1 - (ن ) أحد حروف الهجاء الله أعلم بمراده به (والقلم) الذي كتب به الكائنات في اللوح المحفوظ (وما يسطرون) أي الملائكة من الخير والصلاح
اختلف أهل التأويل في تأويل قوله " ن " ، فقال بعضهم : هو الحوت الذي عليه الأرضون .
ذكره من قال ذلك :
حدثنا محمد بن المثنى ، قال ثنا ابن أبي عدي ، عن شعبة ، عن سليمان ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، قال : أول ما خلق الله من شيء القلم ، فجرى بما هو كائن ، ثم رفع بخار الماء ، فخلقت منه السموات ، ثم خلق النون فبسطت الأرض على ظهر النون ، فتحركت الأرض فمادت ، فأثبتت بالجبال ، فإن الجبال لتفخر على الأرض ، قال : وقرأ " ن والقلم وما يسطرون " .
حدثنا تميم بن المنتصر قال : ثنا إسحاق ، عن شريك ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، أو مجاهد عن أبي عباس ، بنحوه ، إلا أنه قال : ففتقت منه السموات .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا يحيى ، قال : ثنا سفيان ، قال : ثني سليمان ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس ، قال : ( أول ما خلق الله القلم ، قال : اكتب ، قال : ما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ، قال : فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة ، ثم خلق النون ، ورفع بخار الماء ، ففتقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النون ، فاضطرت النون ، فمادت الأرض ، فأثبت بالجبال ، فإنها لتفخر على الأرض .
حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، قال : ثنا محمد بن فضيل ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس قال : أول ما خلق الله من شيء القلم ، فقال له : اكتب ، فقال : وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ، قال فجرى القلم بما هو كائن من ذلك إلى قيام الساعة ، ثم رفع بخار الماء ففتق منه السموات ، ثم خلق النون فدحيت الأرض على ظهره ، فاضطرت النون ، فمادت الأرض ، فأثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض .
حدثنا واصل بن عبد الأعلى ، قال : ثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي ظبيان ، عن ابن عباس نحوه .
حدثنا محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، أن إبراهيم بن أبي بكر ، أخبره عن مجاهد ، قال : كان يقال : النون : الحوت الذي تحت الأرض السابعة .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، قال : قال معمر : ثنا الأعمش ، ان ابن عباس قال : إن أول شيء خلق القلم ، ثم ذكر نحو حديث واصل عن ابن فضيل ، وزاد فيه : ثم قرأ ابن عباس " ن والقلم وما يسطرون " .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن عطاء ، عن أبي الضحى مسلم بن صبيح ، عن ابن عباس ، قال : إن أول شيء خلق ربي القلم ، فقال له : اكتب ، فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة ، ثم خلق النون فوق الماء ، ثم كبس الأرض عليه .
وقال آخرون : " ن " حرف من حروف الرحمن .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا عبد الله بن أحمد المروزي ، قال : ثنا علي بن الحسين ، قال : ثنا أبي ، عن يزيد ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ( الر ، وحم ، ون ) حروف الرحمن مقطعة .
حدثني محمد بن معمر ، قال : ثنا عباس بن زياد الباهلي ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قوله ( الر و حم و ن ) قال : اسم مقطع .
وقال آخرون : " ن " ، الدواة ، والقلم : القلم .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا يعقوب ، قال : ثنا أخي عيسى بن عبد الله ، عن ثابت البناني عن ابن عباس قال : إن الله خلق النون وهي الدواة ، وخلق القلم ، فقال : اكتب ، فقال : ما أكتب ؟ قال : اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة ، من عمل معمول ، بر أو فجور ، أو رزق مقسوم حلال أو حرام ، ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم ، خروجه منها كيف ، ثم جعل على العباد حفظة ، وللكتاب خزاناً ، فالحفظة ينسخون كل يوم من الخران عمل ذلك اليوم ، فإذا فني الرزق وانقطع الأثر ، وانقضى الأجل ، أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم ، فتقول لهم الخزنة : ما نجد لصاحبكم عندنا شيئاً ، فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا ، قال : فقال ابن عباس : ألستم قوماً عرباً تسمعون الحفظة يقولون " إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون " [ الجاثية : 29 ] ، وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل ؟ .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن الحسن و قتادة في قوله " ن " قال : هو الدواة .
حدثنا ابن حميد قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال : ثنا عمرو ، عن قتادة ، قال : النون : الدواة .
وقال آخرون : " ن " : لوح من نور .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا الحسن بن شبيل المكتب ، قال : ثنا محمد بن زياد الجزري ، عن فرات بن أبي الفرات ، عن معاوية بن فرة ، عن أبيه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ن والقلم وما يسطرون " : لوح من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة .
وقال آخرون : " ن " قسم أقسم الله به .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ، في قوله " ن والقلم وما يسطرون " يقسم الله بما شاء .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال ابن زيد ، في قول الله " ن والقلم وما يسطرون " قال : هذا قسم أقسم الله به .
