، فقام آخر فقال: من أبي؟ قال: أبوك حذافة! فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً وبالقران إماماً، إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك، والله يعلم من آباؤنا! قال: فسكن غضبه، ونزلت: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".
وقال آخرون: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله عليه وسلم من أجل مسألة سائل سأله عن شيء في أمر أمر الحج.
ذكر من قال ذلك:
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا منصور بن وردان الأسدي قال، حدثنا علي بن عبد الأعلى قال: لما نزلت هذه الآية: "ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا"[آل عمران : 97]، قالوا: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فسكت. ثم قالوا: أفي كل عام؟ فسكت. ثم قال: لا، ولو قلت نعم لوجبت! فانزل الله هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".
حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبد الرحيم بن سليمان، عن إبراهيم بن مسلم الهجري، عن أبي عياض، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله كتب عليكم الحج"! فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله؟ فأعرض عنه، حتى عاد مرتين أو ثلاثاً، فقال: من السائل؟ فقال: فلان! فقال: والذي نفسي بيده، لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت عليكم ما أطقتموه، ولو تركتموه لكفرتم! فأنزل الله هذه الآية: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، حتى آخر الآية.
حدثني محمد بن علي بن الحسن بن شقيق قال، سمعت أبي قال، أخبرنا الحسين بن واقد، عن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:يا أيها الناس، كتب الله عليكم الحج. فقام محصن الأسدي فقال: أفي كل عام، يا رسول الله؟ فقال: أما إني لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ثم تركتم لضللتم، اسكتوا عني ما سكت عنكم، فإنما هلك من كان قبلكم بسؤالهم واختلافهم على أنبيائهم! فأنزل الله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، إلى آخر الآية.
حدثنا ابن حميد قال، حدثنا يحيى بن واضح قال، حدثنا الحسين بن واقد، عن محمد ابن زياد قال: سمعت أبا هريرة يقول: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر مثله، إلا أنه قال: فقام عكاشة بن محصن الأسدي.
حدثنا زكريا بن يحيى بن أبان المصري قال، حدثنا أبو زيد عبد الرحمن بن أبي الغمر قال، حدثنا أبو مطيع معاوية بن يحيى، عن صفوان بن عمرو قال، حدثني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: كتب عليكم الحج! فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام؟ قال فغلق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسكت، واستغضب، فمكث طويلاً ثم تكلم فقال: من السائل؟ فقال الأعرابي: أنا ذا! فقال: ويحك! ماذا يؤمنك أن أقول نعم!، ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لكفرتم! ألا إنه إنما أهلك الذين قبلكم أئمة الحرج، والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض، وحرمت عليكم منها موضع خف، لوقعتم فيه! قال: فأنزل الله تعالى عند ذلك: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء"، إلى آخر الآية.
حدثني محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس فقال: يا قوم، كتب عليكم الحج! فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله، أفي كل عام؟ فأغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضبا شديداً فقال: والذي نفس محمد بيده، لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، وإذاً لكفرتم، فاتركوني ما تركتكم، فإذا أمرتكم بشيء فافعلوا، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه! فأنزل الله تبارك وتعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت النصارى من المائدة، فأصبحوا بها كافرين. فنهى الله تعالى ذكره عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا، فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبدالله بن صالح قال، حدثني معاوية بن صالح قال، حدثنا علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم"، قال: لما أنزلت آية الحج، نادى النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال: يا أيها الناس، إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا. فقالوا: يا رسول الله ، أعاماً واحداً أم كل عام؟ فقال: لا، بل عاماً واحداً، ولو قلت كل عام، لوجبت، ولو وجبت لكفرت . ثم قال الله تعالى ذكره: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، قال: سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أشياء، فوعظهم فانتهوا.
حدثني محمد بن عمرو قال، حدثنا أبوعاصم، عن عيسى، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم"، قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الحج، فقيل: أواجب هو يا رسول الله كل عام؟ قال: لا، لو قلتها لوجبت، ولو وجبت ما أطقتم، ولو لم تطيقوا لكفرتم. ثم قال: سلوني، فلا يسألني رجل في مجلسي هذا عن شيء إلا أخبرته، وإن سألني عن أبيه! فقام إليه رجل فقال. من أبي؟ قال: أبوك حذافة بن قيس. فقام عمر فقال: يا رسول الله، رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً، ونعوذ بالله من غضبه وغضب رسوله.
