1 - (إذا جاء نصر الله) نبيه صلى الله عليه وسلم على أعدائه (والفتح) فتح مكة
أخرج عبدالرزاق في مصنفه عن معمر عن الزهري قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة عام الفتح بعث خالد بن الوليد فقاتل بمن معه صفوف قريش بأسفل مكة حتى هزمهم الله ثم أمر بالسلاح فرفع عنهم فدخلوا في الدين فأنزل الله إذا جاء نصر الله والفتح حتى ختمها
يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إذا جاءك نصر الله يا محمد على قومك من قريش ، والفتح : فتح مكة " ورأيت الناس " من صنوف العرب وقباتئلها أهل اليمن منهم ، وقبائل نزار " يدخلون في دين الله أفواجا " يقول : في دين الله ابتعثك به ، وطاعتك التي دعاهم إليها " أفواجا " يعني : زمراً ، فوجاً فوجاً .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل :
ذكر من قال ذلك في قوله : " إذا جاء نصر الله والفتح " .
حدثي الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قول الله : " إذا جاء نصر الله والفتح ": فتح مكة .
حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : ابن زيد ، في قوله الله " إذا جاء نصر الله والفتح "النصر حين فتح الله عليه ونصره .
حدثني إسماعيل بن موسى ، قال : أخبرنا الحسين بن عيسى الحنفي ، عن معمر ، عن الزهري ، عن أبي حازم ، عن ابن عباس ، قال : " بينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة ، إذا قال : الله أكبر الله أكبر ، جاء نصر الله والفتح ، جاء أهل اليمن ، قيل : يا رسول الله ما أهل اليمن ؟ قال : قوم رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، والنفقة يمان ، والحكمة يمانية " .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثني عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، واستغفر الله وأتوب إليه ، قالت : فقلت : يا رسول الله أراكح تكثر قول : سبحان الله وبحمده ، وأستغفر الله وأتوب إليه ، فقال : خبرني ربي أني سأرى علاىمة في أمتي ، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده ، وأسغفره وأتوب إليه ، فقد رأيتها " إذا جاء نصر الله والفتح "فتح مكة " ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " " .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا عبد الأعلى ، قال : ثنا داود ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن المثنى ، قال : ثنا عبد الوهاب ، قال :ثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة ، قالت : " كان نبي الله صلى الله عليه وسلم يكثر قبل موته من قول سبحان الله وبحمده " ثم ذكر نحوه .
حدثني إسحاق بن شاهين ، قال : ثنا خالد ، عن داود ، عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، بنحوه .
حدثنا ابن عبد الأعلى ، قال : ثنا ابن ثور ، عن معمر ، عن عكرمة ، قال : لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح "قال النبي صلى الله عليه وسلم : " جاء نصر الله والفتح ، وجاء أهل اليمن " قالوا : يا نبي الله وما أهل اليمن ؟ قال : " رقيقة قلوبهم ، لينة طباعهم ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية " .
وأما قوله " أفواجا " فقد تقدم ذكره في معنى أقوال أهل التأويل .
وقد حدثني الحارث ، قال : ثنا بشر ، قال :ثنا يزيد ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد " في دين الله أفواجا " قال : زمراً زمراً .
وقوله : " فسبح بحمد ربك " يقول : فسبح ربك وعظمه بحمده وشكره ، على ما أنجز لك من وعده فإنك حينئذ لا حق به ، وذائق ما ذاق من قبلك من رسله من الموت .
وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثنا ابن بشار ، قال : ثنا عبد الرحمن ، قال : ثنا سفيان ، عن حبيب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، سألهم عن قول الله تعالى " إذا جاء نصر الله والفتح "قالوا : فتح المدائن والقصور ، قال : فأنت يا ابن عباس ما تقول ؟ قلت : مثل ضرب لمحمد نعيت إليه نفسه .
حدثنا ابن بشار ، قال :ثنا محمد بن جعفر ، قال : ثنا شعبة ، عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يدنيه ، فقال له عبد الرحمن : إن لنا أبناء مثله ، فقال عمر : إنه من حيث تعلم ، قال : فسأله عمر عن قول الله : " إذا جاء نصر الله والفتح "السورة . فقال ابن عباس : أجله ، أعلمه الله إياه ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا مثل ما تعلم .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين عن ابن عباس ، قال : قال عمر رضي الله عنه ، ما هي ؟ يعني " إذا جاء نصر الله والفتح "قال ابن عباس " إذا جاء نصر الله والفتح "حتى بلغ " واستغفره " إنك ميت " إنه كان توابا " فقال عمر : ما نعلم منها إلا ما قلت .
قال : ثنا مهران ، عن سفيان ، عن عاصم ، عن أبي رزين ، عن ابن عباس ، قال : لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح "علم النبي أنه نعيت إليه نفسه ، فقيل له : إذا جاء نصر الله والفتح ، إلى آخر السورة .
حدثنا أبو كريب و ابن وكيع ، قالا : ثنا ابن فضيل ، عن عطاء بن السائب ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، قل : " لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعيت إلي نفسي ، كأني مقبوض في تلك السنة " .
حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، في قوله " إذا جاء نصر الله والفتح "قال : ذاك حين نعى له نفسه يقول إذا :" ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا " يعني إسلام الناس ، يقول : فذاك حين حضر أجلك " فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " .
حدثني أبو السائب و سعيد بن يحيى الأموي ، قالا : ثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول قبل ن يموت : سبحانك اللهم وبحمدك ، وأستغفرك وأتوب إليك ، قالت : فقلت : يا رسول الله ما هذه الكلمت التي أراك قد أحدثتها تقولها ؟ قال : قد جعلت لي علامة في أمتي إذا رايتها قلتها " إذا جاء نصر الله والفتح " إلى آخر السورة " .
حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، قال : قالت عائشة " ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أنزلت عليه هذه السوة " إذا جاء نصر الله والفتح "لا يقول قبلها : سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " .
حدثنا ابن وكيع ، قال :ثنا ابن نمير ، عن الأعمش ، عن مسلم ، عن مسروق ، عن عائشة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم مثله .
حدثنا ابن وكيع ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى عن مسروق ، عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، يتأول القرآن " .
حدثني يعقوب بن إبراهيم ، قال :ثنا ابن علية ، عن داود ، عن الشعبي ، قال داود : لا أعلمه إلا عن مسروق ، وربما قال عن مسروق عن عائشة قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ، فقلت : إنك تكثر من هذا ، فقال : إن ربي قد أخبرني أني سأرى علامة في أمتي ، وأمرني إذا رأيت تلك العلامة أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان تواباً ، فقد رأيتها " إذا جاء نصر الله والفتح "" .
حدثنا أبو السائب ، قال : ثنا حفص ، قال : ثنا عاصم ، عن الشعبي ، عن أم سلمة ، قالت : " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخرر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال : سبحان الله وبحمده فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثير من سبحان الله وبحمده ، لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت : سبحان الله وبحمده ، قال : إني أمرت بها ، فقال " إذا جاء نصر الله والفتح "إلى آخر السورة " .
حدثنا ابن حميد ، قال :ثنا سلمة ، قال : ثني ابن إسحاق ، عن بعض أصحابه ، عن عطاء بن يسار ، قال : نزلت سورة " إذا جاء نصر الله والفتح " كلها بالمدينة بعد فتح مكة ودخول الناس في الدين ، ينعى إليه نفسه .
قال : ثنا جرير ، عن مغيرة ، عن زياد بن الحصين ، عن أبي العالية ، قال : " لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح " ونعيت إلى النبي صلى الله عليه وسلم نفسه ، كان لا يقوم من مجلس بجلس فيه حتى يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد أن لا إله إلا أنت ، وأستغفرك وأتوب إليك " .
قال : ثنا الحكم بن بشير ، قال :ثنا عمرو ، قال : " لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح " كان النبي صلى الله عليه وسلم مما يكثر أن يقول : سبحانك اللهم وبحمدك ، رب اغفر لي وتب علي ، إنك أنت التواب الرحيم " .
حدثنا بشر ، قال : ثنا يزيد ، قال : ثنا سعيد ، عن قتادة " إذا جاء نصر الله والفتح " قرأها كلها قال ابن عباس : هذه السورة علم وحد حده الله لنبيه ، ونهى له نفسه ، أي إنك لن تعيش بعدها إلا قليلاً . قل قتادة : والله ما عاش بعد ذلك إلا قليلاً ، سنتين ، ثم توفي صلى الله عليه وسلم .
حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا مهران ، عن أبي معاذ عيسى بن أبي يزيد ، عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة ، عن ابن مسعود ، قال : لما نزلت " إذا جاء نصر الله والفتح " كان يكثر أن يقول سبحانك اللهم وبحمدك ، اللهم عفر لي ، سبحانك ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي ، إنك أنت التواب الغفور .
حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : ثنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله الله " إذا جاء نصر الله والفتح "كانت هذه السورة آية لموت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال :ثنا ورقاء جميعاً ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، في قوله " واستغفره إنه كان توابا " قال : اعلم أنك ستموت عند ذلك . وقوله " واستغفره " يقول : وسله أن يغفر ذنوبك " إنه كان توابا " يقول : إنه كان ذا رجوع لعبده المطيع إلى ما وجب . والهاء من قوله ( إنه ) من ذكر الله عز وجل .
وهي مدنية بإجماع . وتسمى سورة (( التوديع )) . وهي ثلاث آيات وهي آخر سورة نزلت جميعا ، قاله ابن عباس في صحيح مسلم
قوله تعالى:" إذا جاء نصر الله والفتح"
النصر :العون، مأخوذ من قولهم: قد نصر الغيث الأرض: إذا أعان على نباتها، من قحطها. قال الشاعر:
إذا انسلخ الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري أرض عامر
ويروى:
إذا دخل الشهر الحرام فجاوزي بلاد تميم وانصري أرض عامر
يقال: نصره على عدوه ينصره نصراً، أي اعانه. والاسم النصرة. واستنصره على عدوه: أي سأله أن ينصره عليه. وتناصروا: نصر بعضهم بعضا. ثم قيل: المراد بهذا النصر نصر الرسول على قريش، الطبري. وقيل: نصره على من قاتله من الكفار، فإن عاقبة النصر كانت له: وأما الفتح فهو فتح مكة، عن الحسن ومجاهد وغيرهما. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : هو فتح المدائن والقصور. وقيل: فتح سائر البلاد. وقيل: ما فتحه عليه من العلوم. و(إذا) بمعنى قد، أي قد جاء نصر الله، لأن نزولها بعد الفتح. ويمكن أن يكون معناه، إذا يجيئك.