وقال آخرون : هي اسم من أسماء السورة .
وقال آخرون : هي حرف من حروف المعجم ، وقد ذكرنا القول فيما جانس ذلك من حروف الهجاء التي افتتحت بها أوائل السور ، والقول في قوله نظير القول في ذلك .
واختلفت القراء في قراءة " ن " ، فأظهر النون فيها وفي يس عامة قراء الكوفة خلا الكسائي وعامة قراء البصرة لأنها حرف هجاء ، والهجاء مبني على الوقوف عليه وإن اتصل ، وكان الكسائي يدغم النون الآخرة منهما ويخفيها بناء على الاتصال .
والصواب من القول في ذلك عندنا أنهما قراءتان فصيحتان بأيتهما قرأ القارئ اصاب ، غير أن إظهار النون أفصح وأشهر ، فهو أعجب إلي ، وأما القلم : فهو القلم المعروف ، غير أن الذي أقسم به ربنا من الأقلام : القلم الذي خلقه الله تعالى ذكره ، فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة .
"حدثني محمد بن صالح الأنماطي ، قال : ثنا عباد بن العوام ، قال : ثنا عبد الواحد بن سليم ، قال : سمعت عطاء ، قال : سألت الوليد بن عبادة بن الصامت : كيف كانت وصية أبيك حين حشره الموت ؟ فقال : دعاني فقال : أي بني اتق الله ، واعلم أنك لن تتقي الله ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده والقدر خيره وشره ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول ما خلق الله خلق القلم ، فقال له : اكتب ، قال : يا رب وما أكتب ؟ قال : اكتب القدر ، قال فجرى القلم في تلك الساعة بما كان ، وما هو كائن إلى الأبد ".
"حدثني محمد بن عبد الله الطوسي ، قال : ثنا علي بن الحسن بن شقيق ، قال : أخبرنا عبد الله بن المبارك ، قال : أخبرنا رباح بن زيد ، عن عمرو بن حبيب ، عن القاسم بن أبي بزة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس أنه كان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : أو شيء خلق الله القلم وأمره فكتب كل شيء ".
حدثنا موسى بن سهل الرملي ، قال : ثنا نعيم بن حماد ، قال : ثنا ابن المبارك بإسناده ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، نحوه .
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن أبي هاشم ، عن مجاهد قال : قلت لابن عباس : إن ناساً يكذبون بالقدر ، فقال : إنهم يكذبون بكتاب الله ، لآخذن بشعر أحدهم ، فلا يقصن به ، إن الله على عرشه قبل أن يخلق شيئاً ، فكان أول ما خلق الله القلم ، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة ، فإنما يجري الناس على أمر قد فرغ منه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الصمد ، قال : ثنا شعبة ، قال : ثنا أبو هاشم ، أنه سمع مجاهداً ، قال : سمعت عبد الله لا ندري ابن عمر أو ابن عباس قال : إن أول ما خلق الله القلم ، فجرى القلم بما هو كائن وإنما يعمل الناس اليوم فيما فرغ منه .
"حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ثني معاوية بن صالح ، وحدثني عبد الله بن آدم ، قال : ثنا أبي ، قال : ثنا الليث بن سعد ، عن معاوية بن صالح ، عن أيوب بن زياد ، قال : ثني عباد بن الوليد بن الصامت ، قال : أخبرني أبي ، قال : قال أبي عبادة بن الصامت : يا بني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إن أول ما خلق الله القلم فقال له : اكتب ، فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة " .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " ن والقلم " قال : الذي كتب به الذكر .
حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، أخبره عن إبراهيم بن أبي بكر ، عن مجاهد في قوله " ن والقلم " قال : الذي كتب به الذكر .
وقوله : " وما يسطرون " يقول : والذي يخطون ويكتبون ، وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه كان القسم بالخلق وأفعالهم ، وقد يحتمل الكلام معنى آخر ، وهو أن يكون معناه : وسطرهم ما يسطرون ، فتكون ( ما ) بمعنى المصدر ، وإذا وجه التأويل إلى هذا الوجه ، كان القسم بالكتاب ، كأنه قيل : ن والقلم والكتاب .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " وما يسطرون " قال : وما يخطون .
حدثني علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله " وما يسطرون " يقول : يكتبون .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله " وما يسطرون " قال : وما يكتبون .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن قتادة " وما يسطرون " : وما يكتبون ، يقال منه : سطر فلان الكتاب فهو يسطر سطراً : إذا كتبه ، ومنه قول رؤبة بن العجاج :
إني وأسطار سطرن سطرا
قوله تعالى: " ن والقلم" أدغم النون الثانية في هجائها في الواو أبو بكر والمفضل وهبيرة ووورش وابن محيص وابن عامر والكسائي ويعقوب. والباقون بالإظهار. وقرأ عيسى بن عمر بفتحها، كأنه أضمر فعلاً. وقرأ ابن عباس ونصر وابن أبي إسحاق بكسرها على إضمار حرف القسم. وقرأ هارون ومحمد بن السميقع بضمها على البناء. واختلف في تأويله.
