100 - (قل لا يستوي الخبيث) الحرام (والطيب) الحلال (ولو أعجبك) أي سرك (كثرة الخبيث فاتقوا الله) في تركه (يا أولي الألباب لعلكم تفلحون) تفوزون
قوله تعالى قل لا يستوي الآية أخرج الواحدي والأصبهاني في الترغيب عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر تحريم الخمر فقام أعرابي فقال إني كنت رجلا كانت هذه تجارتي فاعتقبت منها مالا فهل ينفع ذلك المال بطاعة الله تعالى فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله لا يقبل إلا الطيب فأنزل الله تعالى تصديقا لرسوله صلى الله عليه وسلم قل لايستوي الخبيث والطيب الآية
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم، قل. يا محمد: لا يعتدل الرديء والجيد، والصالح والطالح، والمطيع والعاصي، "ولو أعجبك كثرة الخبيث"، يقول : لا يعتدل العاصي والمطيع لله عند الله، ولو كثر أهل المعاصي فعجبت من كثرتهم، لأن أهل طاعة الله هم المفلحون الفائزون بثواب الله يوم القيامة وإن قلوا، دون أهل معصيته، وإن أهل معاصيه هم الأخسرون الخائبون وإن كثروا.
يقول تعالى ذكره لنبيه صلى الله عليه وسلم: فلا تعجبن من كثرة من يعصي الله فيمهله ولا يعاجله بالعقوبة، فإن العقبى الصالحة لأهل طاعة الله عنده دونهم، كما:
حدثني محمد بن الحسين قال، حدثنا أحمد بن مفضل قال، حدثنا أسباط، عن السدي، "لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث"، قال: الخبيث، هم المشركون، والطيب، هم المؤمنون.
وهذا الكلام وإن كان مخرجه مخرج الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فالمراد به بعض أتباعه، يدل على ذلك قوله: "فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون". قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره: واتقوا الله بطاعته فيما أمركم ونهاكم، واحذروا أن يستحوذ عليكم الشيطان بإعجابكم كثرة الخبيث، فتصيروا منهم، "يا أولي الألباب"، يعني بذلك أهل العقول والحجى الذين عملوا عن الله آياته، وعرفوا مواقع حججه، "لعلكم تفلحون"، يقول: اتقوا الله لتفلحوا، أي: كي تنجحوا في طلبكم ما عنده.
قوله تعالى : " قل لا يستوي الخبيث والطيب " فيه ثلاث مسائل :
الأولى - قال الحسن: الخبيث والطيب الحلال والحرام وقال السدي: المؤمن والكافر وقيل: المطيع والعاصي وقيل: الرديء والجيد : وهذا على ضرب المثال والصحيح أن اللفظ عام في جميع الأمور، يتصور في المكاسب والأعمال والناس والمعارف من العلوم وغيرها فالخبيث من هذا كله لا يفلح ولا ينجب ولا تحسن له عاقبة وإن كثر والطيب وإن قل نافع جميل العاقبة قال الله تعالى :" والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا" [ الأعراف: 58] ونظير هذه الآية قوله تعالى:" أم نجعل الذين آمنوا وعملوا الصالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتقين كالفجار " [ ص : 28] وقوله : " أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات" [ الجاثية : 21[ فالخبيث لا يساوي الطيب مقداراً ولا إنفاقاً ولا مكاناً ولا ذهباً فالطيب جهة اليمين والخبيث يأخذ جهة الشمال والطيب في الجنة والخبيث في النار وهذا بين وحقيقة الاستواء الاستمرار في جهة واحدة، ومثله الاستقامة وضدها الاعوجاج ولا كان هذا وهي :