وقال آخرون: بل نزلت هذه الآية من أجل أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي.
ذكر من قال ذلك:
حدثني إسحق بن إبراهيم بن حبيب بن الشهيد قال، حدثنا عتاب بن بشير، عن خصيف، عن مجاهد، عن ابن عباس: "لا تسألوا عن أشياء"، قال: هي البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي، ألا ترى أنه يقول بعد ذلك ما جعل الله من كذا ولا كذا؟. قال: وأما عكرمة فإنه قال: إنهم كانوا يسألونه عن الآيات، فنهوا عن ذلك. ثم قال: "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين". قال: فقلت قد حدثني مجاهد بخلاف هذا عن ابن عباس، فما لك تقول هذا؟ فقال: هيه.
حدثنا ابن وكيع قال، حدثنا يزيد بن هرون ، عن ابن عون عن عكرمة قال: هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي، وقال سعيد بن جبير: هم الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة.
قال أبو جعفر: وأولى الأقوال بالصواب في ذلك، قول من قال: نزلت هذه الآية من أجل إكثار السائلين رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل، كمسألة ابن حذيفة إياه من أبوه، ومسألة سائله إذ قال: إن الله فرض عليكم الحج، أفي كل عام؟ وما أشبه ذلك من المسائل، لتظاهر الأخبار بذلك عن الصحابة والتابعين وعامة أهل التأويل.
وأما القول الذي رواه مجاهد عن ابن عباس، فقول غير بعيد من الصواب، ولكن الأخبار المتظاهرة عن الصحابة والتابعين بخلافه، وكرهنا القول به من أجل ذلك. على أنه غير مستنكر أن تكون المسالة عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحامي كانت فيما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم من المسائل التي كره الله لهم السؤال عنها، كما كره الله لهم المسألة عن الحج: أكل عام هو، أم عاماً واحداً؟ وكما كره لعبد الله بن حذافة مسألته عن أبيه، فنزلت الآية بالنهي عن المسائل كلها، فأخبر كل مخبر منهم ببعض ما نزلت الآية من أجله، وأجل غيره.
وهذا القول أولى الأقوال في ذلك عندي بالصحة، لأن مخارج الأخبار بجميع المعاني التي ذكرت صحاح، فتوجيهها إلى الصواب من وجوهها أولى.
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره للذين نهاهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسألة رسول الله صلى الله عليه وسلم عما نهاهم عن مسألتهم إياه عنه، من فرائض لم يفرضها الله عليهم، وتحليل أمور لم يحللها لهم، وتحريم أشياء لم يحرمها عليهم قبل نزول القرآن بذلك: أيها المؤمنون السائلون عما سألوا عنه رسولي مما لم أنزل به كتاباً ولا وحياً، لا تسألوا عنه، فإنكم إن أظهر ذلك لكم تبيان بوحي وتنزيل ساءكم، لأن التنزيل بذلك إذا جاءكم إنما يجيئكم بما فيه امتحانكم واختباركم، إما بإيجاب عمل عليكم ولزوم فرض لكم، وفي ذلك عليكم مشقة ولزوم مؤونة وكلفة، وإما بتحريم ما لو لم يأتكم بتحريمه وحي، كنتم من التقدم عليه في فسحة وسعة، وإما بتحليل ما تعتقدون تحريمه، وفي ذلك لكم مساءة لنقلكم عما كنتم ترونه حقاً إلى ما كنتم ترونه باطلاً، ولكنكم إن سألتم عنها بعد نزول القرآن بها، وبعد ابتدائكم ببيان أمرها في كتابي إلى رسولي إليكم، ليسر عليكم ما أنزلته إليه من بيان كتاب ، وتأويل تنزيلي ووحيي.
وذلك نظير الخبر الذي روي عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي:
حدثنا به هناد بن السري قال، حدثنا أبو معاوية، عن داود بن أبي هند، عن مكحول، عن أبي ثعلبة الخشني قال: إن الله تعالى ذكره فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها.
حدثنا هناد قال، حدثنا ابن أبي زائدة قال، أخبرنا ابن جريج، عن عطاء قال: كان عبيد بن عمير يقول: إن الله تعالى أحل وحرم، فما أحل فاستحلوه، وما حرم فاجتنبوه، وترك من ذلك أشياء لم يحلها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله عفاه. ثم يتلو: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم".
حدثنا ابن المثنى قال، حدثنا الضحاك قال، أخبرنا ابن جريج قال، أخبرني عطاء، عن عبيد بن عمير أنه كان يقول: إن الله حرم وأحل، ثم ذكر نحوه.