فروى معاوية بن قرة عن أبيه يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:" ن، لوح من نور". وروى ثابت البناني أن ن الدواة. وقاله الحسن وقتادة. وروى الوليد بن مسلم قال: حدثنا مالك بن انس عن سمي مولى أبي بكر عن أبي صالح السمان عن أبي هريرة قال: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أول من خلق الله القلم ثم خلق النون وني الدواة وذلك في قوله تعالى:"ن والقلم" ثم قال أكتب قال وما أكتب قال ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل أو أجل أو رزق أو أثر فجرى القلم بما هو كائن إلى يوم القيامة - قال - ثم ختم فما القلم قلم ينطق ولا ينطق إلى يوم القيامة. ثم خلق العقل فقال الجبار ما خلقت خلقاً أعجب إلي منك وعزتي وجلالي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك فيمن أبغضت" قال: ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أكمل الناس عقلاً أطوعهم لله وأعملهم بطاعته". وعن مجاهد قال: ن الحوت الذي تحت الأرض السابعة. قال: والقلم الذي كتب به الذكر .
وكذلك قال مقاتل ومرة الهمذاني وعطاء الخراساني والسدي والكلبي: إن النون هو الحوت الذي عليه الأرضون. وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله القلم فجرى بما هو كائن، ثم رفع بخار الماء فخلق منه السماء، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره، فمادت الأرض فأثبتت بالجبال، وإن الجبال لتفخر على الأرض. ثم قرأ ابن عباس "ن والقلم" الآية. وقال الكلبي ومقاتل: اسمه البهموت. قال الراجز:
مـا لـي أراكـم كلكـم سكـوتـا والله ربـي خلـق البهمـوتـا
وقال أبو اليقظان والواقدي: ليوثاً. وقال كعب: لوثوثاً. وقال: بلهموثاً . قال كعب: إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرضون فوسوس في قلبه، وقال: أتدري ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها، لو لفظتهم ألقيتهم على ظهرك أجمع، فهم ليوثا أن يفعل ذلك، فبعث الله إليه دابة فدخلت منخرة ووصلت إلى دماغه، فضج الحوت إلى الله عز وجل منعا فأذن الله لها فخرجت. قال كعب: فوالله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عات كما كانت. وقال الضحاك عن ابن عباس: إن ن آخر حرف من حروف الرحمن. قال: الر، وحم، ون، الرحمن تعالى متقطعة. وقال ابن زيد: هو قسم أقسم الله تعالى به . وقال ابن كيسان: هو فاتحة السورة. وقيل: اسم السورة. وقال عطاء وأبو العالية: هو افتتاح اسمه نصير ونور وناصر. قال محمد بن كعب: أقسم الله تعالى بنصره للمؤمنين، وهو حق. بيانه قوله تعالى: "وكان حقا علينا نصر المؤمنين" الروم:47. وقال جعفر الصادق: هو نهر من أنهار الجنة يقال له نون. وقيل: هو المعروف من حروف المعجم، لأنه لو كان غير ذلك لكان معرباً، وهو اختيار القشيري أبو نصر عبد الرحيم في تفسيره. قال: لأن ن حرف لم يعرب، فلو كان كلمة تامة أعرب كما أعرب القلم، فهو إذاً حرف هجاء كما في سائر مفاتيح السور. وعلى هذا قيل: هو اسم السورة، أي هذه سورة ن . ثم قال: والقلم أقسم بالقلم لما فيه من البيان كاللسان، وهو واقع على كل قلم مما يكتب به من في السماء ومن في الأرض، ومنه قول أبي الفتح البستي:
إذا أقسـم الأبطـال يـومـاً بسيفهـم وعدوه مما يكسب المجد والكرم
كفـى قلـم الكـتاب عـزا ورفعـةً مدى الدهر أن الله أقسم بالقلم
وللشعراء في تفضيل القلم على السيف أبيات كثيرة، ما ذكرناه أعلاها. وقال ابن عباس: هذا قسم بالقلم الذي خلقه الله، فأمره فجرى بكتابة جميع ما هو كائن إلى يوم القيامة. قال: وهو قلم من نور طوله كما بين السماء والأرض. ويقال: خلق الله القلم ثم نظر إليه فانشق نصفين، فقال: أجر، فقال: يا رب بم أجري ؟ قال بما هو كائن إلى يوم القيامة، فجرى على اللوح المحفوظ. وقال الوليد بن عبادة بن الصامت: أوصاني أبي عند موته فقال: يا بني أتق الله، وأعلم أنك لن تتقي ولن تبلغ العلم حتى تؤمن بالله وحده، والقدر خيره وشره، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب فقال يا رب وما أكتب فقال اكتب القدر فجرى القلم في تلك الساعة بما كان وما هو كائن إلى الأبد" وقال ابن عباس: أول ما خلق الله القلم فأمره أن يكتب ما هو كائن، فكتب فيما كتب "تبت يدا أبي لهب" المسد: 1. وقال قتادة: القلم نعم من الله تعالى على عباده. قال غيره: فخلق الله القلم الأول فكتب ما يكون في الذكر ووضعه عنده فوق عرشه، ثم خلق القلم الثاني ليكتب به في الأرض، على ما يأتي بيانه في سورة " اقرأ باسم ربك " العلق: 1.
