10 - (وألق عصاك) فألقاها (فلما رآها تهتز) تتحرك (كأنها جان) حية خفيفة (ولى مدبرا ولم يعقب) يرجع قال تعالى (يا موسى لا تخف) منها (إني لا يخاف لدي) عندي (المرسلون) من حية وغيرها
القول في تأويل قوله تعالى : " وألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون " .
قوله تعالى : " إني لا يخاف لدي المرسلون " وتم الكلام ثم استثنى استثناء منقطعاً فقال : " إلا من ظلم " . وقيل : إنه استثناء من محذوف ، والمعنى : إني لا يخاف لدي المرسلون وإنما يخاف غيرهم ممن ظلم " إلا من ظلم ثم بدل حسنا بعد سوء " فإنه لا يخاف ، قاله الفراء . قال النحاس : استثناء من محذوف محال ن لأنه استثناء من شيء لم يذكر ولو جاز هذا لجاز إني لأضرب القوم إلا زيداً بمعنى إني لا أضرب القوم وإنما أضرب غيرهم إلا زيداً ، وهذا ضد البيان ، والمجيء بما لا يعرف معناه . وزعم الفراء أيضاً : أن بعض النحويين يجعل إلا بمعنى الواو أي ولا من ظلم ، قال :
وكل أخ مفارقه أخوه لعمر أبيك إلا الفرقدان
وقال النحاس : وكون ( إلا ) بمعنى الواو لا وجه له ولا يجوز في شيء من الكلام ، ومعنى ( إلا ) خلاف الواو ، لأنك إذا قلت : جاءني إخوتك إلا زيداً أخرجت زيداً مما دخل فيه الإخوة فلا نسبة بينهما ولا تقارب . وفي الآية قول آخر : وهو أن يكون الاستثناء متصلاً ، والمعنى إلا من ظلم من المرسلين بإتيان الصغائر التي لا يسلم منها أحد ، سوى ما روي عن يحيى بن زكريا عليه السلام ، وما ذكره الله تعالى في نبينا عليه السلام في قوله : " ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر " [ الفتح : 2 ] ذكره المهدوي واختاره النحاس ، وقال : علم الله من عصى منهم [ يسر الخفية ] فاستثناه فقال .
يقول تعالى لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم مذكراً له ما كان من أمر موسى عليه السلام, كيف اصطفاه الله وكلمه وناجاه أعطاه من الايات العظيمة الباهرة والأدلة القاهرة, وابتعثه إلى فرعون وملئه, فجحدوا بها وكفروا واستكبروا عن اتباعه والانقياد له, فقال تعالى: "إذ قال موسى لأهله" أي اذكر حين سار موسى بأهله فأضل الطريق, وذلك في ليل وظلام, فآنس من جانب الطور ناراً, أي رأى ناراً تتأجج وتضطرم, فقال "لأهله إني آنست ناراً سآتيكم منها بخبر" أي عن الطريق " أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون " أي تستدفئون به وكان كما قال. فإنه رجع منها بخبر عظيم, واقتبس منها نوراً عظيماً, ولهذا قال تعالى: "فلما جاءها نودي أن بورك من في النار ومن حولها" أي فلما أتاها ورأى منظراً هائلاً عظيماً حيث انتهى إليها والنار تضطرم في شجرة خضراء لا تزداد النار إلا توقداً, ولا تزداد الشجرة إلا خضرة ونضرة, ثم رفع رأسه, فإذا نورها متصل بعنان السماء. قال ابن عباس وغيره: لم تكن ناراً, وإنما كانت نوراً يتوهج, وفي رواية عن ابن عباس : نور رب العالمين, فوقف موسى متعجباً مما رأى " نودي أن بورك من في النار ". قال ابن عباس : تقدس "ومن حولها" أي من الملائكة, قاله ابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير والحسن وقتادة .