وأما قوله: "عفا الله عنها"، فإنه يعني به: عفا الله لكم عن مسألتكم عن الأشياء التي سألتم عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي كره الله لكم مسألتكم إياه عنها أن يؤاخذكم بها، أو يعاقبكم عليها، إذ عرف منها توبتكم وإنابتكم، "والله غفور"، يقول: والله ساتر ذنوب من تاب منها، فتارك أن يفضحه في الآخرة، حليم ذو أناة عن أن يعاقبه بها، لتغمده التائب منها برحمته، وعفوه عن عقوبته عليها.
وبنحو الذي قلنا في ذلك، روي الخبر عن ابن عباس الذي ذكرناه آنفا، وذلك ما:
حدثني به محمد بن سعد قال، حدثني أبي قال، حدثني عمي قال، حدثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس: "لا تسألوا عن أشياء"، يقول: لا تسألو! عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك، ولكن انتظروا، فإذا نزل القران فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم تبيانه.
فيه عشر مسائل:
الأولى - روى البخاري ومسلم وغيرهما -واللفظ للبخاري- عن أنس قال:
قال رجل يا نبي الله من أبي ؟ قال: أبوك فلان فنزلت " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " الآية وخرج أيضاً عن أنس "عن النبي صلى الله عليه وسلم وفيه:
فوالله لا تسألوني عن شيء لا أخبرتكم به ما دمت في مقامي هذا " فقام إليه رجل فقال : أين مدخلي يا رسول الله ؟ قال النار . فقام عبد الله بن حذافة فقال : من أبي يا رسول الله فقال: أبوك حذافة وذكر الحديث قال ابن عبد البر : عبد الله بن حذافة أسلم قديماً وهاجر إلى أرض الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدراً وكانت فيه دعابة وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسله إلى كسرى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما قال من أبي يا رسول الله قال : أبوك حذافة قالت له أمة: ما سمعت بابن أعق منك آمنت أن تكون أمك قارفت ما يقارف نساء الجاهلية فتفضحها على أعين الناس فقال : والله لو ألحقني بعبد أسود للحقت به وروى الترمذي والدارقطني عن علي رضي الله عنه قال:
لما نزلت هذه الآية " ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا " [ آل عمران : 97] قالوا: يا رسول الله في أفي كل عام ؟ فسكت فقالوا: أفي كل عام؟ قال:" لا ولو قلت نعم ولجبت " فأنزل الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " إلى آخر الآية واللفظ للدارقطني سئل البخاري عن هذا الحديث فقال : هو حديث حسن إلا أنه مرسل أبو البختري لم يدرك علياً واسمه سعيد . وأخرجه الدارقطني أيضاً عن أبي عياض "عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
يا آيها الناس كتب عليكم الحج فقام رجل فقال: في كل عام يا رسول الله فأعرض عنه فقال: في كل عام يا رسول الله فقال: ومن القائل قالوا: فلان قال: والذي نفسي بيده لو قلت نعم لوجبت ولو وجبت ما أطقتموها ولو لم تطيقوها لكفرتم " فأنزل الله تعالى " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " الآية وقال الحسن البصري في هذه الآية : سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أمور الجاهلية التي عفا الله عنها، ولا وجه للسؤال عما عفا الله عنه ، وروى مجاهد عن ابن عباس أنها نزلت في قوم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحام وهو قول سعيد بن جبير، وقال : ألا ترى أن بعده ما جعل الله في بحيرة ولا سائبة ولا وصيلة ولا حام.
قلت: وهي الصحيح والمسند كفاية، ويحتمل أن تكون الآية نزلت جواباً للجميع فيكون السؤال قريباً بعضه عن بعض، والله أعل وأشياء وزنه أفعال ولم يصرف لأنه مشبه بحمراء قال الكسائي: وقيل: وزنه أفعلاء كقولك: هين وأهوناء عن الفراء والأخفش ويصغر فيقال: أشياء قال المازني: يجب أن يصغر شييآت كما يصغر أصدقاء يفي المؤنث صديقات وفي المذكر صديقون .