قوله تعالى: " وما يسطرون" أي وما يكتبون. يريد الملائكة يكتبون أعمال بني آدم، قاله ابن عباسك وقيل: وما يكتبون أي الناس ويتفاهمون به. وقال ابن عباس: ومعنى ما يسطرون وما يعلمون. وما موصولة أو مصدرية، أي ومسطرواتهم أو وسطرهم، ويراد به كل من يسطر أو الحفظة، على الخلاف.
تفسير سورة القلم
بسم الله الرحمـن الرحيم
قد تقدم الكلام على حروف الهجاء في أول سورة البقرة وأن قوله تعالى: "ن" كقوله "ص". "ق" ونحو ذلك من الحروف المقطعة في أوائل السور, وتحرير القول في ذلك بما أغنى عن إعادته ههنا, وقيل: المراد بقول "ن" حوت عظيم على تيار الماء العظيم المحيط, وهو حامل للأرضين السبع كما قال الإمام أبو جعفر بن جرير : حدثنا ابن بشار , حدثنا يحيى , حدثنا سفيان هو الثوري , حدثنا سليمان هو الأعمش عن أبي ظبيان عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله القلم قال: اكتب. قال: وماذا أكتب ؟ قال: اكتب القدر, فجرى بما يكون من ذلك اليوم إلى قيام الساعة, ثم خلق النون ورفع بخار الماء ففتقت منه السماء وبسطت الأرض على ظهر النون, فاضطرب النون فمادت الأرض فأثبتت بالجبال فإنها لتفخر على الأرض, وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن سنان عن أبي معاوية عن الأعمش به, وهكذا رواه شعبة ومحمد بن فضيل ووكيع عن الأعمش به.
وزاد شعبة في روايته ثم قرأ "ن والقلم وما يسطرون" وقد رواه شريك عن الأعمش عن أبي ظبيان أو مجاهد عن ابن عباس فذكر نحوه, ورواه معمر عن الأعمش أن ابن عباس قال: فذكره ثم قرأ "ن والقلم وما يسطرون" ثم قال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا جرير عن عطاء عن أبي الضحى عن ابن عباس قال: إن أول شيء خلق ربي عز وجل القلم ثم قال له: اكتب, فكتب ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة, ثم خلق النون فوق الماء ثم كبس الأرض عليه. وقد روى الطبراني ذلك مرفوعاً, فقال: حدثنا أبو حبيب زيد بن المهدي المروزي , حدثنا سعيد بن يعقوب الطالقاني , حدثنا مؤمل بن إسماعيل , حدثنا حماد بن زيد عن عطاء بن السائب عن أبي الضحى مسلم بن صبيح عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن أول ما خلق الله القلم والحوت فقال للقلم: اكتب. قال: ما أكتب ؟ قال: كل شيء كائن إلى يوم القيامة" ثم قرأ "ن والقلم وما يسطرون" فالنون الحوت, والقلم القلم.
(حديث آخر) في ذلك رواه ابن عساكر عن أبي عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول شيء خلقه الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة ثم قال له: اكتب, قال: وما أكتب ؟ قال: اكتب ما يكون ـ أو ما هو كائن ـ من عمل أو رزق أو أثر أو أجل فكتب ذلك إلى يوم القيامة, فذلك قوله: "ن والقلم وما يسطرون" ثم ختم على القلم فلم يتكلم إلى يوم القيامة ثم خلق العقل وقال: وعزتي لأكملنك فيمن أحببت ولأنقصنك ممن أبغضت".