تفسير سورة النصر
قد تقدم أنها تعدل ربع القرآن, وإذا زلزلت تعدل ربع القرآن. وقال النسائي : أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم , أخبرنا جعفر عن أبي العميس ح وأخبرنا محمد بن سليمان , حدثنا جعفر بن عون , حدثنا أبو العميس عن عبد المجيد بن سهيل عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: قال لي ابن عباس : يا ابن عتبة , أتعلم آخر سورة من القرآن نزلت ؟ قلت: نعم, "إذا جاء نصر الله والفتح" قال صدقت. وروى الحافظان أبو بكر البزار والبيهقي من حديث موسى بن عبيدة البريدي عن صدقة بن يسار عن ابن عمر قال: أنزلت هذه السورة "إذا جاء نصر الله والفتح" على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق, فعرف أنه الوداع فأمر براحلته القصواء فرحلت, ثم قام فخطب الناس فذكر خطبته المشهورة وقال الحافظ البيهقي : أخبرنا علي بن أحمد بن عبدان , أخبرنا أحمد بن عبيد الصفار , حدثنا الأسقاطي , حدثنا سعيد بن سليمان , حدثنا عباد بن العوام عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال: "إنه قد نعيت إلي نفسي فبكت ثم ضحكت وقالت: أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت ثم قال: اصبري فإنك أول أهلي لحاقاً بي فضحكت " , وقد رواه النسائي كما سيأتي بدون ذكر فاطمة .
بسم الله الرحمـن الرحيم
قال البخاري : حدثنا موسى بن إسماعيل , حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر, فكأن بعضهم وجد في نفسه فقال: لم يدخل هذا معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال عمر : إنه ممن قد علمتم, فدعاهم ذات يوم فأدخلني معهم فما رأيت أنه دعاني فيهم يومئذ إلا ليريهم, فقال: ما تقولون في قول الله عز وجل: "إذا جاء نصر الله والفتح" ؟ فقال بعضهم: أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا نصرنا وفتح علينا, وسكت بعضهم فلم يقل شيئاً, فقال لي: أكذلك تقول يا ابن عباس ؟ فقلت: لا , فقال: ما تقول ؟ فقلت: هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلمه له, قال: "إذا جاء نصر الله والفتح" فذلك علامة أجلك "فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً" فقال عمر بن الخطاب : لا أعلم منها إلا ما تقول, تفرد به البخاري . وروى ابن جرير عن محمد بن حميد عن مهران عن الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس , فذكر مثل هذه القصة أو نحوها.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن فضيل , حدثنا عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعيت إلي نفسي" فإنه مقبوض في تلك السنة, تفرد به أحمد : وروى العوفي عن ابن عباس مثله وهكذا قال مجاهد وأبو العالية والضحاك وغير واحد إنها أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي إليه. وقال ابن جرير : حدثني إسماعيل بن موسى , حدثنا الحسن بن عيسى الحنفي , عن معمر عن الزهري عن أبي حازم عن ابن عباس قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة إذ قال: الله أكبر! الله أكبر! جاء نصر الله والفتح! جاء أهل اليمن ـ قيل يا رسول الله وما أهل اليمن ؟ قال ـ قوم رقيقة قلوبهم, لينة طباعهم, الإيمان يمان, والفقه يمان, والحكمة يمانية" ثم رواه ابن عبد الأعلى عن ابن ثور عن معمر عن عكرمة مرسلاً.
وقال الطبراني : حدثنا زكريا بن يحيى , حدثنا أبو كامل الجحدري , حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" حتى ختم السورة قال: " نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين نزلت, قال: فأخذ بأشد ما كان قط اجتهاداً في أمر الاخرة, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك جاء الفتح ونصر الله, وجاء أهل اليمن فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن ؟ قال: قوم رقيقة قلوبهم, لينة طباعهم, الإيمان يمان, والفقه يمان". وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه قد نعيت إليه نفسه, فقيل إذا جاء نصر الله والفتح السورة كلها, حدثنا وكيع عن سفيان عن عاصم عن أبي رزين أن عمر سأل ابن عباس عن هذه الاية "إذا جاء نصر الله والفتح" قال: لما نزلت نعيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه.
وقال الطبراني : حدثنا إبراهيم بن أحمد بن عمر الوكيعي , حدثنا أبي , حدثنا جعفر بن عون عن أبي العميس , عن أبي بكر بن أبي الجهم عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عن ابن عباس قال: آخر سورة نزلت من القرآن جميعاً "إذا جاء نصر الله والفتح". وقال الإمام أحمد أيضاً: حدثنا محمد بن جعفر , حدثنا شعبة عن عمرو بن مرة عن أبي البختري الطائي , عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: لما نزلت هذه السورة "إذا جاء نصر الله والفتح" قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ختمها فقال: "الناس حيز وأنا وأصحابي حيز ـ وقال ـ لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية" فقال له مروان : كذبت, وعنده رافع بن خديج وزيد بن ثابت قاعدان معه على السرير, فقال أبو سعيد : لو شاء هذان لحدثاك, ولكن هذا يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه. وهذا يخشى أن تنزعه عن الصدقة. فرفع مروان عليه الدرة ليضربه فلما رأيا ذلك قالا: صدق. تفرد به أحمد .
وهذا الذي أنكره مروان على أبي سعيد ليس بمنكر, فقد ثبت من رواية ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم الفتح: "لا هجرة ولكن جهاد ونية, ولكن إذا استنفرتم فانفروا" أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما فالذي فسر به بعض الصحابة من جلساء عمر رضي الله عنهم أجمعين من أنه قد أمرنا إذا فتح الله علينا المدائن والحصون أن نحمد الله ونشكره ونسبحه, يعني نصلي له ونستغفره. معنى مليح صحيح وقد ثبت له شاهد من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وقت الضحى ثماني ركعات, فقال قائلون: هي صلاة الضحى, وأجيبوا بأنه لم يكن يواظب عليها فكيف صلاها ذلك اليوم, وقد كان مسافراً لم ينو الإقامة بمكة, ولهذا أقام فيها إلى آخر شهر رمضان قريباً من تسعة عشر يوماً, يقصر الصلاة ويفطر هو وجميع الجيش, وكانوا نحواً من عشرة آلاف, قال هؤلاء: وإنما كانت صلاة الفتح.