الثانية - قال بعض علمائنا: إن البيع الفاسد يفسخ ولا يمضي بحوالة وسق ولا بتغير بدن، فيستوي في إمضائه مع البيع الصحيح، بل يفسخ أبداً ويرد الثمن على المبتاع إن كان قبضه وإن تلف في يده ضمنه لأنه لم يقبضه على الأمانة وإما قبضه بشبهة عقد وقيل: لا يفسخ نظرا إلى أن البيع إذا فسخ ورد بعد الفوت يكون فيه ضرر وغبن على البائع فتكون السلعة تساوي مائة وترد عليه وهي تساوي عشرين ولا عقوبة في الأموال والأول أصح الآية و"لقوله عليه السلام:
من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"
وإذا تتبع هذا المعنى في عدم الاستواء في مسائل الفقه تعددت وكثرت فمن ذلك الغاضب وهي:
الثالث- إذا بنى في البقعة المغصوبة أو غرس فإنه يلزم قلع ذلك البناء والغرس لأنه خبيث ودرها خلافاً لأبي حنيفة في قوله: لا يقلع ويأخذ صاحبها القيمة وهذا يرده "قوله عليه السلام:
ليس لعرق ظالم حق " قال هشام: العرق الظالم أن يغرس الرجل في أرض غيره ليستحقها بذلك قال مالك: العرق الظالم كل ما أخذ واحتقر وغرس في غير حق قال مالك : من غصب أرضاً فزرعها أو أكراها، أو داراً فسكنها أو أكراها ثم استحقها ربها أن على الغاصب كراء ما سكن ورد ما أخذ في الكراء واختلف قوله إذا لم يسكنها أو يزرع الأرض وعطلها فالمشهورة من مذهبه أنه ليس عيه فيه شيء وقد روي عنه أنه عليه كراء ذلك كله واختاره الوقار وهو مذهب الشافعي "لقوله عليه السلام: ليس لعرق ظالم حق " وروى أبو داود عن أبي الزبير أن رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم غرس أحدهما نخلاً في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال : فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصلوها بالفؤس حتى أخرجت منها وإنها لنخل عم وهذا نص قال ابن حبيب: والحكم فيه أن يكون صاحب الأرض مخيراً على الظالم إن شاء حبس ذلك في أرضه بقيمته مقلوعاً وإن شاء نزعه من أرضه وأجر النزع على الغاضب وروى الدارقطني "عن عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
من بنى في رباع قوم بإذنهم فله القيمة ومن بنى بغير إذنهم فله النقض " قال علماؤنا : إنما تكون له القيمة لأنه بنى في موضع يملك منفعته وذلك كمن بنى أو غرس بشبهة فله حق إن شاء رب المال أن يدفع إليه قيمته قائماً وإن أبى قيل للذي بنى أو غرس : ادفع إليه قيمة أرضه براحًا فإن أبى كانا شريكن قال ابن الماجشون: وتفسير اشتراكهما أن تقوم الأرض براحاً ثم تقوم بعمارتها فما زادت قيمتها بالعمارة على قيمتها براحاً كان العامل شريكاً لرب الأرض فيها إن أحبا قسماً أو حبسا قال ابن الجهم: فإذا دفع رب الأرض قيمة العمارة وأخذ أرضه كان له كراؤها فيما مضى من السنين وقد روي عن ابن القاسم وغيره أنه إذا بنى رجل في أرض رجل بإذنه ثم وجب له إخراجه فإنه يعطيه قيمة بنائه مقلوعاً والأول أصح لقوله عليه السلام:" فله القيمة " وعليه أكثر الفقهاء .
الرابعة -قوله تعالى :" ولو أعجبك كثرة الخبيث " قيل: الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمراد أمته، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعجبه الخبيث وقيل: المراد به النبي صلى الله عليه وسلم نفسه، وإعجابه له أنه صار عنده عجباً مما يشاهده من كثرة الكفار والمال الحرام وقلة المؤمنين والمال الحلال " فاتقوا الله يا أولي الألباب لعلكم تفلحون " تقدم معناه .
يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم "قل" يا محمد "لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك" أي يا أيها الإنسان "كثرة الخبيث" يعني أن القليل الحلال النافع خير من الكثير الحرام الضار, كما جاء في الحديث "ما قل وكفى خير مما كثر وألهى" وقال أبوالقاسم البغوي في معجمه: حدثنا أحمد بن زهير, حدثنا الحوطي, حدثنا محمد بن شعيب, حدثنا معان بن رفاعة عن أبي عبد الملك علي بن يزيد عن القاسم, عن أبي أمامة أن ثعلبة بن حاطب الأنصاري قال: يا رسول الله, ادع الله أن يرزقني مالاً, فقال النبي صلى الله عليه وسلم "قليل تؤدي شكره, خير من كثير لا تطيقه" "فاتقوا الله يا أولي الألباب" أي يا ذوي العقول الصحيحة المستقيمة, وتجنبوا الحرام ودعوه واقنعوا بالحلال واكتفوا به, لعلكم تفلحون, أي في الدنيا والاخرة .
ثم قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" هذا تأديب من الله تعالى لعباده المؤمنين, ونهي لهم عن أن يسألوا عن أشياء مما لا فائدة لهم في السؤال والتنقيب عنها, لأنها إن أظهرت لهم تلك الأمور ربما ساءتهم وشق عليهم سماعها, كما جاء في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً, إني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" وقال البخاري: حدثنا منذر بن الوليد بن عبد الرحمن الجارودي, حدثنا أبي, حدثنا شعبة عن موسى بن أنس, عن أنس بن مالك قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة ما سمعت مثلها قط, وقال فيها "لو تعلمون ما أعلم, لضحكتم قليلاً, ولبكيتم كثيراً". قال: فغطى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم لهم حنين, فقال رجل: من أبي ؟ قال "فلان" فنزلت هذه الاية "لا تسألوا عن أشياء" رواه النضر وروح بن عبادة عن شعبة, وقد رواه البخاري في غير هذا الموضع, ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي من طرق عن شعبة بن الحجاج به.
وقال ابن جرير: حدثنا بشر, حدثنا يزيد, حدثنا سعيد عن قتادة في قوله "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, قال : فحدثنا أن أنس بن مالك حدثه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه حتى أحفوه بالمسألة, فخرج عليهم ذات يوم فصعد المنبر, فقال "لا تسألوني اليوم عن شيء إلا بينته لكم" فأشفق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يكون بين يدي أمر قد حضر, فجعلت لا ألتفت يميناً ولا شمالاً إلا وجدت كلاً لافاً رأسه في ثوبه يبكي, فأنشأ رجل كان يلاحي فيدعى إلى غير أبيه, فقال: يا نبي الله, من أبي ؟ قال "أبوك حذافة". قال: ثم قام عمر ـ أو قال: فأنشأ عمر ـ فقال: رضينا بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد رسولاً عائذاً بالله ـ أو قال: أعوذ بالله من شر الفتن ـ قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لم أر في الخير والشر كاليوم قط, صورت لي الجنة والنار حتى رأيتهما دون الحائط", أخرجاه من طريق سعيد, ورواه معمر عن الزهري, عن أنس بنحو ذلك, أو قريباً منه. قال الزهري: فقالت أم عبد الله بن حذافة: ما رأيت ولداً أعق منك قط, أكنت تأمن أن تكون أمك قد قارفت ما قارف أهل الجاهلية, فتفضحها على رؤوس الناس ؟ فقال: والله لو ألحقني بعبد أسود للحقته.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثنا الحارث, حدثنا عبد العزيز, حدثنا قيس عن أبي حصين, عن أبي صالح, عن أبي هريرة قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غضبان, محمار وجهه, حتى جلس على المنبر فقام إليه رجل فقال: أين أبي ؟ قال: "في النار", فقام آخر فقال: من أبي ؟ فقال " أبوك حذافة", فقام عمر بن الخطاب فقال: رضينا بالله رباً, وبالإسلام ديناً, وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبياً, وبالقرآن إماماً, إنا يا رسول الله حديثو عهد بجاهلية وشرك, والله أعلم من آباؤنا. قال: فسكن غضبه, ونزلت هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, إسناده جيد, وقد ذكر هذه القصة مرسلة غير واحد من السلف, منهم أسباط عن السدي أنه قال في قوله تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" قال: غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام, فقام خطيباً فقال "سلوني فإنكم لا تسألوني عن شيء إلا أنبأتكم به" فقام إليه رجل من قريش من بني سهم يقال له عبد الله بن حذافة, وكان يطعن فيه, فقال: يا رسول الله, من أبي ؟ فقال: أبوك فلان, فدعاه لأبيه, فقام إليه عمر بن الخطاب, فقبل رجله وقال: يا رسول الله, رضينا بالله رباً, وبك نبياً, وبالإسلام ديناً, وبالقرآن إماماً, فاعف عنا عفا الله عنك, فلم يزل به حتى رضي فيومئذ قال "الولد للفراش, وللعاهر الحجر" .