وقال ابن أبي نجيح : إن إبراهيم بن أبي بكر أخبره عن مجاهد قال: كان يقال النون الحوت العظيم الذي تحت الأرض السابعة, وقد ذكر البغوي وجماعة من المفسرين أن على ظهر هذا الحوت صخرة سمكها كغلظ السموات والأرض, وعلى ظهرها ثور له أربعون ألف قرن وعلى متنه الأرضون السبع وما فيهن وما بينهن, والله أعلم. ومن العجيب أن بعضهم حمل على هذا المعنى الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل , حدثنا حميد عن أنس أن عبد الله بن سلام بلغه مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, فأتاه فسأله عن أشياء قال " إني سائلك عن أشياء لا يعلمها إلا نبي, قال: ما أول أشراط الساعة ؟ وما أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ وما بال الولد ينزع إلى أبيه ؟ وما بال الولد ينزع إلى أمه ؟ قال: أخبرني بهن جبريل آنفاً قال ابن سلام: فذاك عدو اليهود من الملائكة. قال: أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب, وأول طعام يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت, وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل ماء المرأة نزع الولد, وإذا سبق ماء المرأة ماء الرجل نزعت" ورواه البخاري من طرق عن حميد ورواه مسلم أيضاً, وله من حديث ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذا, وفي صحيح مسلم من حديث أبي أسماء الرحبي عن ثوبان " أن حبراً سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن مسائل, فكان منها أن قال: فما تحفتهم, يعني أهل الجنة حين يدخلون الجنة, قال: زيادة كبد الحوت قال: فما غذاؤهم على أثرها ؟ قال: ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها قال: فما شرابهم عليه ؟ قال من عين فيها تسمى سلسبيلاً" وقيل: المراد بقوله: "ن" لوح من نور.
قال ابن جرير : حدثنا الحسن بن شبيب المكتب , حدثنا محمد بن زياد الجزري عن فرات بن أبي الفرات عن معاوية بن قرة عن أبيه قال: " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ن والقلم وما يسطرون" لوح من نور وقلم من نور يجري بما هو كائن إلى يوم القيامة " , وهذا مرسل غريب, وقال ابن جريج : أخبرت أن ذلك القلم من نور طوله مائة عام, وقيل المراد بقوله: "ن" دواة, والقلم القلم. قال ابن جرير : حدثنا عبد الأعلى , حدثنا أبو ثور عن معمر عن الحسن وقتادة في قوله "ن" قالا هي الدواة, وقد روي في هذا حديث مرفوع غريب جداً فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي , حدثنا هشام بن خالد , حدثنا الحسن بن يحيى , حدثنا أبو عبد الله مولى بني أمية عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "خلق الله النون وهي الدواة".
وقال ابن جرير : حدثنا ابن حميد , حدثنا يعقوب , حدثنا أخي عيسى بن عبد الله حدثنا ثابت الثمالي عن ابن عباس قال: إن الله خلق النون وهي الدواة, وخلق القلم: فقال اكتب. قال: وما أكتب ؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة من عمل معمول به بر أو فجور أو رزق مقسوم حلال أو حرام, ثم ألزم كل شيء من ذلك شأنه دخوله في الدنيا ومقامه فيها كم وخروجه منها كيف, ثم جعل على العباد حفظة وللكتاب خزاناً فالحفظة ينسخون كل يوم من الخزان عمل ذلك اليوم, فإذا فني الرزق وانقطع الأثر وانقضى الأجل أتت الحفظة الخزنة يطلبون عمل ذلك اليوم, فتقول لهم الخزنة ما نجد لصاحبكم عندنا شيئاً, فترجع الحفظة فيجدونهم قد ماتوا. قال: فقال ابن عباس : ألستم قوماً عرباً تسمعون الحفظة يقولون "إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون" وهل يكون الاستنساخ إلا من أصل.
وقوله تعالى: "والقلم" الظاهر أنه جنس القلم الذي يكتب به كقوله: " اقرأ وربك الأكرم * الذي علم بالقلم * علم الإنسان ما لم يعلم " فهو قسم منه تعالى وتنبيه لخلقه على ما أنعم به عليهم من تعليم الكتابة التي بها تنال العلوم, ولهذا قال: "وما يسطرون" قال ابن عباس ومجاهد وقتادة : يعني وما يكتبون. وقال أبو الضحى عن ابن عباس : وما يسطرون أي وما يعملون وقال السدي : وما يسطرون يعني الملائكة وما تكتب من أعمال العباد, وقال آخرون: بل المراد ههنا بالقلم الذي أجراه الله بالقدر حين كتب مقادير الخلائق, قبل أن يخلق السموات والأرضين بخمسين ألف عام.
وأوردوا في ذلك الأحاديث الواردة في ذكر القلم فقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيد القطان ويونس بن حبيب قالا: حدثنا أبو داود الطيالسي , حدثنا عبد الواحد بن سليم السلمي عن عطاء , هو ابن أبي رباح , حدثني الوليد بن عبادة بن الصامت قال: دعاني أبي , حين حضره الموت فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم فقال له اكتب, قال يا رب وما أكتب ؟ قال اكتب القدر وما هو كائن إلى الأبد" وهذا الحديث قد رواه الإمام أحمد من طرق عن الوليد بن عبادة عن أبيه به, وأخرجه الترمذي من حديث أبي داود الطيالسي به, وقال حسن صحيح غريب.