قالوا: فيستحب لأمير الجيش إذا فتح بلداً أن يصلي فيه أول ما يدخله ثماني ركعات, وهكذا فعل سعد بن أبي وقاص يوم فتح المدائن, ثم قال بعضهم: يصليها كلها بتسليمة واحدة, والصحيح أنه يسلم من كل ركعتين كما ورد في سنن أبي داود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسلم يوم الفتح من كل ركعتين, وأما ما فسر به ابن عباس وعمر رضي الله تعالى عنهما من أن هذه السورة نعي فيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم روحه الكريمة, واعلم أنك إذا فتحت مكة وهي قريتك التي أخرجتك ودخل الناس في دين الله أفواجاً, فقد فرغ شغلنا بك في الدنيا فتهيأ للقدوم علينا والوفود إلينا, فالاخرة خير لك من الدنيا, ولسوف يعطيك ربك فترضى, ولهذا قال: "فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان تواباً".
قال النسائي أخبرنا عمرو بن منصور حدثنا محمد بن محبوب , حدثنا أبو عوانة عن هلال بن خباب عن عكرمة عن ابن عباس قال: لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" إلى آخر السورة قال: نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت فأخذ في أشد ما كان اجتهاداً في أمر الاخرة, وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك: "جاء الفتح وجاء نصر الله وجاء أهل اليمن, فقال رجل: يا رسول الله وما أهل اليمن ؟ قال: قوم رقيقة قلوبهم لينة قلوبهم, الإيمان يمان والحكمة يمانية والفقه يمان" وقال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق عن عائشة قالت: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي" يتأول القرآن وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به.
وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي عن داود عن الشعبي عن مسروق قال: قالت عائشة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قوله: "سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه" وقال: "إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره إنه كان تواباً, فقد رأيتها " إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " ورواه مسلم من طريق داود بن أبي هند به. وقال ابن جرير : حدثنا أبو السائب حدثنا حفص حدثنا عاصم عن الشعبي , عن أم سلمة قالت كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يذهب ولا يجيء إلا قال: "سبحان الله وبحمده فقلت: يا رسول الله رأيتك تكثر من سبحان الله وبحمده, لا تذهب ولا تجيء ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت: سبحان الله وبحمده قال: إني أمرت بها ـ فقال: "إذا جاء نصر الله والفتح" إلى آخر السورة " , غريب, وقد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه وألفاظه في جزء مفرد فيكتب ههنا.
وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي عبيدة عن عبد الله قال لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا جاء نصر الله والفتح" كان يكثر إذا قرأها وركع أن يقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك, اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم" ثلاثاً تفرد به أحمد . ورواه ابن أبي حاتم عن أبيه عن عمرو بن مرة عن شعبة عن أبي إسحاق به, والمراد بالفتح ههنا فتح مكة قولاً واحداً, فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون إن ظهر على قومه فهو نبي, فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجاً, فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيماناً, ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام و لله الحمد والمنة.
وقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال: لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة, يقولون دعوه وقومه فإن ظهر عليهم فهو نبي الحديث, وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا السيرة فمن أراده فليراجعه هناك ولله الحمد والمنة وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو حدثنا أبو إسحاق عن الأوزاعي , حدثني أبو عمار حدثني جار لجابر بن عبد الله قال قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله فسلم علي , فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا, فجعل جابر يبكي ثم قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن الناس دخلوا في دين الله أفواجاً وسيخرجون منه أفواجاً". آخر تفسير سورة النصر, و لله الحمد والمنة.
وتسمى سورة التوديع، هي ثلاث آيات
وهي مدنية بلا خلاف. وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس قال: أنزل بالمدينة "إذا جاء نصر الله والفتح". وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وأبو يعلى وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن ابن عمر قال:" هذه السورة نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أوسط أيام التشريق بمنى، وهو في حجة الوداع "إذا جاء نصر الله والفتح" حتى ختمها فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها الوداع". وأخرج أحمد وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن ابن عباس قال "لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعيت إلى نفسي". وأخرج ابن مردويه عنه قال: "لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعيت إلي نفسي وقرب إلي أجلي". وأخرج النسائي وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عنه أيضاً قال:" لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت، فأخذ في أشد ما كان قط اجتهاداً في أمر الآخرة". وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن أم حبيبة قالت "لما أنزل "إذا جاء نصر الله والفتح" قال رسول الله صلى الله
عليه وسلم: إن الله لم يبعث نبياً إلا عمر في أمته شطر ما عمر النبي الماضي قبله، فإن عيسى ابن مريم كان أربعين سنة في بني إسرائيل، وهذه لي عشرون سنة وأنا ميت في هذه السنة، فبكت فاطمة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أنت أول أهلي بي لحوقاً، فتبسمت". وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال: "لما نزلت "إذا جاء نصر الله والفتح" دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة وقال: إنه قد نعيت إلي نفسي، فبكت ثم ضحكت، وقالت: أخبرني أنه نعيت إليه نفسه فبكيت؟ فقال: اصبري فإنك أول أهلي لحاقاً بي فضحكت" وقد تقدم في تفسير سورة الزلزلة أن هذه السورة تعدل ربع القرآن.