الثانية - قال ابن عون: سألت نافعاً عن قوله تعالى :" لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " فقال: لم تزل المسائل منذ قط تكره روى مسلم عن المغيرة بن شعبة "عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البناء ومنعاً وهات وكره لم ثلاثاً قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال " قال كثير من العلماء: المراد بقوله وكثرة السؤال التكثير من السؤال في المسائل الفقهية تنطعاً وتكلفاً فيما لم ينزل، والأغلوطات وتشقيق المولدات، وقد كان السلف يكرهون ذلك ويرونه من التكليف ويقولون: إذا نزلت النازلة وفق المسؤول له قال مالك: أدركت أهل هذا البلد وما عندهم علم غيره الكتاب والسنة فإذا نزلت نازلة جمع الأمير لها من حضر من العلماء فما اتفقوا عليه أنفذه، وأنتم تكثرون المسائل وقد كرهها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقيل المراد بكثرة المسائل كثرة سؤال الناس عن الأموال والحوائج إلحاحاً واستكثاراً وقاله أيضاً مالك: وقيل : المراد بكثرة المسائل السؤال عما لا يعني من أحوال الناس بحيث يؤدي ذلك إلى كشف عوراتهم والاطلاع على مساوئهم وهذا مثل قوله تعالى :" ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا" [الحجرات: 12] قال ابن خويز منداد: ولذلك قال بعض أصحابنا متى قدم إليه طعام لم سأل عنه من أين هذا أو عرض عليه شيء يشتريه لم يسأل من أين هو ، وحمل أمور المسلمين على السلامة والصحة.
قلت: والوجه حمل الحديث على عمومه فيتناول جميع تلك الوجوه كلها، والله أعلم
الثالثة- قال ابن العربي: اعتقد قوم من الغافلين تحريم أسئلة النوازل حتى تقع تعلقاً بهذه الآية وليس كذلك لأن هذه الآية مصرحة بأن السؤال المنهي عنه إنما كان فيما تقع المساءة في جوابه، ولا مساءة في جواب نوازل الوقت فافترقا .
قلت: اعتقد قوم من الغافلين فيه قبح ، وإنما كان الأولى به أن يقول: ذهب قوم إلى تحريم أسئلة النوازل، لكنه جرى على عادته، وإنما قلنا كان أولى له لأنه قد كان قوم من السلف يكرهها، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن ذكره الدارمي في مسنده وذكر عن الزهري قال : بلغنا أن زيد بن ثابت الأنصارى كان يقول إذا سئل عن الأمر: أكان هذا ؟ فإن قالوا: نعم قد كان حدث فيه بالذي يعلم وإن قالوا: لم يكن فذوره حتى يكون وأسند عن عمار بن ياسر وقد سئل عن مسئلة فقال: هل كان هذا بعد؟ قالوا: لا قال : دعونا حتى يكون فإذا كان تجشمناها لكم قال الدارمي: حدثنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة قال حدثنا ابن فضيل عن عطاء ابن عباس قال: ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسئلة حتى قبض كلهن في القرآن منهم " يسألونك عن الشهر الحرام " [ البقرة : 217] "ويسألونك عن المحيض " [البقرة: 222] وشبهه ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم .
الرابعة -قال ابن عبد البر: السؤال اليوم لا يخاف منه أن ينزل تحريم ولا تحليل من أجله فمن سأل مستفهماً راغباً في العلم ونفى الجهل عن نفسه، باحثاً عن معنى يجب الوقوف في الديانة عليه فلا بأس به فشفاء العي السؤال، ومن سأل متعنتاً غير متفقه ولا متعلم فهو الذي لا يحل قليل سؤاله ولا كثيره قال ابن العربي: الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط الأدلة وإيضاح سبل النظر، وتحصيل مقدما الاجتهاد وإعداد الآلة المعينة على الاستمداد، فإذا عرضت نازلة أتيت من بابها، ونشدت في مظانها والله يفتح في صوابها .
الخامسة - قوله تعالى :" وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم " فيه غموض وذلك أنفي ذلك أول الآية النهي عن السؤال ثم قال : " وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم " فأباحة لهم فقيل: المعنى وإن تسألوا عن غيرها فيما مست الحاجة إليه فحذف المضاف، ولا يصح حمله على غير الحذف قال الجرجاني : الكناية في عنها ترجع إلى أشياء أخر كقوله تعالى : " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين " يعني آدم ثم قال " ثم جعلناه نطفة " [ المؤمنون: 12-13] أي ابن آدم لان آدم لم يحمل نطفة في قرار مكين لكن لما ذكر الإنسان وهو آدم دل على إنسان مثله وعرف ذلك بقرينة الحل فالمعنى وإن تسألوا عن أشياء حين ينزل القرآن من تحليل أو تحريم أو حكم، أو مست حاجتكم إلى التفسير فإذا سألتم فحينئذ تبد لكم فقد أباح هذا النوع من السؤال: ومثاله أنه بين عدة المطلقة المتوفى عنها زوج والحامل لم يجر ذكر عدة التي ليست بذات قرء بذات ولا حامل فسألوه فنزل " واللائي يئسن من المحيض " [ الطلاق : 4] فالنهي إذا في شيء لم يكن بهم حاجة إلى السؤال فيه فأما ما مست الحاجة إليه فلا .