ورواه أبو داود في كتاب السنة من سننه عن جعفر بن مسافر عن يحيى بن حسان عن ابن رباح عن إبراهيم بن أبي عبلة عن أبي حفصة , واسمه حبيش بن شريح الحبشي الشامي , عن عبادة فذكره. وقال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله الطوسي , حدثنا علي بن الحسن بن شقيق , أنبأنا عبد الله بن المبارك , حدثنا رباح بن زيد عن عمر بن حبيب عن القاسم بن أبي بزة , عن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أول شيء خلقه الله القلم فأمره فكتب كل شيء" غريب من هذا الوجه ولم يخرجوه, وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : والقلم, يعني الذي كتب به الذكر. وقوله تعالى: "وما يسطرون" أي يكتبون كما تقدم.
وقوله: "ما أنت بنعمة ربك بمجنون" أي لست ولله الحمد بمجنون كما يقوله الجهلة من قومك, المكذبون بما جئتهم به من الهدى والحق المبين, فنسبوك فيه إلى الجنون, "وإن لك لأجراً غير ممنون" أي بل إن لك الأجر العظيم والثواب الجزيل الذي لا ينقطع ولا يبيد على إبلاغك رسالة ربك إلى الخلق وصبرك على أذاهم, ومعنى غير ممنون أي غير مقطوع كقوله "عطاء غير مجذوذ" "فلهم أجر غير ممنون" أي غير مقطوع عنهم. وقال مجاهد : غير ممنون أي غير محسوب وهو يرجع إلى ما قلناه.
وقوله تعالى: "وإنك لعلى خلق عظيم" قال العوفي عن ابن عباس : وإنك لعلى دين عظيم وهو الإسلام, وكذلك قال مجاهد وأبو مالك والسدي والربيع بن أنس , وكذا قال الضحاك وابن زيد . وقال عطية : لعلى أدب عظيم. وقال معمر عن قتادة : سئلت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان خلقه القرآن تقول كما هو في القرآن. وقال سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قوله: "وإنك لعلى خلق عظيم" ذكر لنا أن سعد بن هشام سأل عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: ألست تقرأ القرآن ؟ قال: بلى. قالت: فإن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن. وقال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن زرارة بن أوفى عن سعد بن هشام قال: سألت عائشة فقلت أخبريني يا أم المؤمنين عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أتقرأ القرآن ؟ فقلت: نعم فقالت: كان خلقه القرآن. هذا مختصر من حديث طويل, وقد رواه الإمام مسلم في صحيحه من حديث قتادة بطوله, وسيأتي في سورة المزمل إن شاء الله تعالى وبه الثقة.
وقال الإمام أحمد : حدثنا إسماعيل حدثنا يونس عن الحسن قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن. وقال الإمام أحمد : حدثنا أسود , حدثنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواد قال: سألت عائشة عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أما تقرأ القرآن ؟ "وإنك لعلى خلق عظيم" قال: " قلت حدثيني عن ذاك. قالت: صنعت له طعاماً وصنعت له حفصة طعاماً, فقلت لجاريتي اذهبي فإن جاءت هي بالطعام فوضعته قبل فاطرحي الطعام, قالت فجاءت بالطعام قالت فألقت الجارية فوقعت القصعة فانكسرت وكان نطع, قالت فجمعه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اقتصوا ـ أو اقتصي شك أسود ـ ظرفاً مكان ظرفك قالت: فما قال شيئاً " .
وقال ابن جرير : حدثنا عبيد بن آدم بن أبي إياس , حدثنا أبي , حدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن عن سعد بن هشام قال: أتيت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فقلت لها: أخبريني بخلق النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت كان خلقه القرآن أما تقرأ "وإنك لعلى خلق عظيم" ؟ وقد روى أبو داود والنسائي من حديث الحسن نحوه. وقال ابن جرير : حدثني يونس أنبأنا ابن وهب أخبرني معاوية بن صالح عن أبي الزاهرية عن جبير بن نفير قال: حججت فدخلت على عائشة رضي الله عنها فسألتها عن خلق النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم القرآن, وهكذا رواه أحمد عن عبد الرحمن بن مهدي , ورواه النسائي في التفسير عن إسحاق بن منصور عن عبد الرحمن بن مهدي عن معاوية بن صالح به.
ومعنى هذا أنه عليه الصلاة والسلام صار امتثال القرآن أمراً ونهياً سجيةً له وخلقاً تطبعه وترك طبعه الجبلي, فمهما أمره القرآن فعله ومهما نهاه عنه تركه, هذا مع ما جبله الله عليه من الخلق العظيم من الحياء والكرم والشجاعة والصفح والحلم, وكل خلق جميل كما ثبت في الصحيحين عن أنس قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط, ولا قال لشيء فعلته: لم فعلته ؟ ولا لشيء لم أفعله: ألا فعلته ؟ وكان صلى الله عليه وسلم أحسن الناس خلقاً ولا مسست خزاً ولا حريراً ولا شيئاً كان ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولا شممت مسكاً ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقال البخاري : حدثنا إسحاق بن منصور , حدثنا إبراهيم بن يوسف عن أبيه عن أبي إسحاق قال: سمعت البراء يقول كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس وجهاً وأحسن الناس خلقاً ليس بالطويل ولا بالقصير والأحاديث في هذا كثيرة ولأبي عيسى الترمذي في هذا كتاب الشمائل.