النصر: العون، مأخوذ من قولهم: قد نصر الغيث الأرض: إذا أعان على نباتها ومنع من قحطها، ومنه قول الشاعر:
إذا انصرف الشهر الحرام فودعي بلاد تميم وانصري أرض عامر
يقال نصره على عدوه ينصره نصراً: إذا أعانه، والاسم النصرة، واستنصره على عدوه: إذا سأله أن ينصره عليه. قال الواحدي: قال المفسرون 1- "إذا جاء" ك يا محمد "نصر الله" على من عاداك، وهم قريش "والفتح" فتح مكة، وقيل المراد نصره صلى الله عليه وسلم على قريش من غير تعيين، وقيل نصره على من قاتله من الكفار، وقيل هو فتح سائر البلاد، وقيل هو ما فتحه الله عليهم من العلوم، وعبر عن حصول النصر والفتح بالمجيء للإيذان بأنهما متوجهان إليه صلى الله عليه وسلم. وقيل إذا بمعنى قد، وقيل بمعنى إذ. قال الرازي: الفرق بين النصر والفتح: أن الفتح هو تحصيل المطلوب الذي كان منغلقاً، والنصر كالسبب للفتح، فلهذا بدأ بذكر النصر وعطف عليه الفتح، أو يقال النصر كمال الدين، والفتح إقبال الدنيا الذي هو تمام النعمة، أو يقال النصر الظفر، والفتح الجنة، هذا معنى كلامه. ويقال الأمر أوضح من هذا وأظهر، فإن النصر هو التأييد الذي يكون به قهر الأعداء وغلبهم والاستعلاء عليهم، والفتح هو فتح مساكن الأعداء ودخول منازلهم.
1- "إذا جاء نصر الله والفتح"، أراد فتح مكة.
وكانت قصته -على ما ذكر محمد بن إسحاق وأصحاب الأخبار- أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما صالح قريشاً عام الحديبية، واصطلحوا على وضع الحرب بين الناس عشر سنين، يأمن فيهن الناس، ويكف بعضهم عن بعض، وأنه من أحب أن يدخل في عقد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهده دخل فيه، ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه، فدخلت بنو بكر في عقد قريش، ودخلت خزاعة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان بينهما شر قديم.
ثم إن بني بكر عدت على خزاعة، وهم على ماء لهم بأسفل مكة، يقال له الوتير، فخرج نوفل بن معاوية الدؤلي في بني الدئل من بني بكر حتى بيت خزاعة، وليس كل بكر تابعه، فأصابوا منهم رجلاً وتحاربوا واقتتلوا، ورفدت قريش بني بكر بالسلاح، وقاتل معهم من قريش من قاتل مستخفياً بالليل، حتى حازوا خزاعة إلى الحرم، وكان ممن أعان بني بكر من قريش على خزاعة ليلتئذ بأنفسهم متنكرين: صفوان بن أمية، وعكرمة بن أبي جهل، وسهيل بن عمرو، مع عبيدهم فلما انتهوا إلى الحرم قالت بنو بكر: يا نوفل إنا دخلنا الحرم، إلهك إلهك، فقال كلمة عظيمة: إنه لا إله لي اليوم، يا بني بكر أصيبوا ثأركم فيه.
فلما تظاهرت قريش على خزاعة وأصابوا منهم ونقضوا ما بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم من العهد بما استحلوا من خزاعة -وكانوا في عقده- خرج عمرو بن سالم الخزاعي حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وكان ذلك مما هاج فتح مكة، فوقف عليه وهو في المسجد جالس بين ظهراني الناس، فقال:
لاهم إني ناشد محمدا حلف أبينا وأبيه الأتلدا
إن قريشاً أخلفوك الموعدا ونقضوا ميثاقك المؤكدا
الأبيات كما ذكرنا في سورة التوبة.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد نصرت يا عمرو بن سالم، ثم عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنان من السماء فقال: إن هذه السحابة لتستهل بنصر بن كعب، وهم رهط عمرو بن سالم.
ثم خرج بديل بن ورقاء في نفر من خزاعة، حتى قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما أصيب منهم وبمظاهرة قريش بني بكر عليهم، ثم انصرفوا راجعين إلى مكة، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للناس: كأنكم بأبي سفيان قد جاء ليشتد العقد ويزيد في المدة.
ومضى بديل بن ورقاء فلقي أبا سفيان بعسفان، قد بعثته قريش إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليشد العقد ويزيد في المدة، وقد رهبوا الذي صنعوا، فلما لقي أبو سفيان بديلاً قال: من أين أقبلت يا بديل؟ وظن أنه قد أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: سرت في خزاعة في هذا الساحل وفي بطن هذا الوادي، قال: أوما أتيت محمداً؟ قال: لا، فلما راح بديل إلى مكة قال أبو سفيان: لئن كان جاء المدينة لقد علف ناقته بها النوى، فعمد إلى مبرك ناقته فأخذ من بعرها ففته فرأى فيه النوى، فقال: أحلف بالله لقد جاء بديل محمداً.
ثم خرج أبو سفيان حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فدخل على ابنته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يابنية أرغبت بي عن هذا الفراش أم أرغبت به عني؟ قالت: بلى هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنت رجل مشرك نجس، فلم أحب أن تجلس على فراش / رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: والله لقد أصابك يا بنية بعدي شيء.
ثم خرج حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمه فلم يرد عليه شيئاً غير أنه قال: نقض أهل مكة العهد.
ثم ذهب إلى أبي بكر فكلمه أن يكلم له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ما أنا بفاعل، ثم أتى عمر ابن الخطاب فكلمه فقال: أنا أشفع لكم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فوالله لو لم أجد إلا الذر لجاهدتكم به، ثم خرج فدخل على علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وعنده فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندها الحسن بن علي رضي الله عنهما، غلام يدب بين يديها، فقال: يا علي إنك أمس القوم بي رحماً وأقربهم مني قرابةً، وقد جئت في حاجة فلا أرجعن كما جئت خائباً، اشفع لنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: ويحك يا أبا سفيان لقد عزم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه، فالتفت إلى فاطمة فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تأمري بنيك هذا فيجير بين الناس فيكون سيد العرب إلى آخر الدهر؟ قال: والله ما بلغ بني أن يجير بين الناس، وما يجير على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد، فقال: يا أبا الحسن -إني أرى الأمور قد اشتدت علي فانصحني، قال: والله ما أعلم شيئاً يغني عنك، ولكنك سيد بني كنانة، فقم فأجر بين الناس، ثم الحق بأرضك، قال أوترى ذلك مغنياً عني شيئاً؟ قال: لا والله، ما أظن، ولكن لا أجد لك غير ذلك.