ثم قال البخاري: حدثنا الفضل بن سهل, حدثنا أبو النضر, حدثنا أبو خيثمة, حدثنا أبو الجويرية عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان قوم يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم استهزاء, فيقول الرجل: من أبي ؟ ويقول الرجل تضل ناقته: أين ناقتي ؟ فأنزل الله فيهم هذه الاية "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" حتى فرغ من الاية كلها, تفرد به البخاري. وقال الإمام أحمد: حدثنا منصور بن وردان الأسدي, حدثنا علي بن عبد الأعلى عن أبيه, عن أبي البختري وهو سعيد بن فيروز, عن علي قال: لما نزلت هذه الاية "و لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً" قالوا: يا رسول الله, أفي كل عام ؟ فسكت, فقالوا: أفي كل عام ؟ فسكت, قال: ثم قالوا: أفي كل عام ؟ فقال "لا", ولو قلت: نعم لوجبت ولو وجبت لما استطعتم فأنزل الله "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" الاية, وكذا رواه الترمذي وابن ماجة من طريق منصور بن وردان به, وقال الترمذي: غريب من هذا الوجه, وسمعت البخاري يقول: أبوالبختري لم يدرك علياً.
وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن إبراهيم بن مسلم الهجري, عن أبي عياض, عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن الله كتب عليكم الحج" فقال رجل: أفي كل عام يا رسول الله ؟ فأعرض عنه حتى عاد مرتين أو ثلاثاً, فقال "من السائل ؟" فقال: فلان, فقال "والذي نفسي بيده, لو قلت: نعم لوجبت, ولو وجبت عليكم ما أطقتموه, ولو تركتموه لكفرتم", فأنزل الله عز وجل: "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" حتى ختم الاية, ثم رواه ابن جرير من طريق الحسين بن واقد عن محمد بن زياد, عن أبي هريرة وقال: فقام محصن الأسدي,وفي رواية من هذه الطريق عكاشة بن محصن, وهو أشبه, وإبراهيم بن مسلم الهجري ضعيف.