قال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق , حدثنا معمر عن الزهري عن عروة عن عائشة قالت: ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده خادماً له قط, ولا ضرب امرأة, ولا ضرب بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله, ولا خير بين شيئين قط إلا كان أحبهما إليه أيسرهما حتى يكون إثماً, فإذا كان إثماً كان أبعد الناس من الإثم, ولا انتقم لنفسه من شيء يؤتى إليه إلا أن تنتهك حرمات الله فيكون هو ينتقم لله عز وجل وقال الإمام أحمد : حدثنا سعيد بن منصور , حدثنا عبد العزيز بن محمد عن محمد بن عجلان , عن القعقاع بن حكيم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق" تفرد به.
وقوله تعالى: " فستبصر ويبصرون * بأيكم المفتون " فستعلم يا محمد وسيعلم مخالفوك ومكذبوك من المفتون الضال منك ومنهم, وهذا كقوله تعالى: "سيعلمون غداً من الكذاب الأشر" وكقوله تعالى: "وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين" قال ابن جريج : قال ابن عباس في هذه الاية ستعلم ويعلمون يوم القيامة, وقال العوفي عن ابن عباس : بأيكم المفتون أي المجنون, وكذا قال مجاهد وغيره, وقال قتادة وغيره: بأيكم المفتون أي أولى بالشيطان, ومعنى المفتون ظاهر أي الذي قد افتتن عن الحق وضل عنه, وإنما دخلت الباء في قوله بأيكم لتدل على تضمين الفعل في قوله "فستبصر ويبصرون" وتقديره فستعلم ويعلمون أو فستخبر ويخبرون بأيكم المفتون, والله أعلم. ثم قال تعالى: "إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين" أي هو يعلم تعالى أي الفريقين منكم ومنهم هو المهتدي, ويعلم الحزب الضال عن الحق.
هي اثنتان وخمسون آية
وهي مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وروي عن ابن عباس وقتادة أن من أولها إلى قوله: "سنسمه على الخرطوم" مكي، ومن بعد ذلك إلى قوله: "من الصالحين" مدني، وباقيها مكي كذا قال الماوردي. وأخرج ابن الضريس عن ابن عباس قال: كانت إذا نزلت فاتحة سورة بمكة كتبت بمكة ثم يزيد الله فيها ما يشاء، وكان أول ما نزل من القرآن اقرأ باسم ربك ثم نون، ثم المزمل، ثم المدثر. وأخرج النحاس وابن مردويه والبيهقي عنه قال: نزلت سورة ن بمكة. وأخرج ابن مردويه عن عائشة مثله.
قوله: 1- "ن" قرأ أبو بكر وورش وابن عامر والكسائي وابن محيصن وابن هبيرة بإدغام النون الثانية من هجائها في الواو، وقرأ الباقون بالإظهار، وقرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر بالفتح على إضمار فعل. وقرأ ابن عامر ونضر وابن إسحاق بكسرها على إضمار القسم، أو لأجل التقاء الساكنين، وقرأ محمد بن السميفع وهارون بضمها على البناء. قال مجاهد ومقاتل والسدي: هو الحوت الذي يحمل الأرض وبه قال مرة الهمذاني وعطاء الخرساني والكلبي. وقيل إن نون آخر حرف من حروف الرحمن. وقال ابن زيد: هو قسم أقسم الله به. وقال ابن كيسان: هو فاتحة السورة. وقال عطاء وأبو العالية: هي النون من نصر وناصر. قال محمد بن كعب: أقسم الله تعالى بنصره المؤمنين، وقيل هو حرف من حروف الهجاء، كالفواتح الواقعة في أوائل السور المفتتحة بذلك، وقد عرفناك ما هو الحق في مثل هذه الفواتح في أول سورة البقرة، والواو في قوله: "والقلم" واو القسم، أسم الله بالقلم لما فيه من البيان وهو واقع على كل قلم يكتب به، وقال جماعة من المفسرين: المراد به القلم الذي كتب به اللوح المحفوظ، أقسم الله به تعظيماً له. قال قتادة: القلم من نعمة الله على عباده "وما يسطرون" ما موصولة: أي والذي يسطرون، والضمير عائد إلى أصحاب القلم المدلول عليهم بذكره، لأن ذكر آلة الكتابة تدل على الكاتب. والمعنى: والذي يسطرون: أي يكتبون كل ما يكتب، أو الحفظة على ما تقدم. ويجوز أن تكون ما مصدرية: أي وسطرهم، وقيل الضمير راجع إلى القلم خاصة من باب إسناد الفعل إلى الآلة وإجرائها مجرى العقلاء.