فقام أبو سفيان في المساجد فقال: يا أيها الناس إني قد أجرت بين الناس، ثم ركب بعيره فانطلق فلما قدم على قريش قالوا: ما وراءك؟ قال: جئت محمداً فكلمته والله ما رد علي شيئاً ثم جئت ابن أبي قحافة، فلم أجد عنده خيراً، فجئت ابن الخطاب فوجدته أعدى القوم، ثم أتيت علي ابن أبي طالب فوجدته ألين القوم، وقد أشار علي بشيء صنعته، فوالله ما أدري هل يغنيني شيئاً أم لا؟ قالوا: وماذا أمرك؟ قال: أمرني أن أجير بين الناس ففعلت، قالوا: فهل أجاز ذلك محمد صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، قالوا: والله إن زاد علي على أن لعب بك، فلا يغني عنا ما قلت، قال: لا والله ما وجدت غير ذلك.
قال: وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بالجهاز، وأمر أهله أن يجهزوه، فدخل أبو بكر على ابنته عائشة رضي الله عنها وهي تصلح بعض جهاز رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أي بنية أمركم رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم الناس أنه سائر إلى مكة، وأمرهم بالجد والتهيؤ، وقال: اللهم خذ العيون والأخبار عن قريش حتى نبغتها في بلادها، فتجهز الناس.
وكتب حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى قريش -وفيه قصة ذكرناها في سورة الممتحنة-.
ثم استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة أبا رهم كثلوم بن حصين بن خلف الغفاري، وخرج عامداً إلى مكة لعشر مضين من رمضان سنة ثمان، فصام رسول الله صلى الله عليه وسلم وصام الناس معه، حتى إذا كان بالكديد -ماء بين عسفان وأمج- أفطر.
ثم مضى حتى نزل بمر الظهران في عشرة آلاف من المسلمين، ولم يتخلف من المهاجرين والأنصار عنه أحد، فلما نزل بمر الظهران، وقد عميت الأخبار عن قريش، فلا يأتيهم خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يدرون ما هو فاعل، فخرج في تلك الليلة: أبو سفيان بن حرب، وحكيم ابن حزام، وبديل بن ورقاء، يتحسسون الأخبار هل يجدون خبراً؟ قود قال العباس بن عبد المطلب ليلتئذ: وأصباح قريش، والله لئن بغتها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بلادها فدخل مكة عنوة إنها لهلاك قريش إلى آخر الدهر.
فخرج العباس على بغلة رسول الله وقال: أخرج إلى الأراك لعلي أرى حطاباً أو صاحب لبن أو داخلاً يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم فيأتونه فيستأمنونه قبل أن يدخلها عليهم عنوة.
قال العباس فخرجت وإني -والله- لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم بن حزام وبديل بن ورقاء، وقد خرجوا يتحسسون الخبر، فسمعت أبا سفيان يقول: والله ما رأيت كالليلة قط نيراناً، وقال بديل: هذه والله نيران خزاعة حمشتها الحرب، فقال أبو سفيان: خزاعة ألأم من ذلك وأذل، فعرفت صوته فقلت: يا أبا حنظلة، فعرف صوتي فقال: يا أبا الفضل، فقلت: نعم، فقال: مالك فداك أبي وأمي؟ قلت: ويحك يا أبا سفيان هذا، والله، رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء بما لا قبل لكم به، بعشرة آلاف من المسلمين، قال: وما الحيلة؟ قلت: والله لئن ظفر بك ليضربن عنقك، فاركب في عجز هذه البغلة حتى آتى بك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمنه، فردفني، ورجع صاحبه فخرجت أركض به بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلما مررت بنار من نيران المسلمين فنظروا إلي قالوا: / هذا عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى مررت بنار عمر بن الخطاب، فقال: من هذا؟ وقام إلي فلما رأى أبا سفيان على عجز الدابة، قال: أبو سفيان عدو الله! الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد ولا عقد، ثم اشتد نحو رسول الله صلى الله عليه وسلم فركضت البغلة وسبقته بما تسبق الدابة البطيئة الرجل البطيء، فاقتحمت عن البغلة فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل عليه عمر، فقال: يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عهد ولا عقد، فدعني فلأضرب عنقه، فقلت: يا رسول الله إني قد أجرته، ثم جلست إلى رسول الله فأخذت برأسه وقلت: والله لا يناجيه الليلة أحد دوني، فلما أكثر فيه عمر رضي الله عنه قلت: مهلاً يا عمر، فوالله ما تصنع يا عباس، فوالله لإسلامك يوم أسلمت كان أحب إلي من إسلام الخطاب لو أسلم، وذلك لأني أعلم أن غسلامك كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من إسلام الخطاب لو أسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اذهب به يا عباس إلى رحلك، فإذا أصبحت فأتني به، قال: فذهبت إلى رحلي فبات عندي، فلما أصبح غدوت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما رآه قال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أن لا إله إلا الله؟ قال: بأبي أنت وأمي، ما أحلمك وأكرمك وأوصلك! والله لقد ظننت أن لو كان مع الله إله غيره فقد أغنى عني شيئاً بعد، قال: ويحك يا أبا سفيان ألم يأن لك أن تعلم أني رسول الله؟ قال: بأبي أنت وأمي وما أحلمك وأكرمك وأوصلك! أما هذه فإن في النفس منها حتى الآن شيئاً، قال العباس: قلت له: ويحك! أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، قبل أن يضرب عنقك، قال: فشهد شهادة الحق وأسلم، وقال العباس: قلت: يا رسول الله إن أبا سفيان رجل يحب هذا الفخر، فاجعل له شيئاً، قال: نعم، من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، ومن دخل المسجد فهو آمن، فلما ذهب لينصرف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عباس، احبسه بمضيق الوادي عند خطم الجبل حتى تمر به جنود الله فيراها، قال: فخرجت به حتى حبسته حيث أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: ومرت به القبائل على راياتها، كلما مرت قبيلة قال: من هؤلاء يا عباس؟ قال: أقول: سليم، قال يقول: مالي ولسليم، ثم تمر القبيلة فيقول: من هؤلاء؟ فأقول: مزينة، فيقول: مالي ولمزينة، حتى نفذت القبائل لا تمر قبيلة إلا سألني عنها، فإذا أخبرته يقول: مالي ولبني فلان حتى مر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخضراء، كتيبة رسول الله، فيها المهاجرون والأنصار، لا يرى منهم إلا الحدق من الحديد، قال: سبحان الله من هؤلاء يا عباس؟ قلت: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم في المهاجرين والأنصار، فقال: والله ما لأحد بهؤلاء من قبل ولا طاقة، والله يا أبا الفضل لقد أصبح ملك ابن أخيك عظيماً، فقال: ويحك! إنها النبوة، قال: نعم إذاً.