وقال ابن جرير أيضاً: حدثني زكريا بن يحيى بن أبان المصري, حدثنا أبو يزيد عبد الرحمن أبي الغمر, حدثنا ابن مطيع معاوية بن يحيى عن صفوان بن عمرو, حدثني سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة الباهلي يقول: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس, فقال "كتب عليكم الحج" فقام رجل من الأعراب فقال: أفي كل عام ؟ قال: فغلق كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأسكت, وأغضب واستغضب, ومكث طويلاً, ثم تكلم فقال "من السائل ؟" فقال الأعرابي: أناذا, فقال "ويحك ماذا يؤمنك أن أقول نعم ؟ والله لو قلت: نعم لو جبت, ولو وجبت لكفرتم, ألا إنه إنما أهلك الذين من قبلكم أئمة الحرج, والله لو أني أحللت لكم جميع ما في الأرض وحرمت عليكم منها موضع خف, لوقعتم فيه" قال: فأنزل الله عند ذلك "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم" إلى آخر الاية, في إسناده ضعف, وظاهر الاية النهي عن السؤال عن الأشياء التي إذا علم بها الشخص ساءته, فالأولى الإعراض عنها وتركها, وما أحسن الحديث الذي رواه الإمام أحمد حيث قال: حدثنا حجاج قال: سمعت إسرائيل بن يونس, عن الوليد بن أبي هاشم مولى الهمداني, عن زيد بن زائد, عن عبد الله بن مسعود, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه "لا يبلغني أحد عن أحد شيئاً, فإني أحب أي أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" الحديث, وقد رواه أبو داود والترمذي من حديث إسرائيل, قال أبو داود عن الوليد, وقال الترمذي عن إسرائيل عن السدي, عن الوليد بن أبي هاشم به, ثم قال الترمذي: غريب من هذا الوجه .
وقوله تعالى: "وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" أي وإن تسألوا عن هذه الأشياء التي نهيتم عن السؤال عنها حين ينزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تبين لكم "وذلك على الله يسير", ثم قال "عفا الله عنها" أي عما كان منكم قبل ذلك "والله غفور حليم". وقيل: المراد بقوله "وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" أي لا تسألوا عن أشياء تستأنفون السؤال عنها, فلعله قد ينزل بسبب سؤالكم تشديد أو تضييق, وقد ورد في الحديث "أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم, فحرم من أجل مسألته" ولكن إذا نزل القرآن بها مجملة فسألتم عن بيانها, تبيت لكم حينئذ لاحتياجكم إليها, "عفا الله عنها" أي ما لم يذكره في كتابه فهو مما عفا عنه, فاسكتوا أنتم عنها كما سكت عنها, وفي الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال "ذروني ما تركتكم, فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم" وفي الحديث الصحيح أيضاً "أن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها, وحد حدوداً فلا تعتدوها, وحرم أشياء فلا تنتهكوها, وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تسألوا عنها".
ثم قال تعالى: "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" أي قد سأل هذه المسائل المنهي عنها قوم من قبلكم فأجيبوا عنها, ثم لم يؤمنوا بها, فأصبحوا بها كافرين أي بسببها, أي بينت لهم فلم ينتفعوا بها لأنهم لم يسألوا على وجه الاسترشاد بل على وجه الاستهزاء والعناد. وقال العوفي: عن ابن عباس في الاية: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن في الناس فقال "يا قوم كتب عليكم الحج" فقام رجل من بني أسد فقال: يا رسول الله, أفي كل عام ؟ فأغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم غضباً شديداً, فقال "والذي نفسي بيده, لو قلت: نعم لوجبت, ولو وجبت ما استطعتم, وإذاً لكفرتم, فاتركوني ما تركتكم, وإذا أمرتكم بشيء فافعلوا, وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا عنه" فأنزل هذه الاية, نهاهم أن يسألوا عن مثل الذي سألت عنه النصارى من المائدة, فأصبحوا بها كافرين, فنهى الله عن ذلك وقال: لا تسألوا عن أشياء إن نزل القرآن فيها بتغليظ ساءكم ذلك,ولكن انتظروا, فإذا نزل القرآن فإنكم لا تسألون عن شيء إلا وجدتم بيانه, رواه ابن جرير.
وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم" قال: لما نزلت آية الحج, نادى النبي صلى الله عليه وسلم في الناس فقال "يا أيها الناس إن الله قد كتب عليكم الحج فحجوا" فقالوا: يا رسول الله, أعاماً واحداً, أم كل عام ؟ فقال "لا بل عاماً واحداً, ولو قلت: كل عام لوجبت, ولو وجبت لكفرتم". ثم قال الله تعالى "يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء" إلى قوله "ثم أصبحوا بها كافرين" رواه ابن جرير. وقال خصيف, عن مجاهد, عن ابن عباس "لا تسألوا عن أشياء" قال: هي البحيرة والوصيلة والسائبة والحام, ألا ترى أنه قال بعدها "ما جعل الله من بحيرة" ولا كذا ولا كذا, قال: وأما عكرمة فقال: إنهم كانوا يسألونه عن الايات فنهوا عن ذلك, ثم قال "قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين" رواه ابن جرير, يعني عكرمة رحمه الله أن المراد من هذا النهي عن سؤال وقوع الايات كما سألت قريش أن يجري لهم أنهاراً, وأن يجعل لهم الصفا ذهباً وغير ذلك, وكما سألت اليهود أن ينزل عليهم كتاباً من السماء. وقد قال الله تعالى: " وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا " وقال تعالى: " وأقسموا بالله جهد أيمانهم لئن جاءتهم آية ليؤمنن بها قل إنما الآيات عند الله وما يشعركم أنها إذا جاءت لا يؤمنون * ونقلب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أول مرة ونذرهم في طغيانهم يعمهون * ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ولكن أكثرهم يجهلون ".
قيل المراد بالخبيث والطيب: الحرام والحلال، وقيل المؤمن والكافر، وقيل العاصي والمطيع، وقيل الرديء والجيد. والأولى أن الاعتبار بعموم اللفظ فيشمل هذه المذكورات وغيرها مما يتصف بوصف الخبث والطيب من الأشخاص والأعمال والأقوال، فالخبيث لا يساوي الطيب بحال من الأحوال. قوله: 100- "ولو أعجبك كثرة الخبيث" قيل الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، وقيل لكل مخاطب يصلح لخطابه بهذا. والمراد نفي الاستواء في كل الأحوال، ولو في حال كون الخبيث معجباً للرائي للكثرة التي فيه، فإن هذه الكثرة مع الخبيث في حكم العدم، لأن خبث الشيء يبطل فائدته، ويمحق بركته، ويذهب بمنفعته، والواو إما للحال أو للعطف على مقدر: أي لا يستوي الخبيث والطيب لو لم تعجبك كثرة الخبيث، ولو أعجبك كثرة الخبيث كقولك أحسن إلى فلان وإن أساء إليك: أي أحسن إليه إن لم يسيء إليك وإن أساء إليك، وجواب لو محذوف: أي ولو أعجبك كثرة الخبيث فلا يستويان.
100- " قل لا يستوي الخبيث والطيب " ، أي الحلال والحرام ، " ولو أعجبك " ، سرك " كثرة الخبيث " ، نزلت في شريح بن [ ضبيعة ] البكري ، وحجاج بن بكر بن وائل ، " فاتقوا الله " ولا تتعرضوا للحجاج وإن كانوا مشركين ، وقد مضت القصة في أول السورة ، " يا أولي الألباب لعلكم تفلحون " .
100" قل لا يستوي الخبيث والطيب " حكم عام في نفي المساواة عند الله سبحانه وتعالى بين الرديء من الأشخاص والأعمال والأموال وجيدها، رغب في مصالح العمل وحلال المال. "ولو أعجبك كثرة الخبيث" فإن العبرة بالجودة والرداءة دون القلة والكثرة، فإن المحمود القليل خير من المذموم الكثير، والخطاب لكل معتبر ولذلك قال: " فاتقوا الله يا أولي الألباب " أي فاتقوه في تحري الخبيث وإن كثر، وآثروا الطيب وإن قل. " لعلكم تفلحون " راجين أن تبلغوا الفلاح. روي: أنها نزلت في حجاج اليمامة لما هم المسلمين أن يوقعوا بهم فنهوا عنه وإن كانوا مشركين.
100. Say: The evil, and the good are not alike even though the plenty of the evil attract thee. So be mindful of your duty to Allah, O men of understanding, that ye may succeed.
100 - Say: not equal are things that are bad and things that are good, even though the abundance of the bad may dazzle thee; so fear God, O ye that understand; that (so) ye may prosper.