وقال ابن أبي حاتم : حدثنا يونس بن حبيب , حدثنا أبو داود هو الطيالسي , حدثنا شعبة والمسعودي عن عمرو بن مرة , سمع أبا عبيدة يحدث عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام, يخفض القسط ويرفعه, يرفع إليه عمل الليل قبل النهار, وعمل النهار قبل الليل", زاد المسعودي "وحجابه النور أو النار, لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه كل شيء أدركه بصره". ثم قرأ أبو عبيدة "أن بورك من في النار ومن حولها" وأصل الحديث مخرج في صحيح مسلم من حديث عمرو بن مرة به. وقوله تعالى: "وسبحان الله رب العالمين" الذي يفعل ما يشاء, ولا يشبهه شيء من مخلوقاته, ولا يحيط به شيء من مصنوعاته, وهو العلي العظيم المباين لجميع المخلوقات, ولا تكتنفه الأرض والسموات, بل هو الأحد الصمد المنزه عن مماثلة المحدثات.
وقوله تعالى: "يا موسى إنه أنا الله العزيز الحكيم" أعلمه أن الذي يخاطبه ويناجيه هو ربه الله العزيز الذي عز كل شيء وقهره وغلبه, الحكيم في أقواله وأفعاله, ثم أمره أن يلقي عصاه من يده ليظهر له دليلاً واضحاً على أنه الفاعل المختار القادر على كل شيء, فلما ألقى موسى تلك العصا من يده انقلبت في الحال حية عظيمة هائلة في غاية الكبر وسرعة الحركة مع ذلك, ولهذا قال تعالى: "فلما رآها تهتز كأنها جان" والجان ضرب من الحيات أسرعه حركة وأكثره اضطراباً. وفي الحديث نهي عن قتل جنان البيوت, فلما عاين موسى ذلك "ولى مدبراً ولم يعقب" أي لم يلتفت من شدة فرقه "يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون" أي لا تخف مما ترى, فإني أريد أن أصطفيك رسولاً وأجعلك نبياً وجيهاً.
وقوله تعالى: "إلا من ظلم ثم بدل حسناً بعد سوء فإني غفور رحيم" هذا استنثاء منقطع وفيه بشارة عظيمة للبشر, وذلك أن من كان على عمل سيء ثم أقلع عنه ورجع وتاب وأناب, فإن الله يتوب عليه, كما قال تعالى: "وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى" وقال تعالى: "ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه" الاية, والايات في هذا كثيرة جداً. وقوله تعالى: "وأدخل يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء" هذه آية أخرى ودليل باهر على قدرة الله الفاعل المختار, وصدق من جعل له معجزة, وذلك أن الله تعالى أمره أن يدخل يده في جيب درعه, فإذا أدخلها وأخرجها خرجت بيضاء ساطعة كأنها قطعة قمر لها لمعان تتلألأ كالبرق الخاطف.
وقوله تعالى: "في تسع آيات" أي هاتان ثنتان من تسع آيات أؤيدك بهن وأجعلهن برهاناً لك إلى فرعون وقومه "إنهم كانوا قوماً فاسقين" وهذه هي الايات التسع التي قال الله تعالى: "ولقد آتينا موسى تسع آيات بينات" كما تقدم تقرير ذلك هنالك. وقوله تعالى: " فلما جاءتهم آياتنا مبصرة " أي بينة واضحة ظاهرة "قالوا هذا سحر مبين" وأرادوا معارضته بسحرهم, فغلبوا وانقلبوا صاغرين "وجحدوا بها" في ظاهر أمرهم "واستيقنتها أنفسهم" أي علموا في أنفسهم أنها حق من عند الله, ولكن جحدوها وعاندوها وكابروها "ظلماً وعلواً" أي ظلماً من أنفسهم سجية ملعونة, وعلواً أي استكباراً من اتباع الحق, ولهذا قال تعالى: "فانظر كيف كان عاقبة المفسدين" أي انظر يا محمد كيف كان عاقبة أمرهم في إهلاك الله إياهم, وإغراقهم عن آخرهم في صبيحة واحدة, وفحوى الخطاب يقول: احذروا أيها المكذبون لمحمد, الجاحدون لما جاء به من ربه, أن يصيبكم ما أصابهم بطريق الأولى والأحرى, فإن محمداً صلى الله عليه وسلم أشرف وأعظم من موسى, وبرهانه أدل وأقوى من برهان موسى بما آتاه الله من الدلائل المقترنة بوجوده في نفسه وشمائله, وما سبقه من البشارات من الأنبياء به, وأخذ المواثيق له, عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام.
