100 - (إنما سلطانه على الذين يتولونه) بطاعته (والذين هم به) أي الله (مشركون)
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : وإذا كنت يا محمد قارئاً القرآن ، فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم . وكان بعض أهل العربية يزعم أنه من المؤخر الذي معناه التقديم . وكأن معنى الكلام عنده : وإذا استعذت بالله من الشيطان الرجيم ، فاقرا القرآن ، ولا وجه لما قال من ذلك ، لأن ذلك لو كان كذلك لكان متى استعاذ مستعيذ من الشيطان الرجيم ، لزمه أن يقرأ القرآن ، ولكن معناه ما وصفنا ،وليس قوله "فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" بالأمر اللازم . وإنما هو إعلام وندب . وذلك أنه لا خلاف بين الجميع ، أن من قرأ القرآن ولم يستعذ بالله من الشيطان الرجيم . قبل قراءته أو بعدها أنه لم يضيع فرضاً واجباً . وكان ابن زيد يقول في ذلك نحو الذي قلنا .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قوله : "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" قال : فهذا دليل من الله تعالى دل عباده عليه .
وأما قوله : "إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون" فإنه يعني بذلك : إن الشيطان ليست له حجة على الذين آمنوا ورسوله ، وعملوا بما أمر الله به ، وانتهوا عما نهاه الله عنه "وعلى ربهم يتوكلون" يقول : وعلى ربهم يتوكلون فيما نابهم من مهمات أمورهم "إنما سلطانه على الذين يتولونه" يقول : إنما حجته على الذين يعبدونه "والذين هم به مشركون" يقول : والذين هم بالله مشركون .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال :حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثني شبل ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : "إنما سلطانه" قال : حجته .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، قوله "إنما سلطانه على الذين يتولونه" قال : يطيعونه .
واختلف أهل التأويل في المعنى الذي من أجله لم يسلط فيه الشيطان على المؤمن .
فقال بعضهم بما :
حدثت عن واقد بن سليمان ، عن سفيان ، في قوله "إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون" قال : ليس له سلطان على أن يحملهم على ذنب لا يغفر .
وقال آخرون : هو الاستعاذة ، فإنه إذا استعاذ بالله منع منه ، ولم يسلط عليه ، واستشهد لصحة قوله ذلك بقول الله تعالى (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) وقد ذكرنا الرواية بذلك في سورة الحجر .
وقال آخرون في ذلك ، بما :
حدثني به المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع ، في قوله : "إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون" إلى قوله : "والذين هم به مشركون" يقال : إن عدو الله إبليس قال ( لأغوينهم أجمعين * إلا عبادك منهم المخلصين ) فهؤلاء الذين لم يجعل للشيطان عليهم سبيل ، وإنما سلطانه على قوم اتخذوه ولياً وأشركوه في أعمالهم .
حدثني محمد بن سعد ، قال : حدثني ابي ، قال : حدثني عمي ، قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : "إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون" يقول : السلطان على من تولى الشيطان وعمل بمعصية الله .
حدثنا بشر ، قال : حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله "إنما سلطانه على الذين يتولونه" يقول : الذين يطيعونه ويعبدونه .
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب ، قول من قال : معناه : إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا ، فاستعاذوا بالله منه ، بما ندب الله تعالى ذكره من الاستعاذة "وعلى ربهم يتوكلون" على ما عرض لهم من خطراته ووساوسه .
وإنما قلنا : ذلك أولى التأويلات بالآية ، لأن الله تعالى ذكره أتبع هذا القول "فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم" وقال في موضع آخر :( وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه سميع عليم ) فكان بيناً بذلك أنه إنما ندب عباده إلى الاستعاذة منه في هذه الأحوال ليعيذهم من سلطانه .
وأما قوله : "والذين هم به مشركون" فإن أهل التأويل اختلفوا في تأويله ، فقال بعضهم فيه بما قلنا ، إن معناه : والذين هم بالله مشركون .
ذكر من قال ذلك :
حدثني محمد بن عمرو ، قال : حدثنا أبو عاصم ، قال : حدثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : حدثنا الحسن ، قال : حدثنا ورقاء ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا أبو حذيفة ، قال : حدثنا شبل ، وحدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله ، عن ورقاء ، جميعاً عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله "والذين هم به مشركون" قال : يعدلون برب العالمين .
حدثنا القاسم ، قال : حدثنا الحسين ، قال : حدثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد : "والذين هم به مشركون" قال : يعدلون بالله .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ ،قال : حدثنا عبيد بن سليمان ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله "والذين هم به مشركون" عدلوا إبليس بربهم ، فإنهم بالله مشركون .
وقال آخرون : معنى ذلك : والذين هم به مشركون ، أشركوا الشيطان في أعمالهم .
ذكر من قال ذلك :
حدثني المثنى ، قال : حدثنا إسحاق ، قال : حدثنا عبد الله بن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن الربيع : "والذين هم به مشركون" أشركوه في أعمالهم .