السادسة - قوله تعالى :" عفا الله عنها " ] عن المسئلة التي سلفت منهم وقيل عن الأشياء التي سألوا عنها من أمور الجاهلية وما جرى مجراها وقيل: العفو بمعنى الترك أي تركها ولم يعرف بها في حلال ولا حرام فهو معفو عنها فلا تبحثوا عنه فلعله إن ظهر لكم حكمه ساءكم وكان عبيد بن عمير يقول: إن الله أحل وحرم فما أحل فما أحل فاستحلوه وما حرم فاجتنبوه وترك بين ذلك أشياء لم يحللها ولم يحرمها فذلك عفو من الله ثم يتلوا هذه الآية وخرج الدارقطني عن أبي ثعلبة الخشني قال "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها وحرم حرمات فلا تنتهكوها وحد حدوداً فلا تعتدوها وسكت عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها" والكلام على هذا التقدير فيه تقديم وتأخير أي لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها إن تبد لكم تسؤكم أي أمسك عن ذكرها فلم يوجب فيها حكماً وقيل : ليس تقديم ولا تأخير بل لمعنى قد عفا الله عن مسألتكم التي سلفت وإن كرهها النبي صلى الله عليه وسلم فلا تعدوا لأمثالها فقوله : عنها أي عن المسئلة أو عن السؤالات كما ذكرناه :
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم "قل" يا محمد "لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك" أي يا أيها الإنسان "كثرة الخبيث" يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار, كما جاء في الحديث "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" وقال أبوالقاسم البغوي في معجمه: حدثنا أحمد بن زهير, حدثنا الحوطي, حدثنا محمد بن شعيب, حدثنا معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد عن القاسم, عن أبي أمامة أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله, ادع الله أن يرزقني مالاً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قليل تؤدي شكره, خير من كثير لا تطيقه" "فاتقوا الله يا أولي الألباب" أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة, وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به, لعلكم تفلحون, أي في الدنيا والاخرة .
ثم قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين, ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها, لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها, كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً, إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" وقال البخاري: حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي, حدثنا أبي, حدثنا شعبة عن موسى بن أنس, عن أنس بن مالك قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط, وقال فيها "لو تعلمون ما أعلم, لضحكتم قليلاً, ولبكيتم كثيراً". قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم حنين, فقال رجل: من أبي ؟ قال "فلان" فنزلت هذه الاية "لا تسألوا عن أشياء" رواه النضر وروح بن عبادة عن شعبة, وقد رواه البخاري في غير هذا الموضع, ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة بن الحجاج به.
وقال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة في قوله "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, قال : فحدثنا أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة, فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر, فقال "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم" فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر, فجعلت لا ألتفت يميناً ولا شمالاً إلا وجدت كلاً لافاً رأسه في ثوبه يبكي, فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه, فقال: يا نبي الله, من أبي ؟ قال "أبوك حذافة". قال: ثم قام عمر ـ أو قال: فأنشأ عمر ـ فقال: رضينا بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً عائذاً بالله ـ أو قال: أعوذ بالله من شر الفتن ـ قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم أر في الخير والشر كاليوم قط, صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط", أخرجاه من طريق سعيد, ورواه معمر عن الزهري, عن أنس بنحو ذلك, أو قريباً منه. قال الزهري: فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولداً أعق منك قط, أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية, فتفضحها على رؤوس الناس ؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا قيس عن أبي حصين, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان, محمار وجهه, حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين أبي ؟ قال: "في النار", فقام آخر فقال: من أبي ؟ فقال " أبوك حذافة", فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً, وبالقرآن إماماً, إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك, والله أعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه, ونزلت هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, إسناده جيد, وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف, منهم أسباط عن السدي أنه قال في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام, فقام خطيباً فقال "سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به" فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة, وكان يطعن فيه, فقال: يا رسول الله, من أبي ؟ فقال: أبوك فلان, فدعاه لأبيه, فقام إليه عمر بن الخطاب, فقبل رجله وقال: يا رسول الله, رضينا بالله رباً, وبك نبياً, وبالإسلام ديناً, وبالقرآن إماماً, فاعف عنا عفا الله عنك, فلم يزل به حتى رضي فيومئذ قال "الولد للفراش, وللعاهر الحجر" .