فقلت: الحق الآن بقومك فحذرهم، فخرج سريعاً حتى أتى مكة فصرخ في المسجد بأعلى صوته: يا معشر قريش، هذا محمد قد جاءكم فيما لا قبل لكم به، قالوا: فمه؟ قال: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، قالوا: ويحك وما تغني عنا دارك؟ قال: ومن دخل المسجد فهو آمن، ومن أغلق عليه بابه فهو آمن، فتفرق إلى دورهم وإلى المسجد.
قال: وجاء حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمر الظهران فأسلما وبايعاه، فلما بايعاه بعثهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يديه إلى قريش يدعوانهم إلى الإسلام.
ولما خرج حكيم بن حزام وبديل بن ورقاء من عند النبي صلى الله عليه وسلم عامدين إلى مكة بعث في إثرهما الزبير وأعطاه رايته وأمره على خير المهاجرين والأنصار، وأمره أن يركز رايته بأعلى مكة بالحجون، وقال: لا تبرح حيث أمرتك أن تركز رايتي حتى آتيك، ومن ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وضربت هناك قبته، وأمر خالد بن الوليد فيمن أسلم من قضاعة وبني سليم أن يدخل من أسفل مكة وبها بنو بكر قد استنفرتهم قريش وبنو الحارث بن عبد مناف ومن كان من الأحابيش، أمرتهم قريش أن يكونوا بأسفل مكة، وإن صفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهر وسهيل بن عمرو، وكانوا قد جمعوا أناساً بالخندمة ليقاتلوا، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لخالد والزبير حين بعثهما: لا تقاتلا إلا من قاتلكم، وأمر سعد بن عبادة أن يدخل في بعض الناس من كدي، فقال سعد حين توجه داخلاً: اليوم يوم الملحمة، اليوم تستحل الحرمة، فسمعها رجل من المهاجرين فقال: يا رسول الله، اسمع ما قال سعد بن عبادة، وما نأمن أن يكون له في قريش صولة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب: أدركه فخذ الراية منه، فكن أنت الذي تدخل بها، فلم يكن بأعلى مكة من قبل / الزبير قتال، وأما خالد بن الوليد فقدم على قريش وبني بكر والأحابيش بأسفل مكة، فقاتلهم فهزمهم الله، ولم يكن بمكة قتال غير ذلك.
وقتل من المشركين قريب من اثني عشر أو ثلاثة عشر، ولم يقتل من المسلمين إلا رجل من جهينة يقال له: سلمة بن الميلاء، من خيل خالد بن الوليد، ورجلان يقال لهما: كرز بن جابر وخنيس بن خالد، كانا في خيل خالد بن الوليد، فشذا عنه وسلكا طريقاً غير طريقه، فقتلا جميعاً.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد عهد إلى أمرائه من المسلمين حين أمرهم أن يدخلوا مكة أن لا يقاتلوا أحداً إلا من قاتلهم، إلا أنه قد عهد في نفر سماهم أمر بقتلهم، وإن وجدوا تحت أستار الكعبة. منهم: عبد الله بن سعد بن أبي سرح، وإنما أمر بقتله لأنه كان قد أسم فارتد مشركاً، ففر إلى عثمان، وكان أخاه من الرضاعة، فغيبه حتى أتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن اطمأن أهل مكة، فاستأمن به.
وعبد الله بن خطل، كان رجلاً من بني تميم بن غالب، وإنما أمر بقتله لأنه كان مسلماً فبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقاً، وكان له مولى يخدمه وكان مسلماً، فنزل منزلاً وأمر المولى أن يذبح له تيساً ويصنع له طعاماً ونام فاستيقظ ولم يصنع له شيئاً فعدا عليه فقتله، ثم ارتد مشركاً، وكانت له قينتان تغنيان بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر بقتلهما معه.
والحويرث بن نقيذ بن وهب، كان ممن يؤذيه بمكة.
ومقيس بن صبابة، وإنما أمر بقتله، لقلته الأنصاري الذي قتل أخاه خطأً ورجوعه إلى قريش مرتداً.
وسارة، مولاة كانت لبعض بني المطلب كانت ممن يؤذيه بمكة.
وعكرمة بن أبي جهل، فأما عكرمة فهرب إلى اليمن، وأسلمت امرأته أم حكيم بنت الحارث ابن هشام، فاستأمنت له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمنه، فخرجت في طلبه حتى أتت به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسلم.