وجملة 10- "وألق عصاك" معطوفة على بورك، وفي الكلام حذف، والتقدير فألقاها من يده فصارت حية "فلما رآها تهتز كأنها جان" قال الزجاج: صارت العصا تتحرك كما يتحرك الجان، وهي الحية البيضاء، وإنما شبهها بالجان في خفة حركتها، وشبهها في موضع آخر بالثعبان لعظمها، وجمع الجان جنان وهي الحية الخفيفة الصغيرة الجسم. وقال الكلبي: لا صغيرة ولا كبيرة "ولى مدبراً" من الخوف "ولم يعقب" أي لم يرجع: يقال عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب، وقيل لم يقف ولم يلتفت. والأول أولى، لأن التعقيب هو الكر بعد الفر، فلما وقع منه ذلك قال الله سبحانه: "يا موسى لا تخف" أي من الحية وضررها "إني لا يخاف لدي المرسلون" أي لا يخاف عندي من أرسلته برسالتي فلا تخف أنت. قيل ونفي الخوف عن المرسلين ليس في جميع الأوقات، بل في وقت الخطاب لهم لأنهم إذ ذاك مستغرقون.
ثم أرى موسى آية على قدرته، فقال:
10- "وألق عصاك فلما رآها تهتز"، تتحرك، "كأنها جان"، وهي الحية الصغيرة التي يكثر اضطرابها، "ولى مدبراً"، هرب من الخوف، "ولم يعقب"، لم يرجع، يقال: عقب فلان إذا رجع، وكل راجع معقب. وقال قتادة: ولم يلتفت، فقال الله عز وجل: "يا موسى لا تخف إني لا يخاف لدي المرسلون"، يريد إذا آمنتهم لا يخافون، أما الخوف الذي هو شرط الإيمان فلا يفارقهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أخشاكم لله".
10 -" وألق عصاك " عطف على " بورك " أي نودي أن بورك من في النار وأن ألق عصاك ، ويدل عليه قوله " وأن ألق عصاك " بعد قوله " أن يا موسى إني أنا الله " بتكرير أن . " فلما رآها تهتز " تتحرك باضطراب . " كأنها جان " حية خفيفة سريعة ، وقرئ (( جأن )) على لغة من جد في الهرب من التقاء الساكنين. " ولى مدبراً ولم يعقب " ولم لم يرجع من عقب المقاتل إذا كر بعد الفرار ، وإنما رعب لظنه أن ذلك الأمر أريد به ويدل عليه قوله : " يا موسى لا تخف " أي من غيري ثقة بي أو مطلقاً لقوله : " إني لا يخاف لدي المرسلون " أي حين يوحى إليهم من فرط الاستغراق فإنهم أخوف الناس أي من الله تعالى ، أو لا يكون لهم عندي سوء عاقبة فيخافون منه .
10. And throw down thy staff! But when he saw it writhing as it were a demon, he turned to flee headlong; (but it was said unto him): O Moses! Fear not! Lo! the emissaries fear not in My presence,
10 - Now do thou throw thy rod! But when he saw it moving (of its own accord) as if it had been a snake, he turned back in retreat, and retraced not his steps: O Moses! (it was said), Fear not: truly, in My presence, those called as apostles have no fear,