ثم قال البخاري: حدثنا الفضل بن سهل, حدثنا أبو النضر, حدثنا أبو خيثمة, حدثنا أبو الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء, فيقول الرجل: من أبي ؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" حتى فرغ من الاية كلها, تفرد به البخاري. وقال الإمام أحمد: حدثنا منصور بن وردان الأسدي, حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه, عن أبي البختري وهو سعيد بن فيروز, عن علي قال: لما نزلت هذه الاية "و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً" قالوا: يا رسول الله, أفي كل عام ؟ فسكت, فقالوا: أفي كل عام ؟ فسكت, قال: ثم قالوا: أفي كل عام ؟ فقال "لا", ولو قلت: نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم فأنزل الله "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, وكذا رواه الترمذي وابن ماجة من طريق منصور بن وردان به, وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه, وسمعت البخاري يقول: أبوالبختري لم يدرك علياً.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن إبراهيم بن مسلم الهجري, عن أبي عياض, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله كتب عليكم الحج" فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثاً, فقال "من السائل ؟" فقال: فلان, فقال "والذي نفسي بيده, لو قلت: نعم لوجبت, ولو وجبت عليكم ما أطقتموه, ولو تركتموه لكفرتم", فأنزل الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" حتى ختم الاية, ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد عن محمد بن زياد, عن أبي هريرة وقال: فقام محصن الأسدي,وفي رواية من هذه الطريق عكاشة بن محصن, وهو أشبه, وإبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري, حدثنا أبو يزيد عبد الرحمن أبي الغمر, حدثنا ابن مطيع معاوية بن يحيى عن صفوان بن عمرو, حدثني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس, فقال "كتب عليكم الحج" فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام ؟ قال: فغلق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسكت, وأغضب واستغضب, ومكث طويلاً, ثم تكلم فقال "من السائل ؟" فقال الأعرابي: أناذا, فقال "ويحك ماذا يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت: نعم لو جبت, ولو وجبت لكفرتم, ألا إنه إنما أهلك الذين من قبلكم أئمة الحرج, والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض وحرمت عليكم منها موضع خف, لوقعتم فيه" قال: فأنزل الله عند ذلك "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" إلى آخر الاية, في إسناده ضعف, وظاهر الاية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته, فالأولى الإعراض عنها وتركها, وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا حجاج قال: سمعت إسرائيل بن يونس, عن الوليد بن أبي هاشم مولى الهمداني, عن زيد بن زائد, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً, فإني أحب أي أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" الحديث, وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث إسرائيل, قال أبو داود عن الوليد, وقال الترمذي عن إسرائيل عن السدي, عن الوليد بن أبي هاشم به, ثم قال الترمذي: غريب من هذا الوجه .
وقوله تعالى: "وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" أي وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين لكم "وذلك على الله يسير", ثم قال "عفا الله عنها" أي عما كان منكم قبل ذلك "والله غفور حليم". وقيل: المراد بقوله "وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" أي لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها, فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق, وقد ورد في الحديث "أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم, فحرم من أجل مسألته" ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها, تبيت لكم حينئذ لاحتياجكم إليها, "عفا الله عنها" أي ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه, فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها, وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ذروني ما تركتكم, فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" وفي الحديث الصحيح أيضاً "أن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها, وحد حدوداً فلا تعتدوها, وحرم أشياء فلا تنتهكوها, وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها".