وأما عبد الله بن خطل، فقتله سعد بن حريث المخزومي وأبو برزة الأسلمي، اشتركا في دمه، وأما مقيس بن صبابة، فقتله تميلة بن عبد الله، رجل من قومه، وأما قينتا ابن خطل، فقتلت إحداهما وهربت الأخرى حتى استؤمن لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمنها، وأما سارة، فتغيبت حتى استؤمن لها فأمنها، فعاشت حتى أوطأها رجل من الناس فرساً له في زمن عمر بن الخطاب بالأبطح فقتلها، وأما الحويرث بن نقيذ، فقتله علي بن أبي طالب.
فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة وقف قائماً على باب الكعبة وقال: لا إله إلا الله وحده، صدق وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده، ألا إن كل مأثرة أو دم أو مال في الجاهلية يدعى فهو تحت قدمي هاتين، إلا سدانة البيت وسقاية الحاج، يا معشر قريش، إن الله قد أذهب عنكم نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء، الناس من آدم وآدم خلق من تراب، ثم تلا: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" (الحجرات- 13) الآية، يا أهل مكة، ماذا ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عنوة، فلذلك سمي أهل مكة الطلقاء.
ثم اجتمع الناس للبيعة، فجلس لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا، وعمر بن الخطاب أسفل منه يأخذ على الناس، فبايعوه على السمع والطاعة فيما استطاعوا، فلما فرغ من بيعة الرجال بايع النساء.
قال عروة بن الزبير: خرج صفوان بن أمية يريد جدة ليركب منها إلى اليمن، فقال عمير ابن وهب الجمحي: يا نبي الله إن صفوان بن أمية سيد قومي، وقد خرج هارباً منك ليقذف نفسه في البحر، فأمنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هو آمن، قال: يا رسول الله أعطني شيئاً يعرف به أمانك، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عمامته التي دخل بها مكة، فخرج بها عمير حتى أدركه بجدة، وهو يريد أن يركب البحر، فقال: يا صفوان فداك أبي وأمي أذكرك الله في نفسك أن تهلكها، فهذا أمان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جئتك به، فقال: ويلك اغرب عني فلا تكلمني، قال: أي صفوان فداك أبي وأمي، أفضل الناس وأبر الناس، وأحلم الناس، وخير الناس، ابن عمك عزه عزك وشرفه شرفك وملكه ملكك. قال: إني أخافه على نفسي، قال: هو أحلم من ذلك وأكرم، فرجع به معه حتى وقف به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صفوان: إن هذا يزعم أنك أمنتني؟ قال: صدق، قال فاجعلني في أمري بالخيار شهرين، قال: أنت فيه بالخيار أربعة أشهر.
قال ابن إسحاق: وكان جميع من شهد فتح مكة من المسلمين عشرة آلاف، وكان فتح مكة لعشر ليال بقين من رمضان سنة ثمان، وأقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصلاة.
ثم خرج إلى هوازن وثقيف، وقد نزلوا حنينا:
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، حدثنا محمد بن إسماعيل، حدثنا أبو نعيم، حدثنا شيبان عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن أبي هريرة، أن خزاعة قتلوا رجلاً... وقال محمد بن إسماعيل، قال عبد الله بن رجاء: حدثنا حرب عن يحيى، حدثنا أبو سلمة حدثنا أبو هريرة: "أنه عام فتح مكة قتلت خزاعة رجلاً من بني ليث بقتيل لهم في الجاهلية، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليهم رسوله والمؤمنين. ألا وإنها لم تحل لأحد قبلي، ولا تحل لأحد من بعدي، ألا وإنها لي ساعةً من نهار، ألا وإنها ساعتي هذه، حرام / لا يختلى شوكها ولا يعضد شجرها، ولا يلتقط ساقطتها إلا منشد، ومن قتل له قتيل فهو بخير النظر إما يؤدى وإما أن يقاد، فقام رجل من أهل اليمن يقال له أبو شاه فقال: اكتب لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتبوا لأبي شاه. ثم قام رجل من قريش فقال: يا رسول الله إلا الإذخر فإنا نجعله في بيوتنا وقبورنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إلا الإذخر".
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب عن مالك، عن أبي النضر -مولى عمر بن عبيد الله- أن أبا مرة مولى أم هانئ بنت أبي طالب أخبره أنه سمع أم هانئ بنت أبي طالب تقول: "ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح، فوجدته يغتسل، وفاطمة ابنته تستره بثوب، قالت: فسلمت، فقال: من هذه؟ فقلت: أنا أم هانئ بنت أبي طالب، قال: مرحباً بأم هانئ، فلما فرغ من غسله قام فصلى ثماني ركعات ملتحفاً في ثوب واحد، ثم انصرف فقلت له: يا رسول الله، زعم ابن أمي، علي بن أبي طالب، أنه قاتل رجلاً أجرته، فلان بن هبيرة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ، وذلك ضحىً".
قوله عز وجل: "إذا جاء نصر الله" إذا جاءك نصر الله يا محمد على من عاداك وهم قريش، "والفتح" فتح مكة.
1-" إذا جاء نصر الله " إظهاره إياك على أعدائك " والفتح " وفتح مكة ، وقيل المراد جنس نصر الله المؤمنين وفتح مكة وسائر البلاد عليهم ، وإنما عبر عن الحصول بالمجيء تجوزاً للإشعار بأن المقدرات متوجهة من الأزل إلى أوقاتها المعينة لها فتقرب منها شيئاً فشيئاً ،وقد قرب النصر من وقته فكن مترقباً لوروده مستعداً لشكره .
Surah 110. An-Nasr
1. When Allah's succor and the triumph cometh
SURA 110: NASR
1 - When comes the Help of God, and Victory,