100 - (وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله) بإرادته (ويجعل الرجس) العذاب (على الذين لا يعقلون) يتدبرون آيات الله
قال أبو جعفر: يقول تعالى ذكره لنبيه: وما كان لنفس خلقتها، من سبيل إلى تصديقك، يا محمد، إلا بأن آذن لها في ذلك، فلا تجهدن نفسك في طلب هداها، وبلغها وعيد الله، وعرفها ما أمرك ربك بتعريفها، ثم خلها، فإن هداها بيد خالقها.
وكان الثوري يقول في تأويل قوله: " إلا بإذن الله "، ما:
حدثني المثنى قال، حدثنا سويد قال، أخبرنا ابن المبارك ، عن سفيان في قوله: " وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله "، قال: بقضاء الله.
وأما قوله: " ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون "، فإنه يقول تعالى ذكره: إن الله يهدي من يشاء من خلقه للإيمان بك، يا محمد، ويأذن له في تصديقك فيصدقك، ويتبعك، ويقر بما جئت به من عند ربك، " ويجعل الرجس "، وهو العذاب وغضب الله، " على الذين لا يعقلون "، يعني: الذين لا يعقلون عن الله حججه ومواعظه وآياته التي دل بها جل ثناؤه على نبوة محمد صلى الله عليه وسلم، وحقيقة ما دعاهم إليه من توحيد الله، وخلع الأنداد والأوثان.
حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس قوله: " ويجعل الرجس "، قال: السخط.
قوله تعالى: "وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله" ما نفي، أي ما ينبغي أن تؤمن نفس إلا بقضائه وقدره ومشيئته وإرادته. "ويجعل الرجس" وقرأ الحسن وأبو بكر والمفضل ونجعل بالنون على التعظيم. والرجس: العذاب، بضم الراء وكسرها لغتان. "على الذين لا يعقلون" أمر الله عز وجل ونهيه.
يقول تعالى: "ولو شاء ربك" يا محمد لأذن لأهل الأرض كلهم في الإيمان بما جئتهم به فآمنوا كلهم ولكن له حكمة فيما يفعله تعالى كقوله تعالى: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين * إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين " وقال تعالى: "أفلم ييأس الذين آمنوا أن لو يشاء الله لهدى الناس جميعاً" ولهذا قال تعالى: "أفأنت تكره الناس" أي تلزمهم وتلجئهم "حتى يكونوا مؤمنين" أي ليس ذلك عليك ولا إليك بل الله "يضل من يشاء ويهدي من يشاء" "فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء" " لعلك باخع نفسك أن لا يكونوا مؤمنين " "إنك لا تهدي من أحببت" "فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب" " فذكر إنما أنت مذكر * لست عليهم بمصيطر " إلى غير ذلك من الايات الدالة على أن الله تعالى هو الفعال لما يريد الهادي من يشاء المضل لمن يشاء لعلمه وحكمته وعدله ولهذا قال تعالى: "وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله ويجعل الرجس" وهو الخبال والضلال "على الذين لا يعقلون" أي حجج الله وأدلته, وهو العادل في كل ذلك في هداية من هدى وإضلال من ضل.