ثم قال تعالى: "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" أي قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم من قبلكم فأجيبوا عنها, ثم لم يؤمنوا بها, فأصبحوا بها كافرين أي بسببها, أي بينت لهم فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد. وقال العوفي: عن ابن عباس في الاية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس فقال "يا قوم كتب عليكم الحج" فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله, أفي كل عام ؟ فأغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً, فقال "والذي نفسي بيده, لو قلت: نعم لوجبت, ولو وجبت ما استطعتم, وإذاً لكفرتم, فاتركوني ما تركتكم, وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا, وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه" فأنزل هذه الاية, نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت عنه النصارى من المائدة, فأصبحوا بها كافرين, فنهى الله عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك,ولكن انتظروا, فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم بيانه, رواه ابن جرير.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" قال: لما نزلت آية الحج, نادى النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال "يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا" فقالوا: يا رسول الله, أعاماً واحداً, أم كل عام ؟ فقال "لا بل عاماً واحداً, ولو قلت: كل عام لوجبت, ولو وجبت لكفرتم". ثم قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء" إلى قوله "ثم أصبحوا بها كافرين" رواه ابن جرير. وقال خصيف, عن مجاهد, عن ابن عباس "لا تسألوا عن أشياء" قال: هي البحيرة والوصيلة والسائبة والحام, ألا ترى أنه قال بعدها "ما جعل الله من بحيرة" ولا كذا ولا كذا, قال: وأما عكرمة فقال: إنهم كانوا يسألونه عن الايات فنهوا عن ذلك, ثم قال "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" رواه ابن جرير, يعني عكرمة رحمه الله أن المراد من هذا النهي عن سؤال وقوع الايات كما سألت قريش أن يجري لهم أنهاراً, وأن يجعل لهم الصفا ذهباً وغير ذلك, وكما سألت اليهود أن ينزل عليهم كتاباً من السماء. وقد قال الله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " وقال تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون * ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون ".
قوله: 101- "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" أي لا تسألوا عن أشياء لا حاجة لكم بالسؤال عنها ولا هي مما يعنيكم في أمر دينكم، فقوله: "إن تبد لكم تسؤكم" في محل جر صفة لأشياء: أي لا تسألوا عن أشياء متصفة بهذه الصفة من كونها إذا بدت لكم: أي ظهرت وكلفتم بها ساءتكم، نهاهم الله عن كثرة مساءلتهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن السؤال عما لا يعني ولا تدعو إليه حاجة قد يكون سبباً لإيجابه على السائل وعلى غيره. قوله: "وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" هذه الجملة من جملة صفة أشياء. والمعنى: لا تسألوا عن أشياء أن تسألوا عنها حين ينزل القرآن، وذلك مع وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم ونزول الوحي عليه "تبد لكم" أي تظهر لكم بما يجيب عليكم به النبي صلى الله عليه وسلم، أو ينزل به الوحي فيكون ذلك سبباً للتكاليف الشاقة وإيجاب ما لم يكن واجباً وتحريم ما لم يكن محرماً، بخلاف السؤال عنها بعد انقطاع الوحي بموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لا إيجاب ولا تحريم يتسبب عن السؤال.
وقد ظن بعض أهل التفسير أن الشرطية الثانية فيها إباحة السؤال مع وجود رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه، فقال: إن الشرطية الأولى أفادت عدم جواز السؤال، والثانية أفادت جوازه، فقال إن المعنى: وإن تسألوا عن غيرها مما مست إليه الحاجة تبد لكم بجواب رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها، وجعل الضمير في "عنها" راجعاً إلى أشياء غير الأشياء المذكورة، وجعل ذلك كقوله: "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" وهو آدم، ثم قال: "ثم جعلناه نطفة" أي ابن آدم. قوله: "عفا الله عنها" أي عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا إلى ذلك. وقيل المعنى: إن تلك الأشياء التي سألتم عنها هي مما عفا عنه ولم يوجبه عليكم، فكيف تتسببون بالسؤال لإيجاب ما هو عفو من الله غير لازم؟ وضمير "عنها" عائد إلى المسألة الأولى، وإلى أشياء على الثاني على أن تكون جملة "عفا الله عنها" صفة ثالثة لأشياء، والأول أولى، لأن الثاني يستلزم أن يكون ذلك المسؤول عنه قد شرعه الله ثم عفا عنه، ويمكن أن يقال إن العفو بمعنى الترك: أي تركها الله ولم يذكرها بشيء فلا تبحثوا عنها، وهذا معنى صحيح لا يستلزم ذلك اللازم الباطل، ثم جاء سبحانه بصيغة المبالغة في كونه غفوراً حليماً ليدل بذلك على أنه لا يعاجل من عصاه بالعقوبة لكثرة مغفرته وسعة حلمه.