1- "ن"، اختلفوا فيه فقال ابن عباس: هو الحوت. الذي على ظهره الأرض. وهو قول مجاهد ومقاتل، والسدي، والكلبي.
وروى أبو ظبيان عن ابن عباس قال: أول ما خلق الله القلم، فجرى بما هو كائن إلى يوم القيامة، ثم خلق النون فبسط الأرض على ظهره فتحرك النون فمادت الأرض، فأثبتت بالجبال وإن الجبال لتفخر على الأرض، ثم قرأ ابن عباس: "ن والقلم وما يسطرون".
واختلفوا في اسمه، فقال الكلبي ومقاتل: اسمه يهموت. وقال الواقدي: ليوثا. وقال كعب: لويثا. وعن علي: اسمه بلهوث.
وقالت الرواة: لما خلق الله الأرض وفتقها بعث من تحت العرش ملكاً فهبط إلى الأرض حتى دخل تحت الأرضين السبع فوضعها على عاتقه، إحدى يديه بالمشرق والأخرى بالمغرب، باسطتين قابضتين على الأرضين السبع، حتى ضبطها فلم يكن لقدميه موضع قرار، فأهبط الله عز وجل من الفردوس ثوراً له أربعون ألف قرن وأربعون ألف قائمة، وجعل قرار قدمي الملك على سنامه، فلم تستقر قدماه فأخذ ياقوتة خضراء من أعلى درجة في الفردوس غلظها مسيرة خمسمائة عام فوضعها بين سنام الثور إلى أذنه فاستقرت عليها قدماه، وقرون ذلك الثور خارجة من أقطار الأرض، ومنخراه في البحر فهو يتنفس كل يوم نفساً فإذا تنفس مد البحر وإذا رد نفسه جزر البحر فلم يكن لقوائم الثور موضع قرار، فخلق الله تعالى صخرة كغلظ سبع سموات وسبع أرضين فاستقرت قوائم الثور عليها وهي الصخرة التي قال لقمان لابنه "يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة" (لقمان- 16) ولم يكن للصخرة مستقر، فخلق الله نوناً وهو الحوت العظيم، فوضع الصخرة على ظهره وسائر جسده خال والحوت على البحر، والبحر على متن الريح، والريح على القدرة. يقال: فكل الدنيا كلها بما عليها حرفان قال لها الجبار: جل جلاله كوني فكانت.
قال كعب الأحبار: إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرض فوسوس إليه، فقال له: أتدري ما على ظهرك يا لويثا من الأمم والدواب والشجر والجبال لو نفضتهم ألقيتهم عن ظهرك، فهم لويثا أن يفعل ذلك فبعث الله دابة فدخلت منخره فوصلت إلى دماغه فعج الحوت إلى الله منها فأذن لها الله فخرجت. قال كعب: فوالذي نفسي بيده إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت.
وقال بعضهم: نون آخر حروف الرحمن، وهي رواية عكرمة عن ابن عباس.
وقال الحسن وقتادة والضحاك: النون الدواة.
وقيل: هو قسم أقسم الله به. وقيل: فاتحة السورة. وقال عطاء: افتتاح اسمه نور وناصر.
وقال محمد بن كعب: أقسم الله بنصرته للمؤمنين.
"والقلم"، هو الذي كتب الله به الذكر، وهو قلم من نور طوله ما بين السماء والأرض، ويقال: أول ما خلق الله القلم ونظر إليه فانشق بنصفين، ثم قال: اجر بما هو كائن إلى يوم القيامة فجرى على اللوح المحفوظ بذلك. "وما يسطرون"، يكتبون أي ما تكتب الملائكة الحفظة من أعمال بني آدم.
1-" ن " من أسماء الحروف ،وقيل اسم الحوت والمراد به الجنس أو البهموت وهو الذي عليه الأرض ، أو الدواة فإن بعض الحيتان يستخرج منه شيء أشد سواداً من النفس يكتب به ، ويؤيد الأول سكونه وكتبه بصورة الحرف . " والقلم " وهو الذي خط اللوح ، أو الذي يخط به أقسم به تعالى لكثرة فوائده وأخفى ابن عامر و الكسائي و يعقوب النون إجراء للواو المنفصل مجرى المتصل ، فإن النون الساكنة تخفى مع حروف الفم إذا اتصلت بها . وقد روي ذلك عن نافع و عاصم ، وقرئت بالفتح والكسر كـ" ص " . " وما يسطرون " وما يكتبون والضمير لـ" القلم " بالمعنى الأول على التعظيم ، أو بالمعنى الثاني على إرادة الجنس وإسناد الفعل إلى الأدلة وإجراؤه مجرى أولي العلم لإقامته مقامهم ، أو لأصحابه أو للحفظة و " ما " مصدرية أو موصولة .
Surah 68. Al-Qalam
1. Nun. By the pen and that which they write (therewith),
SURA 68: QALAM
1 - Nun. By the Pen and by the (Record) which (men) write,