ثم بين سبحانه ما تقدم بقوله: 100- "وما كان لنفس أن تؤمن إلا بإذن الله" أي ما صح وما استقام لنفس من الأنفس أن تؤمن بالله إلا بإذنه: أي بتسهيله وتيسيره ومشيئته لذلك فلا يقع غير ما يشاؤه كائناً ما كان "ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون" أي العذاب أو الكفر أو الخذلان الذي هو سبب العذاب. وقرأ الحسن وأبو بكر والمفضل ونجعل بالنون. وفي الرجس لغتان ضم الراء وكسرها، والمراد بالذين لا يعقلون: هم الكفار الذين لا يتعقلون حجج الله ولا يتفكرون في آياته ولا يتدبرونه فيما نصبه لهم من الأدلة.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن عساكر عن قتادة في قوله: "ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق" قال: بوأهم الله الشام وبيت المقدس. وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الضحاك قال: منازل صدق مصر والشام. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله: "فما اختلفوا حتى جاءهم العلم" قال: العلم كتاب الله الذي أنزله وأمره الذي أمرهم به. وقد ورد في الحديث أن اليهود اختلفوا على إحدى وسبعين فرقة، وأن النصارى اختلفوا على اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، وهو في السنن والمسانيد، والكلام فيه يطول. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والضياء في المختارة عن ابن عباس في قوله: "فإن كنت في شك" الآية، قال: لم يشك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسأل. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن قتادة: ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا أشك ولا أسأل. وهو مرسل. وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: " فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك " قال: التوراة والإنجيل الذين أدركوا محمداً من أهل الكتاب وآمنوا به، يقول: سلهم إن كنت في شك بأنك مكتوب عندهم. وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: "إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون" قال: حق عليهم سخط الله بما عصوه. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله: "فلولا كانت قرية آمنت" يقول: فما كانت قرية آمنت. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في الآية قال: لم يكن هذا في الأمم قبل قوم يونس لم ينفع قرية كفرت ثم آمنت حين عاينت العذاب إلا قوم يونس، فاستثنى الله قوم يونس. قال: وذكر لنا أن قوم يونس كانوا بنينوى من أرض الموصل، فلما فقدوا نبيهم قذف الله في قلوبهم التوبة فلبسوا المسوح وأخرجوا المواشي وفرقوا بين كل بهيمة وولدها، فعجوا إلى الله أربعين صباحاً، فلما عرف الله الصدق من قلوبهم والتوبة والندامة على ما مضى منهم كشف عنهم العذاب بعد ما تدلى عليهم لم يكن بينهم وبين العذاب إلا ميل. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن يونس دعا لقومه، فلما أبوا أن يجيبوه وعدهم العذاب، فقال: إنه يأتيكم يوم كذا وكذا، ثم خرج عنهم، وكانت الأنبياء إذا وعدت قومها العذاب خرجت، فلما أظلهم العذاب خرجوا ففرقوا بين المرأة وولدها، وبين السخلة وولدها، وخرجوا يعجون إلى الله، وعلم الله منهم الصدق فتاب عليهم وصرف عنهم العذاب، وقعد يونس في الطريق يسأل عن الخبر، فمر به رجل فقال: ما فعل قوم يونس؟ فحدثه بما صنعوا، فقال: لا أرجع إلى قوم قد كذبتهم، وانطلق مغاضباً: يعني مراغماً. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن سعيد بن جبير قال: غشي قوم يونس العذاب كما يغشى القبر بالثوب إذا دخل فيه صاحبه ومطرت السماء دماً. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير عن ابن عباس أن العذاب كان هبط على قوم يونس لم يكن بينهم وبينه إلا قدر ثلثي ميل، فلما دعوا كشفه الله عنهم. وأخرج أحمد في الزهد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن أبي الجلد قال: لما غشي قوم يونس العذاب مشوا إلى شيخ من بقية علمائهم، فقالوا له: ما ترى؟ قال: قولوا يا حي حين لا حي، ويا حي محيي الموتى، ويا حي لا إله إلا أنت، فقالوا فكشف عنهم العذاب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: "ويجعل الرجس" قال: السخط. وأخرج أبو الشيخ عن قتادة قال: الرجس: الشيطان، والرجس العذاب.
100-"وما كان لنفس"، وما ينبغي لنفس. وقيل: ما كانت نفس، "أن تؤمن إلا بإذن الله"، قال ابن عباس:بأمر الله. وقال عطاء: بمشيئة الله. وقيل: بعلم الله. "ويجعل الرجس"، قرأ أبو بكر: ونجعل بالنون، والباقون بالياء، أي: ويجعل الله الرجس أي: العذاب وهو الرجز، "على الذين لا يعقلون"، عن الله أمره ونهيه.
100."وما كان لنفس أن تؤمن" بالله."إلا بإذن الله" إلا بإرادته وألطافه وتوفيقه فلا تجهد نفسك في هداها فإنه إلى الله ." ويجعل الرجس" العذاب أو الخذلان فإن سببه .وقرئ بالزاي وقرأ أبو بكر(ونجعل)بالنون ."على الذين لا يعقلون" لا يستعملون عقولهم بالنظر في الحجج والآيات ، أو لا يعقلون دلائله وأحكامه لما على قلوبهم من الطبع ويؤيد الأول قوله:
100. It is not for any soul to believe save by the permission of Allah. He hath set uncleanness upon those who have no sense.
100 - No soul can believe, except by the will of God, and he will place doubt (or obscurity) on those who will not understand.