101- قوله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " ،الآية أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا حفص بن عمر أنا هشام عن قتادة عن أنس رضي الله عنه : "سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أحفوه بالمسألة ، فغضب فصعد المنبر فقال : لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم فجعلت أنظر يميناً وشمالاً فإذا كل رجل لاف رأسه في ثوبه يبكي ، فإذا رجل كان إذا لا حى الرجال يدعى لغير أبيه ، فقال : يا رسول الله من أبي؟ قال: حذافة : ثم أنشأ عمر، فقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، نعوذ بالله من الفتن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما رأيت في الخير والشر كاليوم قط، إني صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما وراء الحائط "، وكان قتادة يذكر عند هذا الحديث هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " .
قال يونس عن ابن شهاب :أخبرني عيد الله بن عبد الله قال: قالت أم عبد الله بن حذافة لعبد الله بن حذافة: ما سمعت بابن قط أعمق منك، أأمنت أن تكون أمك قد قارفت بعض ما تقارف نساء أهل الجاهلية فتفضحها على أعين الناس؟ قال عبد الله بن حذافة والله لو الحقني بعبد أسود للحقته. وروي عن عمر قال: يا رسول الله إنا حديثو عهد بجاهلية فاعف عنا يعف الله سبحانه وتعالى عنك، فسكن غضبه.
أخبرنا عبد الواحد المليحي أنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أنا محمد بن إسماعيل أنا الفضل بن سهل أخبرنا أبو النضر أنا أبو خيثمة أنا أبو جويرية عن ابن عباس قال:كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاءً، فيقول الرجل: من أبي؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي؟ فأنزل الله فيهم هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم " حتى فرغ من الآية كلها .وروي عن علي رضي الله عنه قال:" لما نزلت: " ولله على الناس حج البيت " قال رجل: يا رسول الله أفي كل عام فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثاً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت ما استطعتم، فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه "، فأنزل الله تعالى: " يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" أي: إن تظهر لكم تسؤكم،أي: إن أمرتم بالعمل بها فإن من سأل عن الحج لم يأمن أن يؤمر به في كل عام فيسوءه،ومن سأل عن نسبه لم يأمن من أن يلحقه بغيره فيفتضح .
وقال مجاهد : نزلت حين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البحيرة والسائبة والوصيلة والحمام، ألا تراه ذكرها بعد ذلك؟ " وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم "، / معناه صبرتم حتى ينزل القرآن بحكم من فرض أو نهى أو حكم، وليس في ظاهره شرح ما بكم إليه حاجة ومست حاجاتكم إلية، فإذا سألتم عنها حينئذ تبد لكم ،" عفا الله عنها والله غفور حليم "
101" يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم " الشرطية وما عطف عليها صفتان لأشياء والمعنى: لا تسألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أشياء إن تظهر لكم تغمكم وإن تسألوا عنها في زمان الوحي تظهر لكم، وهما كمقدمتين تنتجان ما يمنع السؤال وهو أنه مما يغمهم والعاقل لا يفعل ما يغمه، وأشياء اسم جمع كطرفاء غير أنه قلبت لامه فجعلت لفعاء. وقيل أفعلاء حذفت لامه جمع لشيء على أن أصله شيء كهين، أو شيء كصديق فخفف. وقيل أفعال جمع له من غير تغيير كبيت وأبيات ويرده منع صرفه. "عفا الله عنها" صفة أخرى أي عن أشياء عفا الله عنها ولم يكلف بها. إذ روي أنه "لما نزلت "ولله على الناس حج البيت" قال سراقة بن مالك: أكل عام فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد ثلاثاً فقال: لا ولو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لما استطعتم فاتركوني ما تركتكم فنزلت "أو استئناف أي عفا الله عما سلف من مسألتكم فلا تعودوا لمثلها. "والله غفور حليم" لا يعاجلكم بعقوبة ما يفرط منكم، ويعفوا عن كثير وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما "أنه عليه الصلاة والسلام كان يخطب ذات يوم وهو غضبان من كثرة ما يسألون عنه مما لا يعنيهم فقال: لا أسأل عن شيء إلا أجبت، فقال رجل: أين أبي فقال في النار، وقال آخر من أبي فقال: حذافة وكان يدعى لغيره فنزلت".
101. O ye who believe! Ask not of things which, if they were made known unto you, would trouble you; but if ye ask of them when the Qur'an is being revealed, they will be made known unto you. Allah pardoneth this, for Allah is Forgiving, Clement.
101 - Ye who believe ask not questions about things which, if made plain to you, may cause you trouble. but if ye ask about things when the Quran is being revealed, they will be made plain to you, God will forgive those: for God is oft forgiving most forbearing.