والقول الأول ، أعني قول مجاهد ، أولى القولين في ذلك بالصواب ، وذلك أن الذين يتولون الشيطان إنما يشركون بالله في عبادتهم وذبائحهم ومطاعمهم ومشاربهم ، لا أنهم يشركون بالشيطان . ولو كان معنى الكلام مما قاله الربيع ، لكان التنزيل : الذين هم مشركوه ، ولم يكن في الكلام به ، فكان يكون لو كان التنزيل كذلك ، والذي هم مشركوه في أعمالهم ، إلا أن يوجه موجه معنى الكلام ، إلى أن القوم كانوا يدينون بألوهة الشيطان ،ويشركون الله به في عبادتهم إياه ، فيصح حينئذ معنى الكلام ، ويخرج عما جاء التنزيل به في سائر القرآن ، وذلك أن الله تعالى وصف المشركين في سائر القرآن أنهم أشركوا بالله ، ما لم ينزل به عليهم سلطاناً ، وقال في كل موضع تقدم إليهم بالزجر عن ذلك : لا تشركوا بالله شيئاً ، ولم نجد في شيء من التنزيل : لا تشركوا الله بشيء ، ولا في شيء من القرآن ، خبراً من الله عنهم أنهم أشركوا الله بشيء ، فيجوز لنا توجيه معنى قوله "والذين هم به مشركون" إلى والذين هم بالشيطان مشركو الله ، فبين إذاً إذ كان ذلك كذلك ، أن الهاء في قوله "والذين هم به" عائدة على الرب في قوله "وعلى ربهم يتوكلون" .
قوله تعالى " إنما سلطانه على الذين يتولونه " أي يطيعونه يقال : توليته أي أطعته وتوليت عنه أي أعرضت عنه "والذين هم به مشركون " أي بالله ، قاله مجاهد والضحاك وقيل يرجع به إلى الشيطان قاله الربيع بن أنس والقتبي والمعنى : والذين هم من أجله مشركون يقال كفرت بهذه الكلمة ، أي من أجلها ، وصار فلان بك عالما ، أي من أجلك . أي والذي تولى الشيطان مشركون بالله .
هذا أمر من الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا قراءة القرآن أن يستعيذوا بالله من الشيطان الرجيم, وهذا أمر ندب ليس بواجب, حكى الإجماع على ذلك أبو جعفر بن جرير وغيره من الأئمة. وقد قدمنا الأحاديث الواردة في الاستعاذة مبسوطة في أول التفسير, ولله الحمد والمنة. والمعنى في الاستعاذة عند ابتداء القراءة لئلا يلبس على القارىء قراءته, ويخلط عليه ويمنعه من التدبر والتفكر, ولهذا ذهب الجمهور إلى أن الاستعاذة إنما تكون قبل التلاوة, وحكي عن حمزة وأبي حاتم السجستاني أنها تكون بعد التلاوة, واحتجا بهذه الاية, ونقل النووي في شرح المهذب مثل ذلك عن أبي هريرة أيضاً ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي والصحيح الأول لما تقدم من الأحاديث الدالة على تقدمها على التلاوة, والله أعلم.
وقوله: "إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون" قال الثوري: ليس له عليهم سلطان أن يوقعهم في ذنب لا يتوبون منه, وقال آخرون: معناه لا حجة له عليهم. وقال آخرون كقوله: "إلا عبادك منهم المخلصين", " إنما سلطانه على الذين يتولونه " قال مجاهد: يطيعونه, وقال آخرون: اتخذوه ولياً من دون الله "والذين هم به مشركون" أي أشركوا في عبادة الله تعالى. أي أشركوه في عبادة الله, ويحتمل أن تكون الباء سببة, أي صاروا بسبب طاعتهم للشيطان مشركين بالله تعالى. وقال آخرون: معناه أنه شركهم في الأموال والأولاد.
ثم حصر سبحانه سلطان الشيطان، فقال 100- "إنما سلطانه" أي تسلطه على الإغواء "على الذين يتولونه" أي يتخذونه ولياً ويطيعونه في وساوسه "والذين هم به مشركون" الضمير في به يرجع إلى الله تعالى: أي الذين هم بالله مشركون، وقيل يرجع إلى الشيطان، والمعنى: والذين هم من أجله وبسبب وسوسته مشركون بالله.
100 - " إنما سلطانه على الذين يتولونه " ، يطيعونه ويدخلون في ولايته ، " والذين هم به مشركون " ،أي : بالله مشركون . وقيل : الكناية راجعة إلى الشيطان ، ومجازه الذين هم من أجله مشركون بالله .
100."إنما سلطانه على الذين يتولونه"يحبونه ويطيعونه. "والذين هم به"بالله أو بسبب الشيطان "مشركون".
100. His power is only over those who make a friend of him, and those who ascribe partners unto Him (Allah).
100 - His authority is over those only, who take him as patron and who join partners with God.